ويمكن إجمال نقوش الأواني الحجرية التي عُثر عليها، والتي تؤرَّخ بعصر بداية
الأسرات إلى:
(١-١) نقوش الأواني الحجرية الدالة على الألقاب الملكية
تَلقَّب كل فرعون بعدة ألقاب وأسماء، وصَل بينه فيها وبين مقدَّسات قومه،
واستهدف منها أن يؤكد سُلطانه الديني والدنيوي في الحكم،
١١ واستقرَّ من هذه الأسماء والألقاب خلال عصر بداية الأسرات وعصر
الدولة القديمة خمسة ألقاب عُرفت باسم «الألقاب الملكية الخمسة»،
١٢ وهي:
-
(١)
«اللقب الحوري Hr»: وهو اسم يؤكد
صِلة الفرعون بالمعبود حورس.
-
(٢)
«اللقب النبتي nbty»: وهو اسم
يؤكد صِلة الفرعون بالرَّبَّتَين القديمتَين؛ «نخابة» حامية الصعيد
التي كانوا يرمزون إليها بأُنثى العقاب، و«واجه» حامية الوجه
البحري التي كانوا يرمزون إليها بحيَّةٍ ناهضة.
-
(٣)
«اللقب النسوبيتي
nswt-bity»:
وهم اسم يؤكد صِلة الفرعون بالشعارَين المُقدَّسين القديمَين؛
«البوص» أو «الأسل» شعار مملكة الصعيد القديمة، و«النحلة» شعار
مملكة الدلتا القديمة؛ وكان الغرض من تأكيد هذه الصِّلة هو إظهار
الفرعون بمظهر الوارث الشرعي لكلٍّ من المَملكتَين القديمتَين
صاحبتي الشعار.
١٣
-
(٤)
لقب
Hr-nb «حورس الذهبي»: ولقد
جرى العُرف على ترجمة هذا اللقب ﺑ «حورس الذهبي»، ولكنَّ الباحثين
يميلون إلى ترجمته الآن ﺑ «حورس المنتصر على ست»، استنادًا إلى
أنَّ علامة
nwb التي يقف فوقها
حورس ليست العلامة الدالة على «الذهب» في هذه الحالة، وإنما هي
صورة مُختصرة لكلمة
nwbt التي هي
اسم مدينة «نوبت» مركز عبادة الإلهة ست، ومن الناحية الرمزية
والأسطورية فإنَّ وقوف حورس فوق مركز عبادة ست يعني انتصاره على
هذا الإله.
١٤
-
(٥)
«لقب
S3-Rc»:
بمعنى ابن الشمس وهو لقب الميلاد، ويعني «ابن الشمس» ويُعبِّر هذا
اللقب عن العلاقة بين الملك وإله الشمس في إحدى صوره.
١٥
ومن النماذج التي عبَّرت عن ارتباط الاسم أو اللقب الحوري بأسماء ملوك عصر
بداية الأُسرات، ما نراه في أوانٍ عدَّة نُقشت بأسماء ملوك ذلك العصر، ونلاحظ
فيها جميعًا أنَّ أسماء الملوك كانت تُكتَب داخل السرخ، وكان يعلو السرخ هيئة
الإله حورس، والذي كان الملوك يحكمون باسمه،
١٦ ولقد وضح هذا الارتباط فيما عُثر عليه من أوانٍ حجرية تؤرَّخ بعصر
بداية الأسرات، وتحمِل ألقاب أو أسماء فراعنة تلك الفترة، وكان من بين هذه
الأواني، الإناء «شكل ٤٧٩» وهو من الألباستر، بهيئةٍ أسطوانية مُعتادة، أسفل
الفوَّهة توجَد زخرفة خطية تُمثل الحبل، وعلى الإناء نجد نقشًا يُمثِّل اللقب
الحوري للملك نعرمر، عُثر على هذا الإناء بأبيدوس، وهو يؤرَّخ بعصر الأسرة
الأولى، يوجَد بمتحف بنسلفانيا ٥٨٫٣١٤٨٠.
١٧
وكذلك الإناء «شكل ٤٨٠» الذي يُمثِّل صحنًا من الصخر البورفيري، عُثر عليه
بسقارة، عليه نقش باللقب الحوري للملك نعرمر،
١٨ وهو أول ملوك الأسرة الأولى، وقد كُتِب اسمه بعلامتي السَّمَكة
والإزميل أو الوتد
.
١٩ الإناء بالمتحف المصري
JE.88406،
وقد عُثر عليه بالهرَم المدرَّج بسقارة في المخزن
B.
ولقد وضح ارتباط حورس بالملكية أيضًا من خلال اللقب الحوري للملك «عحا» أو
«حور عحا» ثاني ملوك الأسرة الأولى، والذي يعني اسمه «حور المحارب» أو «صقر
الحرب»
.
٢٠
ولقد عُثر على اسم هذا الملك في العديد من النقوش التي جاءت على كثيرٍ من
الأواني الحجرية، ففي الإناء «شكل ٤٨١» نجد نقشًا يُمثل اللقب الحوري للملك
«عحا»، الإناء من الألباستر، أسطواني الشكل، جاء النقش على أحد جوانب الإناء
يُصوِّر حورس الصقر واقفًا على علامة السرخ، ونجده قد اخترق بقدَمِه جدار السرخ
ليُمسك بعدة الحرب أو دبُّوس القتال.
٢١
أما «شكل ٤٨٢» فيوضِّح جزءًا من إناءٍ أسطواني الشكل من الألباستر، كان
ارتفاع الإناء حوالي ٣٢سم، وكان اتِّساع قُطره يتراوَح ما بين ١٣٫٥ إلى ١٧٫٥سم،
وعلى هذا الجزء من الإناء نقش باللقب الحوري للملك «عحا»، وهو نقش بارز احتلَّ
مساحةً تُقدَّر بحوالي ٦٫٨سم.
٢٢
ولعل ذلك يؤكد على دور الصقر في الفكر المصري القديم، فهو من الطيور التي
احتلَّت مكانةً مرموقة وسط الحيوانات المقدَّسة في مصر القديمة؛
٢٣ إذ كان تحليقُه على ارتفاعٍ عال، وطبيعته الهجومية من أهم الأسباب
التي جعلته يحتلُّ مكانةً خاصة في الديانة المصرية القديمة،
٢٤ فهو الإله الحامي للملك والملكية، ومن ثَم كثُر تصويره على السرخ
بغرض الحماية،
٢٥ وذلك طوال عصر بداية الأسرات.
ومن نفس تلك الفترة، عصر الأسرة الأولى، عُثر على سلطانية من الصخر البركاني
(شكل ٤٨٣) يبلُغ ارتفاعها ٧٫٧سم، عُثر بداخلها على نقشٍ بعلامتَين
هيروغليفيتَين تُشكِّلان معًا لقب
ht، «حت»
والمُلفت للنَّظَر أن النقش كان بقاع السلطانية من الداخل وهو ما لم يتكرَّر
بكثرة؛ إذ كان عادة يتمُّ النقش على الجدار من أعلى، سواء من الداخل أو من
الخارج، وتُؤرَّخ هذه السلطانية بالنصف الأول من عصر الأسرة الأولى، وقد عَثر
بتري في إحدى المقابر الملكية بسقارة على طبعةٍ ختم عليها اللقب الحوري للملك
حور عحا، واسم أو لقب
ht (شكل ٤٨٤)؛ مما دعا
Helck إلى تفسير هذا الاسم بأنه خاص بأحد
الأمراء أو كبار الموظفين في تلك الفترة، وأنه من الألقاب الشخصية له، وإن كان
هذا الرأي يُجانبه الصواب؛ إذ لم يكن هذا الأمر مألوفًا آنذاك، فلم يحدُث على
سبيل المثال أن كُتِب اسم «حماكا» أو غيره من كبار الموظفين وعِلية القوم في
طبعات أختام ملوك عصر بداية الأُسرات.
٢٦
ويبين «شكل ٤٨٥» طبقًا من الكوارتزيت، تتَّضِح بداخله علامات التفريغ
الحلزونية الناتجة عن التصنيع، وبمُنتصف الطبق — بالقاع أيضًا — نجد نقشًا باسم
«نيت حتب»
٢٧ وهي زوجة الملك «عحا»، عُثر على اسمها بالعديد من الأواني الحجرية
والمختومات بمقبرةٍ صغيرة بأبيدوس،
٢٨ يبلُغ ارتفاع الطبق حوالي ٦٫٨سم، واتِّساع قُطره عند الفوَّهة ٦سم
وعند القاعدة ٣٫٥سم، يؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى.
