الباب الثالث والثلاثون
لم يكفِ وانج لنج عن التفكير فيما قاله ابنه الأصغر عن نورة الكمثرى، حتى ملأ التفكير ذهنه. لم يقل لأحد شيئًا، بل جلس وحده في بهوه.
وهكذا مرَّ اليوم طويلًا موحشًا بالنسبة لوانج لنج.
عندما أقبل الليل، كان لا يزال وحده هناك، ولم يوجد أحد قط في البيت كله يمكنه أن يذهب إليه ويتخذه صديقًا. وبينما هو جالس في الظلام تحت شجرة خيار القاسيا العطرة الأريج، مرَّ شخص بجانب الموضع الذي كان جالسًا فيه ونظر إليه نظرة خاطفة. كان ذلك الشخص هو نورة الكمثرى.
فناداها وانج لنج قائلًا: «أي نورة الكمثرى! تعالَي عندي هنا.»
ما إن سمعته الفتاة حتى ذهبت إليه، وجلست على الأرض وأمسكت بقدميه، فقال: «إنني رجل عجوز .. عجوز جدًّا …»
قالت: «أحبك .. إنك عظيم الحنان.»
امتلأ قلب وانج لنج بالحب العميق نحو تلك الفتاة.
•••
لم يعرف أحد بسرعة ماذا فعل وانج لنج بعد أن تزوج نورة الكمثرى؛ لأنه لم يتحدث عنه مع أي فرد على الإطلاق. ولماذا يتكلم عنه، وهو سيد البيت؟
كانت كوكو هي أول مَن عرف ذلك الأمر، فقالت: «لا بد أن أخبر السيدة.» ولما كان وانج لنج يخشى غضب لوتس، فقد وعد بأن يعطي كوكو حفنة من الفضة، ويعطي لوتس أي شيء تريده.
بقي بعد ذلك الأبناء الثلاثة .. جاءوا إليه واحدًا بعد آخر. فقَدِمَ إليه الابن الثاني أولًا. فلما جاء، بدأ يتكلم عن الأرض وعن المحصول. وكان يتطلع حواليه من كل جهة من الحجرات وهو يتكلم، ليتحقق من صحة ما سمعه. فصاح وانج لنج، يقول: «أحضري لي شايًا، يا طفلتي، وشايًا لابني!»
خرجت نورة الكمثرى، ونظر إليها الابن الثاني، ولكنه لم يقل شيئًا وهما يتحدثان في هذا الموضوع وذاك. لقد علم الابن الثاني كل ما كان يريد أن يعرفه، فانصرف.
بعد ذلك جاء الابن الأكبر، قبل أن ينتصف نهار ذلك اليوم. وكان وانج لنج يخاف كبرياءه، فلم ينادِ نورة الكمثرى في بادئ الأمر. ثم رأى ابنه الأكبر على حقيقته؛ رجلًا كبير الجسم، ولكنه مع ذلك يخاف زوجته، ابنة المدينة، ويخاف عدم نبل محتده أكثر منها ومن أي شيء آخر. وبعد ذلك لم يعد وانج لنج يكترث لابنه الأكبر، فنادى نورة الكمثرى ثانية، وقال: «تعالي، يا طفلتي، وصبي الشاي ثانية لابني الآخر!»
عندئذٍ جلس الرجلان صامتين وهي تصب الشاي، وأخيرًا قال الابن: «لم أصدق أن المسألة هكذا.»
فقال وانج لنج: «ولمَ لا؟ هذا منزلي، وهذه جاريتي.»
لم ينطق الابن الأكبر بعد ذلك بحرف واحد، وخرج. ولما صار الوقت ليلًا، جلس وانج لنج في الحجرة الوسطى المطلة على البهو، في ضوء الشموع الحمراء الموقدة فوق المنضدة. جلس يدخن بينما جلست نورة الكمثرى إلى جانب المنضدة الآخر، وقد أطبقت يديها ساكنتَين في حجرها. وكانت تنظر إلى وانج لنج بين الفينة والفينة، وهو يحدجها بنظراته فخورًا بما عمل.
وبغتة رأى ابنه الأصغر واقفًا أمامه، ولم يلاحظه أحد وهو يدخل … تألقت عينَا الصبي، وثبتهما على والده. وأخيرًا قال بصوت منخفض: «سأذهب الآن لأكون جنديًّا .. سأذهب وأصير جنديًّا.»
دبَّ الرعب فجأة في قلب وانج لنج من ابنه هذا، الذي قلَّما كان يلاحظه منذ أن وُلِد وأثناء نموه.
فأعاد الابن قوله ثانية وثالثة: «أنا ذاهب الآن .. أنا ذاهب الآن ..»
استدار الابن فجأة ونظر إلى الفتاة مرة، ونظرت هي إليه، ثم غطَّت وجهها بيديها لكيلا تراه. بعد ذلك أدار الشاب نظره عنها، وخرج من الحجرة. فشمل السكون جميع الأرجاء.
التفت وانج لنج إلى الفتاة أخيرًا، وقال في رقة وحسرة: «إنني عجوز جدًّا بالنسبة لك يا قلبي، وأعلم هذا تمامًا. إنني رجل عجوز، رجل عجوز.»
بَيْد أن الفتاة خفضت يديها وأنزلتهما عن وجهها، وصاحت تقول: «إنني أحبك أكثر من أي رجل آخر!»
عندما أصبح الصباح، كان ابن وانج لنج الأصغر قد خرج إلى حيث لا يعلم أحد.