(١) أواني طقسة فتح الفم
اهتمَّ المصري القديم بالحياة الأخرى، وكرَّس وقتًا وجهدًا عظيمًا للأمور الخاصة
بالحياة بعد الموت أكثرَ من أي شعبٍ آخر في العصور القديمة، ودلَّ على ذلك كثرة
النصوص الجنائزية بما أشارت إليه من احتفالاتٍ جنائزية حرص المصري القديم على
القيام بها، وتزويده للمُتوفَّى بالطعام والشراب والأثاث الجنائزي والمتاع الذي
بدونه لا يستطيع أن يحيا مرةً أخرى في عالَمه الآخر.
١
ومن ثم فقد دأب المصري القديم على الاهتمام الشديد بالاحتفال بدفن الموتى؛ إذ
اعتقد أن سعادة الشخص المُتوفَّى في المستقبل تتوقف على هذا الاحتفال، وعلى
المعتقدات المرتبطة بالطقوس، وتشتمل هذه الطقوس على بعض ممارسات التطهير وتقديم
القُربان. وكان أهم جوانب هذا الاحتفال هو لمس الفم بقدُّوم صغير، فبهذه الطريقة
كما يعتقدون تتجدَّد الحياة لجميع قُدرات الجسد.
٢
فشعيرة فتح الفم تُعدُّ شعيرةً هامة جدًّا في الخدمة الجنائزية، وهي طقسه كان
يمنح المُتوفَّى بها القُدرة على استخدام فمه للكلام والاستفادة من قرابين الطعام
والشراب المُقدَّمة إليه، وهذا الطقس كان يتمُّ خلال عصر الدولة القديمة بأوانٍ
خاصة بصبِّ الماء أو السوائل الخاصة بالتطهير، وعن طريق الطقوس والتعاويذ السحرية
المُصاحِبة لهذه الشعيرة، يبعث المُتوفَّى مرةً أخرى ويُمنح القدرة على الحياة.
٣
وكانت تلك الطقسة تؤدَّى غالبًا على تمثال للمُتوفَّى، ثُم صار من المعتاد منذ
نهاية الأسرة الثامنة أن تُستبدَل المومياء الفعلية بالتمثال، فكانت المومياء توضَع
في تابوت مُشكَّل على هيئة الإنسان، وتوضَع بشكلٍ عمودي عند مدخل المقبرة ويُمسكها
كاهن مُتنكِّر في صورة ابن آوى مُتقمِّصًا شخصية الإله أنوبيس ثم يقوم كاهنان
يعرفان ﺑ «كاهن السم» و«الابن الذي يُحبُّه» بلمس فم المومياء بأدواتٍ مختلفة،
شُكِّل بعضها بصورة الإزميل أو المِنحات، وتمائم أخرى، وبذلك يستعيد المُتوفَّى
حواسَّه بواسطة تلك الشعيرة الرمزية.
٤
وهناك من الباحثين من يرى أن الطقسة تعود للعصر العتيق، فإنها تُمثل جزءًا من
طقسةٍ مُوغِلة في القِدَم، وذلك بناءً على أدواتٍ عُثر عليها تُشبِه أدواتها، إلا
أنَّنا قد عهِدْنا أقدم الحديث عن تلك الطقسة بالنسبة للملوك في نصوص الأهرام حيث
ذُكِرت في مواضع وعباراتٍ مختلفة، وفي قبور الأفراد، وذلك كما في مقبرة «متن» والتي
ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة.
٥
وقد عُثر بالفعل على لوحاتٍ حجرية حُفرت بها أماكن لتُوضَع بها أوانٍ وأدوات طقسة
فتح الفم، والتي تُعرف ﺑ «طاقم فتح الفم»
٦ وذُكِرت هذه الأدوات ضمن قوائم أدوات المعبد في المعبد الجنائزي
لنفرايركارع في أبو صير.
٧
وعن الأداة المُستخدَمة في طقسة فتح الفم، فقد اختلفت أشكالها وكذلك مادة صُنعها
فقد صُنعت من النحاس، أو من الحديد وكذلك من الظران،
٨ ولقد كانت هذه الأداة التي عرفت باسم «بسش-كف»
psš–kf هي الأداة الأكثر قِدَمًا، حيث عُثر على
نماذج لها تؤرَّخ بفترة نقادة الأولى. ولو افترضْنا استخدامها في تلك الطقسة،
لأمكنَنا القول بأنَّ وجودها في هذه الفترة المُبكِّرة ربما يعني عودة أصول الطقس
إلى عصور ما قبل التاريخ.
