اهتمَّ المصري القديم باستعمال الأواني الحجرية في أغراضٍ واستخداماتٍ عدَّة بخلاف
أغراض الطعام والشراب أو ما شابَهَ ذلك من أغراضٍ أخرى يُفسِّرها معنى كلمة إناء؛ إذ
كثيرًا ما عُثر على أطباقٍ وسلاطين وأوانٍ استُعملت كمصابيح ومشاعل، أو كمَحارق للبخور،
أو كأهوانٍ ومِدقَّات أو كمكاييل وموازين، وما إلى ذلك من أغراضٍ حياتية أخرى.
وستقوم الدارسة بإلقاء الضوء بشيءٍ من الإيجاز على بعض هذه الاستخدامات.
(١) استخدام الأواني الحجرية كمصابيح ومشاعل
يرجع أقدم ما عُثر عليه من مصابيح حجرية إلى العصر الحجري القديم الأعلى،
١⋆
وكانت هذه المصابيح عبارة عن شريحة مثقوبة أو مُقعَّرة من الحجر، طبيعتُه غير
مُشكَّلة كانت تُوضَع بها الدهون الحيوانية، أو ما يُستخدَم كوقودٍ في الجزء
المقعَّر، وتعلو الوقود أغلب الظنِّ ذُبالة بسيطة، وأحيانًا كان المصباح الحجري
يتمُّ تشكيله وصقْل سطحه الخارجي بحيث يكون مُستديرًا من أحد طرفَيه، وهذا الجزء
المُستدير قد تمَّ تقعيره بحيث يوضَع فيه وقود الإحراق، أما باقي المصباح فكان
عبارة عن يدٍ مُمتدَّة ليُمسَك منها.
٢
وقد عُثر بمنطقة المعادي على مجموعةٍ من الأواني الحجرية مصنوعة من الحجر الجيري
ثقيلة الوزن، عُرفت بأنها حارقات بخور أو مصابيح، وقد وُجِد منها ٧٢٨ إناءً كاملًا
وغير كاملٍ صنَّفَها المُكتشفون بأنها مصابيح، وقد دعم ذلك أنه ظهر على الكثير منها
آثار تعرُّضها للنار، فضلًا عن أنها جاءت صغيرة الحجم. واختلفت هذه الأواني عن شكل
السُّلطانيات في أنها سميكة الجدران وقواعدها ثقيلة، ولم يهتم الصانع بتشكيلها
جيدًا وجميعها يمتاز بجزءٍ بارز للخارج في أحد جوانب الحافة، وحجم الجزء الفارغ من
الداخل صغير، والقواعد بصفةٍ عامة مُدوَّرة وفي أحيانٍ قليلة وُجدت القواعد مسطحة.
٣
ولقد عُثر في هرَم الملك زوسر على العديد من الأواني الحجرية التي استُخدمت
كمصابيح، كان البعض منها يرجع لعصر الأُسرة الثانية، والبعض الآخر يرجع لعصر الأسرة
الثالثة، وكانت هذه المصابيح عبارة عن سلاطين أو أطباق ضحلة من الحجر، وذلك كما نرى
في «شكل ٧٥٣» الذي يُبين طبقًا من حجر الوحْل ارتفاعه ما بين ٢ : ٣سم، وهو صغير
الحجم، ضحْل إلى حدٍّ ما، يؤرَّخ بعصر الأسرة
II،
ووضح بالدراسة استخدامه كوسيلةٍ للإضاءة (مصباح).
٤
ومن الجدير بالذِّكر أن استخدام الأواني الفخارية كمصابيح كان أسبقَ من استخدام
الأواني الحجرية في هذا الشأن، وتنوَّعت أيضًا تلك المصابيح الفخارية ما بين
الأطباق والسلطانيات والأقداح، وكانت تُوضَع أحيانًا على قوائم مُرتفعة
٥ تسمح بتوزيع الإضاءة
٦ (شكل ٧٥١ وشكل ٧٥٢).
ويُشير مُخصَّصه
Tk3 الذي يُبيِّنُه «شكل ٧٥٤»
إلى ما كان عليه المصباح في عصر بداية الأُسرات، وهو عبارة عن طبقٍ يخرج منه شعلة.
