كانت الهيئة الحيوانية من الهيئات المُعتادة التمثيل في الأواني
الحجرية والفخارية، وكان فرس النهر والفيل والسلحفاة والغزال
والوعل من أكثر الحيوانات التي أجاد المصري القديم تمثيلها في
أوانِيه منذ عصر ما قبل وبداية الأُسرات، وكان لها دلالتها الرمزية
والعقائدية في فكرِه آنذاك.١
تميَّزت الأواني ذات الهيئة الحيوانية بضحالة تجاويفها، ممَّا
يُشير إلى استخداماتها العملية في حفظ مواد الزينة والتجميل،٢ وترجع بداية ظهور الأواني الحجرية ذات الهيئة
الحيوانية إلى عصر نقادة III-II،٣ وتنوَّعت أنماط تلك الأواني ما بين الهيئة الحيوانية
الصريحة، أو إشارات تدلُّ عليها كتمثيل جزءٍ فقط من جسم الحيوان
كالرأس أو الساق في تمثيل مقابض الأواني الحجرية مثلًا.
وعن أهمِّ ما عُرف من تلك الأواني الحجرية ذات الهيئة الحيوانية
استشهادًا وليس تفصيلًا:
(١) أوانٍ في هيئة الفيل
كانت البيئة المصرية من البيئات المُلائمة لتواجُد الفِيلة
Elephas africanus منذ
أقدم العصور، وقد عُثر على بقاياها العظمية في الفيوم منذ
العصر الحجري الحديث، حيث مناطق المُستنقعات ومناطق شِبه
السافانا، إلا أنَّ ضغط ظروف الجفاف وعمليات الصيد أدَّى إلى
نزوح الفِيلة جنوبًا ضِمن مجموعة أخرى من الحيوانات التي كانت
تحتاج إلى كميَّات ضخمة من الطعام.٤
ولقد تجسَّدت أهمية الفيل في مصر القديمة منذ عصور ما قبل
التاريخ من خلال ما عُثر عليه من دفناتٍ له تؤرَّخ بفترة نقادة
الثانية في هيراكونبوليس «نخن»، وذلك ضمن مجموعة من الدفنات
الحيوانية التي عُثر عليها في الجزء الغربي من الجبَّانة
HK6 بهيراكونبوليس والتي
أُطلق عليها — من فرط ما عُثر عليه بها من دفناتٍ حيوانية
متنوِّعة — اسم «الحديقة الحيوانية».
ولم تكن الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة الفيل بالكثيرة،
ولم يُكتب لها التنوُّع والاستمرار، وربما كان ذلك ناتجًا
لنُدرة الفِيلة، أو عدم تواجُدها، في مصر فيما تلا عصر ما قبل
وبداية الأُسرات، بعكس ما كان عليه الحال قبل تلك الفترة،
ولأنَّ الفنَّ هو المرآة التي تعكس البيئة بصُوَرها الحياتية،
ويُجسِّدها بما فيها من مخلوقاتٍ تلفت الانتباه، فكان ما عكسه
قليلًا لقلَّة الموجود، ومن ثَم لم يجسِّد المصري القديم في
منحوتاته وأوانيه الحجرية بكثرة هيئة الفيل.٥
وعن أهمِّ ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية اتَّخذت هيئة الفيل، كان الإناء «شكل ٤١٣»
وهو من الحجر الجيري الوردي ارتفاعه ٢ بوصة، طوله ٦ بوصات،
يؤرَّخ بمرحلة
نقادة III، يوجَد بالمتحف البريطاني (٥٣٫٨٨٨)،
اتَّخذ الإناء هيئة الفيل، والتي عبَّر عنها الفنَّان بالنقْش البارز في إظهار
الرأس والأُذنَين والعينَين المُجوَّفتَين — ربما للتطعيم — والأطراف التي أظهرها
في هيئة نتوءاتٍ بسيطة يرتكِز عليها الإناء. أما الذَّيل فكان بمثابة جزءٍ بارز،
بينما تغاضى الفنَّان عن إظهار الخرطوم والأنياب. أسفل الحافة توجَد ثلاثة ثقوب،
ربما للتعليق، جاءت فوَّهة الإناء أعلى الظهر واسعةً بيضاوية الشكل، والإناء بوجهٍ
عام جيد الصقل.٦
وعلى غرار الإناء السابق كان الإناء «شكل ٤١٤» وهو من حجرٍ
أسود، ارتفاعه ٥٫٥سم، طوله ٩سم، يؤرَّخ بعصر نقادة
III، يوجَد بمتحف برلين
(١٤١٤٧)، الإناء في هيئة فيلٍ مُمتلئ البدَن ثقيل الأطراف، ذي
رأسٍ ضخم، ملامح الرأس مُمثَّلة بالنقش البارز.٧
ونرى في «شكل ٤١٥» إناءً بهيئة الفيل٨⋆
جاء أكثر وضوحًا عن سابقيه، وهو ذو فوَّهةٍ واسعة على الظهر،
أجاد الفنَّان إظهار ملامح رأس الفيل بالنقش البارز، حيث أوضح
الأُذنين البارزتَين الكبيرتَين، والعينَين المجوَّفتَين ربما
للتطعيم، والأقدام الأربع الناتئة أسفل الجسم، ولم يُعبر
الفنان عن الأنياب والخرطوم، يؤرَّخ الإناء بفترة نقادة الثالثة.٩
(٢) أوانٍ في هيئة فرس النهر
كان فرس النهر من الحيوانات النيلية التي اعتمد المصري
القديم على صَيدها بكثرةٍ منذ عصر ما قبل الأُسرات،١٠ وقد عُثر على بقاياه بكثرةٍ في مواقع عدة تؤرَّخ
بالعصر الحجري الحديث،١١ وكان لفرس النهر دلالتُه الرمزية والدينية في
العصور التاريخية في مصر القديمة؛ إذ كانت أُنثى فرس النهر من
أهمِّ رموز الأمومة والخصوبة والحماية،١٢ بينما كان ذكَر فرس النهر قد جسَّد القوة الفائقة
والصوَر المُخيفة للمعبود «ست» واعتُبر رمزًا من رموز الشر،١٣ فقد كان فرس النهر حيوانًا ذا شكلٍ مُخيف خطير،
وكان يَمقُته الفلاحون الأفريقيون لنهَمِه في الطعام؛ إذ كانت
أفراس النهر تخرُج جماعاتٍ في الليل فتذهب لترعى ما في الحقول
وتطأ بأرجُلها ما لم تقتلِعْه بأفواهها. كان هذا وحده كافيًا
ليجعل فرس النهر عدوَّ شعبٍ يعتمد على الزراعة؛ لذا اعتُبر هذا
الحيوان مظهرًا من مظاهر القوى المُتمرِّدة في العالم.١٤
وقد جسد المصري القديم هيئة فرس النهر في بعض أوانيه
الحجرية، سواء بصورةٍ واضحة، أو بإشاراتٍ رمزية تدلُّ عليه،
وكان من بين ما عُرف له من أوانٍ حجرية الإناء «شكل ٤١٦» وهو
من حجر الترافراتين، يؤرَّخ بعصر نقادة
II، يوجَد بمتحف كلية
الجامعة بلندن UC.15754. عبَّر
الفنان عن الرأس بنتوءٍ بارز بينما غابت الأطراف، تتَّضِح
علامات تفريغ الإناء بداخله في هيئة خطوطٍ حلزونية، الإناء
جيِّد الصقل من الخارج وتوجَد أسفل حافته أربعة من الثقوب،
اثنان في المُقدِّمة كأنهما عينان، واثنان على جانبي الإناء
ربما للتعليق.١٥
ويُبيِّن «شكل ٤١٧» إناءً في هيئةٍ تجريدية تُمثِّل فرَس
النهر، وهو من حجر الألباستر، ارتفاعه ٧سم، طوله ٩سم، يوجَد
بمتحف كلية الجامعة بلندن
UC.15754، يؤرَّخ الإناء
بعصر نقادة II، وهو ذو فوَّهة
واسعة تعلو الظهر، أسفلها ثلاثة ثقوب، عبَّر الفنَّان عن الرأس
بالنقش البارز كأنه نتوء، وكذلك الأطراف الأربعة عبَّر عنها
الفنان بنتوءات بسيطة أسفل الجسم.١٦
أما «شكل ٤١٨» فهو جزء من إناءٍ يُمثِّل نقشًا بارزًا لرأسٍ
مزدوج من الحجر الجيري، يؤرَّخ بعصر نقادة الثانية، يوجَد
بكلية الجامعة بلندن UC.15752،
النقش مزدوج لرأس فرَس النهر أحدهما فوق الآخر، العينان
مجوَّفتان، الأذنان منقوشتان على جانبي الرأس، وعلى الوجه خطوط
تُمثِّل تجاعيد الجلد أعلى الأنف، وهناك خطَّان رأسيَّان
يُعبِّران عن الأنياب.١٧
ومن أجمل أواني فرس النهر كان الإناء «شكل ٤١٩» وهو من
الألباستر، لا يتعدَّى حجمه ثلاث بوصات، يؤرَّخ بعصر ما قبل
الأسرات، أجاد الفنان نحتَه وصقلَه، فجاء بهيئةٍ صريحة لفرس
النهر، يعلو الظهر تجويف دائري ضحْل، يُستدَلُّ من الشكل العام
للإناء على استخدامه كإناءٍ لحفظ مواد التجميل والزينة.١٨
ولقد عُثر على العديد من الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة
فرس النهر، وكانت تُستخدَم في حفظ مواد الزينة لا سيما الكُحل.
ففي المتحف البريطاني يوجَد إناء لحفظ الكُحل على هيئة فرس
النهر، من الحجر الجيري، يؤرَّخ بعصر الدولة الوسطى وهو يُشبه
الإناء السابق،١٩ وفي هذا دليل على استمرار استخدام الأواني في هيئة
فرس النهر في حفظ مواد التجميل منذ عصر ما قبل الأُسرات كما
أشار Massoulard،٢٠ وGlanville٢١ وحتى عصر الدولة الوسطى.
(٣) أوانٍ حجرية في هيئة أجزاء من البقرة أو الثور
كان أغلب ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية بهيئةٍ زخرفية تُمثل
الثور أو البقرة، قد جاءت بصورةٍ ضمنيَّة عبَّر فيها الجزء عن
الكل، بحيث كانت الرأس أو الساق من أكثر أجزاء الجسم
المُستخدَمة في التعبير عن تمثيل هذا الحيوان أو ذاك.
