الفصل الرابع
أواني الاغتسال
حرص المصري القديم على نظافة جسده، سواء كان غنيًّا أو فقيرًا، واعتقد بأن حياته
الأخرى صورة مطابقة لحياته الدُّنيا، لذلك حرص على وضْع الأدوات التي استخدمها في حياته
اليومية في مقبرته ليستمرَّ في استعمالها بعد الموت.١
وقد عُرف التطهير الجنائزي وكثُر تمثيلُه على الآثار، أما التطهير الدنيوي فلا نعرِف
من مناظره إلَّا القليل، ففي «شكل ٦٥٨» نرى الخادم القائم بالتطهير مُمسكًا بالإبريق
ويقوم بصبِّ الماء في الطست الموجود أمامه.٢
وعلى أحد جدران مقبرة بتاح حتب بسقارة، عصر الدولة القديمة، مُثِّل الشريف بتاح حتب
جالسًا على كُرسيه وقد قام أحد الخدَم بغسْل وجهه، بينما وقف الآخر يحمِل منشفاتٍ في
يديه، وثالث بيدِه قطعة من حجرٍ لتهذيب الأظافر، والرابع يقوم على تنظيف قدَمَيه
وساقَيه أو تدليكهما، وإلى الخلف يقوم أحد الخدَم بتجهيز الأدوات الخاصة بالنظافة٣ (شكل ٦٥٩).
وعن الأواني اللازمة للنظافة اليومية، فقد تضمَّنت بخلاف الطست والإبريق (شكل ٦٦٥)
على أوعيةٍ صغيرة للاغتسال، كان يُوضَع بها ماء بارد أو ساخن، وهو عبارة عن إناء مسطح
القاعدة، له جوانب مُرتفعة قليلًا، وقد صُنع من مختلف أنواع الأحجار والمعادن، وأوانٍ
للماء. وكانت عبارة عن أوانٍ بيضاوية الشكل تُصنع من الفخار أو الأحجار أو المعادن،
وهذا النوع من القدور عريق في القِدَم؛ إذ عُثر عليه منذ العصر العتيق. أما الأباريق
فكانت من أهمِّ أواني الاغتسال، وكانت تُوضَع على موائد صُنعت من الحجر أو المعدن،
وتطوَّرت بتطوُّر الاستخدام، واستطالت رقبة الأباريق في عصر الدولة الحديثة وأصبح لها
أيدٍ٤ (شكل ٦٦١).
وكانت طريقة المصري القديم في الاستحمام تتطلَّب ما لا يقِلُّ عن أربعة أونٍ مُنفصلة،
أحدُها حجري مجوَّف، والآخر إناء مُستطيل تتدفَّق إليه المياه أثناء الاغتسال، وإناء
نزْح المياه، وأخيرًا إناء تُحمل فيه المياه للخارج.٥
وكان الطست والإبريق من بين أدوات الاغتسال التي وُجِدت في العديد من المقابر بحجمها
وخاماتها الطبيعية، أو كنماذج من خاماتٍ مختلفة، كما وُجدت أيضًا منقوشةً على جدران
المقابر بجوار موائد القرابين، والتي عُثر عليها منذ أقدم العصور٦ (شكل ٦٦٢).
وعن الطست: فهو إناءٌ قاعه مُسطَّح، وتميل جوانبه إلى الاتساع عند فوَّهته، وكان
يُصنَع من الفخار والحجر والمعدن لا سيما النحاس أو الإلكتروم،٧ واستُخدِم شكل هذا الإناء كمُخصَّصٍ للكلمات الدالَّة على التطهير.٨
أما الإبريق: فهو إناءٌ بِقاعٍ مسطح، وبدنٍ مُنتفخ، وعنق مرتفع، ذو فوَّهة مزودة
بحافة بارزة. ونادرًا ما كان له غطاء على هذه الحافة، وأعلاه يُوجَد صنبور، وكان يُصنَع
من الفخار والحجر والمعدن، وكان يُستخدَم في غسيل اليدَين عن طريق صبِّ الماء المُختلِط
بالنطرون على اليدين للتطهير.٩ وكان كلٌّ من الطست والإبريق يظهران بكثرةٍ في رسوم المقابر مُصوَّرين إلى
جانب موائد الأطعمة.١٠ وعادةً ما كان يصوَّر الإبريق داخل الطست، وخاصة في المناظر المصوَّرة على
جدران مقابر عصر الدولة القديمة
،١١ وربما كان تأريخ ظهور أواني الاغتسال مكوَّنة من الطست والإبريق يرجع إلى
منتصف عصر الأسرة الأولى؛ إذ عُثر عليهما ضِمن الأثاث الجنائزي للملكة مريت نيت بسقارة،
وذلك في ركنٍ من أركان مقبرتها.١٢