٧
أما المصباح في عصر الدولة القديمة فكان على شكل قدحٍ أو سُلطانية من الحجر أو
الفخار يُملأ بالزيت ويُوضَع فيه الفتيل، وقد ظلَّ مبدأ عمله على ما هو عليه في مصر
القديمة طوال العصور التاريخية حتى ولو تغيَّرت أشكاله مع الزمن. وكذلك استُعمِلت
المشاعل وكُتَل من الشحم مُعينة الشكل كانت تُوضَع فوق عصًا استعملوها كوسائل
للإضاءة، وصُوِّرت على جُدران المقابر في مختلف الرسوم والمناظر.
٨
ونجد في مقابر الدولة القديمة قواعد يبلُغ ارتفاعها نحو ١ أو ١٫٥م مصنوعة من
الحجر الجيري، وقد وُضِعت في أعلاها صِحاف صغيرة من الجرانيت تبيَّنَ بدراستها أنها
تُعدُّ أقدم نماذج المصابيح القائمة، ووجودها في المقبرة بوجهٍ عام يدلُّ على أن
المُتوفَّى كان يحتاج إلى نورٍ صناعي في الليل، وأنَّ مثل هذه المصابيح كانت
مُخصَّصة بطبيعة الحال لبيت الأبدية، وهي من مُقلَّدات المصابيح الفخارية التي
كانوا يستعملونها في المنازل.
٩
وقد عُثر من بين المتاع الجنزي للملكة نيت، الأسرة السادسة، على قدحٍ ضخمٍ عالٍ
حافته مُزخرفة وبها اثنان من الدوائر أو الثقوب، ونجد نتوءًا مزدوجًا على الجانبَين
يُشكِّلان ثملتَين مُزدوَجتَين مُتقابلتَين، الإناء من حجر الألباستر وكان قد
استُخِدم كمصباح.
١٠
هذا وقد عُثر على المصابيح الحجرية في بعض المدن التي لم تُسكَن لفتراتٍ طويلة؛
مما يدلُّ على استخدامها في الإضاءة المنزلية،
١١ وكان من أهم المدن التي عُثر بها على مثل هذه المصابيح مدينة اللاهون
ودير المدينة وتلِّ العمارنة.
١٢
ويمكن القول إنَّ أقدَمَ أشكال المصابيح التي عُرفت في عصر الدولة القديمة،
واستمرَّت حتى عصر الدولة الوسطى، كانت تتكوَّن من:
فالمصباح في أبسط حالاته ما هو إلا طبق صغير أو سُلطانية
أو إناء غير عميق يُملأ بالزيت أو الدهن وتُوضَع فيه
الذُّبالة، إما طافيةً على سطح الزيت أو مُثبَّتة على حافة الطبق، واتَّخذ شكل
المصباح في بدايته الأول شكلًا زخرفيًّا عبارة عن مصباحٍ على هيئة القارب له بزبوز
يُستخدَم في تثبيت الذبالة فيه من ناحيةٍ ومن ناحية أُخرى لصبِّ الزيت منه عند
الضرورة، وهذه كانت أيضًا مصابيح عصر الدولة القديمة، سواء المصنوعة من المعدن أو
المصنوعة من الحجر.
١٣ ولم تختلف تقنيةُ إضاءةِ مثلِ هذه المصابيح؛ حيث استخدام الزيت
والذبالة حتى عصرِنا الحالي في بعض القرى.
١٤
ولقد طوَّر المصريون القُدَماء مصابيحهم بحلول عصر الدولة الوسطى، فصُمِّمت بحيث
أصبحت أكثرَ تعقيدًا من مصابيح الدولة القديمة، وأصبح للمصباح الواحد فتحتان
إحداهما لتثبيت الذُّبالة والأخرى لملء الزيت. وتُشبه هذه المصابيح تلك التي
استُخدِمت في العصر اليوناني في مصر، وربما ظلَّ أثرُها حتى اليوم في بعض الأنواع
من المصابيح المُستخدَمة حاليًّا
١٥ (شكل ٧٥٥).
وقد عُثر باللاهون — عصر الدولة الوُسطى — على العديد من الأطباق والسُّلطانيات
الحجرية التي تَبيَّن بدراستها استخدامها في الإضاءة، وقد تشابهت أنماطها مع ما
عُرف في عصر الأسرة الثالثة، واستمرَّ حتى عصر الدولة الوسطى، وقد جاءت بعض هذه
الأواني أعلى حواملها الحجرية التي ثُبِّتت عليها لتوزيع الإضاءة على أكبر مساحةٍ مُمكنة.
