تنوَّعت أنماط زخارف الأواني الحجرية ما بين الزَّخرفة النباتية
والحيوانية والهندسية وزخارف أُخرى قلَّد بها المصري القديم نماذج
من صور الحياة المُحيطة به، بل وأحيانًا اتَّخذ من العلامات
الهيروغليفية وسيلةً لتمثيل ونحْت الأواني الحجرية على غرارها.
وكان من بين ما عُثر عليه من هذه الأواني الزخرفية:
(١) الأواني الحجرية ذات الزخرفة النباتية
وذلك كما في الإناء «شكل ٣٦٨» الذي يُمثِّل طبقًا من الشست،
اتَّخذ هيئة ورقة الشجر، أوضح فيه الفنَّان تفاصيلَ وخطوطَ
ورقة الشجر الطبيعية. عُثر على هذا الطبق الزخرفي في سقارة،
وهو يؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى،
١ الإناء يُبين كيف كان المصري القديم مُغرمًا بنقل
وحداته الزخرفية مما يراه حولَه من الطبيعة كالبُوص والأعشاب والزهور.
٢ ويُبين أيضًا كيف برع المصري القديم في تحويل
أوانيه الحجرية إلى لوحاتٍ فنية رغم صعوبة وصلادة المادة
الحجرية المُستخدَمة.
ومن نفس نوع الحجر كان الطبق «شكل ٣٦٩»، وهو يُشبه تمامًا
الطبق السابق؛ إذ اتَّخذ هيئة ورقة الشجر. يؤرَّخ بعصر الأسرة
الأولى. يوجَد بالمتحف المصري
JE.71297.
٣
أما الطبق «شكل ٣٧٠»، فيُعدُّ رغم تحطُّمه من أجمل ما عُثر
عليه من نماذج وأمثلة الأواني الحجرية ذات الهيئة الزخرفية؛ إذ
يُشبه تمامًا ورقة الشجر من حيث إظهار التجازيع والخطوط
المائلة. الطبق من حجر الشست، عُثر عليه بسقارة يؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى.
٤
والأطباق بهيئاتها هذه إنما جاءت أقرَبَ إلى عملٍ فنيٍّ قائم
بذاته، نلمح فيه مدى رُقِيِّ الذوق والتمكُّن من الخروج به إلى
درجة لا تقلُّ عن الأعمال الفنية في عصرنا الحالي رغم اختلاف
أدوات الصناعة المُستخدَمة، فاستطاع المصري القديم أن يطوِّع
الحجر ويَثنِيَه ويطويه كيفما يريد، وكأنه مُمسكٌ بأوراقٍ
مَرِنة تخضع لإرادته.
ويُبين الإناء «شكل ٣٧١» كأسًا رائعة اتخذت هيئةً نباتيَّة
تُمثل زهرة اللوتس، وهي جيدة النَّحت والصَّقْل، أجاد الصانع
إظهار تفاصيل الزهرة، حيث الأوراق المُتفتِّحة التي تُشكل بدن
الإناء الذي يرتكز على قاعدةٍ قُرصية قصيرة، بينما تعلو قمَّة
الإناء فوَّهة دائرية ضيقة، عُثر على هذا الإناء بسقارة، وهو
يؤرَّخ بعصر الأُسرة الثانية.
٥
وقد كثُر استخدام زهرة اللوتس في زخرفة بعض الأواني الحجرية،
وذلك لارتباطها ببداية العالَم، أو بدء الخليقة، كرمزٍ لتفتُّح
الحياة، إذ كانت تلك الزهرة تخرُج من المياه الأزلية في بداية
خلق الكون، فارتبطتْ بإعادة الميلاد والاستمرارية؛
٦ ومن ثَم كثُر استخدامها في زخرفة الأواني
الحجرية.
وترى الدارسة احتمالية استخدام هذا الإناء كمصباح، لا سيما
لو طبَّقنا وجهة النظر السابقة؛ فمن خلاله سيأتي النور الذي هو
روح الحياة، والذي به تستمرُّ وتتفتَّح تمامًا كما هو الحال
عند خروج زهرة اللوتس من المياه الأزلية في بداية
الخليقة.
وكان من الهيئات النباتية الأُخرى التي استُخدِمت في زخرفة
بعض الأواني الحجرية، ما مُثِّل على هيئة الثمار والفاكهة،
وذلك كما في حالة الإناء «شكل ٣٧٢» الذي يُمثِّل إحدى ثمار
الكُمثرى، وهو من حجرٍ صلد داكن، ارتفاعه ٧٫٦سم واتِّساع قُطره
٩٫٨سم، عُثر عليه بأبيدوس يُؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات،
٧ الإناء به ثُقب من أعلى يُمثِّل الفوَّهة مما
يجعله أقربَ إلى الهراوة أو دبوس المقمَعَة الحجرية منه إلى
إناءٍ حجري بهيئةٍ مُعتادة، أجاد الفنان إظهار انحناءات
الثمرة، وانسيابية جسمها بحيث جاءت أقربَ إلى الواقع، وربما
استُخدِم هذا الإناء في حفظ الزيوت العطرية.