وكان للثور في مصر القديمة رمزيَّتُه الدينية بصفته حيوانًا
مقدسًا، يرمز إلى قوة الخصوبة،٢٢ وارتبط كذلك بالملك والملكيَّة، وذلك باعتبار أن
الملك هو الثور القوي.٢٣
وكان أجمل ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية اتَّخذت هيئة رأس
الثور، الإناء «شكل ٤٢٠» وهو من جحر السربنتين، يبلُغ ارتفاعه
حوالي ٦٫٩سم، يوجَد بالمتحف الأشمولي ١٩٤٨٫١٨، يؤرَّخ بعصر
نقادة IIdI، الإناء ذو أكتافٍ
عريضة وقاعدة قُرصية وفوَّهة بارزة مُستديرة ذات حافةٍ حلقية
عريضة تتَّجِه للخارج، وعلى كتفَي الإناء يُوجَد مقبضان
مَثقوبان ربما للتعليق، وأسفل هذَين المقبضَين نجد نقشًا
بارزًا يُمثِّل قرنَي ثور يبدآن من تحت المِقبضَين حتى أسفل
تجويفَين مُستديرين يُمثِّلان عيني الثور، الإناء جيد الصقل،٢٤ وقد جاء هذا الإناء على غرار الكثير من التمائم
الحجرية والعاجيَّة التي مثَّلت هيئة رأس الثور، والتي كانت
تُشير إلى أغراض القوة والحماية.٢٥
وإن رأت Baumgartel أنَّ
النقش المُمثَّل على هذا الإناء، إنما يُشير إلى ذراعَين
وثديَين أنثوِيَّين، وربطته بالإلهة الأم التي مُثِّلت في نقشٍ
بارزٍ على إناءٍ آخر بالمتحف الأشمولي.٢٦
وإن كانت الدراسة تعتقد أنَّ الغرض قد يكون زُخرفيًّا فقط،
إذ اهتمَّ المصري القديم بالفن وإظهار الرُّقي والذوق في نحت
أوانيه الحجرية، لا سيما تلك التي استخدمها في حفظ مواد الزينة
والتجميل.
وإذا كان هذا الإناء قد أكد فيه الفنان على إظهار تفاصيل
الرأس والقرنَين، فهناك من الأواني ما جاءت مقابضها نفسها
بهيئة رأس الثور، وذلك كما في حالة الإناء «شكل ٤٢١» و«شكل
٤٢٢» وهو أيضًا من حجر السربنتين، اتَّخذت مَقابضُه هيئة رأس
الثور، وهو ذا بدنٍ بيضاويٍّ طويل، يَضيق عند قاعدته ويتَّسع
عند فوَّهته، القاعدة قُرصية، والحافة مُستديرة ذات فوَّهة
واسعة، عُثر على هذا الإناء بجبَّانة هيراكونبوليس، يؤرَّخ
بعصر الأسرة الأولى، يوجَد في متحف فيتزويليام بكامبرج
E.13.1898.٢٧
ومن الأواني الحجرية التي عبَّرت بنحتِها عن ساق الحيوان،
كان الإناء «شكل ٤٢٣» وهو يُمثِّل سلطانيَّةً أو طبقًا من
الحجر الطيني ذا مقبض طويل اتَّخذ هيئة ساق بقرة، أوضح الفنان
حوافرها، والقيد المزدوَج الذي يلتفُّ حولها مُوثقًا إيَّاها
في طبيعية كأنه حبلٌ وثقتْ به الساق الحيوانية، يبلُغ ارتفاع
هذا الطبق حوالي ٢٫٨سم، واتِّساع قُطره حوالي ١٠٫٥سم، والطول
الكلي للطبق مع المقبض يبلُغ حوالي ١٧٫٨سم، جاءت الساق في
نحتها كأنها تُمثل علامة «خبش»
hpŝ الهيروغليفية والتي
تُعبِّر عن «فخذ البقرة أو الثور» التي كانت تقدَّم ضِمن
القرابين الجنائزية٢٨ والتي مُثِّلت في العديد من الأعمال الفنية
لا سيما في زخرفة الملاعق. ولقد أجاد الفنان صقل الطبق،
والتعبير عن حوافر البقرة ومنطقة الطيِّ أو ثَنْي الساق عند
نهايتها، والقيد المزدوَج أسفل منطقة الانثناءة التي جاءت
واقعية. يؤرَّخ هذا الطبق بعصر بداية الأُسرات، ويوجَد في
المتحف الأشمولي (١٨٨٫٢٤٢٨).٢٩
ومن المغارف التي اتَّخذت أياديها هيئةً حيوانية، المغرفة
«شكل ٤٢٤» وهي من حجر الشست، طولها ٦١٫٥سم، عُثِر عليها بمنشية
عزَّت – بالسمبلاوين، تؤرَّخ بعصر نقادة
III، اتَّخذ مقبض المغرفة
أو الملعقة هيئة ساق بقرة، أوضح فيها الفنان حركة الثَّنيِ
الطبيعية للقدم، والحبال التي التفَّت حول الساق من أسفل.٣٠
وتُعدُّ ملاعق الزينة من أجمل وأرقى القطع الفنية في مصر
القديمة، وقد عرفت منذ عصر الأسرة الأولى على أقل تقدير،
واستمرَّ إنتاجها بعد انتهاء عصر الدولة الحديثة، ولقد صُنعت
ملاعق الزينة على الأرجح لاحتواء المراهم والدهانات والمساحيق
وشمع العسل وزيوت التجميل والدهون العطرية، كما ذُكِرت بهذا
الشأن نظرياتٌ مختلفة ترجِّح أنها اعتُبِرت قطعًا فنيةً لتزيين
حجرات الحريم، أو أدوات طقسية ذات دلالاتٍ دينية عميقة.٣١
وبخلاف هيئة رأس الثور، والسيقان الحيوانية «سواء للثور أو
للبقرة» استُخدِمت رأس حتحور٣٢⋆
البقرية لزخرفة عددٍ كبير من أدوات التزيين، وكانت في أوجز
صورِها عبارةً عن رأس بقرة تُتوِّج الجزءَ العلويَّ منها هيئة
النجوم أو قُرص الشمس أحيانًا، وفي تفسير منطقي بسيط لهذا
العنصر الزخرفي ذُكِر أنَّ حتحور بصفتها إلهة للجمال والحب، قد
ارتبطت بالتبعية بأدوات التزيين من كل نوع، وممَّا يؤيد ذلك
أنها كانت حامية للنساء ومشرفة على زِينتهنَّ.٣٣
(٤) أوانٍ في هيئة الغزال أو الوعل
استطاع المصري القديم أن يستأنس الغزال منذ فجر التاريخ، حتى
أصبح بمرور الوقت من الحيوانات المنزلية المُحبَّبة إلى نفسه،٣٤ فجسَّده المصري القديم في أعماله الفنية وفي
العديد من الأواني الحجرية، فتنوَّعت حصيلة ما عُثر عليه من
أوانٍ حجرية ما بين أوانٍ بهيئة صريحة للوعل أو الغزال، وأخرى
بهيئاتٍ رمزية، عبَّر فيها الجزء عن الكل، كأن يتَّخِذ مقبض
الإناء مثلًا هيئةً زخرفية تُمثِّل الرأس أو الساق فقط.
وكان من بين هذه الأواني، الإناء «شكل ٤٢٥» وهو من الحجر
الجيري الوردي، اتَّخذَ هيئةً صريحةً لوعلٍ أو لغزال، أجاد فيه
الفنان إظهار القرنَين، وتطعيم العينَين فعبَّر بذلك عن رأس
الحيوان، يبلُغ ارتفاع الإناء ٨٫٥سم، وطوله ١٤سم واتِّساع
قُطره ٥سم، وهو يؤرَّخ بعصر نقادة الثانية (٣٥٠٠ ق.م.)، يوجَد
بالمتحف المصري JE.66628.٣٥ ويُحتمَل أن يكون هذا الإناء من الأواني التي
استُخدِمت في حفظ الزيوت أو المراهم الخاصَّة بالتجميل،٣٦ وجاء أسلوب النحت والدقَّة في الصُّنع يؤكدان على
مدى رُقي الذوق والمهارة، وقُدرة الفنان على المزْج بين هيئة
الإناء وهيئة الحيوان على الرغم من صعوبة التشكيل في الحجر،
فلم يُنظَر إلى الإناء على أنه مجرد وعاءٍ يحوي شيئًا ما،
وإنما قُصد منه جعله أيضًا عملًا فنيًّا جميلًا، وكان الإناء
يُعلَّق من خلال الثقوب الأربعة الموجودة أسفل حافة الإناء من
خلال سلكٍ أو حبل. وربما استُخدِمت هذه الخاصية لتعليق الأواني
التي تفتقد القواعد المُسطحة والمقابض.٣٧
ويبين «شكل ٤٢٦» طبقًا من الإردواز ذا مقبضٍ زخرفي يُمثل
هيئة ساقَين مُتضافرتَين لوعلٍ أو غزال، أجاد الصانع نحتَه
وصقْلَه، يؤرَّخ هذا الطبق بعصر الأسرة الأولى، يوجَد بمتحف
برلين (١٣٢٣)،٣٨ ولقد تبيَّن بدراسة مثل هذا الطبق وأشباهه من
الأطباق والأواني ذات الهيئات الزخرفية أنه ربما استُخدِم لحفظ
المراهم والدهون.٣٩
ولقد استُخدِمت الوعول والغزلان كعنصرٍ زُخرفي مُحبَّب
لتزيين الأواني والحِلى وأدوات الزينة، وكانت ضِمن الهدايا
التي تُجلَب إلى مصر خاصَّة من النوبة.٤٠ ولعلَّ تفضيل استخدام هيئات الوعل والغزلان في هذا
الغرَض كان مَرجِعه إلى تَلاؤم أجساد هذه الحيوانات في نحتِها
مع تجاويف ملاعق وعُلَب الزينة، أو نتيجة لأدوارها الدينية
والرمزية وارتباطها بحتحور،٤١ فطبقًا لأسطورة الصراع بين حورس وست، أنه بعد
اقتلاع سِت عينَي حورس ودفنهما بالجبل، عثرت حتحور على حورس
وهو يَبكي في الصحراء، فعالجت عينيه بنقاطٍ من لبَن غزالة.٤٢
وربما كان حرص المصري القديم على نحت أواني الزينة في كثيرٍ
من الأحيان على هيئة الغزلان، يرجع إلى الأسباب السابقة، أو قد
يكون مجرد غرضٍ زخرفي فقط.