١٦
وقد امتازت مصابيح الدولة الوسطى بوجود مكانٍ داخل الإناء يُحيط بالإناء الداخلي،
وكان الأول يُملأ بالماء والثاني بالزيت (شكل ٧٥٦). ويرى بتري أنَّ السبب وراء ذلك
يتمثَّل في أن الماء حول الإناء الداخلي سوف يجعل المصباح باردًا، وبالتالي لا تسخن
جُدرانه الخارجية، كذلك فإنَّ وجود الماء حول المصباح المَملوء بالزيت سوف يمنع
تَسرُّب الزيت من مَسامِّ الإناء الحجَري.
١٧ فاستمرار الآنية الحجرية — أعني المصباح — مُشتعِلة لمدَّةٍ طويلة، قد
يتسبَّب في عدم إمكانية تحمُّل ذلك لفتراتٍ طويلة
١٨ (شكل ٧٥٧).
ولسنا بصدَد تتبُّع ما عُثر عليه من مصابيح أو مشاعل، ولسْنا نبغي سرْد ووصف كلِّ
ما عُثر عليه منها، وإنما فقط الإشارة إلى أنَّ الأواني الحجرية كان لها العديد من
الاستخدامات الأُخرى، بحيث لم يكن الغرَض من وراء تصنيعها مجرَّد استخدامها في
أغراض الطعام والشراب والاغتسال، بل هناك الأكثر من ذلك.
وقد سبق أن أشارت الدارسة فيما عُثر عليه من أواني المائدة الخاصة بالملكة نيت —
عصر الأسرة السادسة — إلى طبقٍ زُخرفي
١٩⋆
بهيئة النجمة، وبالدراسة تَبيَّن أنه ربما استُخدِم كمصباحٍ أو كوسيلة للإضاءة.
٢٠
وكثيرًا ما كان يتمُّ تثبيت السُّلطانية أو المصباح الحجري على دُعامة أو حاملٍ
مُرتفع وتوضَع في الأركان، سواء بالمنازل أو المعابد أو المقابر عند القيام برسم
وزخرفة جُدرانها، وكان المصباح عادة يكون من الحجر الجيري أو حجر الألباستر.
٢١
ويُبيِّن «شكل ٧٥٨» مجموعةً من المصابيح بعضها من الحجر الجيري وبعضها من
الفخَّار، عُثر عليها باللشت واللاهون، يبلُغ ارتفاع قُطر أكبرها حوالي ٨٫٥ بوصات،
وتؤرَّخ هذه المصابيح بعصر الدولة الوسطى.
٢٢
أما «شكل ٧٥٩» فيُبين مصباحَين من الفخار يُثبِّتهما المباخر إلى حدٍّ كبير،
يؤرَّخان أيضًا بعصر الدولة الوسطى، أحدهما اتَّخذ نفس ما شاع بعصر الدولة القديمة
من أشكال للمصابيح، أما الآخر فقد تميَّز بقاعدته المُرتفعة.
٢٣
فكثيرًا ما كان يتمُّ وضْع المصابيح على قواعد حجرية بخلاف الحوامل الحجرية المُرتفِعة،
٢٤⋆
وقد عُثر على مِثل هذه القواعد الحجرية الخاصَّة بالمصابيح وكانت تُصنَع غالبًا من
الحجر الجيري
٢٥ (شكل ٧٦٠).
وربما كانت هذه القواعد الحجرية بمثابة حوامل حلقيَّة قصيرة، وهي تختلف بالطبع عن
حوامل المصابيح الحجرية التي كانت تُوضَع عليها المصابيح، وغالبًا ما كانت تُصنَع
من الحجر الجيري، وكانت مرتفعة حيث إنَّ ارتفاع الحامل كان يؤدي إلى الاستفادة من
الضوء الضعيف للمِصباح إلى أقصى درجة، وكانت الحوامل الحجرية مُنتشِرةً خلال
الدولتَين القديمة والوسطى؛
٢٦ حيث عُثر على حوامل من الدولة الوسطى في مدنية اللاهون، مُصوَّر عليها
شكل الإله «بس» إله المرَح والفكاهة، ومنها حوامل كانت عبارة عن كُتلة واحدة من الحجر
٢٧ كما في «شكل ٧٦١» الذي يُبين مصباحًا من الحجر الجيري فوق حامله، عصر
الدولة الوسطى.