وقد ظهر أول نقشٍ يُظهِر الإبريق ذا المقبض والصنبور على لوحة نعرمر التي ترجع إلى
عصر الأسرة الأولى،١٣ وتوالى ظهور مجموعة الاغتسال المكوَّنة من الطست والإبريق في النقوش على
موائد القرابين منذ نهاية عصر الأسرة الثانية،١٤ واستمرَّ ظهور الإبريق والطست بأعدادٍ كبيرة بداية من عصر الأسرة الثالثة،
وكانت هذه المجموعة الخاصة بالاغتسال توضَع عادة على حوامل خشبية مختلفة الأحجام، وذلك
تبعًا لِما يوضَع عليه من عدد الأواني، وكان هذا في عصر الدولة القديمة.١٥
أما في عصر الدولة الوسطى، فكان يتمُّ الاستغناء عن الطست والحامل، ويوضَع الإناء
على
الأرض مباشرةً، وأحيانًا أخرى يُستغنى عن الطست ويوضَع الإبريق على الحامل مباشرة.١٦
وكان إبريق أو إناء الصبِّ في طاقم الاغتسال، يختلف عن إناء التخزين بأنَّ له فوَّهة
مُدببة تُشبه البزبوز إلى حدٍّ ما، لتساعد على صبِّ الماء، وقد استُخدِم مثل هذا الإناء
ذي الفوَّهة المُدبَّبة في عصر الأسرة السادسة لتخزين العطور والزيوت والدهون.١٧
ولقد زُوِّدت المقابر بأدواتٍ لغسل الأيدي قبل وبعد الأكل وكذلك خلال الوجبة، مِثل
الأحواض والأواني، وقد صُنعت تلك الأدوات أحيانًا من النحاس.١٨ ومن الجدير بالذكر أنَّ الأباريق الصغيرة الأنيقة المصنوعة من الحجر ومن
الفخَّار، والتي وُجدت في مقابر العصر المبكر، كانت قد خُصِّصت تقريبًا لهذا الغرض.١٩
ولاهتمام المصري القديم بنظافة وغسل يدَيه قبل وبعد الوجبات، كثُر العثور على الطست
والإبريق العميق ذي الصنبور، ولم يقتصِر استخدامهما في أغراض النظافة في الحياة
اليومية، وإنما جعله ضِمن المتاع الجنزي بالمقبرة، أو ضِمن أثاث المعبد. واستخدم المصري
القديم الماء والنطرون وشيئًا من مادةٍ منظفة «الصودا» بدلًا من الصابون، والرمل الذي
استُخدِم أيضًا كمادةٍ مُنظِّفة، وكان يتمُّ وضعه في الطست أحيانًا٢٠ (شكل ٦٣٣).
وقد عُثر على أوانٍ كثيرة من الألباستر، اشتملت على مواد للنظافة (كريم منظف) يتكوَّن
من زيوت نباتية أو دهون حيوانية مُختلطة بالجير (كبديلٍ للصابون أيضًا)، هذا بخلاف ملح
النطرون الذي استُخدِم بمُفرده كمادة منظفة.٢١
ولم يقتصر التطهير والاغتسال على فئة دون أُخرى، ولا على وقتٍ دون سواه، فالمصري
القديم كان حريصًا على نظافته الشخصية، دون النظر للطبقات، واهتمَّ بالنظافة اليومية
والتجميل،٢٢ وبخلاف الطست والإبريق اللَّذَين كانا من أهم أدوات الاغتسال والنظافة،
فهناك أوانٍ أخرى أظهرتْها النصوص والكتابات الهيروغليفية كانت قد ارتبطت بالتطهير
والاغتسال، والتي كان منها إناء الحس hs، والذي سبق
الحديث عنه عند ذِكر بعضٍ من أواني الماء، وهو إناء على هيئة القارورة استُخدِم لصبِّ
وحفظ الماء،٢٣ وارتبط استخدامه بخطوات التطهير والاغتسال الجنائزي المُتبَّع في عادات الدفن،٢٤ وكذلك بالعبادات اليومية.
هذا بخلاف إناء اﻟ «سنبت» Snbt
، وهو لا يقلُّ أهميةً
عن إناء اﻟ «حست» hst
في مصر القديمة، وقد
اعتُبِر هذا الإناء من أهم أواني الاغتسال، وهو ذو بزبوز (صنبور) وبروز في الإطار
، وكان هذا الإناء يُصنَع من الحجر أو المعدن ويوضَع على حامل
ضِمن طاقم مجموعة أخرى من الأواني الخاصة بالاغتسال، وقد وُجِد في بعض مقابر عصر الدولة
القديمة٢٥ (شكل ٦٤٤).