ولقد عُثِر على ثلاثة أوانٍ حجرية تشابهت في زخرفة مقابضها،
واتَّخذت جميعًا هيئاتٍ رمزيةً تُمثل سيقانًا حيوانية لا سيما
لغزلانٍ أو وعول، توزَّعت تلك الأواني الحجرية بين متاحف برلين
وباريس وأكسفورد، ويُعَدُّ إناء أكسفورد هو الأقرب شبهًا من
إناء برلين سابق الذِّكر، والذي يؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات،
والذي يبلُغ ارتفاعه ٣٫٦سم، وطوله ١٧٫٥سم واتساع قُطره ٩سم،
وهو مصنوع من الحجر الطيني، جاءت مقابض الإناء وقد اتَّخذت شكل
ساقٍ حيوانية مَثنيَّة ومربوطة بحبلٍ مُزدوَج يُقيِّد ساق
الحيوان، ولقد أوضح الفنَّان تفاصيل حوافر الحيوان، فجاءت
بطريقةٍ أقرب للطبيعة، وربما كان الغرض العقائدي أو الرمزي من
مِثل هذا الإناء، هو اعتباره إشارةً بدائية إلى الأهمية
الدينية لهذا الحيوان الذي وُصِف عادةً بأنه وعْل، والذي
يُضحَّى به فيما بعدُ ضمن شعيرةٍ جنائزية كان يؤدِّيها الملك بنفسه.٤٣
ولقد كان الغزال والوعْل من الحيوانات الصحراوية، ومن ثَم
فربَّما مثَّلا حمايةً ضدَّ القوى الشريرة، لا سيما وأنَّ أغلب
ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية اتَّخذت هيئة الغزال أو الوعْل،
كانت قد جاءت ضِمن الودائع الجنائزية.٤٤
ومن الأواني الحجرية ذات الهيئات المُخلَّقة التي جمعت ما
بين الوعْل والطائر كان الإناء «شكل ٤٢٧» وهو من البازلت، عُثر
عليه بأبيدوس، ارتفاعه ٧٫٥سم طوله ١٩٫٥سم، الإناء بهيئة حَوضٍ
أو شكلٍ مستطيل ذي مقبضٍ بهيئة رأس الوعْل ووجه العصفور، جاء
قَرْنا الوعل بمثابة نقشٍ بارز بمُؤخِّرة الرأس، وجاءت العينان
بمثابة ثُقبين مُستديرين مُفرَّغين، أما فتحة أو فوَّهة الإناء
فكانت بمثابة حوض مُستطيل في تجويف البطن، أما ظَهر الحيوان
والذي يُمثل قاعدة الإناء فقد جاءت زخرفتُه أشبَهَ بظَهْر
السلحفاة، كانت رأس الحيوان بمثابة مقبض الإناء، ووضح من سِمات
الإناء التأثُّر بأسلوب فنِّ الشرق الأدنى، لا سيما بلاد
الرافدين، يؤرَّخ هذا الإناء بعصر بداية الأُسرات.٤٥
(٥) أوانٍ حجرية في هيئة القرد
عُرفت في مصر أنواع عدة من القردة،٤٦⋆
وذلك منذ أقدم العصور، وكانت دقَّة ملاحظة المصري القديم من
أهمِّ الأسباب التي دعتْهُ إلى تقديس القرد، إذ عُرف عنه
الذكاء ودقَّة التقليد، وأدهش المصريين بحركته التي تُشبه حركة
الإنسان، ولاحظ القوم أنه يُهرَع إلى الأشجار والأماكن
المُرتفعة التي تُحيط بها ويقِف منتظرًا شروق الشمس، فربَطَه
المصري القديم بالشمس وجعله رمزًا لها،٤٧ وعرف باسم اﻟ «الأبيض العظيم»
hd-wr وذلك منذ عصر ما قبل
وبداية الأُسرات.٤٨
واعتُبر القرد أيضًا من الحيوانات المنزلية الأليفة، ولذا
ظهر بكثرةٍ على أواني وأدوات الاستخدام اليومي لا سيما أواني
حفظ مواد التجميل والزينة،٤٩ وارتبط على وجه الخصوص بأواني الكحل٥٠ وأواني حفظ الدهون العطرية.٥١
ولقد عثر على العديد من الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة
القرد، وكان أغلبُها من الألباستر، وحمَل الكثير منها كتاباتٍ
ونصوصًا هيروغليفية هامَّة. ففي الإناء «شكل ٤٢٨» يتمثَّل كل
ذلك أصدق تمثيل، فالإناء من الألباستر، اتَّخذ هيئة أُنثى قِرد
تحتضِن صغيرَها، يبلُغ ارتفاع الإناء بوصة = ١٤سم تقريبًا، عُثر عليه ضمن المتاع
الجنزي الخاص بالملك مري إن رع، الأسرة السادسة، ويتأكَّد ذلك
من خلال النقش الذي جاء على الذراع اليمنى لأُنثى القرد،٥٢ والذي يقول «ملك الشمال والجنوب، مرنرع، فليحيا
للأبد» ويفسر Dorman شكل هذا
الإناء وما يحمِله من كتاباتٍ بأنه قد صُنع للتذكير بمجهودات
الملك مرنرع، لا سيما في حفر مجموعةٍ من القنوات في صخور
الجندل الأول للنيل، ممَّا يَسَّر الاتصال والتبادُل التجاري
مع الدول الواقعة جنوب مصر، والتي تُجلَب منها القردة من هذا
النوع الذي على غراره نُحِت هذا الإناء،٥٣ وربما أكد ذلك أيضًا كثرة ما عُثر عليه من أوانٍ
شبيهة بالإناء الحالي، وتؤرَّخ بنفس الفترة.
وبنظرة مُتفحصة للإناء نرى كيف صُوِّرت القِردة وهي جالسة
القرفصاء محتضنة وليدَها في أمومية رائعة، وكيف أجاد الفنان
إظهار تفاصيل الأذرع المُتشابكة ورءوس وأجسام كلٍّ من الأم
وصغيرها، والتي جاءت بشكلٍ طبيعي وواقعي واضح، الملامح،٥٤ ويُعدُّ هذا الإناء أحد أواني حفظ الدهون العطرية
التي تؤرَّخ بعصر الأسرة السادسة، ويوجَد بمتحف المتروبوليتان
بنيويورك MMA30.8.134.٥٥
وعلى غرار الإناء الأول، كان الإناء «شكل ٤٢٩» وهو من
الألباستر، لأُنثى قردٍ تحتضن صغيرها، جاءت تفاصيل رأس الأم
أوضحَ من الإناء الأول وكذلك تفاصيل الأذرُع والأقدام، وهو جيد
النحت والصقل، يؤرَّخ بعصر الأُسرة السادسة، يوجَد بمتحف
المتروبوليتان (١٩٩٢٫٣٣٨).٥٦
ولقد شاع تمثيل تلك الهيئة خاصَّةً في أواني حفظ العطور
ومواد التجميل والزينة كنمط زُخرفي للإناء، وكان للقرد دورُه
الهام لدى المصري القديم في هذا الشأن إذ كان أكثر الحيوانات
التي مثَّلها في أوانيه الحجرية.٥٧
وكانت الأُسرة السادسة من أكثر الفترات التي وضح فيها تمثيل
الأواني الحجرية بهيئة القرد على غرار الإناء السابق، فمن
جبَّانة قلاع الضبَّة بالواحة الداخلة عُثر على العديد من
الأواني الحجرية، والتي كان من بينها الإناء «شكل ٤٣٠» والذي
جاء أيضًا على هيئة أنثى قردٍ تحتضن صغيرها، وهو من الألباستر،
يؤرَّخ بعصر الملك ببي II ولقد
أوضح الفنان في هذا الإناء تفاصيل وجه الأم بوضوح، وأحاط عنقها
بعقدٍ كنوع من الزخرف أو الزينة لها،٥٨ ولعلَّ استخدام القرد كعنصرٍ زخرفي في أواني
التزيين النسائية، بوجهٍ عام، وارتباطه على وجه الخصوص بأواني
الكحل والدهون العطرية، ما يؤكد افتراض ارتباط القِردة بالخصوبة.٥٩
أما الإناء «شكل ٤٣١» فهو يمثل قردًا جالسًا، من حجر
السربنتين، لم يهتم الفنان بإظهار تفاصيل الأذرع، وإن كان
ركَّز اهتمامه على إظهار تفاصيل الوجه والقدمَين، وبمنتصف جسم
القرد من الخارج نُقِش في عمود يمتدُّ من أسفل ذقن القرد وحتى
أسفل البطن، يُمثِّل النقش اللقب النسوبيتي للملك نفر كارع،
عُثر على هذا الإناء بجبَّانة قلاع الضبة بالواحة الداخلة.٦٠
ويبين «شكل ٤٣٢» رسمًا توضيحيًّا لإناءٍ من الألباستر بهيئة
أنثى قردٍ تحتضن صغيرها فُقد الرأس إلَّا أن تفاصيل الأذرع
والأقدام سواء للصغير أو لأنثى القرد جاءت واضحة، يبلُغ ارتفاع
الإناء ٧٫٥سم تقريبًا، عُثر عليه ضمن المتاع الجنزي الخاص في
مقبرة لإحدى السيدات بجبَّانة مطمر، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة الثامنة.٦١
ولقد تنوَّعت أنماط تلك الأواني التي اتخذت هيئات القردة،
ففي «شكل ٤٣٣» نرى رسمًا توضيحيًّا لإناءٍ من حجر الألباستر،
جاءت فيه هيئة القرد مكوِّنة لتجويف الإناء نفسه، ذلك حيث جاء
جسم القرد مُمثِّلًا الظهر، وفوَّهته مُمثِّلةً البطن، فالإناء
على هيئة طبقٍ ذي طرف مُدبَّب أو صنبور، يبلُغ اتساع قُطره من
الداخل ١٠٫٨سم وارتفاعه ٣٫٦سم وطول طرفه المُدبب ٤٫٤سم، أما
الطول الكلي للإناء فيبلغ حوالي ١٦٫٨سم،٦٢ ونرى كيف أجاد الفنان التعبير عن تفاصيل جسم
القرد، ناشرًا ذراعَيه وساقَيه مُحيطًا ببدن الطبق وجاعلًا
ذَيلَه بمثابة ذلك الطرف المُدبب للطبق «شكل ٤٣٤»، فجاء القرد
بمثابة نقشٍ بارز واضح التفاصيل، وجاء الطبق مُتسعًا وغير عميق
ذا فوَّهة مستديرة ومُتسعة، ويبدو جمال الصناعة والرُّقي
والذوق في إظهار ملامح جسم القرد وجودة الصقل،٦٣ وفي ملء الفراغات بالنقش الذي يُحيط بالساعد بلونٍ
أخضر لإظهار ما تحمله من كتابة، فجاء النقش كأنه أسورة تحيط
بساعد القرد. عُثر على هذا الطبق بالمصطبة رقم «١» بجبَّانة
قلاع الضبَّة بالواحة الداخلة، يؤرَّخ بعصر الأسرة السادسة،
فكان واحدًا من ١٦ إناءً حجريًّا استُخدِم بعضها في حفظ العطور
ومواد التجميل، والبعض الآخر استُخدِم في أغراض الشرب أو
الطعام «أواني مائدة».٦٤
وعلى غرار هذا الطبق استخدم في حفظ مواد التجميل أو الدهون،
كان الطبق «شكل ٤٣٥» الذي جاء مُختلفًا عن السابق في طبيعة
تمثيل القرد عليه، إذ جاء مُشكلًا مقبض الطبق. ويُخيَّل للناظر
إليه كأنه قرد يعلو طبقًا مستدير الشكل ضحْلًا، جاء القرد واضح
التفاصيل جيد النحت والصقل، في وضعٍ أقرب للقفز مادًّا ذراعه
وجالسًا القرفصاء بينما جاء الذيل في صورة نقشٍ بارز على ظهر
الطبق، أجاد الفنان إظهار انحناءة ظهر القرد وتفاصيل ملامح
الوجه والرأس.٦٥
والطبق من حجر الشست استُخدِم لحفظ الزيت أو الدهان، ارتفاعه ١٢٫٨سم،٦٦ وهو من مجموعة خاصة
ﻟ Kofler-Truniger بمعهد
الإناء بجامعة زيورخ،٦٧ يؤرَّخ ﺑ «عصر الأسرة ١٨» وإن كان بعض الباحثين
يُشكِّك في هذا التأريخ.٦٨
أما «شكل ٤٣٦» فنرى فيه إناءً على هيئة قردٍ ممسكًا بقِدْرٍ
أو وعاء صغير بين يدَيه، كبديلٍ عن القرد الصغير الذي كثُر
تمثيله في أواني عصر الدولة القديمة، واستمرَّ ظهوره أيضًا في
عصر الدولة الوسطى، وهو من أواني حفظ العطور مواد الزينة، جمعت
ملامح الوجه بين قرد البابون ورأس الكلب في هيئة مُركَّبة.