٢٩
أما «شكل ٤٨٦» فيُبين إناءً أسطوانيًّا من الألباستر ارتفاعه ٢٥٫٢سم،
واتِّساع قُطره ١٣سم، عليه نقش باللقب الحوري للملك «واج» أو «جت» رابع ملوك
عصر الأسرة الأولى،
٣٠ والذي كُتِب اسمه بعلامة الثعبان
، وفي عهد هذا الملك ظهر اللقب النبتي أو المُنتمي إلى
الرَّبَّتَين «نخبت» و«واجيت».
٣١
ونرى في «شكل ٤٨٧» إناءً أسطوانيًّا من الحجر الجيري، ارتفاعه ٢٣سم، واتِّساع
قُطره يتراوح ما بين ١١ و١٥سم، الإناء عليه نقش باللقب الحوري للملك «دن»
خامس ملوك عصر الأسرة الأولى،
٣٢ ولقد عُرف هذا الملك أيضًا باسم «أوديمو» أو «جيمو»، بمعنى حافر
التُّرَع أو واهِب الماء، وكان للملك نفسه أيضًا اسم آخر هو «سمتي»، بمعنى
الصحراوين أو المنتسب إلى الصحراوين،
٣٣ وفي عهده ظهر لأول مرة اللقب النسوبيتي أي «ملك مصر العُليا والسُّفلى».
٣٤
ويبين «شكل ٤٨٨» إناءً أسطوانيًّا من الألباستر ارتفاعه ١٢سم، اتِّساع قُطره
يتراوَح ما بين ٩٫٩سم إلى ١١سم، عليه نقش باللقب النسوبيتي للملك «دن»، وقد
كُتِب في هذه المرة ﺑ «سمتي»، وهي إحدى صيغ كتابات اسم هذا الملك.
٣٥
ونرى في «شكل ٤٨٩» طبقًا من الديوريت الأسود، اتِّساع قُطره ١٦سم، عليه نقش
باللقب النسوبيتي للمك «دن»، وقد كُتِب هنا أيضًا «سمتي».
٣٦
ولنفس هذا الملك عُثر على طبقٍ من حجر الشست ارتفاعه ١٢سم، واتِّساع قُطره
٢٣سم، كان يحمل نقشًا باسم الملك «دن»
، خامس ملوك الأسرة
I،
وقد عُثر عليه بسقارة، ويوجَد حاليًّا بالمتحف المصري
JE.88435.
٣٧
وللملك عج-إيب
(سادس ملوك عصر الأسرة الأولى)، والذي يعني اسمُه
سليم العقل والقلب.
٣٨
كانت السلطانية «شكل ٤٩٠»، وهي من الحجر الجيري، مُرتفعة الجوانب، يبلُغ
ارتفاعها حوالي ١١سم، واتِّساع قُطرها يتراوح ما بين ٧ : ١٣سم، السلطانية عليها
نقش باللقب الحوري للملك عج-إيب،
٣٩ والذي كُتِب اسمه داخل السرخ بعلامة الذراعَين المقدَّستين
٤٠ إشارةً إلى الحماية، وكان له اسمٌ آخَر هو «مرببا»
.
٤١
والإناء «شكل ٤٩٢» وهو بهيئة مُقرفصة من الحجر الجيري، ارتفاعه حوالي ١١سم،
واتِّساع قُطره يتراوح ما بين ١١ و١٣سم، الإناء عليه نقش باللقب الحوري للملك عج-إيب.
٤٢
ومن المُلفت للنَّظر أنه قد عُثر على بعض الأواني الحجرية التي تؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى، وكانت قد جمعت نقوشها بين اسمَين أو أكثر من أسماء ملوك تلك
الفترة، كُتبت بصِيَغٍ مختلفة وذلك كما في حالة الطبق «شكل ٤٩٣» وهو من
الديوريت عليه نقش باللقب النسوبيتي لثلاثةٍ من ملوك عصر الأسرة هم الملك «عج
إيب» والملك «دن» أو «سمتي» وقد كتبت أسماؤهما بصِيغٍ مختلفة هي «مرببا وسمتي»
«عج إيب ودن» بخلاف اسم الملك «قا-ع»
ثامن ملوك عصر الأسرة الأولى.
٤٣
وكأنَّ هذا الطبق فيه تأصيلٌ للأنساب، أو تاريخ لعهود بعض الملوك. وكثيرًا ما
عُثر على أجزاءٍ من أوانٍ حجرية تحمل نقوشًا تاريخية لذِكرى أحداثٍ بعينها مثل
الاحتفال مثلًا بعِيد السد، ففي «شكل ٤٩٣» نرى كسرةً لإناء من الكوارتز عليها
نقش يُمثل تأريخًا لذكرى الاحتفال بعيد السد الخاص بالملك «عج إيب»
٤٤ ونرى مقصورة الحب سد بدرجاتِ سُلَّمِها المُميَّزة، أما باقي النقش
فغير واضح.
ومن الجدير بالذِّكر أن احتفال السد كان من أقدم الاحتفالات؛ إذ يرجع تاريخه
إلى عصر بداية الأسرات. وتعكس النقوش ما كان سائدًا في الفترة المُبكرة من
الحضارة المصرية القديمة من طقوسٍ أو بعض طقوس هذا الاحتفال الذي ظلَّ موروثًا
بتقاليده طوال عصور الحضارة المصرية القديمة.
٤٥
ونرى في «شكل ٤٩٥» و«شكل ٤٩٦» جزءًا لسُلطانيات من الشست عليها نقش باللقب
الحوري للمك عج إيب وأمامه الملك واقفًا بالحَربة والعصا، وعلى اليمين بقايا من
علامة
wr، ونرى الملك مُرتديًا التاج الخاص
بمصر السُّفلى، ويقف على علامةٍ مُستطيلة تُمثِّل الأرض، جاء النقش واضحًا كأنه
يؤرِّخ لحدَثٍ ما تمَّ في عهد الملك عج إيب،
٤٦ وربما كان أحد طقوس مراسم الاحتفال بعيد السد، وربما كان أحد مناظر
التعبير عن التتويج الملكي واعتلاء العرش.
ويُبين أيضًا «شكل ٤٩٧» جزءً لسلطانية من الشست عليها نقش باسم الملك «د»
والذي جاء مكتوبًا بعلامتي «خاستي» على اليمين أما على اليسار من ذلك فقد جاء
نقشٌ آخر باسم الملك عج إيب، والذي جاء مكتوبًا هكذا «مرببا»، تؤرَّخ تلك
الكسرة بعصر الأسرة
I.
٤٧
ويُبين «شكل ٤٩٨» النصف العلوي لإناء من حجر الألباستر، عليه نقش باسم الملك
«دن»، عُثر عليه بالهرم المدرَّج بسقارة، وهو من نمَط الأواني مسلوبة البدن
التي تحمل زخرفةً بهيئة الحبال. الإناء يوجَد بالمتحف المصري
JE.88421.
٤٨
ويُبين «شكل ٤٩٩» جزءًا لغِطاءٍ من الألباستر عليه نقش يُمثِّل اللقب الحوري
للملك «سمرخت»
سابع ملوك عصر الأسرة الأولى،
٤٩ الذي يعني اسمه «سمير البدَن أو رفيق الجسد»، وهو أول ملك يحصل على
لقبَي نسوبيتي ونبتي معًا.
٥٠
أما «شكل ٥٠٠» فيُمثل جزءًا من طبقٍ من الألباستر عليه نقش غائر بعلامات
هيروغليفية صغيرة تُمثل أسماءً عدة للملك «قا-ع»، ربما كانت ألقابًا شرفية له،
٥١ ولعلَّ معنى اسم «قا-ع» هو عالي الهمَّة، وذلك لاعتبار أن علامة
«قا» تُمثل اختصارًا للصفة «قاي» والتي تعني «عاليًا»،
٥٢ وربما يعني اسمه أيضًا «عالي الذراع أو طويل الباع»، وقد ظهر إلى
جانب اسمه على أختامه اسمٌ قرأه «زيته» «سنمو» بينما قرَأه «فيي» «سن». وتردَّد
في اعتباره اسمًا للملك أو لقبًا لأحد موظفيه بمعنى الرفيق أو الصَّفي وربما
بمعنى حامل الختم.