ولقد عبَّر المصري القديم عن أواني الاغتسال بكلماتٍ عدة، كان منها كلمة «شعوتي»
Ŝcwty
والتي تعني حوض الاغتسال (الطست والإبريق)،٢٦ وكلمة «بايي» b3j
والتي تعني «إبريق لغسل القدمَين»،٢٧ وكلمة «عابت» c3b.t
والتي تعني إبريق للغسيل.٢٨
ولقد ارتبط الطست أو حوض الاغتسال «شعوتي»
عادةً بإناء السكب أو الصب «إناء الماء»، وجاء اسمه
بكثرةٍ في مناظر توابيت عصر الدولة الوسطى، وعن كلمة «شعوتي»
Ŝcwty أو «شعتي»
Ŝcty فربما اشتُقَّت من اسم «شع»
Ŝc بمعنى رمل، ومن ثَمَّ فربما اعتُبر هذا الإناء
من أواني النظافة باعتبار أنَّ الرمل كان وسيلةً للنظافة، وكان يوضَع في الطست مع
الصوديوم أو البوتاسيوم كأحد وسائل النظافة والاغتسال عوضًا عن الصابون.٢٩
وهناك إناء اﻟ «حس مني» hsmny الذي ارتبط أيضًا
بالطست وسيق اسمه من اسم «حسمن» hsmn بمعنى نطرون، ومن
المعروف أنَّ النطرون كان يُستخدَم كمادةٍ منظفة في غسل اليدين، وكان هذا الإناء يُصنَع
من المعدن في عصر الدولة الحديثة.٣٠
وكان من الكتابات الأخرى لأواني النظافة، إناء «نيو» niw
الذي استُخدِم كإناءٍ للنظافة، وظهر في عصر الأسرة السادسة
بكتابة أُخرى، هي
وذلك باستخدام مُخصَّص الطست والإبريق، وظهر بنفس الكيفية
باستخدام مُخصَّص
طست وإبريق أيضًا في أدوات النظافة في مناظر التَّقدِمة
المختلفة في مناظر عصر الدولة الوسطى.٣١
ولقد جاءت مِثل هذه الأواني أيضًا في العديد من مناظر عصر الدولة الوسطى، وكانت ضِمن
طاقمٍ من أوانٍ أخرى ارتبطت بالتطهير، ففي «شكل ٦٦٥» نرى منظرًا يُبين صاحب المقبرة
جالسًا وأمامه الخادم وخلفه أواني الماء والتطهير «سنبت»
Snbt، يؤرَّخ هذا المنظر بعصر الأسرة الثانية عشرة،
وهو من البرشيا.٣٢
١
إيمان أحمد نور الدين، النظافة في الحياة اليومية عند المصريين القدماء،
رسالة ماجستير، غير منشورة، كلية الآثار، جامعة القاهرة، ١٩٩٥م، ص٤٢.
٢
حنان محمد ربيع، مرجع سابق، شكل رقم٤٥.
٣
عبد الحميد زايد، مرجع سابق، ص١٦.
٤
Jequier, M. G., Op. Cit., in: MIFAO, 47, 1921, pp. 116–124.
٥
نقلًا عن: حنان محمد ربيع، مرجع سابق، ص١٦١.
٦
إيمان أحمد نور الدين، مرجع سابق، ص٤٢.
٧
Radwan, A., Die Kupfer-und Bronze gefässe, p.
21.
٨
Hayes, W. C., Op. Cit., p. 119.
٩
نشأت حسن الزهيري قاسم، المناظر المصوَّرة على تماثيل الأفراد في الحضارة
المصرية القديمة حتى نهاية الأسرة الخامسة والعشرين، رسالة ماجستير غير منشورة،
كلية الآثار، جامعة القاهرة، ٢٠٠١م، ص١١.
١٠
أدولف إرمان، مصر والحياة المصرية، ص٣٠٣.
١١
Balcz, H., Op. Cit., MDAIK, 5, 1934, p. 45, 46.
١٢
Radwan, A., Op. Cit., p. 119.
١٣
Radwan, A., Op. Cit., p. 3; Petrie, W. M. F., Arts and
Crafts of ancient Egypt, London, 1909, p. 99.
١٤
Radwan, A., Op. Cit., p. 7.
١٥
إيمان أحمد نور الدين، مرجع سابق، ص٤٦-٤٧.
١٦
المرجع السابق، ص٤٨؛ عائشة عبد العال، مرجع سابق، ص٤٣.
١٧
Arnold, D., “Reinigungs gefässe”, in: LÄ, V, col. 217.
١٨
سامي مجاهد، مرجع سابق، ص٤٥٨.
١٩
أدولف إرمان، مرجع سابق، ص٢٠٣ (بالحاشية).
٢٠
Hayes, W. C., Op. Cit., p. 119.
٢١
Green, L., Toiletries and Cosmetic, p.
412.
٢٢
عبد الحميد زايد، مرجع سابق، ص٢٤.
٢٣
Wb, III, p. 154, 1.
٢٤
نشأت حسن الزهري، مرجع سابق، ص٢٨.
٢٥
حنان محمد ربيع، مرجع سابق، ص٧١.
٢٦
أحمد بدوي، هرمان كيس، مرجع سابق، ص٢٤٣.
٢٧
المرجع السابق، ص٦٩.
٢٨
المرجع السابق، ص٣٣.
٢٩
Du Buisson, M., Op. Cit., p. 59.
٣٠
Ibid., p. 59.
٣١
Ibid., p. 59-60.
٣٢
Aldred, C., Middle Kingdom Art in Ancient Egypt, London,
1969, p. 47, Fig. 48.