عُثِر على هذا الإناء في منطقة جرجا، وهو يؤرَّخ بعصر الدولة
الوسطى، ويوجَد بمتحف المتروبوليتان (١٩١٠٫١٠٫١٧٦٫٥٤)،٦٩ وقد ارتدى قلادةً جميلة في الرقبة، وهو متوسِّط
الحجم إذ يبلغ ارتفاعه حوالي ١٣سم.٧٠
ويبين «شكل ٤٣٧» إناءً من المرمر الأزرق «الأندريت»، اتَّخذ
هيئةً مزدوجة لاثنين من القِردة يحتضنان إناءً ذا غطاء بين
أذرعهما يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة «١٢»، وقد عُثر عليه بجرجا،
يوجَد بمتحف المتروبوليتان للفن، وهو من أواني حفظ الزينة.٧١
أما «شكل ٤٣٨» فكان من أجمل وأروع ما عُثر عليه من أوانٍ
حجرية اتَّخذت هيئة أنثى قردٍ تحتضن صغيرها، وهو من حجر
الجمشت، جاءت فوَّهته على قمة رأس الحيوان وهو صغير الحجم، جيد
الصقل، يوجَد بمتحف المتروبوليتان (١٩٨٩٫٢٨١٫٩٠)، يؤرَّخ بعصر
الدولة الوسطى،٧٢
ويُبين «شكل ٤٣٩» سلطانية من حجر الأندريت (الرخام الأزرق)
يبلغ اتساع قُطرها ٨٫٥سم يوجَد على قاعدتها نقش بارز لاثنَين
من القِردة، وتُعد هذه السلطانية من أواني حفظ الدهون
والمراهم، وهي تؤرَّخ بالفترة من عصر الأسرة «١٥–١٧» توجَد
بمتحف المتروبوليتان للفن بنيويورك (٣٠٫٨٫١٣٩)،٧٣ ونرى في «شكل ٤٤٠–١» سلطانية مُنتفِخة البدن من
حجر الأندريت، اتَّخذ مقبضها هيئة قِرد مُتسلق، يبلغ ارتفاع
هذه السلطانية ٣٫٥سم، واتِّساع قُطرها ٩٫٥سم، وقد جاء القِرد
بمثابة نقشٍ أو نحت بارز على جانب الإناء، أجاد الفنَّان إظهار
تفاصيل ملامح الوجه والجسم٧٤ وهكذا يتبيَّن كيف استمرَّت هيئة القِرد مُتمثلة
في العديد من أواني حفظ مواد التجميل في عصر الدولة الحديثة أيضًا،٧٥ ونرى في «شكل ٤٤٠–٢» إناءً حجريًّا صغيرًا جاء
مقبضه وقد اتَّخذ هيئة قِرد واقف مُمسكًا بحافة الإناء. وهو
يوجَد بالمتحف المصري، ويؤرَّخ بعصر الدولة الحديثة.٧٦
(٦) أوانٍ في هيئة الكِباش
حظِيَت الكباش بأهميةٍ وقداسة كبيرة في مصر القديمة، حيث
أدرك المصري القديم ما لهذا الحيوان من مقدرةٍ فائقة، تمثَّلت
في الخصوبة والتناسُل، لذا ربط المصري القديم بينَه وبين الخلق
والبعث، ولقد ظهر الكبش كحيوانٍ مقدَّس منذ عصور ما قبل التاريخ.٧٧
ولم يكن ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية بهيئة الكباش كثيرة ولا
متنوعة، وكان من بين ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية اتخذت هيئة
رأس الكبش، الإناء «شكل ٤٤١» هو من الألباستر، كروي البدن
تقريبًا، ذو قاعدة مستديرة، وفوَّهة متسعة حلقيَّة تعلو الظهر،
يبلغ طوله ١٠سم،٧٨ عبَّر الصانع عن الرأس بنقشٍ بارز، أوضح فيه
القرنَين المقوَّسين، والعينَين. الإناء عديم المقابض، يؤرَّخ
بمرحلة نقادة الثالثة، وهو من مجموعةٍ خاصة لميخاتيليدس بميونخ،٧٩ وعُثر عليه بمعبد أبيدوس.٨٠
ولقد أرَّخ Kaplony هذا
الإناء بالعصر العتيق،٨١ إلَّا أن شواهد ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية
مشابهة، ومن دلالات السمات الفنية الواضحة بالإناء، يَستدلُّ
على أنه من مرحلةٍ تاريخية أسبق.٨٢
ولقد وضحت في الإناء قُدرة الفنان على تحوير هيئته من مجرد
إناءٍ حجري، إلى هيئةٍ حيوانية تمثل كبشًا، وذلك بإضافة الرأس
بتفاصيله الواضحة.
ربما يُمثِّل هذا الإناء نذرًا لإلهٍ في صورة كبش، خاصةً مع
وجود إشارات إلى تقديس الكبش منذ عصر نقادة الأولى، وظهور
أسماء آلهة ارتبطت بالكبش منذ عصر الأسرة الأولى، أو منذ نهاية
عصر قُبيل الأُسرات، مثل «خنوم» في اسم شخص على قاعدة تمثال
قرد نعرمر.٨٣
(٧) أوانٍ في هيئة القطط
عرف المصري القديم القطط منذ عصور ما قبل التاريخ، وكان هناك
عدة أنواعٍ من القطط بعضها برِّي وبعضها وَحْشي والبعض الآخر
سهل الاستئناس.٨٤ وقد عُثر على العديد من البقايا العظمية وعلى
دفناتٍ لقطط٨٥ منذ أقدم العصور في جبَّاناتٍ عدة، تؤكد على أهمية
القطط لدى المصري القديم.
وليس هناك إشارة مؤكَّدة حتى الآن على استخدام القطة كحيوانٍ
منزلي أليف قبل عصر الأسرة الحادية عشرة، حيث ظهرت لأول مرة
ضمن مناظر الأعمال المنزلية في مقبرة باكت
III ببني حسن.٨٦
ولقد ارتبطت القطة بالنساء سواءً في الفكر الدِّيني أو
الدنيوي؛ إذ كان هناك عدة إلهات صُوِّرت في هيئة قطة، تجمع بين
الجسد الأنثوي ووجه القطة وكان من بين هذه المعبودات القططية؛
المعبودة سخمت، وباستت٨٧ ومافدت التي صُوِّرت بهيئة قطة منذ عصر الأسرة الأولى.٨٨
كما استُخدِمت أشكال القطط لزخرفة العديد من الأدوات لا سيما
أدوات التزيين، وكان الغرض الأول من ظهورها بديهيًّا هو الجانب
الجمالي الزخرفي، ولكنَّنا يجب أن نضع في الاعتبار أيضًا
المدلول الديني والعقائدي، فربما استخدمت أشكال القطط لزخرفة
العديد من الأدوات لا سيما الخاصة بالملِكات بنفس الطريقة التي
استُخدِمت بها أشكال أبي الهول لتزيين أدوات الملوك.٨٩
وكثيرًا ما صُوِّرت هيئة القطة في المناظر المنزلية٩٠ أسفل المقاعد الخاصة بأصحابها، أو مُصاحبة لهم في
مناظر الموت والحياة كنوعٍ من التأكيد على أهميتها
لديهم.
ولقد عُثر على العديد من الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة
القطة، وكان من بين هذه الأواني، الإناء «شكل ٤٤٢» الذي خُصِّص
لاحتواء زيوت الزينة،٩١ وهو من الألباستر، ارتفاعه حوالي ١٤سم، يؤرَّخ
ببداية عصر الأسرة الثانية عشرة، أجاد الفنان إظهار تفاصيل
الجسم وملامح الوجه، فجاء كأنه تمثال بحجم كبير لشكل قطٍّ بري،
الإناء يوجَد بمتحف المتروبوليتان للفن ١٩٩٠٫٥٩٫١٩٢ وتدل جودة نحتِه على مدى إعزاز وتقدير المصري
القديم لهذا الحيوان، فالقط من الحيوانات سريعة التأهُّب
والاستعداد الدائم على مواجهة الثعابين السامَّة، وقد ربط
المصري القديم بين القط وبين المعبودة باستت؛ المعبودة الحامية
ربما لهذا الغرض. والإناء ينقصُه الغطاء الذي يُعتقَد أنه كان
على هيئة قُرص الشمس. وبصفةٍ عامة يُعدُّ الإناء تُحفةً فنية
رائعة، ويقترِب في شكله العام من القطِّ الحقيقي حيث تطعيم
العينَين وإظهار تفاصيل ملامح الجسم والوجه.