ويبين «شكل ٥٠١» جزءًا من إناءٍ من الحجر الجيري عليه نقش باسم الملك «قا-ع»،
ونراه هنا مُنتسبًا إلى المعبودتَين «نخبت» و«واجيت»، وأمام النقش نجد علامتي
حورس الذهبي أو «حور نبو» وقد عُثر على هذه الكسرة بأبيدوس، وهي تؤرَّخ بعصر
الأسرة الأولى.
٥٣
والجميل في هذا النقش هو ما يظهره من تركيبة ثُلاثية تجمع بين ثلاثةٍ من
الآلهة أو المعبودات التي عرفت آنذاك، فنرى «واجيت» الإلهة الحامية لأرض مصر
السُّفلى والمُصوَّرة على هيئةِ حيَّة الكوبرا،
٥٤ و«نخبت» معبودة الوجه القبلي والتي كانت تُمثَّل بهيئة أُنثى النسر،
٥٥ ثم حورس الذهبي.
ونرى في «شكل ٥٠٢» جزءًا لسلطانيةٍ من حجر الشست، عليها نقش باسم الملك
«قا-ع» ورمز المعبودتَين: «نخبت» و«واجيت».
٥٦
أما «شكل ٥٠٣» فيُمثِّل جزءًا من سلطانية من حجر الشست، عليها نقش باللقب
الحوري للملك «قا-ع» وجزءًا من علامة الحب سد «المقصورة الخاصة بعيد السد»،
وربما يُمثل هذا النقش تاريخًا لذِكرى الاحتفال بعيد السد الخاص بالملك «قا-ع».
٥٧ ويُعدُّ عيد السد واحدًا من أقدم الأعياد في مصر القديمة، إذ يرجع
أصله إلى بداية العصور التاريخية، كما يتَّضح من النقش السابق، وقد كان الملوك
يحتفلون به عادة لأول مرة عقِبَ بلوغ حُكمهم فترة الثلاثين عامًا، ثم يتكرَّر
الاحتفال به بعد كلِّ ثلاثِ سنواتٍ، ولكن من ناحيةٍ أخرى نجد العديد من الملوك
ممَّن لم تبلُغ فترة حكمهم الثلاثين عامًا يحتفلون بهذا العيد. والتفسير الوحيد
المنطقي لذلك هو أنهم بدءوا بحساب فترة حكمهم منذ اشتركوا مع آبائهم في الحُكم،
أي منذ تعيينهم ولاةً للعهد.
٥٨
وكأنَّ الأواني الحجرية بنقوشها تؤرِّخ لتتابُع الملوك، وبداية عصرٍ ونهاية
آخَر. فبالملك قا-ع ينتهي عصر الأسرة الأولى، ويبدأ عصر الأسرة الثانية باعتلاء
الملك «حتب-سخموي» للعرش، والذي استطاع مدَّ سُلطانه على قُطرَي مصر، ويتَّضح
ذلك من خلال معنى اسمه «حتب-سخموي» والذي يعني فلترضَ القوَّتان» إشارة إلى
إلهَي الشمال والجنوب حورس وست،
٥٩ وكان من بين ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية منقوشة تحمل اسمه، الإناء
«شكل ٥٠٤» وهو ما يُمثل كوبًا من الجرانيت الأسود ارتفاعه ٩سم واتِّساع قُطره
يتراوح ما بين ٦٫٥ : ١١سم، الكوب عليه نقش يُمثل اللقب الحوري للملك حتب سخموي
ولكنه هنا جاء بأسلوبٍ مختلف تمامًا عما كان
مُتَّبعًا بعصر الأسرة الأولى؛ إذ نرى الصقر حورس واقفًا على السرخ، مُرتديًا
التاج المزدوَج، تاج الوجهَين القبلي والبحري معًا.
٦٠
ويُبين «شكل ٥٠٥» سلطانيةً من البازلت، عليها أيضًا نقش يُمثل حورس مُرتديًا
التاج المزدوَج، ولكنَّ المُلفِت للنظر هنا أنَّ السلطانية جاء عليها نقش
مزدوَج باللقب الحوري لكلٍّ من «حتب سخموي» و«رع نب»
كلٍّ على حدة، إذ يظهر الصقر حورس بتاجِه المزدوج
مُعتليًا السرخ وداخل هذا السرخ نجد اسم الملك «رع نب» أو «نب رع» كما يقرؤه
البعض، وإلى يسار هذا السرخ نجد علامة سرخٍ أُخرى وبداخلها اسم الملك «حتب سخموي»، والسلطانية
تُظهر بذلك النقش أول وثاني ملوك عصر الأسرة الثانية.
٦١
أما «شكل ٥٠٦» فيُبين سلطانية من الجرانيت الأسود، ارتفاعها ٧٫٨سم واتساع
قُطرها ١١٫٥سم، عليها نقش باللقب النسوبيتي للملك «خعي سخموي» أو «خع سخموي»،
٦٢ وهو اسم يعني «إشراق القوَّتين» أو «فلتشرق القوَّتان». ومن اسم
الملك يبدو أنه قد نجح في تحقيق التوازن بين الإلهين حورس وست وبالتالي بين الإقليمين.
٦٣
ويُبين «شكل ٥٠٧» طبقًا من الديوريت ارتفاعه ٥٫٨سم، واتساع قُطره ٢٠٫٨سم وهو
جيد الصقل لدرجة اللَّمعان. الطبق عليه نقش باللقب النسوبيتي للملك «ني-نثر» من
ملوك عصر الأسرة الثانية،
٦٤ وقد قرأ اسمه بقراءتين أُخريين هما «نثرن» و«نثريمو» بمعنى
«المنتمي إلى الإله أو سليل الرب» وقد يكون الإله أو الرب هنا هو أوزير.
٦٥
ونرى في «شكل ٥٠٨» إناءً أسطوانيًّا من الألباستر ارتفاعه ٢٠٫٢سم، الإناء
عليه نقش بارز باسم الملك «بر إيب سن»
، ونلاحظ بهذا النقش اعتلاء هيئة المعبود «ست» للسرخ
بدلًا من الصقر حورس، يؤرَّخ هذا الإناء بعصر الأسرة الثانية،
٦٦ وهو يشير إلى بداية عبادة ست الذي يُعد واحدًا من أشهر وأقدم
الآلهة المصرية حيث عُبد في مصر منذ أقدم العصور، ولم تكن طبيعته الشريرة واضحة
حِينها، إلى وقت انتشار العقيدة الأوزيرية والتي مُثِّل فيها «ست» على أنه إله
الشر وعدوٌّ للإله أوزير، ومن هنا اكتسب الإله ست كل الصفات المضادة لصفات
الإله أوزير الخيِّرة،
٦٧ وقد تعدَّدت الهيئات التي مُثِّل بها ست فظهر بداية من عصر ما قبل
الأُسرات مُمثَّلًا بصورةٍ مشابِهة لصورة الحمار أو ابن آوى،
٦٨ ويبدو أنَّ الملك «بر إيب سن» كان من أول مُشجعي هذا المعبود، ووضح
ذلك من خلال النقش السابق.
وعن معنى اسم «بر إيب سن» فهو غير مؤكد، فربما يعني «الذي يخرج أو ينزع
قلوبهم» إشارة إلى أعداء الملك، ولو اعتبرْنا أن كلمة «بر» اختصارًا لكلمة
«بري» التي تعني «بطل» سيكون معنى الاسم هو «زعيم أو بطل قلوبهم».
٦٩
ويُبين «شكل ٥٠٩» طبقًا من الألباستر ارتفاعه ١٠٫٥سم، واتِّساع قُطره ١٩سم،
الطبق بداخله نقش باللقب الحوري للملك «سخم إيب»،
٧٠ وربما كان هذا اللقب والذي يعني «قوي القلب»، اسمًا آخر للملك
«بر إيب سن»؛
٧١ إذ عُثر على آنيةٍ ضمن مجموعة بتري الخاصَّة كُتب عليها اللقب
الحوري للملك مكتوبًا بكِلا الاسمَين «بر إيب سن» و«سخم إيب».
٧٢
ويُبين «شكل ٥١٠» إناءً ذا هيئةٍ مُقرفصة عليه نُقش باسم الملك حتب سخموي،
ورمز المعبد ممَّا يشير إلى دلالةٍ دينية ترتبط بهذا الإناء الذي يؤرَّخ بعصر
الأسرة الثانية.