(٢) الأواني الحجرية على هيئة السِّلال
عُرفت العديد من الأواني الحجرية التي اتَّخذت زخارِفَ بهيئة
السِّلال الخوصية، وكان من بين هذه الأواني، الإناء «شكل ٣٧٣»
وهو من الحجر الجيري، جعلَه الصانع على شكلٍ يقترِب من شكل
السِّلال المُستعمَلَة في أيَّامنا هذه، وتُعرَف في الريف باسم
«المشنَّة»، وقد كان المصري بذلك مُقلدًا لأعمال «الجدْل» ولكن
في الحجر. عُثر على هذا الإناء في عزبة الوالدة بحلوان، يؤرَّخ
بعصر بداية الأُسرات، ويُعدُّ رغم زخرفته من الأواني المنزلية
التي استُخدِمت في أغراض الحياة اليومية.
٨
ومِن أجمل ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية خُوصية مجدولة، كان
الطبق «شكل ٣٧٤»، وهو من حجر الشِّست، عُثر عليه بسقارة،
يؤرَّخ بعصر الأُسرة الثانية، وقد اتَّخذ هيئة قاربٍ من
الخُوص، أجاد صانِعُه إظهار ملامح وتفاصيل زخرفته.
٩
وعلى غرار الطبق السابق، كان الطبق «شكل ٣٧٥»، وهو أيضًا في
هيئة قاربٍ من الخُوص المجدول، نُحِت من حجرٍ صلد داكن اللون،
عُثر عليه بسقارة بالهرَم المدرَّج، يؤرَّخ بعصر الأسرة الثالثة.
١٠
وبهيئة السِّلال الخُوصية أيضًا كان الطبق «شكل ٣٧٦»، وهو من
حجر الشست، يبلُغ ارتفاعه حوالي ٤٫٨سم وطوله ٢٢٫٧سم، ويبلُغ
اتِّساع قُطره ١٣٫٨سم، عُثر عليه أيضًا بسقارة، يؤرَّخ بعصر
الأُسرة الثانية، يوجَد بالمتحف المصري
JE.71298.
١١
جاء الطبق في هيئة قاربٍ من الخُوص، استُخدِم كسَلَّةٍ أو
طبقٍ زخرفي للتقديم، أجاد الفنان نحْت تفاصيله، حيث الخطوط
الطولية والعرضية، فجعله أقرب للخُوص منه إلى الحجَر،
١٢ فجاء وكأنه حجَر مَجدول!
ومن المُلفِت للنظر وجود نقشٍ على أحد جوانب الطبق، يُمثِّل
علامة
nwb
،
١٣ والتي تعني كلمة «الذهب»،
١٤ وهي علامة كثيرًا ما ظهرتْ على بطاقات الزيت في
عصر بداية الأُسرات، لتُشير إلى مكان صناعة الزيت، وكانت
تُرسَم داخل علامة
hwt
لتُمثِّل تركيبة تُقرأ
hwt-nbw
أي «بيت الذهب»، وهو مكان تصنيع
الزيت أو مَعصرة الزيت في عصر بداية الأُسرات.
١٥
فربما إذن كان هذا الطبق من الأطباق المُرتبطة بوضْع أو
استخدام الزيت، أو كان ذا مغزًى آخَر ارتبط بنقل الزيت من
المَعصرة، لا سيما أنَّ هناك بالفعل مركبًا عرفت باسم مركب
nwdt ارتبطت بمعصرة الزيت،
ووصفها العلماء بأنها «مركب مَعصرة الزيت»، وهي مركب خاصَّة
بالمعبود شمسو الذي ارتبط بالزيوت والمراهم، ومن ثَم فإنَّ
مركب شمسو هذه كانت مُخصَّصة لحفظ ونقل الزيوت والمراهم
العطرية والدهون، شأنها شأن المراكب الصغيرة التي جاءت بقوائم
الزيوت عند كلٍّ من حسي رع بمقبرته بسقارة، الأسرة الثالثة،
وعند «ني عنخ خنوم» و«خنوم حتب» بسقارة أيضًا، الأسرة الخامسة،
والمُخصَّصة لحفظ ٣٩ نوعًا من أنواع الزيوت.
١٦
فربما كانت إذن هذه المركب الحجرية آنِفة الذكر، مركبًا ذات
مغزًى طقسيٍّ أو سِحري، ارتبط بنفس الغرَض تقليدًا لقارب
nwdt الخاص بنقل وحفظ
الزيوت والمراهم العطرية.
وبعيدًا عن دراسة الغرَض من هذا الطبق، يُمكن القول إنَّ
الفنان المصري القديم أراد تطبيق مناظر الصور الحياتية
المُحيطة به في الحجَر، لإخراج لوحة فنية رائعة تجمع بين
الواقع والخيال، فكأنك تنظُر إلى قاربٍ من الغاب المجدول ولكن
في الحجر!