٩
وعن شكل وحجم أواني الطقسة، فيمكن استعراضها من خلال بعض ما عُثر عليه منها، ففي
«شكل ٧٣٣» نرى نموذجًا من الأواني والأداة المُستخدَمة في طقسة فتح الفم، تنوَّعت
مادة صُنع تلك الأواني الحجرية ما بين حجر الألباستر والإردواز، بينما كانت من
الصوان، ويبلُغ ارتفاعها حوالي ٨٫٢٥ بوصة، جاءت الأداة بالمُنتصف بينما أحاطت بها
على الجانبَين أكواب وأواني صبِّ السوائل الخاصة بالتطهير، يؤرَّخ هذا الطاقم بعصر
الأُسرتَين الخامسة والسادسة.
١٠
وعلى غرار هذه الأواني صغيرة الحجم، كان الإناء «شكل ٧٣٤» والذي ربما كان أحد
أواني تلك الطقسة.
ويُبين «شكل ٧٣٥» أواني وأدوات طقسة فتح الفم، وقد صُنعت الأواني من الكوارتز
والألباستر الكلسي وجاءت على غرار المِثال آنِف الذِّكر، الأداة أحاطت بها أواني
وأكواب الصب والتطهير تؤرَّخ هذه الأواني بعصر الأسرة السادسة.
١١
ويوضِّح «شكل ٧٣٦» مجموعةً من الأدوات الصغيرة من الألباستر والإردواز، وتُشبه
تلك الأواني ما عُرف من أواني طقسة فتح الفم، إلا أنه قد غابت عنها الأداة، عُثر
على هذه الأواني بسقارة، وهو تؤرَّخ بعصر الدولة القديمة.
١٢
ويُبين «شكل ٧٣٧» اثنَين من الأواني الصغيرة القريبة الشَّبَه من تلك المُستخدَمة
في طقسة فتح الفم. أما «شكل ٧٣٨» فيُبيِّن أواني طقسة فتح الفم الخاصة بالملك خوفو،
عُثر عليها بمعبد الوادي بالجيزة؛ نرى الأداة ذات الطرف المُتشعِّب، يُحيط بها على
الجانبَين أواني وأكواب الصب والتطهير.
١٣
وكانت طقسة فتح الفم تجري في العادة في المكان الذي عرف باسم «بيت الذهب» وهو
مكان صياغة التمثال، أو تتمُّ في بيت النطرون أو في الفناء الأمامي للمقبرة أو في
مقصورة اﻟ «حدج» التي يُوضَع فيها تمثال المتوفَّى.
١٤ أما عندما تُقام الطقسة على المومياء الفعلية للمُتوفَّى، فإنها تؤدَّى
في الغالب عند مدخل المقبرة أمام التابوت الذي يحوي المومياء الفعلية للمُتوفَّى،
١٥ ومن ثَمَّ تنوَّعت أماكن العثور على أدوات وأواني طقسة فتح
الفم.
ولقد كانت أواني طقسة فتح الفم واحدةً من الأواني الطقسية التي عبَّر عنها المصري
القديم بمُفردات عدَّة كان منها كلمة «شوبتي»
šwbty
وكذلك كلمة
«شبست»
špst
التي تعني «إناء طقسي».
١٦
ولقد استمرَّ العثور على تلك الأواني الطقسية طوال شتَّى مراحل الحضارة المصرية
القديمة، وصُورت على جدران المقابر والمعابد بصُحبة مومياء المُتوفَّى أو تمثاله،
وشَكَّلت مع أواني حفظ الأحشاء دورًا هامًّا في إتمام الشعائر الجنائزية المُرتبطة
بالتحنيط، واعتُبرت هذه الأواني جميعًا من الأواني الشعائرية أو الطقسية أو ذات
الطبيعة السحرية لو صحَّ التعبير.
١٧
(٢) أواني الحب سد
وتقصِد الدارسة بها تلك الأواني التي إمَّا جاء عليها نقش بعلامة «الحب سد» أو
التي اصطبغت بطبيعة هذا الاحتفال، أو استُخدِمت في أداء شعائر هذا العيد.