٧٣
أما «شكل ٥١١» فيُمثِّل قِدرًا ضخمًا من الصخر البورفيري، عليه نقش باسم
الملك خع سخم بلقبه الحوري. الإناء عُثر عليه في منطقة المعبد بهيراكونبوليس
وهو يؤرَّخ بعصر الأسرة الثانية،
٧٤ ولقد وضح في النقش اسم الملك بداخل السرخ في مواجهة المعبودة نخبت،
وكأنها تُقدِّم للملك رمزَ التوحيد ممثلةً في علامة «سما»
Sm3.
٧٥ وربما عبَّر هذا النقش عن دور المعبودة نخبت في التتويج الملكي
وحمايتها للملك خع سخم، وتقديمها رمز التوحيد له يؤكد ذلك الافتراض.
ومن أجمل أوني تلك الفترة، كان الإناء «شكل ٥١٢» وهو ضخم الحجم، من
الألباستر، عليه نقش باللقب الحوري للمك خع سخم،
٧٦ ويُعدُّ هذا الإناء بما يحمِله من نقشٍ بمثابة تسجيل يؤرِّخ لعام
النصر في عهد الملك خع سخم، إذ نرى الصقر حورس مُرتديًا تاج الوجه القبلي
واقفًا على السرخ وبداخله اسم خغ سخم، وأمام ذلك نرى المعبودة «نخابة» حامية
الصعيد تهدي وحدة الوجهين القبلي والبحري، مُمثَّلًا في علامة
Sm3 التي تهديها المعبودة «نخابة» إلى
الملك خع سخم، مُمثَّلًا باسمه داخل واجهة قصره.
٧٧
وعلى غرار هذا الإناء التأريخي الهام، كان الإناء «شكل ٥١٣» الذي يُمثِّل
قِدرًا ضخمًا من حجر الجرانيت الوردي، يبلُغ اتِّساع قُطره حوالي ٣٦سم، عند
مِقبضَيه. الإناء عليه نقش باللقب الحوري للملك خع سخم، وأمام هذا النقش نرى
المعبودة نخبت ربة الصعيد مُمسكة بعلامة شن
Šn٧٨⋆
وتقدِّم بإحدى قدمَيها رموز التوحيد
Sm3 للصقر
حورس الذي ارتدى التاج الأبيض،
٧٩ تاج الجنوب اعترافًا بولاء هذه المنطقة، ونجد داخل علامة «شن» كلمة
تقرأ «بش» فسَّرها البعض بأنها قد تكون اسما ثانيًا للملك خع سخم، أو اسمًا آخر
لمدينة «نخبت». وهناك رأي آخر مُستبعَد يفسِّر تلك الكلمة بأنها تعني اسمًا
لرئيس الثوَّار الذين أخضعهم الملك … وسبب استبعاد هذا الرأي الأخير هو أنَّ
المصريين لم يعتادوا تسجيل أسماء أعدائهم حتى لا يُتيحوا فرصةً لهم بالخلود.
٨٠ ويوضح «شكل ٥١٤» تفاصيل نقوش ما جاء في الإناء السابق.
(١-٢) نقوش تشير إلى أسماء الآلهة والمعبودات
واستكمالًا للأواني الحجرية التي مَثَّلت بنقوشها رموزًا للآلهة والمعبودات
المصرية القديمة، كان ما نراه في «شكل ٥١٥» الذي يُبين إناءً حجريًّا نُقِش
عليه اللقب الحوري للملك ني-نثر
وأمامه نَقْش يُمثِّل رمز المعبودة نخبت مُمثَّلًا
بالتاج الأبيض.
٨١
وتؤكد كلُّ هذه النقوش مدى إعجاب المصريين القدماء بالصقور والنسور لا سيما
فيما يتعلق بقدرتها على الطيران ونشر أجنحتها، فصوَّروها بنفس هيئاتها على
أوانيهم الحجرية، وفي المناظر المختلفة تعبيرًا على تقديرهم وإعزازهم لها من
ناحية، واحتياجًا لمِثل هذه القدرات في عقائدهم وأساطيرهم من ناحيةٍ أخرى.
وعبَّروا بالرمزية عنها في كثيرٍ من الأحيان كما في الإناء السابق، الذي عبَّر
برمز التاج الأبيض عن المعبودة نخبت التي ظهرت في نقوش بعض الأواني آنِفة الذكر
بهيئة طائر الرخمة.
فلقد رمَزتِ الرخمة للحماية، وقد نتج هذا ولا شكَّ عن الخصائص الطبيعية التي
تمتَّع بها هذا الطائر، الذي كان منفردًا بين الطيور بقوَّة وطُول جناحَيه،
اللذَين ظهرا منشورَين عادة في المناظر المختلفة، وقدَّسه القدماء واعتبروه أحد
أشكال الأمومة.
٨٢
ومن ثم حرص المصري القديم في زخارف أوانيه الحجرية في تلك الفترة على الجمع
بين رموزٍ عدة وهيئات مختلفة، كان أقدمها الصقر الذي اعتُبر من الرموز الشهيرة
الدالَّة على الحماية وعلى الملكية،
٨٣ والنسر الذي اشتُهر بقوَّته وحيويَّته، واتَّخذه المصري القديم
رمزًا لنخبت.
والمعبودة نخبت هي الربَّة الحامية حارسة الجنوب، وهي معبودة تُمثلها الرخمة
رمز مدينة الكاب
٨٤⋆
«نخب قديمًا» بمصر العُليا، وارتبطت بالتاج الأبيض كمعبودة له، وظهرت هي والتاج
على العديد من الآثار واقترن اسمها به،
٨٥ واتخذت الإلهة نخبت هيئة أنثى النسر منذ العصور المبكرة للحضارة
المصرية، وظهرت على العديد من الأواني الحجرية للملك خع سخموي،
٨٦ وقد ظهرت أيضًا بهيئاتٍ أخرى مُتعدِّدة، منها ما يصوِّرها بهيئةٍ
بشرية وهي ترتدي الرداء الطويل الحابك ويعلو رأسها قلنسوة الرخمة «أنثى النسر»
٨٧ أو بهيئة الكوبرا.
ونلاحظ بالنقش الموجود على الإناء السابق وجود عرمة
ch أسفل رمز التاج الأبيض، وهي العلامة
التي تُمثل القصر، وبداخلها علامة
ntr والتي
تعني «إله» يؤرَّخ هذا الإناء بعصر الأسرة الثانية.
٨٨
ولقد أكدت نقوش أواني تلك الفترة وآثارها على احتفاء ملوكها بميلاد معبودات
كثيرة مثَّلت أغلب مناطق أرضهم، ورمزت إلى أغلب وجوه النشاط في حياة أهل عصرهم،
فعلى كسرةٍ من إناءٍ حجري من الألباستر (شكل ٥١٦) نجد نقشًا يمثل هيئة المعبودة
مافدت، وهي معبودة صُغرى ثانوية عُرفت منذ العصر المبكر، وهي تمثل حيوانًا من
فصيلة النسوريات ذا جسم نحيف وسيقانٍ مرتفعة ورأس صغير وأنف أفطس وله شارب،
والذيل سميك نِسبيًّا. صوَّر هذا الحيوان في تركيبته اسم تلك المعبودة، ونرى
الملك «دن» وبينهما نجد اللقب
dwt أحد ألقاب
المعبودة مافدت، الذي يعني «المُنتمية إلى الجبل» ولقد عُثر على هذه الكسرة
بأبيدوس وهي تؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى.
٨٩
وعلى الإناء الحجري «شكل ٥١٧» صُوِّرت المعبودة نيت في هيئة سيدة واقفة ترتدي
عباءة حابكة ويعلو رأسها قوسان وتحمل بيديها علامَتي الواس والعنخ أمام اسم
الملك «ني-نثر»، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة الثانية.
٩٠
والمعبودة نيت هي معبودة قديمة جدًّا من مدينة صا الحجر (سايس) ولها أشكال
ووظائف عديدة، واعتُبرت إحدى الإلهات الحاميات، رُمِز لها بأنثى على رأسها
العلامة الدالة عليها،
٩١ ويُعتبر التاج الأحمر هو شعارها الرئيسي منذ عصر الدولة القديمة،
وكانت هي نفسها تجسيدًا لتاج مصر السُّفلى نفسه،
٩٢ وتُشير أدواتها ورموزها التي تتمثَّل في السهم والقوس إلى أنها
كانت في بداية الأمر المعبودة الرئيسية لمِصر السفلى وكذلك المعبودة الملكية.