أما الطبق «شكل ٣٧٧» فهو من حجر الشست استُخدِم كصحيفة أو
صينية للتقديم، ورغم صلادة الحجر إلَّا أن الصانع أجاد إظهار
تفاصيل العُقَد والأنشوطات وكأنه قام بنسج أو جدْل الحجر
لإخراج سلَّةٍ خُوصية مجدولة دقيقة الصُّنع، فجاءت التعشيقات
والتداخُلات واضحة، عُثر على هذا الطبق بسقارة، وهو يؤرَّخ
بعصر الأسرة الثالثة.
١٧
(٣) الأواني الحجرية ذات الزخارف الهندسية
تنوَّعت أنماط الأواني الحجرية ذات الزخارف الهندسية
تنوُّعًا يصعُب معه وضع إطارٍ مُحدَّد لأنواعه، فهناك من
الأواني الحجرية ما جاءت بهيئاتٍ ثلاثية الحواف، وذلك كما في
«شكل ٣٧٨» الذي يُبين طبقًا أو سُلطانية ثلاثية الحواف ذات
إطارٍ مُستدير يُخيَّل للناظر إلى الإناء أنه من المعدن.
السلطانية من حجَر الإردواز، يبلُغ ارتفاعها ١٠سم، واتِّساع
قُطرها ٦١سم، عُثر عليها بالمقبرة رقم ٣١١١ بسقارة، وهي تؤرَّخ
بعصر الأُسرة الأولى، وتوجَد بالمتحف المصري
JE.71295.
١٨
أجاد الفنَّان نحْت وتفريغ فتحات هذه السُّلطانية وإظهار
حوافها المَطويَّة للداخل في مرونةٍ وسهولةٍ كأنه قد صنَعَها
من الصلصال رغم صلادة الحجر المُستخدَم، بل وأحدث بخلاف تلك
التفريغات ثُقبًا دائريًّا بمنتصف السلطانية، ربما كان
لتثبيتها على دعامةٍ أو حاملٍ خاص بها. وفي كل ذلك حافَظ
الصانع على سلامة الإناء وعدم كسرِه.
١٩
كل ذلك نفَّذه الفنَّان في سهولةٍ ويُسر رائع، وكأنه طوَّع
الحجر لرغبته، يَطويه كيفما شاء. وقد عُثر على إناءٍ آخر
مُشابه صُنع أيضًا من حجر الإردواز، ربما كان من أواني حفظ
مواد الزينة، فُقِدت قاعدته، وربما استُخدِمت مثل هذه
السلطانيات أيضًا كوسائل للإضاءة «مصابيح» أو «مشاعل» … وعلى
أي حال، لا شكَّ أن لهذه السلطانية مَغزاها الشعائري.
٢٠
ونرى في «شكل ٣٧٩» طبقَيْن من حجر الإردواز، طُوِيت حوافهما
للداخل بهيئاتٍ ثلاثية، «أطباق ثلاثية الحواف»، ويُلاحظ فيهما
تَساوي النِّسب بين أجزائهما. ويدلُّ ذلك على مدى مُراعاة
الصانع تطبيق السيمترية الرائعة الناتجة عن روح فنَّانٍ مُبدع
على دراية بالعِلم الهندسي، وكأنما الطبقان صُنِعا من مادةٍ
ليِّنة استطاع الفنان بسطها كما يريد، ومن ذلك يظهر تحكُّم
الفنان في الحجر الصلد الذي يَنحته على الصورة التي يريدها حتى
لَيتوهَّم مَن يراهما أنهما صُنِعا من الصلصال. وربما كانت
فكرة مثل هذه الأطباق الحجرية مأخوذةً مما رآه من أطباق صُنِعت
من النحاس.
٢١ ويَتشابَه هذان الطبقان إلى حدٍّ كبيرٍ مع أطباق
تقديم الفاكهة والحلوى المصنوعة من المعادن المُختلفة في
عصرِنا الحالي.
ويُبين «شكل ٣٨٠» «سلطانية ذات هيئة رباعية الحواف» من الحجر
الجيري، عُثر عليها بسقارة، تُؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى،
٢٢ أجاد الصانع نحْت وصقْل هذه السلطانية، واستطاع أن
ينتقِل بين حوافها من الداخل إلى الخارج في سهولةٍ دون أن
تتحطَّم السلطانية.
و«من رباعية إلى خماسية الحواف» كان التنوُّع؛ ففي «شكل ٣٨١»
نرى سُلطانية من الألباستر ذات هيئةٍ خماسية الحواف، انطوَتْ
حوافها إلى الداخل، وشكَّلت فيما بينها خمس فتحات، تؤرَّخ
السلطانية بعصر الأُسرة الثانية، عُثر عليها بسقارة.
٢٣
ويُبين «شكل ٣٨٢» سُلطانية من حجر الإردواز، ذات هيئةٍ
خماسية الحواف، أجاد الفنان نحْتَها وصقْلَها في جمالٍ وتناسُق
واضحٍ رغم صلادة الحجر، تُؤرَّخ السلطانية بعصر الأسرة
الثالثة، عُثر عليها بالهرَم المدرَّج بسقارة، توجَد بالمتحف
المصري
JE.6067.