ويُعدُّ عيد السد من أقدم الأعياد التي احتُفل بها في مصر القديمة، ويرجع أصلُه
إلى ما قبل التاريخ، وكان الملوك يحتفلون به بعد ثلاثين عامًا من حُكمهم إلَّا أنَّ
هناك بعض الملوك الذين احتفلوا به كلَّ ثلاث سنوات. ومن المؤكد أن بعضهم احتفل به
رغم أنهم لم يقضوا ثلاثين عامًا على العرش.
١٨
ويُقصَد بمعنى «عيد الحب سد»: «عيد النهاية»، أي نهاية فترة طويلة يستعيد الملك
في ختامها نشاطَه ويؤكد قُدرته على مُواصلة الحكم بطقوسٍ وحركات مُعينة يؤديها خلال
الاحتفال بالعيد ويظهر فيها بتاج الصعيد مرةً وتاج الوجه البحري مرةً أخرى؛ إشارة
إلى امتداد سلطانه عليهما، وإلى بداية فترة جديدة مجيدة في حُكمه لها.
١٩
وثمَّة مناظر لا ندري مدى صِلتها بالعيد، ترجع لعصر بداية الأُسرات، صوَّرت
معبدًا بدائيًّا عبارة عن فناءٍ مُسوَّر بسُور بسيط من البوص، وُضِعت عند مدخله
آنية خُصِّصت لماء التطهير، وُضِعت فوق حامل مُرتفع، وارتفع في وسطه صارٍ عالٍ كان
يُرفرِف في أعلاه علَم من قماش يُميز المعبد ويَهدي القاصدين إلى سبيله.
٢٠
وتُشير الدارسة في كل ذلك إلى الإناء المصاحب سواء في مناظر عيد السد، أو في
تفسير كلمة
hp، والتي تتكوَّن من كوخٍ بدائي في
وسطه عمود الواج يستنِد على حَوضٍ من الألباستر أو إناءٍ كان يُستخدَم في الاغتسال
٢١ وبعض طقوس التطهير، وذلك لمحاولة الخروج بالدور المُتعلق بهذا الإناء
الذي اعتُبر رمزًا للطهارة التي كانت أحد أهم المطالب الضرورية في المعابد وخاصَّةً
أثناء الاحتفال بالأعياد.
ولم يتوقَّف دور الأواني الحجرية في هذا الاحتفال على الطهارة فحسْب، وإنما
استُخدِمت بعض الأواني في إتمام شعائر أخرى؛ إذ كان من بين طقوس هذا الاحتفال أن
يشرب الملك قبل القيام بشعيرة «العدو الراقص» شرابًا مُعينًا من آنيةٍ على هيئة
الطبق يقدِّمها قِرد أبيض يُذكر في النصوص القديمة ﺑ «الأبيض العظيم».
٢٢
ولقد كثُر العثور على أوانٍ حجرية وأجزاء من أوانٍ حجرية عليها نقش يُمثل تأريخ
ذِكرى عيد السد، وذلك منذ عصر بداية الأسرات.
٢٣
وظهرت دلائل احتفال ملوك مصر في العصر العتيق بعيد السد مُسجَّلة أيضًا على
شُقافاتٍ لجِرارٍ بمنطقتَي هيراكونبوليس وسقارة. هذا إلى جانب ظهور اسم العيد على
آنية من الشست عُثر عليها بالقُرب من هرَم سقارة المُدرَّج ودُوِّن عليها إشارة إلى
احتفال الملك زوسر بالعيد للمرة الثانية.
٢٤
وكان الاحتفال بعيد السد يتمُّ في فناءٍ كبير خاص أعمِدتُه على هيئة الأسطون الثُّماني
٢٥ وهو يُشبه تمامًا هيئة الإناء المُوضَّح في «شكل ٧٣٩» وهو إناء مُضلَّع
من النمط الأسطواني يُشبِه العمود ويبلُغ ارتفاعه ٨٥سم واتِّساع قُطره عند قاعدته
١٣سم، واتِّساع قُطر فوَّهته ١٧سم وتُوجَد زخرفة مزدوَجة أسفل فوَّهة الإناء وكأنها
حبل يُحيط بالفوَّهة. الإناء رشيق وجميل أشبَه بالأعمدة التي تتَّكِئ عليها أركان
المعبد الجنزي الخاص بالملك زوسر بسقارة حيث مكان العثور على هذا الإناء الطقسي.