ونظرًا لكونها معبودةً للحرب تصدُّ الأعداء وتحمي منهم، فقد أصبحت معبودةً
حامية لها دَورها في السِّحر والطب، وكما كانت توفِّر الحماية للأحياء فقد كانت
توفِّرها أيضًا للأموات.
٩٣
ولقد كثُر ظهور اسم نيت وشكلها وألقاب كهَنتِها على آثارٍ تمَّ الكشف عنها في
العديد من المناطق المؤرَّخة بالعصر العتيق، كما كثُر في عصر الدولة القديمة
ظهور لقب «كاهنة نيت» على آثار مناطق الجيزة وسقارة.
٩٤
أما الإناء «شكل ٥١٨» فهو من الألباستر عُثر عليه بطرخان، يؤرَّخ بعصر قبيل
الأسرات (الأسرة صفر)،
٩٥ يحمل الإناء نقشًا يصوِّر المعبود بتاح بهيئته الآدمية المعتادة،
وهو من أوائل الآلهة التي ظهرت في تلك الهيئة،
٩٦ ويُعدُّ بتاح رأس ثالوث منف (بتاح-سخمت-نفرتوم)، رب الفنون
والحِرَف. ارتبط بإحدى نظريات خلق الكون في مصر القديمة؛ ومن ثَم عُرف ﺑ
«بتاح-تاثنن» أي «بتاح صاحب الأرض البارزة» وهو يظهر على شكل إنسانٍ بِرداءٍ
محبوك وقلنسوة ويقبض بيديه على مجموعةٍ من الرموز الدينية منها «عنخ، جد، واس»
بمعنى «الحياة والبقاء والقوة».
٩٧
وكان من أجمل ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية في منطقة المعبد بهيراكونبوليس،
الإناء «شكل ٥٢٠» وهو من الصخر البورفيري، يحمِل زخرفة خطية
٩٨⋆
تُشبِه الخُوص،
٩٩ وعلى حافته نجد نقشًا يُمثِّل رأس المعبودة حتحور، والتي تقترِن
دائمًا بالمعبودة «بات» لا سيما في عصر ما قبل وبداية الأسرات
١٠٠ (شكل ٥١٩).
ولقد ظهرت المعبودة حتحور بصُوَرٍ وخصائص مختلفة، وعُبدت في أماكن عديدة في
مصر، وهي إلهة الموسيقى والحب والعطاء والأمومة، واندمجت مع الإلهة إيزيس،
وتظهر على شكل بقرةٍ كاملة أو أُنثى يعلو رأسها قُرص الشمس والقرنَان، أو أنثى
برأس بقرةٍ وبين قرنَيها قُرص الشمس.
١٠١
وربما يُشير العثور على هذه السلطانية في منطقة المعبد بهيراكونبوليس، إلى
رمزيَّتِها الدينية أو ارتباطها الطقسي بشعيرةٍ ما كانت تؤدَّى في المعبد
آنذاك، ويؤكد ذلك أنه قد ظهرت الإلهة حتحور بشكل سيدة يعلو رأسها قرنا وأُذنا
بقرةٍ على العديد من الآنية الحجرية التي تؤرَّخ بعصر الأسرة الأولى، وكان
العديد منها قد جاء من هيراكونبوليس.
وتعدُّ هذه السلطانية الحجرية من السلطانيات التي تجمع هيئتها ما بين الزخرفة
الحيوانية، والزخرفة الخطية المُضلَّعة، ويرى البعض فيها أول تمثيلٍ أو تصوير
لهيئة المعبودة بات، إذ صُوِّرت مُطابِقة تمامًا لصلاية جرزة؛ حيث الرأس
الحيواني والنجوم الخمسة المُحيطة بها، وقد صوِّر على حافة الإناء رمز المعبودة
بات مصوَّرًا بعلامة طائر اللقلق والذي يُعبِّر عن الدلالة الصوتية
B3 «با» إذ جاء الاسم بدون المُتمم الصوتي
تاء التأنيث.
١٠٢
ويرجع ظهور المعبودة بات في الشواهد الأثرية إلى عصور ما قبل وبداية الأُسرات
وقد اتَّخذت شكل رأسٍ يجمع بين المعالم الحيوانية لرأس بقرة، ووجه آدمي أُنثوي
وقد لعبت دورًا هامًّا كمعبودةٍ على الأقل منذ نهاية عصر ما قبل الأسرات.
١٠٣
وتُرجِّح الدارسة الرأي القائل بانتساب هذه السلطانية إلى المعبودة حتحور؛ إذ
إنَّ هذه السلطانية الحتحورية عُثر عليها في هيراكونبوليس، «نخن»، ولقد ثبت
وجود «حورس-نخن» منذ العصر العتيق، فهو الصقر الذي جاءت عبادته بوضوحٍ بمنطقة
هيراكونبوليس، ولربَّما يعكس ارتباط حورس بالملكية أهمية هيراكونبوليس كمركزٍ
ديني سياسي هام في عصر ما قبل وبداية الأسرات، ويعكس أيضًا ما كان يرمز إليه
الصقر من رمزية دينية وسياسية.
١٠٤
وبخلاف تلك الأهمية وهذه الصِّلة التي تربط بين حورس والمعبودة حتحور ومنطقة
نخن، فإنَّ المعبودة حتحور تُعد من أشهر المعبودات المصرية القديمة، وقد
اتَّخذت هيئة بقرة، وكانت جذور عبادتها تمتدُّ إلى عصور ما قبل التاريخ؛ إذ
عُثر على دلائل عبادتها في هيراكونبوليس.
١٠٥
ومن ثم فربما كانت هذه السلطانية هي أحد دلائل تلك العبادة، لو اعتبرْنا
«بات» رمزًا دينيًّا لحتحور، لتُؤكد القول أيضًا بأنَّ هذه السلطانية هي بالفعل
وكما أُطلق عليها «سلطانية حتحورية».
أما الإناء «شكل ٥٢١» فهو إناء أسطواني من الألباستر، عليه نقش يرمز للمعبود
«مين» وذلك داخل علامة
hwt، الإناء يؤرَّخ بعصر
بداية الأسرات،
١٠٦ والإله «مين» هو إله الاخصاب في مصر القديمة، اندمج مع الإله أمون.
عُبد في أماكن عديدة أهمها قفط وأخميم، يظهر على شكل إنسانٍ يقف على علامة
«ماعت» ويظهر عضو تذكيره مُنتصبًا ويُمسك بمذبَّةٍ ويرتدي رداءً حابكًا وتاجًا بريشتَين،
١٠٧ وكان أقدم تعبيرٍ رمزي له قد جاء منذ عصر نقادة
II-I مُمثَّلًا في هيئة قَوس رأسي يتشعَّب
منه على الجانبَين سهمان كما هو في حالة النقش الحالي على الإناء.
١٠٨
أما «شكل ٥٢٢» فهو يُمثل كوبًا من الصخر البورفيري، عليه نقش يُمثل رمز
المعبودة سشات،
١٠٩ وهي إلهة الكتابة عند المصريين القدماء، تُشارك في الكثير من
الطقوس الدينية مع الإله جحوتي، ظهرت على شكل امرأةٍ تعلو رأسها نجمة من سبع وحدات،
١١٠ وكان لها دور بارز في البناء لذا ظهرتْ في شعيرة تأسيس المعبد،
١١١ ولقد عُثر على هذا الكوب بسقارة، وهو يؤرَّخ بعصر بداية الأُسرات.
١١٢
(١-٤) نقوش تشير إلى رموز سياسية أو دينية ذات دلالة خاصة
ولقد عُثر على هذا الإناء بالهرم المدرَّج بسقارة،
١١٩ وربما كان هذا النقش فيه إشارة إلى الغرض الديني أو الكهنوتي
المُرتبط بهذا الإناء، فهو من الأواني الملكية ذات الصبغة الطقسية لو صحَّ
التعبير، وهو يوجَد بالمتحف المصري
JE.88309.
ويبين «شكل ٥٢٤» إناءً من حجرٍ داكن، عليه نقش بلقب
sm-nit كإشارة إلى لقب كهنوتي يتعلق بعبادة
نيت، يؤرَّخ الإناء بعصر بداية الأسرات،
١٢٠ ولقد كان لقب
sm من الألقاب
الكهنوتية القديمة في البلاط الملكي، وكان له كهنة عُرفوا باسم كهنة السم. وليس
من المعروف المعنى الحرفي للقب، وربما كان يعني الشريف أو النبيل.