٢٨ هذا بخلاف قواعد المصابيح من الحجر الجيري التي كانت تُثبَّت عليها
المصابيح (شكل ٧٦٢).
وإذا كانت المناظر الدالة على استخدام المصابيح في المنازل نادرة في عصر الدولة
القديمة والوسطى، فإنَّ البرديَّات والنصوص الأدبية قد ذَكَرت أهمية الإضاءة ليلًا،
سواء كانت للأحياء أو للأموات؛ فهي تؤنس ظلام ليلِهم، ومِن ثَم حرص الأموات على
إضاءة مقابرهم ليلًا بالمصابيح، كما حرص الأحياء على استخدام المصابيح في منازلهم
عند الظلام.
(٢) استخدام الأواني الحجرية كمباخر
لا تُعَدُّ المباخر أو حارقات البخور «أوانيَ» بما يقصد منطوق الكلمة، ولكنها
مصنوعات حجرية أو غير حجرية، قريبة الشَّبَه من المصابيح، ولقد عُثر على كثيرٍ منها
منذ عصر ما قبل الأسرات في حفائر المعادي، وكانت أشبه بالسُّلطانيات الحجرية، ولا
زال على جوانب بعضها آثار الحرْق، كما عُثر في إحداها على بقايا مادة راتنجية.
٢٩
ويُبين «شكل ٧٦٣» أطباقًا صغيرة من الحجر الجيري، ارتفاعها يتراوَح ما بين ٢٫٥
و٣٫٨سم، واتِّساع قُطرها يتراوَح ما بين ٥٫٥ و٥٫٧سم، عُثر عليها بالمعادي (٣٦٠٠ ق.م.)،
ويوجَد بها بقايا لسناج الحرق (سواد الحرق)، على حافة الفوَّهة وبقايا مواد
راتنجية أو صمغيَّة في قاعدة الآنية، ولذلك فإنه يُعتقَد أنَّ هذه الأطباق قد
استُخدِمت لحرق البخور أو ربما استُخدِمت أيضًا كمصابيح زيتية.
٣٠
وفي هذا دليلٌ على اهتمام المصري القديم بتطهير منزله بروائح البخور المُختلفة
منذ أقدم العصور، وقد ذَكَرت بردية إيبرس الطبية وصفةً مُعيَّنة لبخورٍ خاصٍّ
يُستخدَم لتطهير رائحة المنزل، وذكرت أيضًا بعض المواد المستعملة مثل الأثل
والصنوبر والقرفة وغيرها.
٣١
ولقد تنوَّعت أشكال المباخر منذ عصر الدولة القديمة ما بين الكأسية، أو
الناقوسية، والمبخرة الذراعية الشكل «سحتب»
، ومنها ما جاء على هيئة علامة «نب»
nb،
٣٢ وكثيرًا ما صُوِّر وهو يخرج منه لهَبٌ ونار.
أما عن المباخر الناقوسية أو الكأسية فكانت عبارة عن إناءٍ له قاعدة ضيقة وفوَّهة
واسعة بما يُشبه القدح، ولقد ظهرت منذ عصر الدولة القديمة، وتطوَّرت صناعتها في عصر
الدولة الوسطى.
٣٣
وكانت مثل هذه المباخر تُوضَع أعلى الحوامل في الدولة القديمة مثلها مثل
المصابيح، أما المباخر الذراعية الشكل فكانت تُصنع من البرونز، وقد ظهرت منذ عصر
الدولة الوسطى.
٣٤
ولقد كثُر استخدام المباخر في أداءِ مُختلِف طقوس التطهير والشعائر المُرتبطة
بها، لا سيما في المعابد المصرية القديمة أثناء القيام بطقوس الخدمة اليومية في
المعبد حيث كانت تُشعَل الشعلة، وتُؤخَذ المبخرة ويُوضَع إناء البخور فوقَها ثُمَّ
تُرمى حبَّات البخور على النار المُشتعلة لتطرُد الأرواح الشريرة ويطهر
المعبود.
فالبخور كان من أهمِّ أغراضِه الحماية وإبعاد وطرْد الأرواح الشريرة، ومن ثَمَّ
كثُر ذِكره في قوائم القرابين كأحد أهمِّ العناصر الجنائزية المُصاحبة للمُتوفَّى
في عالَمه الآخر؛
٣٥ إذ يمنحه القوة والقدرة على إعادة الميلاد.