(٨) أوانٍ في هيئة الجمل
كان الجمل من الحيوانات ذات القدرة على اجتياز الصحراوات،
ولا بدَّ أنَّ المصري القديم كان قد لاحظَه وأُعجِب بقدرته على
ذلك، فهو وسيلة انتقال قوية مُثابرة،٩٣ ويعتقِد كلٌّ من
Childe
وEmery أنه ربما كان الجمل
من بين الحيوانات التي استُؤنِست في مصر خلال عصر بداية الأسرات.٩٤
لم يُمثَّل الجمل
بكثرةٍ في الأواني الحجرية، وكان من أهم ما عُثر عليه من أوانٍ
حجرية اتَّخذت هيئة الجمل، الإناء «شكل ٤٤٣» وهو من الحجر
الجيري، يبلُغ ارتفاعه ٦٫٤سم وطوله ١٠سم، وعُثر عليه بالمقبرة
رقم 58C4 بأبو صير الملق،
يؤرَّخ بنهاية عصر ما قبل الأُسرات (نقادة
IIICI)، يوجَد بمتحف برلين
برقم ١٨٥٫٩٣،٩٥ اتَّخذ الإناء هيئة جملٍ جاثٍ على رُكبتَيه،
الفوَّهة واسعة مربعة الشكل تقريبًا تعلو الظهر، يوجَد أسفل
حافته أربعة ثقوب ربما للتعليق، يبرُز من الإناء تمثيل لرقبة
ورأس الجمل، مُثِّلت تفاصيل الرأس بالنقش البارز وكذلك تفاصيل
السيقان وانثناءتُها أسفل الجسم على النحو المعتاد.٩٦
وربما كان الغرض من نحت مِثل هذا الإناء، جعلَه وسيلةً سحرية
تُعين المتوفَّى على عبور واجتياز العالم الآخر، تمامًا كما
كان الحال في الحياة الدنيا، حيث اجتياز الجمال الصحراوات
والعبور براكبيها بقدرة فائقة.٩٧
ربما كان هذا الشكل مجرد شكلٍ زخرفي، على غرار العديد من
الأواني الحجرية ذات الهيئات الزخرفية المختلفة، وبوجهٍ عام،
لم يستمرَّ العثور على مثل هذه الهيئة الحيوانية ضِمن ما عُثر
عليه من أوانٍ حجرية بعد ذلك إلا فيما ندر.
(٩) أوانٍ في هيئة القنفذ
القنفذ حيوان صحراوي عُرف بقدراته الدفاعية باستخدام أشواكه
وبقدرته على مقاومة سُمِّ الثعابين والفتْك بها، وقد وُضعت
تماثيل وأونٍ وتمائم في هيئة القنفذ في مقابر عصر ما قبل
الأسرات، كما صُوِّرت قوارب بمقدِّمات في هيئة رءوس قنافذ على
جدران بعض مقابر الدولة القديمة. ربما يعكس ذلك قوة مقدَّسة حامية.٩٨
ولقد عُثر على أوانٍ حجرية في هيئة القنفذ منذ عصر ما قبل
الأسرات وحتى عصر الدولة الوسطى، فمن نقادة الثانية كان الإناء
«شكل ٤٤٤» وهو على هيئة قنفذ من الحجر، أجاد الصانع إظهار
أقدامه الأربع التي يرتكز عليها الإناء، وأجاد التعبير عن رأس
الحيوان والنتوء المُتعدِّد الذي يُعبِّر عن الأشواك، جاءت
فوَّهة الإناء أعلى الظهر، وهي عبارة عن فتحةٍ مستديرة ذات
إطارٍ بارز، وعلى جانبَي الإناء يوجَد مقبضان بسيطان.٩٩
أما الإناء «شكل ٤٤٥» فهو عبارة عن قدحٍ من الإستياتيت، اتخذ
هيئة قنفذ، وهو واسع الفوَّهة، ذو قاعدةٍ مستوية بارزة،
ومَصبٍّ أجاد الفنان إظهاره على هيئة رأس قنفذ، العينان
مُطعمَّتان، وهناك بروز يُعبر عن الذَّيل، جاءت أطراف الحيوان
منقوشةً على السطح الخارجي للإناء. ملمس السطح يعكس خشونة جلد
الحيوان، يؤرَّخ الإناء بعصر نقادة الثانية، ويبلُغ ارتفاع هذا
الإناء ٦٫٥سم، وهو يوجَد ضمن مجموعة ماكجريجور بمتحف كوبنهاجن
القومي ٧٨٠٢.١٠٠
ومن عصر الدولة الوسطى كان الإناء «شكل ٤٤٦» وهو من الأندريت
يوجد بالمتحف الملكي بتورنتو، يبلُغ ارتفاعه ٤٫٧سم، ورغم صِغر
حجمه إلَّا أن الفنان أجاد التعبير عن ملامح وجه الحيوان،
فالإناء على هيئة سلطانية ضيِّقة القاعدة، تتسع لأعلى وتضِيق
مرةً أخرى عند الفوَّهة،١٠١ ربما كان هذا الإناء من أواني حفظ مواد التجميل
والزينة.
(١٠) أوانٍ حجرية في هيئة الطيور
قدَّسَ المصري القديم أنواعًا من الطيور، وجعل لها رمزيَّتها
العقائدية والدينية،١٠٢ ولسنا الآن بصدد تناول تلك الرمزية والأهمية
الدينية، وإنما نستعرِض معًا بعض ما أبدعته يدُ الفنان المصري
القديم من أوانٍ حجرية اتخذت هيئاتٍ لطيور، لمعرفة أي من تلك
الهيئات قد استمرَّت، وأي منها قد توقَّفت.
وكان من بين هذه الأواني الحجرية الهامة، الإناء «شكل ٤٤٧»
وهو من الألباستر يتَّخذ هيئة طائر أبي مِنجل،١٠٣ ويُعدُّ طائر أبو منجل من الطيور المائية، يوجَد
بكثرة في أحراش البردي بالدلتا، وربما قدَّسه المصري القديم
ظنًّا منه في قُدرته على التنبُّؤ، حيث اعتادت تجمُّعات هذا
الطائر على التواجُد عند مشارف الدلتا خلال بعض فترات العام
عند هُبوب عواصف من الصحراء مُحمَّلة بديدان وحشراتٍ لا تلبَث
الطيور أن تلتقِطها،١٠٤ وكان اللون الأبيض هو لون هذا الطائر. وربما كان
اختيار الألباستر في نحت هذا الإناء له علاقة بذلك. أجاد
الصانع نحْت وصقْل الإناء وإظهار تفاصيل الرقبة الطويلة
المُلتوية إلى الخلف على الظهر لتشكيل المِقبض، جاءت فوَّهة
الإناء مُستديرة ذات حافةٍ بسيطة أعلى ظهر الطائر، عبَّر
الفنان عن تحدُّب منطقة الذَّيل في مرونةٍ وبساطة، الإناء
يوجَد بمتحف برلين تحت رقم ٢٤١٠٠،١٠٥ وهو يؤرَّخ بعصر نقادة الثالثة، وربما كان الغرَض
من هذا الإناء ذا معزًى ديني؛ إذ اعتُبر طائر أبو منجل
مُمثِّلا للإله جحوتي ربِّ الحكمة والمعرفة والكتابة والقمر،
كما ذُكر في نصوص الأهرام باعتباره أبًا للملك المُتوفَّى، ومن
ثَم فربما قُصِد من هذا الإناء أن يكون نذرًا للإله جحوتي.١٠٦
أما الإناء «شكل ٤٤٨» فهو من الحجر الجيري، اتَّخذ هيئة طائر
جاثٍ، ساقاه مُنثنيتان تحت البدَن كقاعدة لإناء، فوَّهة الإناء
جاءت على هيئة رقبةٍ أسطوانية مرتفعة على الظهر، أجاد الفنان
التعبير عن الوجه والعينين المُطعمتين والرقبة المُنتصبة
وتفاصيل ريش الجناحين الذي مُثِّل بالنقش في شكل خطوطٍ
متوازية، عُثر على هذا الإناء في أبو صير الملق
58C4 يؤرَّخ بعصر نقادة
الثالثة يوجَد بمتحف برلين ١٨٥٩٢.١٠٧
ولقد كثُر العثور على مِثل هذه الأواني التي اتَّخذت هيئة
الطيور طوال عصر ما قبل الأسرات، واختلفت وتنوَّعت في الشكل
والحجم بحسب نوع الطائر الذي تُمثِّله، والحجر المُستخدَم في
الصناعة، فمنها ما مثَّل الصقر ومنها ما مثَّل أبا منجل ومنها
ما جاء في هيئة الطيور المنزلية كالبط والإوز. وكان الألباستر
من أكثر الأحجار المُستخدَمة في هذا الغرض وكذلك السربنتين
والبرشيا، وإن كان قد عُثر على العديد من الأواني التي صُنعت
من الحجر الجيري، وكانت هذه الأخيرة غالبًا خشِنة الصُّنع تميل
إلى الفظاظة.