٢٤
أما «شكل ٣٨٣» فيُبيِّن سلطانيةً من حجر الديوريت، عُثر
عليها بالمصطبة رقم
G1024
بالجيزة، تؤرَّخ ببداية عصر الأُسرة الرابعة، يبلُغ اتِّساع
قُطر هذه السلطانية ٢٠سم، توجَد بمتحف هارست للأنثروبولوجيا
والآثار بجامعة كاليفورنيا ١٩٧٨٤-٦.
٢٥ أضفى الحجر بألوانه الطبيعية على السلطانية جمالًا
بخلاف جمال النحت والصقل الذي جاءت عليه.
ومن أنماط الأطباق الزخرفية التي استمرَّت حتى العصر
الروماني، كان ذلك النمط من «الأطباق ذات النتوءات الأربعة»؛
ففي «شكل ٣٨٤» نرى طبقًا من الصخر البورفيري، يبلغ اتساع قُطره
١٦٫٨سم، يؤرَّخ بعصر بداية الأسرات، يوجَد بالمتحف البريطاني
BM.29301.
٢٦
وعلى غراره كان الطبق «شكل ٣٨٥» وهو من الكوارتزيت، يؤرَّخ
بعصر الأُسرة الأولى، يبلُغ اتِّساع قُطره ٧٫٨سم، يوجَد
بالمتحف البريطاني
BM.4724،
٢٧ كِلا الطبقَين تُحيط به أربعة نتوءاتٍ مُنتظمة
الشكل على مسافاتٍ متساوية كهيئةٍ زخرفية للطبق المُسطَّح،
ولقد استمرَّ العثور على مِثل هذه الزخرفة حتى العصر
الروماني.
(٤) الأواني الحجرية ذات الزخارف الخَطِّية
ومن «الأواني ذات الزخرفة المُركَّبة أو المُتشابكة»، كان
الطبق «شكل ٣٨٦»، وهو طبقٌ مركَّب من أربعة أطباقٍ داخل بعضها
البعض، من حجر الألباستر، أجاد الفنَّان إظهار حواف الأطباق
الأربعة بالتتابُع، عُثر على هذا الطبق بالهرَم المدرَّج
بسقارة، وهو يُؤرَّخ بعصر الأُسرة الثالثة.
٢٨ وترى الدارسة احتماليةَ استخدامه كوسيلةٍ
للإضاءة.
والطبق «شكل ٣٨٧»، وهو من نفس نمَط الأطباق المُركَّبة ولكنه
أبسط في الطراز والتصميم، فهو مزدوَج، مُركَّب من طبقَين (واحد
داخل الآخر) من الألباستر، عُثر عليه بالهرَم المدرَّج بسقارة،
يؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات.
٢٩
وكان من أنماط ما عُرف من أوانٍ حجرية مُركبة، ما عُثر عليه
من أوانٍ تنوَّعت ما بين الثُّنائية والثلاثية والرباعية، بل
والخماسية التجاويف.
ففي «شكل ٣٨٨» نرى إناءً مزدوجًا من صخرٍ خشِن أشبَهَ بأحجار
الصقل والصنفرة، ربما كان حجر الكوارتزيت غير جيِّد الصقل،
عُثِر عليه بهيراكونبوليس، يُؤرَّخ بعصر ما قبل الأُسرات، حرص
الصانع على إبقاء الصِّلة بين الإناءين عند المنتصف، وجعل لكل
إناءٍ قاعدة قُرصية منفصِلة عن الآخَر، وأيضًا فوَّهة منفصلة
عن الآخَر،
٣٠ وهو من الأواني التوءمية التي كثُر العثور عليها
في عصر ما قبل وبداية الأُسرات.
وفي «شكل ٣٨٩» إناءٌ ثلاثيٌ مُركَّب من كتلةٍ واحدة من
الحجَر الجيري، يؤرَّخ بعصر الأُسرة صفر، عُثر عليه
بهيراكونبوليس، حرص الصانع على نحت الإناء في نفس كتلة الحجر،
وبنفس القاعدة ولكن بثلاث فوَّهات مُنفصلة.
٣١
أما في «شكل ٣٩٠» فيُبين إناءً مركبًا من خمسة أوانٍ معًا في
نفس كتلة الحجر وكأنه كتلةٌ حجرية واحدة بها خمسة تجاويف من
الحجَر الجيري، يؤرَّخ بعصر الأُسرة صفر، عُثر عليه بهيراكونبوليس،
٣٢ كانت التجاويف بمثابة أوانٍ أسطوانية عديمة الشفة.
