الباب السابع
بدأ عم وانج لنج يكون مصدر متاعب، في ذلك الوقت. وكان وانج لنج يخشى تلك المتاعب منذ البدء. فعندما كان وانج لنج ووالده فقيرَين، كان هذا العم يجد ما يكفي قوته وقوت زوجته وأولاده السبعة. ولكنهم ما إن يُطعَموا حتى لا يشتغل أحد منهم قط. وكان من العار — وقد كبرت البنات — أن يَجُبنَ طرقات القرية. والأدهى من هذا، أنهن كن يتحدثن إلى الرجال.
عندما التقى وانج لنج بابنة عمه، ذات يوم، استشاط غضبًا لدرجة أنه تجرأ على الذهاب إلى امرأة عمه، وقال لها: «مَن ذا الذي سيتزوج فتاة كابنة عمي؟»
لم يكن في جسد زوجة عمه عضو نشيط غير لسانها. فأطلقته عندئذٍ على وانج لنج، فقالت: «حسنًا! ومَن سيدفع نفقات الزواج؟ كل شيء سهل على مَن يتكلم ويملك أرضًا أكثر مما يعرف ماذا يفعل بها، ولكن عمك رجل سيئ الحظ.»
انخرطت زوجة عمه في البكاء بصوت عالٍ وبدموع غزيرة. فهرعت جاراتها من منازلهن لينظرن ويسمعن. فوقف وانج لنج في مكانه، وصمم على أن يكمل ما جاء ليقوله.
فقال: «ومع ذلك، فرغم أنه ليس من حقي أن أنصح شقيق والدي، فإني أقول هذا: من الخير أن تتزوج الفتاة وهي صغيرة السن، ولا يُسْمَح بالتجول في الطرقات.»
ما إن تكلم هكذا بصراحة، حتى عاد إلى بيته وترك زوجة عمه تنتحب.
جاء عمه في اليوم التالي إلى الحقل الذي كان يعمل فيه. ولم تكن أو-لان هناك، إذ كانت ستلد طفلًا ثالثًا. لم تكن صحتها جيدة في هذه المرة، وعلى ذلك كان وانج لنج يشتغل وحده.
أقبل عم وانج لنج إلى حيث كان هو، ووقف صامتًا بينما كان وانج لنج يعزق خطًّا ضيقًا من الأرض بجانب الفول العريض الذي كان يزرعه. وأخيرًا تكلم وانج لنج دون أن ينظر إلى أعلى، فقال: «معذرة يا عماه، إذ لم أتوقف عن العمل. لا شك أنك انتهيت من زراعة فولك، أما أنا فبطيء جدًّا — فلاح معدم — لا أنتهي من عملي في الوقت المناسب، كي أستريح.»
فهم العم جيدًا ما يعنيه وانج لنج، فأجاب: «إنني رجل عاثر الحظ. فمن كل عشرين بذرة فول لم تَنمُ هذا العام إلا فولة واحدة. سنضطر إلى شراء الفول إن كنا نأكله.» ثم تنهد تنهيدًا عميقًا.
جعل وانج لنج قلبه صلبًا كالحجر، لأنه كان يعلم أن عمه قد جاء ليطلب منه شيئًا. وأخيرًا بدأ عمه يتكلم.
«أخبرتني الكائنة التي في منزلي، باهتمامك بأمر عبدتي الكبرى الحقيرة. إنك لأذكى من سنك. يجب أن تتزوج تلك العبدة. ولو كنت أنا غنيًّا مثلك الآن، لاقتسمت ثروتي معك من تلقاء نفسي راضيًا، ولزوجت بناتك لرجال أخيار.»
أسقط وانج لنج فأسه وصاح فجأة، وهو يحملق في عمه: «إن كنت أملك الآن حفنة من الفضة، فذلك لأني أشتغل أنا وزوجتي، ولا نجلس بدون عمل كغيرنا، أو نقضي الوقت في القيل والقال، تاركين حقولنا تتحول إلى أعشاب ضارة، أو نترك أطفالنا نصف جياع!»
غلى الدم في وجه عم وانج لنج الأصفر، واندفع نحو ابن أخيه ولطمه على خديه كليهما، صائحًا: «خذ هذا جزاء مخاطبتك مَن هو في سن والدك بهذه الطريقة!»