١٢١
ومن الألقاب الكهنوتية الأخرى التي ظهرت في نقوش الأواني الحجرية في عصر
بداية الأسرات، كان لقب «كاهن شسمو» والذي نجِده في «شكل ٥٢٥» الذي يُبين
كسرتَين من الديوريت لسُلطانية جاء عليها نقش بلقب كاهن شسمو،
١٢٢ المعبود شسمو هو رب المَعصرة سواء مَعصرة النبيذ أو الزيت، ومن ثم
كانت المَعصرة هي رمز المعبود ويلاحظ أنَّ العلامات الموضِّحة لكلمة شسمو
بالشكل، قد جاءت على الجزء الأوسط، الذي كان لم يُعثر عليه بعدُ عندما قام
Gunn بنشرها.
١٢٣
ولقد وضح دور هذا المعبود أيضًا من خلال «شكل ٥٢٦» الذي يُبين كسرةً لآنيةٍ
من الديوريت، جاء عليها لقب «كاهن شسمو»، من الأسرة الثالثة، عُثر على هذه
الكسرة بسقارة، توجَد بالمتحف المصري.
١٢٤
ولقد ارتبط المعبود شسمو بإعداد وتقديم عددٍ من المُنتجات الهامة والحيوية
التي لا غِنى عنها للمصري القديم في شتَّى أمور حياته، فظهر مرتبطًا بالنبيذ
والزيوت والمراهم والعطور وتقديمها للمتوفَّى.
١٢٥
ومن الأواني ذات الأغراض الطقسية أو الدينية التي حملت نقوشًا بألقابٍ
كهنوتية، كان الإناء «شكل ٥٢٧» الذي نرى عليه نقشًا باللقب الحوري لكلٍّ من
الملك سمرخت والملك قا-ع من ملوك عصر الأسرة الأولى، وإلى جوارهما نرى لقب
«حتب نثر»
htp ntr وهو لقب ذو مدلولٍ ديني،
وأسفل ذلك نجد لقبًا كهنوتيًّا آخر ربما يشير إلى المعبد وأحد القائمين على
الخدمة فيه، وأهمية النقش هنا هو توضيحه للغرَض من مثل هذا الإناء الذي ربما
يكون دينيًّا أو طقسيًّا، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة
I عُثِر عليه بالهرم المدرَّج بسقارة،
١٢٦ يوجَد بالمتحف المصري
JE.88344.
ويُبين الإناء «شكل ٥٢٨» واحدًا من الأواني المُرتبطة بالمعبد، إذ نجد عليه
نقشًا باللقب الحوري للملك حتب سخموي واسم المعبد، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة الثانية.
١٢٧
وبانتهاء عصر بداية الأسرات وبداية عصر الدولة القديمة (من الأسرة الثالثة
وحتى السادسة) استمرَّ العثور على الأواني الحجرية المنقوشة بعضها جاء حاملًا
فقط اسم أو لقب ملكٍ ما، والبعض الآخر جاء حاملًا لنقوشٍ تُبين الغرض من الإناء
من خلال كتابة اسم ما يَحويه من أشياء.
فالإناء «شكل ٥٢٩» يُبين طبقًا من الديوريت، عليه نقش باللقب الحوري للملك خع با
hcj-b3
، رابع ملوك الأسرة الثالثة
١٢٨ جاءت طريقة كتابة الاسم خشِنة الصُّنع والتنفيذ إذ جاءت بالحفر
الغائر المُتَّخِذ هيئة نُقَرٍ دائرية الشكل (شكل ٥٣٠)، نقَشَ الفنان جسم
الطائر بستَّةٍ أو خمسةٍ من الحُفَر الغائرة وعبَّر عن الساقين بخطوطٍ بسيطة،
فالنَّقش بوجهٍ عام ركيك،
١٢٩ إلا أنه يوضِّح استمرار ارتباط اللقب الحوري بالملك والدين
والسياسة في مصر القديمة منذ بداية عصر الأسرات وحتى عصر الدولة القديمة.
١٣٠
ومن عصر الأسرة الرابعة كان الطبق «شكل ٥٣١» وهو من الأطباق الضخمة قريبة
الشبَه من أطباق الولائم والاحتفالات، من الألباستر، اتِّساع قُطره ٥٢سم يوجَد
بداخله على أحد الجوانب من أعلى نقش يوضِّح خرطوشًا ملكيًّا، بداخله اسم الملك
خوفو
١٣١⋆
عُثر على هذا الطبق في منطقة أبو روَّاش في حفائر المعهد الفرنسي للآثار الشرقية
وجامعة جنيف عام ٢٠٠٢م، وهو يؤرَّخ بعصر الأسرة الرابعة، يوجَد بالمتحف المصري
JE.99129 ويُعد من أحدث ما عُثر عليه من
أوانٍ حجرية.
١٣٢
ويُبين «شكل ٥٣٢» طبقًا من الجرانيت الأرقط يُشبه الصخر البورفيري، ارتفاعه
٩٫٢سم واتِّساع قُطره ٢٠٫٥سم. الطبق عليه نقش باللقب النسوبيتي للملك نفر إير
كارع
عصر الأسرة الخامسة ويوضح النقش أيضًا علامة المدينة
بأسوارها المُحصَّنة بجانب الخرطوش الملكي وقراءة معناها هو الإله الجميل، سيد
الأرضين، المعبود رع.
١٣٣
وهكذا كُتبت أسماء الملوك ابتداءً من عهد الملك سنفرو أول ملوك عصر الأسرة
الرابعة داخل الخرطوش
، وأصبح ذلك الشكل الأسطواني «خرطوش» يظهر في حالة
الإشارة إلى اسم الملك. ومن الواضح أنَّ الشكل الهندسي للخرطوش مُتطوِّر عن
العلامة «شن» الدائرية الشكل والتي تعني هالةً أو «يُحيط» والتي كانت من بين
الرموز الدينية التي سُجِّلت على اللوحات الجنائزية وفي بعض المناظر الدينية،
ولِما كان لهذه العلامة
Šn من قُدسية مُعينة،
فقد أراد المصري القديم أن يُضمِّنها أسماء الملوك، ولعلَّه كان يقصد أن الملك
يُحيط بالكون ويُحيط به الكون في نفس الوقت.
١٣٤
ولقد أدرك المصري من الناحية العملية صعوبة أن يتضمَّن هذا الشكل الدائري اسم
الملك بشكلٍ يحفظ العلامات المكوِّنة للاسم وترتيبه؛ فقد رأى أن يُطيل من
العلامة لتبدوَ في شكلها الأسطواني المعروف، ولقد استمرَّت الخراطيش تتضمَّن
أسماء الملوك طوال العصر الفرعوني، ولعلَّ السبب وراء عدم استمرار السرخ،
واستخدام الخرطوش منذ عصر الأسرة الرابعة، أسبابه التي تتمثَّل في تقاليد
الملكية في مصر القديمة، وكذلك التطوُّر الإداري والسياسي الذي حدَث في مصر مع
بداية عصر الدولة القديمة.
١٣٥
وكان من الأواني الحجرية الأُخرى التي حملت كتاباتٍ هيروغليفية بأسماء
الملوك، الإناء «شكل ٥٣٣» وهو من حجر الدولريت، عليه نقش باللقب النسوبيتي
للملك «جدف رع»، عصر الأسرة الرابع
، الإناء بهيئةٍ أسطوانية معتادة، واسع الفوَّهة، ضيق
القاعدة، يتميَّز بجودة النحت والصقل.
١٣٦
ونرى في «شكل ٥٣٤» إناءً أسطوانيًّا من الألباستر، ارتفاعه ٧سم، عليه نقش
باللقب النسوبيتي للملك نفر إير كارع
، عصر الأسرة الخامسة، مصحوبا بصيغة دعاء للملك بالصحة
والحياة الأبدية، ورغم صِغَر حجم الإناء فإن النقش جاء واضحًا ودقيقًا في عمودٍ
طولي يتوسَّط بدن الإناء.
١٣٧
ويُبين «شكل ٥٣٥» إناءً أسطوانيًّا من الألباستر عليه نقش باللقب النسوبيتي
للملك ني وسر رع
١٣٨⋆
سادس ملوك عصر الأسرة الخامسة
، ارتفاع الإناء ١٠٫٥سم واتِّساع قُطره يتراوَح ما بين
٤ و٥٫٣سم، يؤرَّخ بعصر الأسرة الخامسة.
١٣٩
أما «شكل ٥٣٦» فيُبين جزءًا من إناءٍ من الألباستر، عليه نقش بالحبر الأسود
يُمثِّل خرطوشًا يحوي اسم الملك أوناس أو ونيس، تاسع ملوك الأسرة الخامسة.