٢٦
ومن أوضح ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية حمَلت بوضوحٍ سِمات عيد السد، كان الإناء
«شكل ٧٤٠» وهو من الألباستر، رائع الشكل يبلغ ارتفاعه ٣٨سم، واتِّساع قُطره ٢٦سم،
الإناء عليه نقش بارز يُمثل بناءً رمزيًّا لمقصورة الحب سد واثنَين من الدَّرَج،
درجات سُلَّم، يؤدي إلى كُرسي العرش الخاص بمصر السُّفلى واثنين من الألوية مرتفعة
على صارٍ عالٍ. هذا من جانب، وعلى الجانب الآخَر من الإناء نجد منظرًا يُمثل إعادة
ميلاد عامٍ جديد وذلك قد أظهرَه الفنان بمنظر رجلٍ رافعٍ ذراعَيه لأعلى وكأنه
يتعبَّد، جاء المنظر مُمثَّلا بالنقش البارز.
٢٧ عُثر على هذا الإناء أيضًا بالهرَم المدرَّج بسقارة، وهو من الأواني
الطقسية الهامَّة.
٢٨ يؤرَّخ بعصر الأسرة
II يوجَد بالمتحف
المصري
JE.64872٢٩ (شكل ٧٤١).
الإناء كأنه نصب تذكاري يُهنِّئ بالعام الجديد في الاحتفال اليوبيلي الخاص
بالملك، والذي يُقيمُه في المعبد الجنزي ومن ثَم فالعثور على مِثل هذا الإناء إنما
يؤكد، ليس فقط على دَوره الطقسي؛ بل والجنزي أيضًا، لا سيما أنه قد عُثر على بقايا
معبد للحب سد بسقارة، كانت تجري به أحداث هذا الاحتفال الذي جاء هذا الإناء
ليُوثِّقه ويؤكِّد مُجرياته.
٣٠ ولقد استمرَّت طقوس الاحتفال بهذا العيد متوارثةً ضِمن التقاليد
الموروثة لتعكس ما كان سائدًا في الفترة المُبكرة من الحضارة المصرية القديمة.
٣١
ولقد انتشرت خلال عصر الدولة القديمة صناعة الأواني الحجرية المنقوشة بأسماء
الملوك وأعياد الحب سد الخاصَّة بهم، وكانت هذه الأواني تُصنع من الألباستر في أغلب
الأحيان وكانت تُهدى لحُكَّام الأقاليم وحُكَّام البلاد الأجنبية بمناسبة الاحتفال
بعيد السد، وكانت تُستخدَم كأوانٍ لحفظ العطور والزيوت.
٣٢
وقد انتشرت هذه الأواني في عهد الملك ببي الأول واستُخدِمت لنفس الغرَض السابق
ذِكره، وعُثر على مجموعةٍ منها في مقابر حُكَّام الواحات، وكان منها ما حمل نقوشًا
باسم الملك ببي
I وإشارة لِعِيد السد الخاص به. ومن
هذه الأواني، الإناء «شكل ٧٤٢» من الألباستر ارتفاعه ٢٨سم، عُثر عليه في مقبرة
ميدونفر أحد حُكَّام الواحة الخارجة. يحمِل الإناء نقشًا باسم الملك ببي الأول
وإشارة للاحتفال بعيد السد الخاص به، الإناء محفوظ بمتحف الواحة ويحمل رقم ١١٣٠.
٣٣
وربما كان هذا الإناء من أواني حفظ الزيوت أو النبيذ واستُخدِم في أداء مراسم هذا
الاحتفال اليوبيلي.
وهناك الإناء «شكل ٧٤٣» من الألباستر، أُسطواني الشكل يبلُغ ارتفاعه ٣٥سم، وهو
على شكل عمود أسطواني يحمِل نقشًا عموديًّا باسم الملك ببي الأول وذِكرى الاحتفال
بعيد السد الخاص به، الإناء عُثر عليه في بيبلوس (جبيل) في معبد الإله
Balat المعبود المحلي لجبيل، وهو يوجَد حاليًّا
في المتحف القومي اللبناني ببيروت تحت رقم ٤٣٦٦.
٣٤
وتُعدُّ مثل هذه الأواني الحجرية من الأواني الطقسية واستُخدِمت كأوانٍ لحفظ
الزيوت والعطور المقدَّسة، والتي تُستخدَم في إتمام مراسم بعض شعائر الاحتفال بهذا العيد.