وكان من أجمل ما عُثر عليه من هذه الأواني، الإناء «شكل ٤٤٩»
وهو في هيئة حمامة من حجر البرشيا الحمراء، يبلُغ طولُه ٧٫٥
بوصة، وارتفاعه بوصة أجاد الفنان نحتَه وصقلَه، جاءت
المقابض الأسطوانية مثقوبةً على جانبَي الإناء، والفوَّهة
مستديرة تعلو الظهر. أما التفاتةُ الرأس فجاءت بهيئةٍ طبيعية
وواقعية حرص الفنان فيها على إظهار تفاصيل وجه الطائر، حيث
العينان الصغيرتان والمنقار، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة I، يوجَد بالمتحف
البريطاني BM.35306.١٠٨
ويُبين «شكل ٤٥٠» نفس الإناء من زوايا مختلفة تُبين مدى جودة
النحت والصقل والتعبير عن الطائر في واقعيةٍ وانسيابية جميلة.١٠٩
أما «شكل ٤٥١» فهو على هيئة طائرٍ غير واضح التفاصيل من حجر
السربنتين، يبلُغ ارتفاعه بوصة، وطوله بوصة. عُمق الإناء من الداخل حوالَي ٢ بوصة
تقريبًا، قاعدة الإناء مستوية، ذَيل الطائر غير مُحدَّد، الرأس
غفل عنها الصانع يؤرَّخ الإناء بعصر نقادة الثالثة، يوجَد
بالمتحف البريطاني MB.36355.١١٠
ونرى في «شكل ٤٥٢» إناءً بهيئة طائرٍ من حجر السربنتين،
يتميَّز بوضوح خطوطه العامة، فالإناء مُرتفع الظهر ذو فوَّهة
مستديرة أعلاه، والذَّيل مُدبَّب، عبَّر الصانع جيدًا عن الرأس
وبروز المنقار، القاعدة مستوية، الساقان مُنطويان عبَّر عنهما
الصانع بالنقش البارز، يؤرَّخ الإناء بمرحلة نقادة الثانية،
يوجَد بالمتحف الأشمولي ٢١٧–١٨٩٥.١١١
أما «شكل ٤٥٣» فهو يُمثِّل إناءً بهيئة طائرٍ من حجرٍ داكن
صلْد، يؤرَّخ بعصر ما قبل الأسرات يوجَد بمتحف كلية الجامعة
بلندن UC.15204، الإناء ذو
قاعدةٍ مستوية وظهرٍ مرتفع نحو الفوَّهة، الذَّيل عريض يتَّجِه
لأسفل والرقبة قصيرة والمنقار سميك والعينان مُجوَّفتان.١١٢
ونرى في «شكل ٤٥٤» إناءً بهيئة طائر أيضًا من حجر السربنتين،
عُثر عليه بوديعة أساس معبد هيراكونبوليس يوجَد بمتحف
فيتزويليام E9.1898 يؤرَّخ
بعصر نقادة IId–IIIa يُلاحظ
أنَّ ذيله يتَّجِه لأسفل، وعيناه مجوَّفتان للتطعيم، الرأس
خالٍ من التفاصيل، الجناحان مقوَّسان منقوشان على الجانبين.١١٣
أما «شكل ٤٥٥» فيُبين إناءً من الكلوريت بهيئة طائر ربما كان
نسرًا أو صقرًا، ارتفاعه ٢٫٩سم وطوله ٧٫٧سم، عُثر عليه شرق
الدلتا، يؤرَّخ بعصر نقادة
IIIa، يوجَد بمتحف اللوفر
E27201، الساقان محوَّران
في هيئة قاعدةٍ مستوية، عبَّر الفنان تعبيرًا جيدًا عن الرأس
خاصَّة المنقار المقوَّس لأسفل العينان مجوَّفتان والذيل عريض
مقوَّس لأسفل، الجناحان منقوشان على جانبي الجسم.١١٤
ويُبين «شكل ٤٥٦» إناءً من السربنتين بهيئة طائر، ارتفاعه
٤٫٧سم، طوله ٨٫٢سم، عُثر عليه في وديعة أساس معبد هيراكونبوليس،١١٥ يوجد بالمتحف الأشمولي
E2808 يؤرَّخ بعصر قُبيل
الأُسرات (نقادة IIIa)،
يتميَّز الإناء بالظهر المرتفع نحو الفوَّهة، أجاد الصانع
التعبير عن رأس ووجه الطائر حيث العينان والمنقار، وكذلك عبَّر
عن الذيل العريض المُتَّجِه لأسفل. للإناء مقبضان مثقوبان على
جانبَي الفوَّهة.١١٦
ومن أجمل أواني ذلك العصر، كان الإناء «شكل ٤٥٧» وهو من حجر
الديوريت على هيئة بطة، أجاد الفنان نَحتها وتطعيم عينيها
فبدَتْ وكأنها عيونٌ حقيقية، جاء ساقا الطائر أسفلَ الجسم
مُمثَّلة بالنقش البارز وجاءت الفوَّهة الحلقية أعلى الظهر،
أما الذيل فجاء مُدبَّبًا بعض الشيء، يؤرَّخ هذا الإناء بعصر
ما قبل الأسرات، يوجَد بمتحف بتري.١١٧
ويلاحظ في كل هذه الأواني مدى اهتمام الفنان بمنطقة الرأس
خاصَّة المنقار، وتطعيم العينَين أحيانًا بالأصداف أو بأجزاءٍ
من الحجر الجيري الأبيض لتبدو وكأنها تنظُر لِرائيها. بعض هذه
الأواني عُثر عليه ضِمن ودائع أساسات المعابد لا سيما معبد هيراكونبوليس، وربما دلَّ
ذلك على دورها الطقسي أو الديني،
واتَّخذت بعض هذه الأواني هيئاتٍ تجريدية للطيور بينما جاء
البعض الآخر مُتخذًا هيئاتٍ واقعيةً أو حقيقيةً لها، يمكن من
خلالها توضيح أو معرفة نوع الطائر هل هو حمامة، بطة، نَسر أو
ما إلى ذلك من طيورٍ أخرى عرفها المصري القديم، وقام بتقليد
هيئاتها في أوانيه الحجرية.
كان البط والإوز على رأس الطيور المنزلية المُستأنسة التي
تمثَّلت في هيئاتها الأواني الحجرية لا سيما تلك التي
استُخدِمت في حفظ مواد الزينة،١١٨ وكان من أجمل ما عُثر عليه من هذه الأواني الإناء
«شكل ٤٥٨–١» وقد اختلف في تصميمه عمَّا سبق ذِكرُه من أونٍ
اتَّخذت هيئة الطيور؛ إذ جاء الإناء مُتخذًا هيئةً مزدوجة
لاثنَين من البطِّ انحنى رقَبتاهُما كلٌّ في اتجاهٍ لتشكِّلا
مِقبضَي الإناء، وتُوحي هيئة الطائرين بأنهما كانا في وضع
الأضحية؛ حيث انحناءة الرقبة على الجسم، وقد أجاد الفنَّان نحت
الإناء وصقله، وجعله تُحفة فنيَّة أكثر من إناءٍ حجري. ويبلغ
ارتفاع هذا الإناء ١٧سم، وهو من حجر الأندريت (الرخام الأزرق)،
يؤرَّخ بعصر الأسرة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة (١٩٨٥–١٦٥٠ق.م.)، يوجَد بمتحف المتروبوليتان
للفن بنيويورك (٢٧٫٩٫١).١١٩
وكذلك «شكل ٤٥٨–٢» الذي يُبين إناءً من الأندريت، اتَّخذ
هيئة بطة انثنتْ رقبتها أعلى الظهر مكوِّنةً مقبض الإناء الذي
يبلغ طوله ١٥سم، وقد أجاد الفنان إظهار تفاصيل جسم الطائر،
وملامح الوجه والرأس. الإناء يوجَد بمتحف الفن ببوسطن
MFA.65.1749 وهو من أواني
حفظ الدهون.١٢٠
وعلى غرار الإناء المزدوَج كان الطبق «شكل ٤٥٩» الذي شُكِّلت
قاعدته بالنقش البارز على هيئة اثنين من البط، شَكَّلا معًا
خلفية الإناء، انحنى رأسا الطائرين كلٌّ في اتجاهٍ عكس الآخر،
بينما تقابلت أجسامهما بالمُناصَفة وكأنهما توأم، الطبق ذو
فوَّهة واسعة مستديرة، وهو غير عميق، لم يُحدَّد نوع الحجر
تمامًا وإن كان يُقارب في شكله حجر الإردواز، والطبق بوجهٍ عام
صغير الحجم؛ ٢٫٨سم × ٢٫٣سم، وهو يوجَد ضمن مجموعةٍ خاصة
ﻟ Kofler-Truniger بمعهد
الآثار بجامعة زيورخ، وتأريخه بناءً على هيئتِه هذه ربما يرجع
إلى عصر الدولة الحديثة.١٢١
ويُعدُّ مثل هذا النمط من الأواني الحجرية، من أهمِّ أواني
حفظ مواد الزينة والتجميل التي كثُر العثور عليها لا سيما في
المجموعات الملكيَّة أو ضِمن المتاع الجنزي الخاص بالملوك.١٢٢
ولقد استخدم طائر الإوز أو البط في العديد من الزخارف الخاصة
بأدوات الزينة والحُلي، لِما لها من ارتباطٍ رمزي بالخصوبة
وقوة الإنجاب وإعادة الميلاد من جديد لدى المصري القديم،١٢٣ وعند محاولة إيجاد تفسيرٍ منطقي لارتباط طائر البط
مثلًا بدلالة جنسية، نجد أنَّ السبب الحقيقي وراء ذلك يرجع
غالبًا إلى كثرة عدد هذه الطيور التي كانت تعيش في الأحراج
وعلى ضفاف النيل. هذا من حيث الكثرة أما من حيث إعادة الميلاد
فلقد ورَد في نصوص الأهرام أنَّ الملك المُتوفَّى كان يطير إلى
السماء في صورة صقر أو بطة؛ أي أن لهذا الطائر رمزيَّته
المُرتبطة بالميلاد الثاني أو الحياة في العالم الآخر.١٢٤
وكان تمثيل هذه الطيور بمصاحبة بيضها في زخارف الأدوات التي
تصاحب المتوفَّى في عالمه السفلي، يمكن أن يحمل إشارة إلى كل
ما يتمنَّاه من بعْث وميلاد جديد.١٢٥
ولقد عثر في مقابر عصر الدولة القديمة والوسطى على نماذج
رائعة تُمثل هيئات الطيور لا سيما البط والإوز، بعضها جاء كأنه
تابوت حجري بهيئات تلك الطيور، ربما كانت بمثابة قرابين من
الحجَر ستتحوَّل بالسِّحر إلى طيورٍ حقيقية ينتفع بها
المُتوفَّى في العالم الآخر، وعُثر على حالاتٍ من تلك النماذج
في مقابر عِلية القوم في عصر الأسرة السادسة.١٢٦
ونرى في «شكل ٤٦٠» نماذج من الحجر الجيري بهيئة الطيور ربما
كانت بمثابة أوانٍ تحوي ما كان يقدَّم من طعام، طيور، كقُربان
للمتوفَّى، وتتراوح أطوال هذه الأواني ذات الأغطية ما بين ١٠٫٥
إلى ٢١٫٥ بوصة تقريبًا.١٢٧
واستمرارًا لما عُثر عليه من ذلك النمط الأخير، عُثر على
غطاءٍ بهيئة طائر، ربما بهيئة البطة، كان ضِمن سبعةٍ من
الأواني الحجرية من الألباستر، اتَّخذت هيئاتٍ لطيور (شكل
٤٦٢)، وربما كانت هذه الأواني تحوي ما كان يُقدَّم من قربانٍ
وبقايا لحوم، إذ عُثر بها على أجزاءٍ من أجنحةٍ وريش وطيور،
وكانت هذه الأواني ضِمن المتاع الجنزي الذي عُثر عليه بالغرفة
الملكية رقم «٧» جنوب هرم الملك أمنمحات
III بدهشور.١٢٨
(١١) أوانٍ في هيئة الضفدعة
عاشت الضفادع بأعدادٍ وفيرة على ضفاف نهر النيل في مصر
القديمة، ويبدو أنَّ كثرتَها هذه هي التي دفعت المصري القديم
إلى أن يرمُز بها للعدد مائة ألف،١٢٩ هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فقد كانت قوة
ملاحظة المصري القديم للطبيعة بوجهٍ عام، من أهم أسباب ترسيخ
العديد من مُعتقداته الدنيوية والدينية، إذ لاحظ المصريون
القدماء دورة حياة الضفدعة وعاداتها الحيوية، وقدرتها الملحوظة
على التناسُل، فجعلوا منها رمزًا للخصوبة والوفرة.١٣٠
ولقد كان للضفدعة غرض جنائزي وذلك ارتباطًا بصفاتها الطبيعية
المُتمثِّلة في تعاقُب دورة حياتها وخروجها بأعدادٍ كبيرة في
بداية الربيع وخصوبتها وارتباطها بالماء، فرمزت بذلك للخلْق
والبعث والإحياء،١٣١ وتجسَّدت في هيئاتها بعض الآلهة لا سيما الإلهة
حقات التي ارتبطت بالولادة وحماية الحوامل وتشكيل الأجنة في
الأرحام وإعطائهم الحياة.١٣٢
وقد صُوِّرت الإلهة حقات على هيئة ضفدعة كاملة، وعلى هيئة
امرأة لها رأس ضفدعة،١٣٣ ويرجع ظهور اسم الإلهة حقات إلى عصر الأسرة الأولى
واستمرَّ دورها طوال العصور التاريخية.١٣٤
وهكذا كانت الضفدعة بسبب خصوبتها وقُدرتها الهائلة على
التوالد، رمزًا قويًّا للخلق والخصوبة والبعث والإحياء والوفرة.١٣٥
ولقد كثُر العثور على الأواني في هيئة الضفادع منذ عصر نقادة
II، كما كثُر العصور على
نذورٍ بهذا الشكل في المعابد المختلفة منذ عصر بداية الأسرات،
وقد صُنعت تمائم كثيرة بهيئة الضفدعة، وكانت تُوضَع في لفائف
المومياوات، واستمرَّ انتشارُها حتى عصر العمارنة، وكان الغرض
من ارتداء هذه التميمة هو الاستعانة بالقوى الطاردة للشرور أو
رغبة في الحمْل وإنجاحه، بالنسبة للأحياء، وإعادة البعث والخلق
والإحياء، بالنسبة للموتى، وفي كل ذلك إشارة إلى أهمية الضفادع
لدى المصري القديم.١٣٦
وكان السربنتين والبرشيا والألباستر من أكثر الأحجار
استخدامًا في صناعة الأواني في هيئة الضفادع، وكانت في مُجملها
صغيرة الحجم، ويُرجَّح استخدامها في حفظ مواد التجميل الثمينة.