ومرة أخرى نرى في «شكل ٣٩١» إناءً توأميًّا رائع الشكل
والصُّنع والنحت، من حجر البرشيا الجيري الأرقط ذي اللونين
الأبيض والأحمر، يؤرَّخ بنهاية عصر ما قبل الأُسرات وبداية عصر
الأُسرات، ارتفاعه ٦٫٢سم، اتِّساع قُطره ١٣٫٩سم، اتَّصل
الإناءان عند المنتصف وكان كل واحدٍ بمثابة صورةٍ للآخر، وهو
من نمط الأواني المُنتفخة قصيرة البدَن ذات المقابض المثقوبة،
استُخدِم هذا الإناء المزدوَج لحفظ الدهان.
٣٣
ويبين «شكل ٣٩٢» إناءً مزدوجًا من حجر الإستياتيت، يؤرَّخ
بعصر ما قبل الأُسرات يوجَد بمعهد الجامعة بلندن
UC.15683،
٣٤ وهو من نمط الأواني المُعلَّقة ذات المقابض
المَثقوبة والقاعدة القُرصية المنفصِلة والتي يستقرُّ عليها
الإناء، وهو أكثر استطالةً ممَّا سبق ذِكره من أنماط الأواني
الحجرية المزدوَجة.
ويُبين «شكل ٣٩٣» إناءً صغيرًا مزدوجًا من الحجر الجيري، من
النمط المُنتفِخ عديم المقابض كرويَّ الشكل، اتَّصل عند
المنتصف مُكوِّنًا تلك الهيئة التوأمِيَّة المعهودة، عُثر عليه
بطرخان، يؤرَّخ بعصر الأسرة
I،
يوجَد بكلية الجامعة بلندن
UC.16924.
٣٥
أما «شكل ٣٩٤» فيُمثِّل إناءً ثلاثيًّا مُركَّبًا من قطعةٍ
واحدة من الحجر الجيري، يؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات، يوجَد
بمُتحف برلين، يلاحَظ وجود ثُقبَين على جانبَي الإناء من
الأمام والخلف، ربما استُخدِما للتعليق.
٣٦
ويُبين «شكل ٣٩٥» إناءً مزدوجًا نُحت في قطعة واحدة من الحجر
الجيري، الإناء يُشبه كوبَين نُحِتا معًا في قطعةٍ واحدة من
الحجر الجيري، يَضيق الإناء عند القاعدة ويتَّسع من أعلى،
الفوَّهة بمثابة تجويفٍ مُستدير عديم الشفة، يشترك الإناءان في
القاعدة وينفَصِلان عند الفوَّهة، حيث كان لكلِّ إناءٍ فوَّهة
مُستقلة، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة الأولى، يوجَد بمُتحف
الكلية بلندن
UC.15743.
٣٧
ونرى في «شكل ٣٩٦» إناءً صغيرًا مزدوجًا من الحجر الجيري،
طوله ٦٫٢سم، ارتفاعه ٣٫٧سم، بينما عُمق كلِّ إناءٍ على حدة
٢٫٥سم، يؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات، نُحت الإناءان في نفس
قِطعة الحجر، وعبَّر الفنان عن فوَّهة كل إناءٍ من أعلى على
حِدة بشفةٍ مُستديرة بارزة.
٣٨ وكان مِثل هذا النمط من الأواني الحجرية يُستخدَم
في وضع الدهون ومواد الزينة في الغالب.
وما زلنا في إطار عرض بعض ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية غير
مُعتادة الظهور، حرص فيها الصانع على تمييزها سواء بهيئةٍ
زخرفية أو بنمَطٍ مركَّبٍ أو مُتداخل، ففي «شكل ٣٩٧» نرى
سلطانية مُقسَّمة من الداخل إلى أربعة أقسامٍ مُتساوية، وهي من
الألباستر، تؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات، توجَد بالمتحف المصري.
٣٩
ومن الأواني الحجرية غير المُعتادة، الإناء «شكل ٣٩٨» وهو
على هيئة الصندوق، من حجَر الألباستر، يؤرَّخ بعصر ما قبل
الأُسرات، نحتَهُ الفنان بهيئةٍ منتظمة مُستطيلة تُشبِه
الصندوق، وبالقُرب من أعلى الشفة يُوجَد ثُقبان على جانِبَي
الإناء ربما استُخدِما للتعليق وهو يوجَد بكلية الجامعة بلندن
UC.15740.
٤٠
وكذلك الإناء «شكل ٣٩٩» وهو أيضًا في هيئة الصندوق، جاء أكثر
ارتفاعًا من السابق، وهو من الألباستر، يؤرَّخ بعصر ما قبل
الأُسرات، يوجَد بمُتحف كلية الجامعة بلندن
UC.15739.
٤١
وعلى هيئة الأحواض المُستطيلة كان الإناء «شكل ٤٠٠» وهو ليس
زُخرفيًّا ولكنه غير مُعتاد الظهور تمامًا كالنمط السابق من
الأواني على هيئة الصندوق. الإناء من الصخر البورفيري، وهو
بهيئة المُستطيل، ضيِّق القاعدة واسع الفوَّهة كأنه مُثلث
مقلوب، حيث تَميل جوانبه نحو القاعدة الضيِّقة بِمَيلٍ ذي
استقامةٍ مُنحدِرة كجوانب المُثلث. يؤرَّخ الإناء بعصر الأُسرة
الثالثة، يوجَد بالمتحف المصري.