٣٦
ومن ثَم تعدَّدت أنواع البخور ومُسمَّياتها،
٣٧ وتنوَّعت المباخر المُستخدَمة في طقوس التبخير في مصر القديمة تبعًا
لنوع الطقسة والغرَض منها (شكل ٧٦٤).
(٣) استخدام الأواني الحجرية كمكاييل وموازين
لقد تعدَّدت أواني الكيل عند المصريين القدماء بتعدُّد المواد والسلع التي
استُخدمت في كيلها، فكان منها ما خُصِّص لكيل العسَل أو اللبن أو الجِعة أو النبيذ
أو الزيوت بأنواعها أو العقاقير الطبية. ويبدو أن المكاييل في مصر القديمة وفي
غيرها كانت في الأصل ضِمن الأواني المُخصَّصة لحفظ المواد السابقة وأشباهها، ثم
تطلَّبت عمليات المقايضة وتبادُل السلع تحديدَ سَعة بعض هذه الأواني واتِّخاذها
كمكاييل ثابتة، يُمكنه عن طريقها معرفة مقدار ما يبادِل به.
وهكذا تحوَّلت هذه الأواني إلى أوانٍ عيارية ذات مِعيار مُحدَّد، وأُطلق على
أغلبها نفس أسماء الأواني الأصلية تقريبًا. ويبدو أنَّ المصري قد توصَّل إلى هذا
منذ أوائل عصور الدولة القديمة على الأقل.
٣٨
تنوَّعت مواد صناعة هذه الأواني ما بين الحجر والمعدن والفخار، وذلك باختلاف ما
تحويه، وكان كثيرًا ما يُذكر نوع الحجر المُستخدَم في صُنع هذا الإناء أو ذلك، سواء
من حجر أبيض أو أسود،
٣٩ ومن الأوبسديان أو الألباستر أو غيرهما، وتنوَّعت أيضًا أشكال وأنماط
تلك الأواني ما بين الكروية والبيضاوية والأسطوانية وما إلى ذلك من أنماطٍ مختلفة
للأواني الحجرية.
٤٠
ويوجَد بالمتحف المصري مكاييل تؤرَّخ بعصر الدولة القديمة، كان منها إناءان من
الألباستر عُثر عليهما بسقارة يؤرَّخان بعصر الأُسرة السادسة، الأول بيضاوي الشكل
ذو رقبةٍ ضيِّقة نوعًا ما وشفةٍ عريضة، ويبلغ طوله حوالي ٤٧٥مم، عليه نقش باسم
الملك ببي
I، وهو يُسجِّل أيضًا الاحتفال بالعيد
الثلاثين الأول للملك.
٤١
أما الإناء الثاني، وهو أيضًا من الألباستر، فهو لا يحمِل اسمًا ملكيًّا ولكن
يتشابَه معه في الشكل، فيما عدا الشفة غير العريضة، يبلُغ ارتفاعه ٠٫٦٣مم، وكان هذا
الإناء أيضًا مُهشَّمًا إلى حدٍّ كبير ثُم رُمِّم، وقد استُخدِم هذا الإناء كمكيالٍ
لأحد الزيوت؛ إذ كان عليه نقشٌ يُبين المادة التي يحويها والمكيال الذي ينتمي إليه
وعدد وحداته.
٤٢
ولسنا بصدَد حصْر ما عُثر عليه من أوانٍ حجرية استُخدِمت كمكيالٍ أو معيار، وإنما
فقط تُشير الدراسة إلى أحد الأغراض والوظائف التي ارتبطت بالأواني بوجهٍ عام، سواء
كانت حجرية أو غير حجرية. وكان من أحدث الاكتشافات التي تمَّت في دهشور ما عُثر
عليه من أوانٍ عيارية استُخدِمت كمكيالٍ، وتأكَّد ذلك من خلال الكتابات التي كانت
عليها وأسماء الأشياء التي عُثر عليها بداخلها والتي تنوَّعت ما بين خرُّوبٍ وزيت،
وكُتِب على الأواني سَعتَها وما كان بها من أشياء.
٤٣
وما الأواني التي استُخدِمت كمكاييل إلَّا أوانٍ من الأنماط المُعتادة، زِيد
عليها فقط طبيعة الاستخدام كمعيار. وكثيرًا ما كانت مِعيارًا لنفس ما ارتبطت به من
أغراض، فوِعاء الزيت مثلًا استُخدِم كمعيارٍ للزَّيت وكذلك الحال في مختلف الأواني الأخرى.
٤٤