بلقيس ملكة سبأ العربية
تُعَدُّ بلقيس من أوفر الملوك القحطانيين اليمنيين — أو العرب الجنوبيين — حظًّا بالنسبة لما تواتر حولها وتناثر من أساطير وحكايات، ما تزال تواصل سرياتها وتوالدها المتوالي في مأثورات شعوب الشرق الأدنى، بل والعالم أجمع.
ويبدو أن الأفعى كانت الشعار أو الحيوان المقدس لذلك القلمس — الذي يُقال إنه كان أحكم العرب.
كما كان النسر هو الطائر المقدس — الطوطم — لدى العرب البائدة، خاصة قبائل عاد.
وكذلك الهدهد، الذي تسمَّى به الملوك اليمنيون، ومنهم الهدهاد بن شرحبيل، والد بلقيس، وتسمَّت هي أيضًا به، وما تزال تواتر فابيولات الهدهد وبلقيس؛ منها أن هدهدها لقي هدهد سليمان حين افتقد سليمان هدهده قبل زيارته لبلقيس، فتساءل الملك النبي الكاهن سليمان: ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين؟ لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتين بسلطان بلقيس.
فكان أن حدث أكثر من لقاء — طوطمي — بين الهدهدين، أقرب إلى التلصص، فسأل هدهد بلقيس هدهد سليمان — أو طموطمه — حين لاقاه: أخبرني ما هذا الذي أرى؟! ما رأيت ملكًا أعجب من هذا الراكب الريح. وعاد هدهد سليمان فسأل نظيره اليمني حين أخبره من أرض سبأ عن ملكهم؟ فأجابه: ملكتنا امرأة لم يسر الناس مثلها في حسنها وفضلها وكثرة جنودها، والخير الذي أعطته في بلدها، وهي من ولد جمير، وأمها من الجن، وقومها يسجدون للشمس.
وبعد أن انتهى هدهد سليمان من تجسسه، عاد إلى سليمان بالخبر المعروف وأَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ.
ويُنْسَبُ للشاعر الجاهلي الأسطوري الكبير أمية بن أبي الصلت أن الهدهد كان سبب انقضاء ملك بلقيس في أشعاره الأسطورية أو أساطيره الشعرية، التي تتناول مواضيع خلق العالم، والجنة والنار، وخطيئة آدم، والطوفان، وخرافات ذي القرنين، وبلقيس (انظر: يعرب أبو العرب أمية بن أبي الصلت).
ولا تنتهي مأثورات الهدهد الخرافية، ومنها حين امتحنته بلقيس، فأرسلت إليه بمائة وصيف ومائة وصيفة، ولدوا في شهر واحد في ليلة واحدة، ليفرق بينهم، محملين — طبعًا — بالجواهر والخير والهدايا.
وورد في العهد القديم أن جن سليمان هم الذين شيدوا مدينة «تامار» أو «تدمر»؛ أي التمر أو مدينة التمر، وهذه الحكايات وغيرها كانت شائعة بكثرة شديدة بين العرب الجاهليين حول أحداث وخرافات ومأثورات وأساطير سليمان وبلقيس ملكة سبأ.
ويرى البعض أن اسم بلقيس مشتق من تسمية إله القمر عند السبأيين الذي لُقِّبَ في اليمن ﺑ «المقة»، ومنه جاء اسم الملكة بلقيس، كما يُذْكَرُ أن من اسمه تواترت تسمية مكة المكرمة.
ومما يؤكد هذا الرأي أن نقوش المسند حفظت أسماء مجموعة من المعابد خُصَّصَتْ لعبادة الآلهة القمرية «المقة»، من أشهرها هذا المعبد الذي زارته إحدى البعثات الحفرية الأمريكية، وهي بعثة «وندل فيلبس» وما تزال بقايا هذا المعبد قائمة، ويُعْرَفُ لدى اليمنيين باسم حرم بلقيس أو «محرم بلقيس».
ورواج خرافات الجن والشياطين في ثنايا تاريخ هذه الحضارة الحميرية، والتي تداخلت في نسب ملوكهم مثل بلقيس، وذي القرنين، والملك ناشر النعم، بالإضافة إلى أن قبائل بكاملها، أرجعت إلى الجن، مثل بني ملك وبني يربوع، ومن المرجح أن تكون فكرة الجن في منشأها فكرة دخيلة، جاءت بها هذه الحضارة الحميرية المبكرة خلال حروبها وفتوحاتها، واتصالاتها الأسيوية المبكرة فيما يجاورها من حضارات، خاصة الآرية في الهند وفارس (انظر: فرس إيرانيين آريين).