٤٢
وبنفس تلك الهيئة المُستطيلة كان الإناء «شكل ٤٠١» وهو من
الحجر الجيري، عُثر عليه بهيراكونبوليس، يؤرَّخ بعصر الأُسرة
صفر، وهو غير جيد الصقل.
٤٣
ومن الهيئة المُستطيلة إلى المُستديرة كان الإناء «شكل ٤٠٢»
الذي يُمثل حوضًا دائريَّ الشكل من الحجر الجيري، سَميك
الجدران، عميقًا، يؤرَّخ بعصر الأسرة صفر، عُثر عليه بهيراكونبوليس،
٤٤ وهو من الهيئات غير المعتادة الظهور، فلا هو طبق،
ولا هو سُلطانية … وإنما هو إناءٌ على غرار الحوض المُستدير
مُرتفع الجوانب تحاول به الدارسة إلقاء الضوء على شتَّى جوانب
ما عُرف من أنماط الأواني الحجرية.
ومن الأواني الحجرية ذات الزَّخرفة الخطِّيَّة، كان الإناء
«شكل ٤٠٣» وهو يُمثل سلطانية مُضلَّعة الجوانب، من الصخر
البورفيري الداكن، كانت مُحطَّمة ومُتناثِرة ثُم أُعيد تجميعها
وتركيبها مرةً أُخرى، عُثر عليها بهيراكونبوليس، تؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى، يُزخرِف بدن السُّلطانية تجازيع خطِّية
مُتوازية بطول الجسم المُنتفِخ من أعلى لأسفل وكذلك يُزيِّن
مقبض السلطانية زخرفة خطية مُشابهة لزخرفة البدن، عُرفت هذه
السلطانية باسم «السلطانية الحتحورية» وذلك لظهور رأس المعبودة
حتحور عليها؛ إذ يظهر منها جزء من القرن الأيسر وجزء من طرف
النجمة السُّداسية أعلى الجبهة وأيضًا جزءٌ من عُنق حتحور
والأُذن اليُمنى وجزءٌ من العَين أسفل حافة الإناء، فقدت الأنف
وكذلك الحواجب والشفاه، وقد تشابهت حتحور بهيئتها هنا مع هيئة
المعبودة حتحور التي جاءت على صلاية الملك نعرمر من
هيراكونبوليس أيضًا، إلا أنها هنا ليست لها لِحية، تؤرَّخ هذه
السلطانية بنفس توقيت صلاية الملك نعرمر.
٤٥
ولقد سهَّلت تلك الزخرفة الخطية أمر ترميم تلك السلطانية؛ إذ
إن المسافة بين كلِّ خطٍّ والآخر مُتساوية تمامًا، وحجم كل
تجزيعةٍ أو خطٍّ من تلك الخطوط كان يقود إلى مَوضعه الصحيح،
ومِقبضي السلطانية يحمِلان نفس عدد الخطوط الزُّخرفية. أما
القاعدة فهي حلقيَّة الشكل بها بقايا زخرفة تُشير إلى دائرةٍ
من العُشب وكأنها أوراق نخيل «زخرفة نباتية»، حيث الحزوز
والحزم والفراغات، وبقايا زخرفة الحِبال التي أتت وكأنها
تُنصِّف المسافة ما بين القمَّة والمقابض والجزء السُّفلي من
الحافة. هذا ويبلُغ اتِّساع قُطر تلك السلطانية حوالي ٧ بوصات
بينما ارتفاعها كان حوالي ٥٫٥ بوصات، وكانت أجزاء تلك
السلطانية قبل ترميمها موَزَّعة بين المُتحف الأشمولي ومُتحف
بتري؛ إذ كان هناك إجمالي عشرين قطعةً منها بالمُتحف الأشمولي
بأكسفورد، وأربع عشرة قطعةً ضِمن مجموعة بتري بمُتحف الجامعة
بلندن، وقد عُثر عليهم جميعًا بهيراكونبوليس، ثُم أعيد تجميعها
وتمَّ التوصُّل لوصفٍ شامل لها ولحجمها وما كانت تحمِلُه من
زخرفةٍ رائعة.
٤٦
هذا وهناك سُلطانية أخرى من الصخر البروفيري أيضًا مُتشابهة
في التصميم والشكل مع تلك السلطانية، حيث الزخرفة الخطِّية
المُضلَّعة، عُثر عليها بنقادة، توجَد حاليًّا بالمتحف المصري،
وكان اتِّساع قُطرها حوالي ٦٫٥ بوصات،
٤٧ وتُعدُّ هذه السلطانية الزخرفية، من السلطانيات
ذات الدلالة الطقسية.
ونرى في «شكل ٤٠٤» سلطانية من الصخر البورفيري الداكن،
بهيئةٍ زخرفية مُضلَّعة، ضيقة القاعدة واسعة الفوَّهة، تؤرَّخ
بعصر الأسرة
I.
