الباب الرابع
نهضت المرأة في اليوم التالي لمولد الطفل، كعادتها. فأعدت الطعام للأسرة، ولكنها لم تذهب إلى حقول الحصاد مع وانج لنج. وعلى ذلك بقي يشتغل وحده إلى ما بعد وقت الظهيرة. ثم ارتدى ثوبه الأزرق واتجه شطر المدينة، فذهب إلى السوق واشترى خمسين بيضة، واشترى ورقًا أحمر ليغليه في الماء معها كي يصبغ البيض أحمرَ. ثم ذهب إلى حانوت الحلويات واشترى رطلًا ونيفًا من السكر الأحمر، ورأى بائع السكر وهو يضع شريطًا من الورق الأحمر تحت الخيط الذي يلف به السكر، ويبتسم وهو يفعل هذا، قائلًا: «ربما كان هذا السكر لأم طفل حديث الولادة؟»
فقال وانج لنج فخورًا: «ابن بكريٌّ.»
فأجاب الرجل: «أتمنى لكم حظًّا سعيدًا.» وخُيِّل إلى وانج لنج أنه أسعد الناس حظًّا.
بعد ذلك عرج وانج لنج على حانوت صانع الشمع، الذي كان يبيع البخور أيضًا، واشترى منه أربعةَ عيدان من البخور؛ عودًا لكل فرد من أفراد المنزل، وانطلق بها إلى المعبد لإلهَي الأرض.
قبل أن يعلم أحد بما حدث، كانت المرأة تعمل ثانية في الحقول بجانب زوجها. وانتهى الحصاد، ووُضِعَ الحَب في المخزن. ثم جاء وقت زراعة الحقول من جديد بقمح الشتاء.
كانت تعمل طول النهار بينما يرقد الطفل نائمًا على الأرض فوق لحاف قديم ممزَّق.
جاء الشتاء فكانوا على استعداد له. وامتلأت جميع الحجرات بجرار كبيرة من حصير الغاب مملوءة بالقمح والأرز. ولسوف يباع كثير من هذه الحبوب عندما ينزل الثلج على الأرض، أو في عيد رأس السنة، إذ عندئذٍ يدفع أهل المدينة ثمنًا عاليًا للأطعمة.
كان عمه يبيع حبوبه دائمًا قبل أن تنضج. كان أحيانًا يبيع الحبوب وهي ما تزال قائمة في حقولها، وليوفر على نفسه مشقة حصادها. أما زوجة عمه فكانت امرأة غبية، بدينة وكسلانة، تطلب باستمرار فاخر الطعام، وتشتري الأحذية الجديدة من المدينة. أما زوج وانج لنج فكانت تصنع بنفسها جميع الأحذية اللازمة لزوجها وَلِحَمِيها وللطفل ولها. وكان في بيت وانج لنج فخذ خنزير اشتراها من جاره تشنج. كانت فخذًا كبيرة ملَّحتها أو-لان تمامًا وعلَّقتها لتجف.
كانوا يمكثون في البيت وسط كل هذا الرخاء، عندما تهب رياح الشتاء من الصحراء متجهة نحو الناحية الشمالية الشرقية لبيتهم — وكانت رياحًا شديدة قارسة البرودة. وسرعان ما كان في مقدور الطفل أن يجلس وحده. وكان كل فرد يحسد وانج لنج على ذلك الابن ذي الوجه الهلالي الكبير البارز عظام الوجنتين، كوجه أمه.
تَحُول هذه الريح الجافة دون نمو القمح الموجود بالأرض، وكان وانج لنج ينتظر الأمطار في شوق بالغ. وفجأة هطلت الأمطار ذات يوم هادئ غائم، وقد مكثوا جميعًا في البيت، يراقبون الأمطار تسقط مستقيمة وتنزل في الحقول. أما الطفل فدهش ومد يده ليمسك خيوط المطر الفضية وهي تسقط. وكان يضحك وأهله يضحكون معه.
أما في الحقول فنبتت بذور القمح، وظهر مجموعها الخضري ناضرًا فوق التربة البليلة ذات اللون البني.
في مثل ذلك الوقت يكثر التزاور، إذ يشعر كل فلاح بأن السماء تقوم مرةً بالعمل في الحقول. فكانوا يجتمعون في الصباح في هذا البيت وذاك، يشربون الشاي.
غير أن وانج لنج وزوجته لم يكونا كثيرَا التزاور. لم يكن هناك بيت في تلك القرية ذات المنازل القليلة المتناثرة، ممتلئ بالدفء والخير كمنزلهما. وكان وانج لنج يحس بأنه إذا اتسعت صداقته مع غيره، اقترضوا منه. اقترب عيد رأس السنة الجديدة، ومَن ذا الذي كانت لديه جميع النقود التي يحتاجها للملابس الجديدة وطعام ولائم العيد؟! .. وعلى هذا كان وانج لنج يبقى في منزله. فبينما تُصلح زوجته الثياب وتخيطها، كان هو يُصلح شوكاته الخيزرانية التي يجمع بها الحشائش والأعشاب. فيأخذ خيطًا جديدًا يجدله من القنب الذي زرعه بنفسه، ويلفه على الشوكة موضع خيط قديم يكون باليًا. أو يستبدل قطعة مكسورة من الخيزران بأخرى جديدة.
ما كان يصنعه وانج لنج لأدوات الزراعة، كانت تصنعه زوجته أو-لان لأدوات البيت.
حصل وانج لنج في هذه السنة الطيبة على حفنة من الريالات الفضية زيادة على ما كانوا يحتاجون إليه. وكان يخاف أن يحتفظ بها في حزامه أو يخبر بها أي فرد سوى زوجته. فأخذَا يُعمِلان فكرَهما في موضع يخبِّئان فيه تلك النقود الفضية. وأخيرًا حفرت المرأة حفرة في الجدار الداخلي لحجرتهما خلف السرير، فأخفى فيه وانج لنج نقوده، وسدَّت المرأة الحفرة بعناية بقطعة من الطين، فكأنما لا يوجد بالحائط شيء. بَيْد أن ذلك الشيء جعل كلًّا منهما يحس في سِرِّه بالغنى.