توجَد هذه الكسرة بالمتحف المصري، وهي تؤرَّخ بعصر الأسرة الخامسة.
١٤٠
ونرى في «شكل ٥٣٧» إناءً حجريًّا يُعدُّ من أجمل ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية
منقوشة، فهو ذو فوَّهة وقاعدة ذهبية، الإناء عليه نقش باللقب النسوبيتي للملك
أوسركاف
، وقد كتب اسمه داخل الخرطوش، الإناء من حجر الديوريت،
وهو جيد الصقل والنحت جدًّا، أُحيطت فوَّهته وأكتافه بشريطٍ من الذهب، عُثر على
هذا الإناء بسقارة وربما كان ضِمن المتاع الجنزي الخاص بهرَم الملك أوسركاف
١٤١⋆
وكنوزه المُدخَّرة به، أو هو من متاع أحد الأثرياء من أقرباء الملك أو رجال
بلاطِه، ويبلُغ ارتفاع هذا الإناء ٢٫٢٥ بوصة تقريبًا.
١٤٢
وكان من أجمل أواني الملك «ونيس» أو «أوناس»
،
١٤٣⋆
الإناء «شكل ٥٣٨» وهو كروي الشكل ذو عنقٍ مُنتصب ضيِّق الفوَّهة، ارتفاعه
يتراوح ما بين ١٦سم
١٤٤ إلى ١٧سم تقريبًا، يبلغ اتِّساع قُطره ١٣٫٢سم، واتساع قُطر فوَّهته
٤٫٧سم وهو من الألباستر، يوجَد بمتحف اللوفر
E.32372 بباريس،
١٤٥ وهو جيد النحْت والصقْل جدًّا لدرجة الشفافية، يُشبه القارورة أو
الدَّورق الكروي، يحمِل بدن الإناء زخرفةً كتابية، وأخرى تمثل الصقر حورس
ناشرًا جناحَيه حول جسم الإناء الكروي، وعلى الجانب الآخر نجد خرطوشًا ملكيًّا
بداخله اسم الملك «أوناس»،
١٤٦ وكان الصقر يحميه بأجنحتِه أو مُمسكًا له، فبدت الزخرفة عند النظر
إلهيا من الأمام والخلف كأنها قلادة أو صدرية اتَّخذت هيئة الصقر من الأمام،
وعلامة الخرطوش من الخلف.
وربما كان لهذه الزخرفة أغراض دينية وأُخرى جمالية، فالصقر طائر شمسيٌّ يرمز
لآلهة السماء والنصر والكبرياء والقوة والسلطة والملكية،
١٤٧ ومن ثَمَّ فربما كان تصويره على الإناء بهذا الشكل يرمُز للملك
باعتباره وسيط الآلهة فالصقر هو الإله الحامي للملك والملكية والتاج، فصُوِّر
حاميًا لاسمه تمامًا كما كان الحال منذ عصر بداية الأسرات حيث كان يصوَّر الصقر
وهو يعلو السرخ بغرَض الحماية.
١٤٨
يؤرَّخ الإناء السابق بعصر الأسرة الخامسة، ومن ثَم كان من الطبيعي أن يهتمَّ
الفنان المصري القديم بإظهار الصقر في زخارف أوانيه الحجرية وفي مختلف أعماله
الفنية وذلك باعتباره طائرًا شمسيًّا وباعتبار هذا العصر عصر ازدهار الديانة
الشمسية.
(١-٥) نقوش تشير إلى أسماء ما كانت تحويه بعض الأواني الحجرية من أشياء
ومن الأواني الحجرية ما حملت نقوشُها مُسمَّياتٍ لِما كانت تحويه من أشياء
بخلاف اسم صاحبها أو الاسم الملكي بالصِّيَغ المُعتادة، ففي «شكل ٥٣٩» نرى
غطاءً لإناءٍ من الألباستر اتِّساع قُطره ١٤٫٢سم عليه نقش باللقب النسوبيتي
للملك «تتي» واسم زيت
sft،
١٤٩ ولقد أشار قاموس برلين إلى أنَّ الكلمة تُعبِّر عن معنى الزيت أو
إناءٍ خاصٍّ بالزيت.
١٥٠
ويُبين «شكل ٥٤٠» غطاءً وأجزاء من أغطيةٍ لأوانٍ من الألباستر، تحمِل هذه
الأغطية نقوشًا مختلفة باللقب النسوبيتي للملك ببي الأول
١٥١⋆
وربما كانت هذه الأغطية لأواني حفظ الزيوت والدهون العطرية.
١٥٢
ونرى في «شكل ٥٤١» إناءً من الألباستر لحفظ الزيت العِطري ارتفاعه ١٨سم.
الإناء عليه نقش باللقب النسوبيتي للمك ني وسر رع، عصر الأسرة الخامسة، الإناء
يوجَد بمتحف برلين جاء النقش بالحبر الأسود يتوسَّط بدن الإناء الأسطواني.
١٥٣
وعلى غراره كان الإناء الأسطواني «شكل ٥٤٢» وهو أيضًا من الألباستر يُستخدَم
لحفظ الزيت والمراهم. الإناء عليه نقش بالحبر الأسود يُمثِّل اللقب الحوري
للملك تتي، عصر الأسرة السادسة، وهو يوجَد بمتحف برلين،
١٥٤ ويبلُغ ارتفاعه ١٦سم.
ونلاحظ أنه رغم صِغَر حجم أواني تلك الفترة، إلَّا أنَّ صانعيها اهتمُّوا
بكتابة أسماء ملوكهم على العديد منها، بل وكتابة ما كانت تحويه أيضًا في كثيرٍ
من الأحيان، لا سيما تلك التي استخدموها في حفظ العطور والزيوت
والمراهم.
ومن الأواني التي تحمِل اسم الملك ببي الأول
أو مري رع
هذا الإناء الذي اتَّخذ هيئة كأس أسطوانية (شكل ٥٤٣)
ارتفاعه ١٢٫٧سم، عُثر عليه عام ١٨٦٨م، وهو من الألباستر المصري، عليه نقش داخل
إطارٍ مربَّع الشكل يُقرأ كالتالي «ملك مصر العُليا والسُّفلى، ابن حتحور سيدة
دندرة، حورس مري تاوي، منح الحياة للأبد.» يوجَد هذا الإناء بمتحف اللوفر
بباريس
E.5356.
١٥٥
ولقد تميَّز عهد الملك ببي الأول بظهور شكلٍ جديد من أشكال الأواني الحجرية
التي تجمع ما بين الهيئات الحيوانية والمنقوشة معًا، والتي تخدُم في نفس الوقت
أغراضًا معينة، وكان من هذه الأشكال، شكل الإناء على هيئة أُنثى قرد تحتضِن
صغيرها، وهي هيئة كثُر تناولها في شرح الأواني ذات الهيئات الحيوانية.
١٥٦
وقد اقتبس الفنان المصري القديم هذا الشكل من القردة التي كانت تصعد على ظهر
السفن التي تُحضر البضائع والعائدة من البلاد الجنوبية سواء التي تسلُك النيل
أو البحر الأحمر، وكانت هذه القِردة تُبهج البحَّارة بسلوكها المُضحك، وعندما
كانت تصِل إلى الموانئ المصرية كانت تُشترى بواسطة العائلات المصرية حيث كانت
تُقدَّر بثمنٍ غال،
١٥٧ وقد أوحت لهم صُوَر هذه القرود بزخرفةِ وتشكيل أوانيهم الخاصة
بالعطور ومُستحضرات التجميل. وكثيرًا ما ظهرت هذه الأواني وهي تحمل نقوشًا
بأسماء وألقاب الملك ببي الأول.
وفي «شكل ٥٤٤» نرى إناءً من الألباستر يُشبِهُ إناء الحس، استخدم لحفظ
العطور، عُثر عليه بهرم الملك ببي الثاني
١٥٨⋆
أو نفر كا رع
، عصر الأسرة السادسة، يُحيط بكتِف الإناء شريطا
كتاباتٍ هيروغليفية اشتملت على أُسرة الملك ببي الثاني داخل الخرطوش وبعض
الأدعية والتعاويذ الخاصة.
١٥٩
أما الإناء «شكل ٤٥٤» وهو أيضًا من الألباستر استُخدِم لحفظ العطور، الإناء
عليه نقش يُمثِّل القصر الملكي ومقصورة الحب سد واللقب النسوبيتي للملك ببي
الثاني، يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة السادسة.