٤٨
أما «شكل ٤٠٥» فيُبيِّن إناءً أسطوانيًّا مُضلَّعَ الجوانب،
من الألباستر، ارتفاعه حوالي ١٠سم، عُثر عليه بالهرَم المدرَّج
بسقارة، يوجَد بالمتحف المصري
JE.64856،
٤٩ الإناء يُشبه العمود، وبنهايتِه العُليا قُرب
الشفة يوجَد نقشٌ خَطيٌّ يُحيط بالفوَّهة يُشبه زخرفة الحبال
التي ميَّزت الأواني الأسطوانية آنذاك، أجاد الصانع شطْف
جوانبه رغم صِغر حجمه.
وعلى غرار هذا النمط كان الإناء «شكل ٤٠٦» وهو أسطواني مُضلع
الجوانب كالعمود، تبلُغ حصيلة تلك التضليعات (حوالي ١٦ ضلعًا
طوليًّا). الإناء من الألباستر الكلسي، ارتفاعه ٣٧٫٦سم،
واتِّساع قُطره ١٤٫٤سم، عُثر عليه بسقارة، يؤرَّخ بعصر الأسرة الثانية،
٥٠ وكان أكثر ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية من هذا
النمط، قد عُثر عليها بسقارة. ومن الجدير بالذكر أنَّ تلك
الزخرفة كانت هي نفس زخرفة أعمدة المجموعة الهرَمية للملك زوسر
بسقارة.
وفي إطار الحديث عن الزخرفة الخطيَّة كان الطبق «شكل ٤٠٧»
الذي جاءت نقوش زخرفتِه الخطيَّة تشكل هيئة أصابع اليدَين
اللتَين كانتا تحمِلان الطبق، وهو من حجر الأوبسديان طوله
٢٣٫٦سم، أقصى عرضٍ له ١٤سم وأقصى ارتفاعٍ ٥سم، عُثر عليه
بأبيدوس من المقبرة
U–J، يوجَد
بالمُتحف المصري
JE.99073،
والواقع أنَّ المادة عالية القِيمة التي صُنع منها الطبق وشكل
الزخرفة التي يحملها تبعث على الاعتقاد بأنَّ هذا الطبق ربما
يُمثِّل وعاءً طقسيًّا.
٥١
(٥) زخرفة الأواني الحجرية بالأشكال والعلامات
الهيروغليفية
أثَّرت الأشكال والعلامات الهيروغليفية بما لها من معنًى
حاضر ومؤثِّر على تشكيل القِطع الفنية، وكان لها رمزيَّتها العقائدية،
٥٢ فالعلامات الهيروغليفية التي استخدَمَها
المصريُّون القدماء يمكن أن تقدِّم في مُعظمها صورًا ومعانيَ
مختلفة، قادرة على إيضاح القِيَم الرمزية التي أُلحِقت بها،
وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ الكثير من هذه الأشكال الفردية
والعلامات يُمكن أن يُقدِّم مجموعةً من المعاني المُتغيِّرة
وفقًا لطُرُق تناولها.
٥٣
وكان من أنماط الأواني الحجرية التي اتَّخذت من العلامات
الهيروغليفية هيئاتٍ زخرفية، الطبق «شكل ٤٠٨» وهو من الإردواز،
يجمع في تصميمه بين علامتَين مُتداخِلتَين معًا، هما علامة
«العنخ» وعلامة «الكا».
٥٤
فعلامة العنخ
من العلامات ذات الدلالة الدِّينية
أو الأسطورية، ربما تُمثِّل العناصر الواهِبة للحياة كالماء
والهواء، ومن ثَمَّ كانت تقدَّم بشكلٍ شائع إلى الملك كرمزٍ
لنسمة الحياة.
٥٥
أما علامة الكا
K3
فهي تُشير إلى ذراعَين مَمدودتَين قد
تكونان مَمدودتَين إلى الأمام أو إلى أعلى. ومعنى الإيماءة
المقصودة في هذه العلامة غير واضحٍ إلَّا أن بعض العلماء يرى
في هذه العلامة إيماءةً من إيماءات المَديح، ورأى آخرون أنها
من إيماءات العِناق أو التضرُّع، بينما تُترجَم الكلمة بمعنى
«روح» أو «نفس» واستُخدِمت كمصطلحٍ لقوة الحياة.
٥٦
ويُعدُّ هذا الطبق من الأطباق ذات الدلالة الرمزية، ربما
استُخدِم في أغراض التطهير وسكْبِ الماء، يؤرَّخ بعصر بداية
الأسرات، وربما قَصد الفنان بتصميمه إعطاء معنى الحياة، وذلك
من خلال تداخُل العلامتَين السابقتَين معًا، وكأنهما تُشيران
إلى «روح الحياة».
٥٧
فالطبق بذلك سيُعطي الحياة بطريقةٍ سحرية لمن يَستخدِمه،
٥٨ من خلال علامة العنخ التي تُشير في رمزيَّتها إلى
مفهوم الحياة بدءًا من أبسط مُقوِّماتها مُتمثِّلة في الماء،
٥٩ ومن خلال علامة الكا التي تُشير إلى الروح. يؤرَّخ
الطبق بعصر بداية الأُسرات، ويوجَد بمتحف برلين
(١٩٫٢٫١٦).
