حسن ونعيمة وشفيقة وزليخة لدى كل الشعوب
القصص الغنائية الشعرية التي لا يخلو منها تراث شعب من الشعوب مثل: حسن ونعيمة، وشفيقة ومتولي، وعزيزة ويونس، ويوسف وزليخة، وقيس وليلى، وخيزران، وسارة وهاجر؛ لها حيزها المرموق بالنسبة لدارس المأثورات والآداب الشعبية على رقعة العالم أجمع، وتعرف بالبالادا.
البلادا تسمية أطلقت على هذا النوع من الأغاني الفلولكورية الملحمية التي كانت منشأها أغاني تؤدى بمصاحبة الموسيقى، والرقص — مثل البلاتا الإيطالية.
فهي قصة شعرية مثلها مثل «عنتر وعبلة»، وعالية وأبو زيد الهلالي، وسارة وهاجر، وحسن ونعيمة … إلخ.
فهي أغنية ملحمية بأكثر منها ملحمة أقرب إلى الابتهالات البكائية والجنائزية، مثلها مثل أغاني الشهنامات الفارسية الإيرانية، وقصائد السيد الفرنسية، وبلاد نبلونجز الألمانية الإسكندنافية، والبليانات السوفيتية، والأغاني القصصية التي سبقت اكتمال ملحمة «كاليفالا» الفنلندية، وكذا أغاني رولان وبيولف، ثم بالاد سفند دايرنج الدينماركية التي تقارب قصتنا الملحمية سارة وهاجر، وإن كان كلاهما يشيع فيهما الحسن النسائي الذي هو الملمح الأكثر أصالة للجسد الفولكلوري العالمي بأكمله، من حيث الاحتفاء بمأثورات مثلث العائلة الخالد، الزوج والزوجة والابن وصراع الضرتين وطقوس الزواج والميلاد، واضطهادات زوجة الأب، التي تدفع بالأم إلى الخروج من قبرها، لتنقذ طفلها القدري المضطهد من براثن زوجة أبيه.
ويرجع ظهور هذا الشكل الأدبي الفولكلوري في التراث العالمي بعامة، فيما بعد القرن الخامس عشر، ولعبت حركات الإصلاح الديني في الغرب دورًا دافعًا في تنشيطه، والاستفادة من رواته ومنشديه المحترفين مثل النسوة البدبات منشدات البلينا السوفيتية، برغم أن بعض الكنائس في العصور الوسطى حاولت تحريم إنشاده، واضطهاد رواته وحفظته ومنشديه.
ولقد احتفت المدرسة الأسطورية بريادة أندرولانج بإرجاع هذه القصص الشعائرية الغنائية إلى عصور موغلة في القدم.
ولا شك في أن بعض نماذج هذه القصص الشعرية الملحمية عمره من عمر الشعائر والممارسات الوثنية الطوطمية الموغلة في القدم، طالما أنه مرتبط بتقويمات ومناسبات دنيوية يُرَادُ لها الحفظ والانتشار، ولو من جانب المؤسسات الدينية التي عادة ما تتحرك في خدمة المسار السلطوي، ولو للعائلات المنسبة أو التي تضفي صفات وهالات القدسية والتقديس على أنسابها بما يحفظ لها استمرارها، وتواصلها السلطوي الطبقي.
ومن هنا تجيء — مثلًا — سارة وهاجر التي تؤرخ للأصول للعائلة السامية برمتها؛ للأب السلف إبراهيم الخليل، وابنه إسماعيل أبي العرب، وزوجاته الثلاث: العربية، والعبرية، والسريانية.
وبذا أصبح الخليل إبراهيم بمثابة الأب السلف لهذه الأقوام — حتى — المتعاصرة، فالبلاد قصة شعرية فولكلورية تروي أحداث ملحمية يُرَادُ لها الحفظ والاتصال، عادة ما تكون على درجة عالية من الأهمية والخطورة، وعلى المستويات البنوية من سياسية وشعائرية واجتماعية وتقويمية تنتهي بكاملها عند هدف أخير هو حفظ البنية الطبقية دون أي اعتبار لما طرأ على مجتمع أو مجتمعات — هذه السير والبالاد الملحمية من تغيرات في علاقات إنتاجية، والشروط أو المتطلبات التي يعيش فيها الناس — وعن طريقها وعبرها — يتحدد وعيهم.
فثقل ومثل هذه النصوص خاصة تلك التي يكون موضوعها الشعائر والمنتجات الروحية؛ لا يدخل في اعتباره مطلقًا أن تطور الأفكار والمعتقدات يجيء مسايرًا للتطور التاريخي.
وعلى كلا المستويين الفكري العقائدي والواقعي الدنيوي المادي ذلك أن مثل هذه الخرافات الغيبية ما هي — في أحسن الافتراضات — سوى انسلاب للعالم الدنيوي أو الأرضي المفتقر — بالضرورة — إلى الوعي بنفسه، وإلى أن العالم يجب تغييره لا مجرد تفسيره من جديد، فالفكر الغيبي هو إسقاط وهمي للعالم الأرضي اتساقًا مع ثقل مثل هذه الموروثات الروحية المدعمة بسلطة العادة والتوارث، وكذا التفسيرات المغلوطة لكلا التراث والتاريخ مجللة أو محماة بما أسماه أرثوتيلو — بالاهيزم، من روحانيات يضفيها الإنسان على كل شيء، وبخاصة طبقًا الطبيعة الموحشة الغامضة من حوله.
وعلى هذا فالبالاد في أحسن حالاتها قصة «أنساب» أو عائلة أو قبيلة، مع الأخذ في الاعتبار أن العصب أو الجسد الفولكلوري العربي بعامة قبائلي.
بالإضافة طبقًا إلى أنها — كما ذكرنا — قصة أو أغنية شعرية عادة ما كانت تؤدى بمصاحبة الموسيقى والرقص.