مقدمة ثالثة
الجمع الميداني البارد للخرافات وممارساتها
ويبدو الأمر أكثر صعوبةً إذا ما تصوَّرنا أن الأغراض والنشاطات والمواد والأعضاء التي يمكن للتصنيف أن يشملها قد تستغرق كل ما هو عضوي ومعنوي ولا عضوي من شئون الحياة وما بعد الحياة.
وحكى لي تاجر أحجار وأنتيكات قديمة أنه احترف تجارته هذه بعد أن شهد بعينيه تأثير الأحجار الكريمة؛ فقد كان يعمل حلاقًا يمارس عمله بموساه ذات مرة في ذقن زبون، إلى أن توقَّف الموسى في يده لا يتقدَّم مهما سَنَّه وجلخه، إلى أن شدَّ بصره حجرٌ مشعٌّ في يد الزبون، فطلب منه خلع خاتمه، وما إن أبعَدَه حتى مشى الموسى حادًّا على وجه الزبون. وقِسْ على هذا آلاف الحكايات والمأثورات التي قد تسهم في إقامة آجرومية عربية للأحجار، سواء ما يتصل بأغراض تزين نسائية ورجالية، أو حول الشعائر الدينية، ومنها المسبحة والتبرك بالأحجار وأغراضها وقواها الدفينة.
كما لا يجب هنا إغفال «عقد شمه» الإلهة الأم السالفة للقبائل القمرية-الهلالية، ودوره المحوري في السيرة، خاصةً الريادة.
ولا يغفل هنا أيضًا تقديس الأحجار الأصنام — كملمح سامي جاهلي — حتى الحجر الأسود المعروف بحجر إسماعيل «أبو العرب».
كذلك لا يغفل جزئيات الأمراض والأوبئة والعلل وهبوب الرياح، خاصةً ريح السموم، في حكايات الجزيرة العربية، وما يتبعها من خرافات طوفانات الرياح والعواصف، وما يتبعها من طواعين وحمى شيطانية وخرافات جان.
وتُولِي جزئيات الحكاية الشعبية المصرية والسودانية اهتمامًا ملحوظًا للأعضاء التناسلية للذكر، خاصةً الخرافية وحكاية الفرفشة، فما تزال الملامح الأسطورية الفرعونية الأولى تعيش على الشفاه، تأكيدًا لما سبق أن لاحظه ديودورس الصقلي من أن إيزيس جمعت كل أجزاء أوزيريس فيما عدا أعضاءه التناسلية، فصنعَتْ له أيرًا من الشمع، وفيما جمعته من جزئيات يأخذ السمن الذي يسيح بالنهار مكان الشمع.
وارتباط العتبات بشعائر الذبح، خاصةً المرتبطة بالزار، في حالة ذبح الديوك أو الذكور، وتخطية العتبة سبع مرات.
وطبيعي أن يقودنا هذا إلى عدم إهمال عوالم ما تحت الأرض وطبقاتها السبع المتوارَثة منذ السومريين — ٤ آلاف عام ق.م.
وكذا أبواب جهنم أو طبقاتها السبع كما يذكر الميثولوجيون العرب؛ عكرمة، ابن جريج، ابن كثير: أولها جهنم، ولظى، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، ثم الهاوية. وهو ما لا يبعد كثيرًا عن الميثولوجي السومري اللاسامي الذي يمتد تأثيره المتواتر إلى أيامنا بما يستلزم إيراد فصل خاص.
ويوصلنا الرقم سبعة إلى فولكلور أيام الأسبوع السبعة، وتسمياتها بحسب الكواكب السبعة السيارة.
وكذلك المنابع الخرافية للتقويمات من شمسية وقمرية أو هجرية، وعلاقة هذا بتابوات الأكل والمنع وتحريمه، والاحتفالات الشعائرية التقويمية للقمر عند الساميين بعامة، والعالم الإسلامي بخاصة، وشارتهم أو شعارهم الهلال المعروف منذ عرب الجاهلية الأولى، والذي ما يزال يُنْظَر إليه بالعين المجردة مع أول رمضان في السعودية ومصر ومعظم الكيانات العربية.
كما لا تُستثنَى من هذا الرصد: شعائر النجاسة والطهارة، وطُرُق ذبح الحيوان، والتعامل مع الدم بأنواعه، خاصةً دم الحيض.
والمباحات والمحرمات التي انتهت في مطبخ اليوم، ثم أنواع الطعام، وهو ما توسَّع فيه العالِم البنائي الفرنسي ليفي شتراوس من «النيئ إلى المطبوخ».
ولم يندهش الفولكلوريون الأكاديميون فيما بعدُ كثيرًا لاكتشافهم أن المسيح شخصية فولكلورية.
ونبَّهت الدراسات الفولكلورية الإنجليزية إلى كيف أن الحدادة التي هي أصل ومنبت الصناعات الحديثة كانت مرتبطة بالسحر منذ القِدَم، وأن السحر بدوره كان دائمَ الارتباط بكل أدوات الإنتاج التي تحتاج إلى جهود عضلية، فظلت بقايا السحر عالقةً وتابعةً لتطور الحدادة، وتسايرها حتى الثورة الصناعية وما بعدها.
ويَسْخر دارِسُو الفولكلور المُحْدَثون من ذلك الخصام الطفولي، الذي كان يحدث بين المشتغلين بالفولكلور في العصر الفيكتوري أمثال: الفريد نط، وأدوين هارتلاند، وإدارد كلود.
وخلال القرن ١٨ حقَّق قسيس بروتستنتي — هو «جون براند» — نجاحًا محققًا حين نشر مؤلَّفه القيِّم «الأنتيكات الشعبية» عقب موته، وفيه أشار إلى أن الحكايات والمقولات المتواترة اليوم تنحدر من أصول وثنية، أو أنها كانت عادات وشعائر وثنية تكثلكت فيما بعدُ، مثل المليم الذي يُوضَع في فم الجثة للقديس بطرس بدلًا من دفع أجرة معدية أوزيريس في أساطير مصر الفرعونية وعادة أكل الخطية، وكذا الرقص في الكنائس خلال احتفالات الكريسماس، ومنها أغلب الأسرار المسيحية المقدسة المعاشة والمتواترة إلى أيامنا.