٣٥
ويؤكد ذلك أنه عُثر على بعض هذه الأواني وقد ثُبِّتَت عليها أغطيتُها. ففي «شكل
٧٤٤» نرى إناءً أسطوانيَّ الشكل يُمثِّل كأسًا أو قدحًا صغيرًا ارتفاعه ٧٫٢سم عليه
نقش بالحبر الأسود يُقرأ كالتالي: ملك مصر العُليا والسُّفلى، مري-رع، منح الحياة
للأبد، الاحتفال الأول بالحب سد،
٣٦ الإناء جيد النحْت والصقل وهو من نفس نمط أواني حفظ الزيوت المقدسة
والدهون والمراهم العطرية.
وفي «شكل ٧٤٥» نرى إناءً أسطوانيًّا ارتفاعه ١٤٫١سم من الألباستر المصري عليه نقش
باسم الملك ببي
I ملك مصر العُليا والسُّفلى وذِكرى
الاحتفال الأول بعيد السد الخاص به ودعاء له بالحياة الأبدية.
٣٧
وكذلك «شكل ٧٤٦» الذي يُبين إناءً أسطوانيًّا آخَر من الألباستر ارتفاعه ٢١سم،
عليه نقش يُشبه تمامًا النقش السابق، «ملك مصر العُليا والسُّفلى، مري-رع». وإشارة
إلى ذكرى الاحتفال الأول بعيد السيد الخاص به، الإناء يوجد بمتحف اللوفر بباريس
E.3165.
٣٨
ويزخر متحف اللوفر بالعديد من الأواني الحجرية الأسطوانية، المصنوعة من الألباستر
والتي تؤرِّخ لِذِكرى هذا الاحتفال اليوبيلي (احتفال الحب سد للملك ببي الأول).
٣٩
ويُبين «شكل ٧٤٧» إناءً من الألباستر تختلف هيئته عن الأواني السابقة الذكر، وهو
غير كامل، ارتفاعه حوالي ٢٤سم، عليه نقش باسم الملك ببي الأول، وإشارة على الاحتفال
بعيد السد الخاص به، الإناء يوجَد بمتحف الآثار بالجامعة الأمريكية ببيروت تحت رقم
IN.5041–2.
٤٠
ولقد عُثر في منطقة بلاط-قلاع الضبَّة على خمسة أوانٍ حجرية يوبيلية في مقابر
اثنَين من حُكَّام الواحات، ثلاثة منهم في مصطبة إيماببي الثاني واثنان في مصطبة
ميدونفر، وكان من هذه الأواني الحجرية،
٤١ الإناء «شكل ٧٤٨» وهو أسطواني الشكل من الألباستر، ارتفاعه ١٦سم عليه
نقش عمودي بألقاب الملك ببي الأول وإشارة لعيد السد الخاص به، عُثر على هذا الإناء
في مصطبة إيماببي الثاني وهو موجود في متحف واحة الخارجة تحت رقم ١٩٣٠.
٤٢
وربما كانت مِثل هذه الأواني الحجرية، أوانيَ تذكارية تؤرِّخ لذِكرى الاحتفال
بعيد السد، وقد صُنعت إما لاستخدامها في إتمام مراسم الاحتفال بهذا العيد، أو
إهدائها من قبل الملك للنُّخبة والحُكَّام الأجانب أو حُكَّام الأقاليم بالداخل.
ولذا أجاد صانعها نحتَها وصقلها وحرص على كتابة أسماء الملوك عليها وكل ذلك يؤكد
أهميتها ودورَها الديني والسياسي أيضًا.
ولقد استمرَّ العثور على مثل هذه الأواني الحجرية في مختلف المراحل الحضارية في
مصر القديمة.
(٣) أوانٍ حجرية ذات طبيعة سحرية
وتقصد الدارسة بهذه الأواني الحجرية، تلك الأواني التي عُثر عليها إما منقوشةً
بصِيَغٍ وتعاويذ سحرية عبَّرت عن أغراض طقسية مُعينة، اختصَّت بحماية صاحبها ضدَّ
القوى الشريرة المُعادية له في عالمه الآخر، أو تلك الأواني التي عبَّرت بصناعتها
وشكلها العام ومكان العثور عليها عن أغراضٍ دينية أو سحرية تُرجى منها.
ولقد أشارت الدارسة إلى هذا وذلك في صفحات البحث عند الحديث عن الأواني الحجرية
ذات النقوش، وعن الأواني الحجرية ذات الهيئات الزخرفية التي ترمُز بزخارفها إلى
مُعتقداتٍ دينية أو سحرية خاصة.