وكان من بين ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية الإناء «شكل ٤٦٣» وهو
من حجر السربنتين الأرقط، ارتفاعه ٥سم، طوله ١١٫٨سم، يؤرَّخ
بعصر نقادة III، جاء الإناء
بهيئة ضفدع ذي رأس مُثلَّث الشكل، وعينين جاحظتَين مجوَّفتين
للتطعيم، الأقدام مُمثَّلة بالنقش البارز، الإناء يرتكز على
بطْن الحيوان.١٣٧
والإناء «شكل ٤٦٤» وهو من الحجر الجيري، ارتفاعه ٣سم، طوله
٩سم، يؤرَّخ بعصر نقادة II،
يوجَد بمتحف بنسلفانيا E.1382،
الإناء بهيئة ضفدع ذو مقبضٍ أسطواني واحد خلف الفوَّهة، يرتكز
الإناء على بطن الحيوان، جاء الرأس طبيعيًّا، والعينان
مجوَّفتَين للتطعيم.١٣٨
وكذلك الإناء «شكل ٤٦٥» وهو بهيئة ضفدع من حجر السربنتين،
طوله ٦٫٦سم يوجَد بمتحف الجامعة بلندن
UC.15213، يؤرَّخ بعصر
نقادة IIIa، الإناء ذو فوَّهة
مستديرة ذات حافة حلقية ذات ثلم على الظهر، الأطراف منقوشة على
البدَن وأُجيد التعبير عن انثناءة الرجلَين الخلفيَّتَين، مثل
الحيوان مرتفع الرأس كأنه ينظُر لأعلى في وضع الاستعداد للقفز.١٣٩
وكان من أجمل الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة الضفدع،
الإناء «شكل ٤٦٦» وهو من حجر البرشيا، يبلُغ ارتفاعه ٣٫٦سم،
يؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى، الإناء جيِّد النحت والصقل جدًّا
والعينان مُجوَّفتان للتطعيم، يرتكز الإناء على الأرجل القصيرة
البدينة، المخالب جاءت في هيئة حزوز بسيطة، والجميل في الإناء
أن الألوان الطبيعية للحجر جاءت تعكس ترقيط جلد الحيوان.١٤٠
أما الإناء «شكل ٤٦٧» فهو من الحجر الجيري، يبلُغ ارتفاعه
٤٫٣سم، وطوله ٩٫٢سم، عُثر عليه بجبَّانة نجع الدير، بالمقبرة
رقم ٧٣٠٤، يؤرَّخ بعصر نقادة
II، يوجَد بمتحف بروكلين
١٧١٧–٦، أجاد الفنان إظهار التوافُق بين الإناء وهيئة الحيوان؛
إذ طُعمت العينان بحجرٍ أبيض وعجينةٍ سوداء والبدن مُزركش
بالأحجار الكريمة، الإناء يرتكز على البطن والأرجل القصيرة
البدينة، يبرُز الذَّيل من بين الساقَين الخلفيَّتَين، فوَّهة
الإناء مستديرة ذات حافةٍ حلقية تعلو ظهر الحيوان.١٤١
وبوجهٍ عام كانت فترة ما قبل وبداية الأُسرات من أصدق
الفترات التي مثَّلت هذا الحيوان في هيئات الأواني الحجرية، ثم
اختلف الأمر بعض الشيء في العصور التاريخية؛ إذ حلَّ الفاينس
في كثيرٍ من الأحيان محل الحجر في هذا الشأن، وقد ظهرت الضفدعة
في عصر الدولة الوسطى على الأدوات والسكاكين السحرية كحيوانٍ
مقدَّس يُعطي الحماية.١٤٢
وظهرت في زخارف الأدوات ومنها أدوات التزيين كعنصر زُخرفي
يتلاءم مع طبيعة الأداة، حيث نُقِشت ضفادع صغيرة في تجاويف
ملاعق الزينة التي تُشير عادةً إلى فكرة حوض الماء، ويمكن أن
يكون الغرَض من وراء تصويرها كذلك هو الاستفادة من الدلالات
الرمزية التي ارتبطت بالضفادع عمومًا.١٤٣
(١٢) أوانٍ في هيئة السلحفاة
تُعدُّ السلحفاة من الحيوانات التي عاشت على شواطئ النيل منذ
آلاف السنين، ولم تكن تؤكَل،١٤٤ وهي من عائلة الزواحف رُتبة السلحفيات، تتغذَّى
على النباتات اللينة أو الحيوانات الصغيرة، كما يمكن أن تصوم
عن الطعام فتراتٍ طويلة١٤٥
وكانت للسلاحف ارتباطاتها الدينية؛ إذ كانت من الحيوانات
المقدَّسة التي عرفت منذ العصر المُبكر، وظهرت على صلايات عصر
ما قبل وبداية الأُسرات، واعتبرها المصريُّون القدماء أحد آلهة
الحفظ في المقابر.١٤٦
ولقد عُثر على القليل من الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئة
السلحفاة، وكان ذلك في عصر ما قبل وبداية الأُسرات في أغلب
الأحيان، أما فيما تلا تلك الفترة فقد ندر العثور على ذلك
النمَط من الأواني الحجرية.
كان الشست والفلسبار من أكثر الأحجار المُستخدَمة في صناعة
الأواني الحجرية ذات هيئة السلحفاة، وكان من بين ما عُثر عليه
لها من أوانٍ حجرية، الإناء «شكل ٤٦٨» وهو من حجر الشست، طوله
٦سم، يُمثِّل هيئة السلحفاة المائية، أجاد الصانع إظهار رأسها
وأقدامها وكأنها تسبح، يؤرَّخ الإناء بعصر ما قبل الأسرات.١٤٧
والإناء «شكل ٤٦٩» من حجرٍ أخضر، ارتفاعه ٢سم طوله ٩٫٢سم
يؤرَّخ بعصر نقادة IIIa-b،
يوجَد بمتحف برلين ١٩٧٣٨، جاءت فوَّهة الإناء أقلَّ اتِّساعًا
من اتساع قُطر البدن، وكان الرأس عبارة عن بروزٍ مُثلث من
الأمام، العينان غائرتان، الفمُ عبارة عن تجويفٍ بسيط، وعبَّر
عن الأرجل بنتوءاتٍ جانبية.١٤٨
والإناء «شكل ٤٧٠» من حجر الكلوريت، بهيئة سلحفاة، ارتفاعه
٢٫٥سم، طوله ٧سم، عُثر عليه شرق الدلتا، يؤرَّخ بعصر نقادة
IIIa، يوجَد بمتحف اللوفر
E11175، عبَّر الفنان عن
الإناء وكأنه ظهر السلحفاة المُحدَّب، الأرجل نتوءات مسطحة،
تجويفا العينين مُستديران، ويصِل عمق الإناء من الداخل حوالي
٢سم، أي أنه شديد الضحالة.١٤٩
أما الإناء «شكل ٤٧١» فهو من حجر الشست، طوله حوالي ٦سم،
يؤرَّخ بالعصر العتيق، يوجَد بمتحف القاهرة، جاء الإناء في
هيئة سلحفاة، عبَّر الفنان عن رأسها ببروزٍ في مستوى جسم
الحيوان وأقدامه، وعبَّر عن العينَين بتجويفَين بالرأس وهناك
ثُقب في موضع الذنَب ربما للتثبيت.١٥٠
وهكذا كان عصر ما قبل وبداية الأسرات هو عصر الإبداع الفني،
إذ نرى كيف كان الفن يُسخَّر لخدمة أغراض الحياة، فلم يكن
الإناء الحجري مجرد إناءٍ يحوي أشياء، وإنما حرص الفنَّان على
جعله لوحةً فنية ذات غرضٍ فعلي، وهذا ما يُميز هذا العصر عن
غيره من شتَّى العصور التاريخية؛ إذ لم تستمرَّ تلك النزعة
طويلًا إلا في حالة تمثيل أو نحت الأواني الملكية أو أواني
الصفوة، وكان التركيز على أنواعٍ بعَينها من الحيوانات بينما
اختفى تمثيل أنواعٍ أخرى من الحيوانات كانت قد ظهرت في عصر ما
قبل وبداية الأُسرات في صناعة الأواني الحجرية.
(١٣) أوانٍ في هيئة الأسماك
كانت الأسماك من أكثر الهيئات التي أجاد المصري القديم
التعبير عنها بشكلٍ صريح في شتَّى أعمال الفن، وفي صناعة
الأواني الحجرية، واستخدمت لا سيما في أغراض الزينة وحفظ مواد
التجميل، وفي تشكيل ونحت الصلايات.
