الأسطورة في الأدب الشعبي
حتى أيامنا هذه وبعد المدى الكبير الذي قطعته العلوم الإنسانية والإثنية، ما يزال الخلط اللاعلمي ساريًا بالنسبة للتعريفات البسيطة حتى لدى المثقفين والمتخصصين، حول التعريفات المحددة للملحمة والأسطورة، والقصص الشعرية الغنائية المعروفة بالبالادا.
وإذا ما قصرنا موضوعنا هنا عن الأسطورة، وكيف أنها قصة أو فابيولا أو مأثور، يحمل — بالطبع والضرورة — سمات العصور الأولى والقديمة، مفسرة معتقدات الناس بإزاء القوى العليا والسماوية: آلهتهم وأنصاف آلهتهم، أبطالهم وخوارقهم، وكذا معتقداتهم الدينية.
وكما يذكر سير ج. ل. جوم، فإن غرض الأسطورة هو التفسير، بالإضافة إلى الغايات التعليمية والاعتقادية، فالأسطورة تفسير لقضايا أو أصل وجوهر العلم، في عصور ما قبل العلم.
من ذلك أن تخبرنا الأساطير كيفية خلق الكون، والإنسان والحيوان، وكافة المخلوقات والمعالم الأرضية، من أنهار وجبال ووهاد، كذلك فإن العلاقة وثيقة بين الأساطير والخرافات والمأثورات الطوطمية من حيوانية ونباتية، بل وحشرات وزواحف من عناكب وديدان، أخصها الدودة — دودة العلق — التي صيغ منها الإنسان القديم (انظر أساطير خلق العالم والإنسان).
كذا تفسر لنا الأساطير سكنى الأرباب والآلهة في — عليون — الأعالي عند قمم الجبال الشاهقة، وأشجار السنط والعملاقة «عندما تسمع صوت أقدام في رءوس أشجار البكاء، عندئذ احترس؛ لأنه إذ ذاك يخرج الرب أمامك.»
فليست كل القصص القديمة أساطير، فمن الضروري أن تتوافر للأسطورة عناصرها المتمثلة في عوالم الأرباب والآلهة، وكذا الخلفيات الدينية والسماوية.
فالأسطورة — كما لاحظ دارسوها المبكرون — ما هي سوى «تأليه للوقائع البشرية»، أما دارسو الأساطير المقارنة مثل فريزد فقد توصلوا إلى تفسيرات للظواهر الكونية، وكذا للتقويمات، من شمسية — السنة الميلادية — لقمرية — السنة الهجرية — أو القمرية، التي تنقص عن سالفتها — أو نظيرتها الشمسية، بأحد عشر يومًا — نسيئة — مثلها مثل الأساطير الفرعونية المتصلة بأخلق، للآلهة أنفسهم، وهم الذين خلقت الآلهة، خمس منهم خارج الزمن (للاستزادة انظر: الأساطير المصرية، وأساطير الخلق الأولى — أو أوزيريس إله النماء المصري الممزق — ونوت — إله فرعونية).
ومعظم الفولكلوريين دائمو التشكك من مدى التداخلات والمزاوجات بين عناصر كلٍّ من الأسطورة والحكاية الشعبية، خاصة تلك الحكايات الطقوسية للمقدسين والمباركين، وأولياء الله، وما أكثرهم في تراثنا، بدءًا: بالحكيم لقمان، والأقطاب الأربعة، ومنهم الخضر أبو العباس.
وبعض الحكايات الشعبية ما تزال تحمل سماتها الرئيسة، كبقايا — أو أشلاء — أساطير، وهو ما سبق أن لاحظه الأخوان جريم.
فالكثير من الأساطير اجتذبت وانتفعت بموتيفات وتضمينات الحكايات الشعبية البسيطة أو الساذجة، وبذا رفعتها إلى عوالمها الفوقية، فعندما أصبح الشطار والمكارون بشريين بدلًا من كونهم في السابق مقدسين، وعندما أصبح البطل إنسانًا بشريًّا بدلًا من كونه إلهًا؛ أصبحت الأسطورة حكاية وأحدوثة وخارقة أكثر بساطة.