وقف وانج لنج مبهوتًا، وقد عرف خطأه، ولكنه حقد في أعماق قلبه على ذلك الرجل الذي كان عمه.
فصاح عمه في صوت ثائر: «سأخبر جميع القرية بما قلتَه. سأخبر به القرية، سأتحدث به في القرية …» وأخذ يكرر هذه العبارة مرات ومرات، حتى قال وانج لنج مكرهًا: «وماذا تريدني أن أفعل؟»
تغيَّرَ مسلك عمه في الحال، وابتسم، ووضع يده على ذراع وانج لنج، قائلًا في دعة: «بضع قطع فضية في هذه الكف الفقيرة؛ عشر قطع، أو حتى تسع مثلًا، فأستطيع البدء بعمل الترتيب اللازم مع إحدى الخاطبات بشأن عبدتي.»
التقط وانج لنج فأسه، ثم ألقاها ثانية، وقال في إيجاز: «تعالَ إلى المنزل. إنني لا أحمل معي نقودًا كما يفعل الأمير.» ثم سار أمامه ودخل المنزل، مبعدًا عن طريقه طفليه الصغيرين اللذين كانا يلعبان عاريَين في أشعة الشمس الدافئة. أما عمه فنادى الطفلين وأمسك طفلًا في كل ذراع.
لم ينتظر وانج لنج، بل دخل الحجرة التي تنام فيها زوجته والطفل الأخير. كانت مظلمة جدًّا، فلم يرَ شيئًا. ولكنه لم يعرف أن زوجته ترقد فيها، ونادى في حدة:
«ماذا حدث الآن؟ هل حان وقتكِ؟»
فأجابه صوتها من فوق السرير ضعيفًا أكثر مما سبق أن سمعها تتكلم: «لقد انتهى الأمر مرة أخرى. إنها عبدة فقط في هذه المرة.»
وقف وانج لنج ساكنًا، وقد استبد به إحساس بالشر .. ابنة! إنها ابنة التي سبَّبت كل هذه المتاعب في بيت عمه. والآن قد ولدت ابنة في بيته أيضًا.
اتجه وانج لنج إلى الحائط دون أن يرد عليها، وتحسس خشونته التي كانت علامة المخبأ، وأزال قطعة الطين، وعبث خلفها في كومة الفضة، فَعَدَّ تسع قطع.
عندئذٍ قالت زوجته فجأة، في الظلام: «لماذا أخذت الفضة؟»
فأجابها باختصار: «أنا مضطر إلى إقراضها عمي.»
لم تجب زوجته، أولًا، بشيء. ثم قالت: «يحسن ألا تقول «أقرض»؛ فلا إقراض في هذا المنزل، بل هناك إعطاء فقط.»
فأجاب وانج لنج، والألم يحزُّ في نفسه حزًّا: «أعرف هذا جيدًا.»
خرج وانج لنج، من الحجرة، ودفع النقود إلى عمه، وعاد مسرعًا إلى الحقل.
لم ينصرف غضبه قبل المساء. فاعتدل واقفًا، وتذكر بيته وطعامه. ثم فكَّر في ذلك الفم الجديد الذي قَدِمَ إلى بيته في ذلك اليوم. لم يفكر، من شدة غضبه من عمه، حتى في أن يقف وينظر إلى وجه تلك المخلوقة الصغيرة الجديدة.
وقف وانج لنج مستندًا إلى فأسه يطفح حزنًا وغمًّا. سيمر موسم حصاد آخر قبل أن يتمكن من شراء تلك الأرض، قطعة تجاور القطعة التي اشتراها من قبل. ثم هذا الفم الجديد بالمنزل. وفي تلك الآونة طار فوق رأسه سرب من الغربان ينعق بصوت عالٍ. نظر إلى الغربان فإذا بها تختفي كالسحابة في الأشجار المجاورة لبيته. فجرى إليها يصيح ويلوح بفأسه. فطارت ثانية، ثم حامت حول رأسه مرة ومرتين، وطارت أخيرًا إلى الجو الداجي.
تأوَّه وانج لنج بصوت عالٍ. إنه نذير شؤم.