ولقد استمرَّ ظهور الأواني الحجرية في هيئة علامة العنخ حتى
عصر الدولة الحديثة،
٦٠ واستُخدِمت بأشكالها المختلفة كأحد أواني السكْب آنذاك.
٦١
وعلى هيئة النجمة أو زهرة اللوتَس كان الطبق «شكل ٤٠٩» و«شكل
٤١٠»، وهو من الألباستر، نُفِّذ بهيئةٍ زخرفية تُشبِه النجمة،
وتُشبه أيضًا الزهرة المُتفتِّحة، وهو يُذكِّرنا بأطباق سقارة
وأوانيها الزُّخرفية. حواف الطبق تُمثِّلها وحدات مُنفصلة
تُشبه زهرة اللوتس، ولربَّما استُخدِم هذا الطبق كمصباحٍ
للإضاءة بوضْع الزيت بداخله وإشعاله. يؤرَّخ الطبق بعصر الأسرة
السادسة، وقد عُثر عليه ضِمن المتاع والأثاث الجنائزي الخاص
بالملكة نيت.
٦٢
وعلى غرار تلك الزخرفة المُسنَّنة كان الإناء «شكل ٤١١أ» وهو
من الألباستر يؤرَّخ بعصر الدولة الوُسطى، يتميَّز بهيئته
الكروية جيدة النحْت والصقل رغم صِغَر الحجم، جاءت فوَّهتُه
مُسنَّنة بما يُشبه هيئة الزهرة المُتفتِّحة،
٦٣ وربما كان هذا الإناء من أواني حفظ مواد الزينة
والتجميل، وهو يوجَد بالمتحف المصري.
٦٤ وكذلك الإناء «شكل ٤١١ب» وهو من حجر الأندريت،
عليه زخرفة بالنقش البارز تُمثل زهرة اللوتس، وهو يؤرَّخ أيضًا
بعصر الدولة الوسطى.
٦٥
ولعلَّ في تكرار واستمرار العثور على زهرة اللوتس في العديد
من الأواني الحجرية ما يُؤكِّد أهميَّتها لدى المصري القديم،
فهي ترمُز إلى إعادة البعث بعد الموت؛ ففي الفصل رقم «٨١» من
كتاب الموتى، يأمُل المُتوفَّى أن يتحوَّل إلى اللوتس
المقدَّس، فهو الذي يُعبِّر عن إعادة الميلاد مرَّةً أخرى.
٦٦
ولا شكَّ أنَّ زخرفة الأدوات والأواني باللوتس، من حقِّه أن
يمنح معنى الحياة، من وجهة نظر المصري القديم، لهذه القِطع
حينًا، وأحيانًا أُخرى تبدو رمزية الزخارف اللوتسية غامضةً بعض
الشيء، ويمكن كذلك أن يكون الغرَض الرئيسي من ورائها هو مجرَّد
الاستفادة من الشكل الجمالي المتميِّز للزهرة ليس إلَّا.
٦٧
كانت الدولة الوسطى شاهدةً على تنوُّع زخرفة الأواني الحجرية
رغم قِلَّتِها مقارنةً بعصر الدولة القديمة وعصر ما قبل وبداية
الأُسرات، وكان صغر الحجم هو الغالب عليها، وجاءت أواني حفظ
مواد الزينة والتجميل هي الأكثر زخرفةً آنذاك، ففي «شكل ٤١٢»
نرى مكحلةً من الألباستر عُثر عليها بمقبرة السيدة «مكت»
باللاهون، عصر الدولة الوسطى، جاء مقبض المكحلة بهيةٍ أُنثوية
واضحة المعالم والتفاصيل رغم صِغر حجم الإناء.
٦٨
وبصفةٍ عامة يُمكن القول إن الأواني الزخرفية كانت أكثر
الأواني الحجرية استخدامًا في حفظ مواد الزينة والدهون والعطور
والزيوت المقدَّسة، وكانت الزخارف النباتية والحيوانية، بل
وهيئات بعض المعبودات، تُمثل في هذا الغرض،
٦٩ وكانت الدهون عند الاستعمال تُصبُّ في أطباق جميلة
من الإردواز في أغلب الأحيان نظرًا لعدَم تفاعُل هذا الحجر مع
المواد المُلامِسة له. وكانت أغلب هذه الأطباق قد اتَّخذت هيئة
الزخرفة النباتية، وكان المصريون القدماء يغترفون منها
بمَلاعِق آيةٍ في الجمال، منها ما كان على شكل زهرة البردي أو
السوسن أو نبات اللوتس.
٧٠
وكل ذلك يُبيِّن كيف كان المصري القديم مُغرمًا بنقل وحداته
الزخرفية ممَّا يراه حوله من الطبيعة، كالبُوص والأعشاب
والزهور، وأشكالٍ أخرى غريبة.