وكان سمَك البلطي من أكثر الأسماك التي عبَّر عنها المصري
القديم في صُنع أوانيه الحجرية، وربما كان ذلك لارتباطه
بأفكارٍ جنزية تتعلَّق بخصوبتها ووفرتها وارتباطها بماء النيل،
وقُدرتها على اجتياز المياه واحتوائها لصغارها في فمِها عند
الإحساس بالخطر، فارتبطت بالحماية والوفرة والخصوبة.١٥١
ولقد عُثر على العديد من الأواني في هيئة الأسماك لا سيما في
حضارة نقادة II، واستمرَّ
تشكيل الأواني بتلك الهيئة طوال عصر ما قبل وبداية الأسرات.١٥٢
وكان من أجمل ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية بهيئة سمَكة
البلطي، الإناء «شكل ٤٧٢» وهو من المرمر المصري، يؤرَّخ بعصر
بداية الأسرات، أوضح فيه الفنان تفاصيل الجسم وفتحة الفم
والزعانف، ولقد استُخدِم هذا الإناء تقريبًا لحفظ العطر.١٥٣
والإناء «شكل ٤٧٣» وهو من الإردواز، يُمثل هيئة سمكة البلطي،
عُثر عليه بسقارة، يؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى، يبلُغ طول
الإناء حوالي ٨٫٨سم، وسُمك حافته حوالي ١٫٥سم، الفم مفتوح
والعينان مُطعمتان بالمحار، حددت نهاية الرأس بخطٍّ محزوز،
وعبَّر الفنان عن الزعانف بخطوطٍ محزوزة، الذَّيل به ثُقب
دائري وتؤدي فتحة الفم إلى تجويفٍ ممَّا يرجِّح احتمال
استخدامه كإناءٍ لحفظ مواد التجميل أو العطور.١٥٤
ويبين «شكل ٤٧٤» إناء من حجر البرشيا في هيئة سمكة البلطي،
يبلغ ارتفاع الإناء ١٠سم، يورَّخ بعصر ما قبل الأسرات،
استُخدِم هذا الإناء لحفظ الدهان، فوَّهة الإناء تعلو ظهر
السَّمكة، وهي مستديرة الشكل، الإناء جيد النحت وهو موجود
بمتحف برلين.١٥٥
ولقد استمرَّ تمثيل الأواني الحجرية في هيئة الأسماك حتى عصر
الدولة الوسطى، ففي «شكل ٤٧٥» نرى إناءً من حجر الأندريت في
هيئة سمكة البلطي، أجاد الفنان إظهار تفاصيل الزعانف ورأس
السمكة والفم المفتوح الذي عبَّر به عن فوَّهة الإناء، عُثر
على هذا الإناء بجرجا، وهو يؤرَّخ بعصر الأسرة الثانية عشرة،
يوجَد بمتحف المتروبوليتان
MMA.10.176.52.١٥٦
(١٤) أوانٍ بزخرفة الثعبان
اتَّخذ المصري القديم من الثعبان رمزًا طوطميًّا له منذ عصور
ما قبل التاريخ وبداية الأسرات،١٥٧ جاعلًا منة قوَّة لحمايته من الأرواح الشريرة،
ودافعًا للأذى عن طريق توجيه عناصر الأذى فيه لأعدائه، ولقد
ظهر الثعبان في العديد من الأعمال الفنية، كما شكَّلت به بعض
أدوات الحُلي.١٥٨
وارتبط الثعبان أيضًا بالحماية والإمداد بالحياة؛ إذ كانت
المهمَّة الرئيسية للثعابين هي إعادة ولادة إله الشمس وبعثه من
جديد يوميًّا، وكانت وظيفة بعضها إمداد الآلهة والبشر بالحياة.١٥٩
لم يُعثَر على الكثير من الأواني الحجرية بهيئة الثعبان
لا سيما في عصر ما قبل وبداية الأسرات؛ إذ كان الفخَّار هو
السائد في هذا الشأن، وكان الإناء «شكل ٤٧٦» والذي يُمثِّل
طبقًا من السربنتين من أكثر الأواني الحجرية الدالة على أهمية
واستخدام الثعبان في زخرفة الأواني الحجرية. الطبق يؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى، وهو على هيئة قارب، أسفل منه اثنان من الثعابين
المُلتوية تُشكِّل قاعدته، يوجَد الطبق بمتحف فيتزويليام
E.103.1898.١٦٠
ولقد كانت عصور ما قبل وبداية الأسرات بمثابة المسرح الذي
عبَّر عن مُخيلة الفنان المصري القديم، وانعكست بين أركانه
أحداثها التي أخرجها الفنان في أعماله المختلفة، والتي كانت
الأواني الحجرية أهمها إذ جعل منها أرضًا خصبةً عبَّر فيها عن
أفكاره، وعن بيئته، ولا شكَّ أن لكل عصرٍ مُجرياته، وما ساد في
فترة ليس بالضرورة أن يستمرَّ في فترات أخرى، وهذا هو بالفعل
ما حدَثَ بشأن مثل تلك الأواني ذات الهيئات الحيوانية
المختلفة.
٢ Baumgartel, E. J., The Cultures of
Prehistoric Egypt. Vol. II, Oxford, 1970, p.
74.
٣
أشرف زكريا، التماثيل والتشكيلات الحيوانية والحيوانية
الطابع في مصر وبلاد الشرق الأدنى القديم في عصور ما قبل
التاريخ، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآثار، جامعة
القاهرة، ٢٠٠٠م، ص٢٢٣.
٤ Osborn, D. J., and Osbornova., J.,
The Mammals of Ancient Egypt, England 1998,
p. 125.
٥
زينب عبد التواب رياض، الدفنات الحيوانية في مصر
والعراق وبلاد الشام في عصر ما قبل التاريخ والعصور
المُبكرة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآثار،
جامعة القاهرة، ٢٠٠٦م، ص٨٢–٨٥.
٦ Glanville, S., “Egyptian theriomorphic vessels in the
British Museum”, in: JEA, 12, 1926,
p. 54, pl. 13, 1–3.
٨ ⋆ يذكُر
أشرف زكريا بشأن هذا الإناء، أنه هو نفسه الإناء
الموجود بالمتحف البريطاني ٥٣٫٨٨٨ آنف الذكر، وترى
الدارسة أنه ليس هو نفس الإناء، لعدم تطابقهما في
الشكل.
٢٢ Teeter. E., animals, in Egyptian
Religion in: Collins, B. J., (edit.,), A history
of the animal World in the Ancient near east,
Leiden, 2002, p. 355.
٢٣ Ibid., p. 341; Cooper, J. C., An
illustrated encyclopedia of traditional symbols.
London, 1978, p. 26.
٢٤ Baumgartel, E. J., the cultures of
Prehistoric Egypt, vol. II, pl. VI, 3; Aston,
B., Op. Cit., p. 92-93; Saied, A. M.,
Götterglaube und gottheiten in der vorgeschichte
und fruhzeit Ägytpens, Dok; Diss., Kairo
universitat, 1997, Taf. 93, Abb. 4, p.
112.
٣٥ El-Shahawy, A., and Atiya, F., The
Egyptian Museum in Cairo, Cairo, 2005, p. 19,
Cat. No. 7; Saleh, M., Official Catalogue – the
Egyptian Museum Cairo, p. 42, Cat. No. 6;
Corteggiani, J., Op. Cit., p.
22.
٣٦ El-Shahawy, A., and Atiya., F., Op.
Cit., p. 19., Cat. 7.
٤٦ ⋆ عن
القرد وأنواعه ودوره انظر: غادة محمد محمد بهنساوي،
القرد المُقدَّس في مصر القديمة دراسة دينية أثرية منذ
أقدم العصور حتى نهاية الدولة الحديثة، رسالة ماجستير
غير منشورة، كلية الآثار، جامعة القاهرة،
٢٠٠٦م.
٤٧ Haulihan, p. F., The Animal world
of the Pharaohs, Cairo, 1996, p.
95.
٥٨ Valloggia, M., “Rapport
Préliminaire sur la troisiéme campagne de
fouilles du Mastaba V á Balat (Oasis de
Dakhleh)”, in: BIFAO, 80, 1980, pl.
XXXVIa.
٥٩ Bourriau, J. D., Pharaohs and
Mortals, Cambridge, 1988, p.
142.
٦٨ Müller, H. W., Op. Cit., p. 85;
Egypt’s golden Age: the art of living in the
Newkingdom, Cataloguer of the Exhibition, Museum
of fine arts, Boston, 1982, p. 212, Fig.
253.
٦٩ Green, L., “Toiletries and
Cosmetic”, in: OEAE, vol. 3, Cairo, 2001, p.
415.
٧٧
إيناس بهي الدين، المعبودات المصرية القديمة التي
اتَّخذت هيئة الكبش منذ بداية العصور التاريخية وحتى
نهاية الدولة الحديثة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية
الآثار، جامعة القاهرة، ٢٠٠٢م ص١٤-١٥.
٧٨ Kaplony, P., Steingefässe mit
inschriften der frühzeit und des alten Reiches,
Bruxelles. 1968, pp. 11-12, Taf. 13.
IB.
٨٨
والتر-إمري، مصر في العصر العتيق، ص١١٨. للمزيد عن المعبودة مافدت انظر: رءوف أبو الوفا محمد المندوه ورداني، المعبودة مافدت
في المعتقدات المصرية القديمة حتى نهاية التاريخ
المصري القديم، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية
الآثار، جامعة القاهرة، ٢٠٠٦م.
١٠٢ Drewer, D., “Hunting animal
husbandry and diet in ancient Egypt”, in:
Collins, B. J., (edit.,) A history of the animal
world in the Ancient Near east. Leiden, 2002, p.
453.
١٠٨ Glanvill, S. R. K., Op. Cit., p.
53, pl. XII, 1–3; Vandier, J., Manuel
d’Archéiologie Ēgyptienne, Paris, 1982, Fig.
219; Ancient Egypt: strone vessels;
http://nefertit.iwbland.com.
2007.
١٢٣
غادة مصطفى إبراهيم عزَّام، طائر الإوز في المناظر
والنصوص الدينية حتى نهاية الدولة الحديثة، رسالة
ماجستير غير منشورة كلية الآثار، جامعة القاهرة،
٢٠٠٧م، ص١٣٦.
١٤٠ Spencer, B., Early Egypt, London,
1993, p. 29, Fig. 25.
١٤١ Saied, A., Op. Cit., p. 243, Taf.
176, Abb. 2, a-b; Fazzini, R., Image for
eternity, Egyptian Art from Berkeley and
Brooklyn. New York, 1975, Cat. 9, p.
12-13.
١٤٤ Gautier, A., animal Remains from
Archaeological sites of the terminal Paleolithic
to old Kingdom Age in the Fayum, p.
280.
١٤٥
لمياء الحديدي، دراسة مقارنة بين النقوش الصخرية في
مصر والنوبة السُّفلى ورسوم الفخار في المرحلة
النقادية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآثار،
جامعة القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٠٢.
١٥٤
حسني عبد الحليم عمَّار، فن تشكيل ونحت التماثيل منذ
أواخر عصور ما قبل التاريخ حتى بداية الأسرة الثالثة،
رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآثار، جامعة
القاهرة، ٢٠٠٦م، ص٢٨٦.
١٥٩
ثناء جمعة الرشيدي، الثعبان ومغزاه المصري القديم من
البدايات الأولى وحتى نهاية الدولة الحديثة، رسالة
دكتوراه غير منشورة كلية الآثار، جامعة القاهرة ١٩٩٨م،
ص٨.
١٦٠ Quibell, J. E., Hierakonpolis, 1,
pl. XXXI, 1; El-Khouli, A., Op. Cit., pl. 160,
No. 5599.