١٦٠
وعُثر على مجموعةٍ كبيرة من أواني حفظ العطور أيضًا بهرَم الملك ببي الثاني
جاء على بعضها نقوش هيروغليفية، وخلا البعض الآخر من النقوش كما في «شكل ٥٤٦»
الذي يُبين إناءً من الألباستر تَهشَّم كغيره من الأواني الحجرية الأخرى التي
عُثر عليها وتخصُّ الملك ببي.
١٦١
أما «شكل ٥٤٧» فيُبين إناءً من الألباستر ذا بدنٍ مُنتفخ وعنق مُنتصِب
وفوَّهة ضيقة وهو يختلف عمَّا سبق ذِكره من أنماطٍ لأواني حفظ العطور، الإناء
عليه نقش يُمثِّل معبد الشمس واسم الملك ببي الثاني وزخرفة تُمثِّل زهرة اللوتس
على جانبَي هذا النقش، وأسفل ذلك النقش نجد علامة العنخ والواس الدالَّتَين على
الحياة والسلام. ارتفاع الإناء حوالي ١٠سم، واتِّساع قُطره ١٠سم، وارتفاع عُنقه
٣٫٢سم، يؤرَّخ بعصر الأسرة السادسة.
١٦٢
ويُبين «شكل ٥٤٨» ثلاثة أوانٍ ذات قواعد مُدبَّبة لحفظ الدهون العطرية، جاء
الإناء الأوسط حاملًا نقشًا يُمثِّل اللقب النسوبيتي للملك ببي الأول «مري-رع»،
جاء النقش طوليًّا بمنتصف بدَن الإناء، وكان ارتفاع الإناء حوالي ١٨سم، وهو
يؤرَّخ بعصر الأسرة السادسة.
١٦٣
أما «شكل ٥٤٩» فنرى فيه جزءًا من إناءٍ من الألباستر، عليه نقش باسم الملك
ببي الثاني «نفركارع» جاء اللقب النسوبيتي مسبوقًا بعلامة حورس الذهبي، حيث
صوَّر فيها هيئة الصقر يعتلي علامة الذهب،
١٦٤ يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة السادسة.
ونرى في «شكل ٥٥٠» إناءً من الألباستر لحفظ الدهون العطرية ارتفاعه ١٥٫٢سم
عليه نقش باللقب النسوبيتي، واللقب النوبيتي، حورس الذهبي
Hr-nb واللقب الحوري أيضًا للملك ببي
الثاني، وذلك في مربع قُسِّم إلى ثلاثة أقسام يحوي كلُّ قسمٍ منهم لقبًا من
الألقاب الثلاثة وأسفل هذه الألقاب نرى علامات العنخ والواس كدعاء بالحياة
والسلام للملك،
١٦٥ وكأنَّ الإناء بذلك قد جمع بين اسم الفرعون «ببي» ولقبه الحوري
والنوبيتي والنسوبيتي «نفر كارع» وهذه كانت سِمات كتابة ألقاب وأسماء ملوك عصر
الدولة القديمة لا سيما منذ عصر الأسرة الرابعة،
١٦٦ يؤرَّخ الإناء بعصر الأسرة السادسة وهو يوجَد بمتحف برلين.
١٦٧
ولقد عبَّرت بعض نقوش الأواني الحجرية عن أغراضٍ طقسية أو سِحرية؛ ففي «شكل
٥٥١» نرى كأسًا من الألباستر للملكة «عنخ-إس-إن-ببي» تؤرَّخ بعصر الأسرة
السادسة. الكأس ارتفاعها حوالي ١٤سم، عليها نقش يُحيط بالحافة يُمثِّل اسم
والدة الملك ببي الثاني مُقترنًا باسم هرم ابنها، وأدعية له بالحياة والسلام
والخلود، الكأس ذات صنبور وقاعدة مرتفعة من نفس نوع الحجر ترتكز عليها الكأس،
١٦٨ وربما كانت هذه الكأس أحد أواني السكب أو أحد الأواني التي
استُخدِمت في أداء طقوس أو شعائر مُعينة في تلك الفترة، إذ يتألَّف النقش من
مجموعةٍ من الكتابات والأدعية السحرية بخلاف الخراطيش التي تحمِل اسم ببي ونفر
كارع. وربما كان أحد متاع الملكة عنخ إس إن ببي، أهداه إليها الملك ببي الثاني
إعزازًا لها، وحرص على وضعه معها كنذرٍ أو قربان أو هدية. وسواء كان هذا أو
ذاك، فالإناء بنقوشه هذه يُعطيه طابعًا دينيًّا أو طقسيًّا.
ويُبين «شكل ٥٥٢» اثنين من الأواني ذات الصبغة الطقسية أيضًا، وهُما من
الألباستر يحملان نقوشًا باسم الملك ببي الأول بخلاف بعض الأدعية والتعاويذ
والألقاب الخاصة به،
١٦٩ يبلُغ ارتفاع أحدهما حوالي ٦ بوصات، والآخر حوالي ١٤ بوصية، ويبدو
من طبيعة نقوش هذَين الإناءين أنهما كانا يُستخدَمان في أداء شعائر بعض
الاحتفالات والأعياد الدينية.
١٧٠
ولقد استمرَّ العثور على مِثل هذه الأواني ذات الصبغة الطقسية أو السحرية حتى
عصر الدولة الوسطى، ففي «شكل ٥٥٣» نرى إناءً من الألباستر ارتفاعه ٢٢ بوصة وهو
ذو غطاءٍ جرسيِّ الشكل وقد عُرف هذا الإناء «بالإناء السحري» للأميرة ست حتحور إيونيت،
١٧١ وهو يؤرَّخ بعصر الدولة الوسطى، وقد وصفه بتري بأنه من أحسن
الأواني المعروفة من هذا النوع؛ إذ جاء عليه نصٌّ سِحري فحواه أنه سيكون
للأميرة كل شيء تُنتجه الأرض، وكل ما تحتاجه في هذه الآنية، واختلف هذا الإناء
عن سابقيه في طبيعة ما كُتب بتلك الصيغة السحرية، إذ حلَّت محلَّ كل القرابين
وكذلك مناظر المقبرة.
١٧٢ عُثر على هذا الإناء باللاهون في مقبرة الأميرة ست حتحور إيونيت،
وقد كان يشتمل على ماءٍ بارد وهذا طبقًا للنقش الموضَّح على جانبي الإناء،
وإنَّ هذا الماء سيمنح الحياة لكلِّ الأشياء التي تُخرجها الأرض.
١٧٣
ولقد اختلفت طبيعة نقوش الأواني الحجرية في عصر الدولة الوسطى عنها في عصر
الدولة القديمة وعصر بداية الأُسرات؛ إذ قلَّ تنوُّعها، واختلفت باختلاف أنماط
أواني تلك الفترة، فقد كانت أغلب أواني عصر الدولة الوسطى صغيرة الحجم، خاليةً
من النقش مثل أواني حفظ مواد التجميل والزينة،
١٧٤ واقتصر النقش في أغلب الأحيان على أواني حفظ الأحشاء،
١٧٥ فكانت جوانبها في كثيرٍ من الأحيان تحمِل نقوشًا بأدعيةٍ وتعاويذ
مُعينة تُفيد بانتفاع صاحبها منها في حياته الأُخرى، وإمكانية أن تعود له
الرُّوح من جديد، ودعاء له بالحياة الأبدية والخلود.
وعُثر في بعض الأحيان على أوانٍ وعلى أجزاءٍ من أوانٍ حجرية تحمِل نقوشًا
بألقابٍ ملكية تخصُّ ملوك عصر الدولة الوسطى وذلك مثل ما جاء في «شكل ٥٥٤» الذي
يُبين جزأين من سلطانية من الإردواز جاء عليهما نقشٌ باسم كلٍّ من الملك
منتوحتب الرابع
، سابع ملوك عصر الأسرة الحادية عشرة، والملك أمنمحات
الأول
مؤسِّس الأسرة الثانية عشرة وقد عُثر على هاتين
الكسرتَين في اللشت.
١٧٦
وتُذكِّرنا هاتان الكسرتان بما عُثر عليه من أوانٍ حجرية تؤرَّخ بعصر بداية
الأُسرات، وكانت تحمِل من بين نقوشها اسمًا لواحدٍ أو اثنين معًا من الملوك
وكأنَّ ذلك يؤكد على شرعية حكم أحدهما، وانتسابه إلى الدم الملكي.