فلقد حرص المصري القديم في كثيرٍ من الأحيان على كتابة بعض الصِّيَغ السحرية
والأدعية تيمُّنًا بها، لِما تحمله من فائدة خاصة له في الحياة الأخرى، فعُثر على
الكثير من الأواني الحجرية التي تحمِل بنقوشها مِثل هذه الصِّيَغ والتي كان منها ما
جاء في «شكل ٥٥١» الذي يُبين كأسًا من الألباستر للملكة «عنخ-إس-إن ببي» عصر الأسرة
السادسة، أُحيطت حافته بشريطٍ من الكتابة الهيروغليفية يشتمل على أدعيةٍ خاصَّة
بصاحبة الكأس التي سُجِّل اسمُها عليه،
٤٣ والكأس ذات صنبورٍ للصبِّ ممَّا يُشير إلى استخدامه في أغراض الصبِّ أو
السكب والطقوس المرتبطة بها، أو ربما كان الغرض منها أن تنتفِع صاحبة الكأس ممَّا
يقُدَّم إليها فيه من شرابٍ في عالَمها الآخر، وذلك من خلال الأدعية والتعاويذ
المكتوبة عليه.
وكذلك يُمكن الرجوع إلى «شكل ٥٥٢» الذي يُبيِّن اثنَين من الأواني الحجرية ذات
الصبغة السحرية أو الطقسية، وهُما من الألباستر وكانا من الأواني ذات الاستخدام
الشعائري. ويتبيَّن ذلك من نقوشهما التي احتوت على أدعيةٍ خاصة للملك ببي
I يُرجى منها انتفاع الملك بها في عالَمه الآخر،
٤٤ فالإناءان من الأواني التي استُخدِمت على ما يبدو في أداء المُمارسات
الخاصة في شعائر الأعياد والاحتفالات الملكية مِثل أواني عيد السد أو غيرها من
الاحتفالات أو الأعياد الدينية الأخرى.
٤٥
وترى الدارسة أنه يمكن إدراج ما عُثر عليه من أوانٍ وهمية في مختلف المقابر
المصرية القديمة، تحت قائمة الأواني ذات الطبيعة السحرية، وذلك باعتبارها أوانٍ
حجرية استُخدِمت كبدائل للأواني الحجرية الحقيقية، وبواسطة السحر ستتحوَّل إلى
أوانٍ حقيقية
٤٦ … تماما كما هو الحال في تماثيل الأوشابتي.
هذا بخلاف الأواني الحجرية التي اتَّخذت هيئاتٍ زخرفية كعلامة العنخ
مثلا. والتي تُشير إلى الحياة، ومن ثَمَّ فربما كانت
الأواني التي اتَّخذت مثل هذا العنصر الزخرفي في هيئتها تُشير إلى معنًى سحري مُعين
يربط بين الماء الذي يسكُبه هذا الإناء وبين الحياة التي يمنحها هذا الإناء لمن
يشرب منه.
٤٧
وكان من أمتع ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية اصطبغت بالصبغة السحرية، الإناء «شكل
٧٤٩» وهو يُعرَف باسم «الإناء السحري للأميرة ست حتحور إيونيت» عُثر عليه بمقبرتها
باللاهون وهو من الألباستر يبلغ ارتفاعه ٢٢ بوصة، وهو ذو غطاءٍ جرسي الشكل وعلى بدن
الإناء يوجَد نقش باسم المعبود «دواموت إف» واسم صاحبة الإناء،
٤٨ هذا بخلاف بعض الأدعية والتعاويذ التي تُفيد بأنَّ الأميرة ستستفيد
بكلِّ ما يُقدَّم إليها، وكل ما ستُخرِجه الأرض من الماء الذي يحويه الإناء، وكل ما
تحتاجه في هذا الإناء. والجميل هنا أنَّ كل الصِّيَغ السحرية المنقوشة على الإناء
قصد بها كاتِبُها أن تحلَّ محلَّ كل القرابين وكذلك كل مناظر المقبرة، وهذا ما لم
يكن معروفًا قبل ذلك؛ ومن ثَم فقد صنَّف بتري هذا الإناء بأنه من أكبر الآنية
الحجرية وأحسن ما عُرف من هذا النوع
٤٩ (شكل ٧٥٠).