الفصل الثاني

العصر الكلاسيكي

نقصد بالعصر الكلاسيكي تلك الحقبة التي ازدهرَت فيها أثينا وإسبرطة — أقوى المدن اليونانية على الإطلاق — حيث بلغَت إسبرطة قمة مجدها العسكري، وعاشت أثينا عصرها الذهبي في الثقافة والفنون والآداب وهو عصر ربما امتدَّ ثلاثة قرون (من نهاية السابع إلى نهاية الرابع ق.م.) ووقعَت فيه الحروب الطاحنة بين هاتَين الدولتين الكبيرتَين. ومن المعروف أنَّ اليونانيين لم يضعوا في ذهنهم إمكان وجود دستورٍ سياسي واحد يمكن أن يمتدَّ خارج نطاق المدينة؛ فكان لكل مدينة دستورها الخاص الذي ينظم حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقاتها بجيرانها … إلخ. ويهمُّنا بصفةٍ خاصة أن نعرض لوضع المرأة في أثينا حيث وُلد أفلاطون، وقضى حياته، وأنشأ مدرسةً، ونظَّم أفكاره. كما نعرض لمركزها في إسبرطة التي تأثَّر بها فيلسوفنا، حتى قيل إنه نقل عنها معظمَ أفكاره الجريئة عن المرأة.

أولًا: المرأة في أثينا

لم ينصلح حال المرأة كثيرًا في العصر الكلاسيكي عمَّا كان عليه في العصر البطولي، ولا حتى في أثينا ذات الحضارة المزدهرة؛ فقد ظلَّت الوظيفة الأساسية للمرأة «الحرة» إدارة المنزل وتربية الأطفال. ونعني بالمرأة «الحرة» المواطِنة الأثينية الأصيلة؛ ذلك لأننا نجد في أثينا في ذلك العصر صنفَين من النساء إلى جانب الجواري: صنف يندر جدًّا أن يخطو خطوةً واحدة خارج جدران البيت فهو مقيَّد بكافة الأغلال، وتلك هي المرأة الأثينية «الحرَّة» على ما في ذلك من مفارقة! أمَّا الفئة الثانية، فهي النساء الأجنبيات، وهؤلاء لا قيود عليهنَّ، ففي استطاعتهنَّ الخروج في أي وقتٍ، وعمل ما يرونَه مناسبًا. وكم كانت الفئة الحرَّة تحسد الأجنبيات على هذه الحرية! وعلينا الآن أن نسوق كلمةً موجزة عن كل فئة؛ حتى نفهم تركيبةَ المجتمع الأثيني ووَضْع المرأة فيه.

(١) المواطِنة الأثينية

كانت أثينا أكبرَ المدن اليونانية، وإنْ لم يزِد تعدادها عن ثلاثين ألفَ مُواطِن، وكانت الفكرة الأساسية السائدة أن هؤلاء جميعًا تربطهم «روابط الدم»؛ فهم جميعًا من أصلٍ إلهي واحد، لهم الكثير من الحقوق السياسية والاجتماعية، يملكون ملكياتٍ خاصة … إلخ؛ ومن ثَم، فمن الأهمية بمكانٍ لاستمرار المدينة أن يظلَّ نسلها «نقيًّا»؛ حتى لا تتسرَّب هذه الحقوق والامتيازات لشخصٍ أجنبي. ولذلك، كان المبدأ العام هو أنه لا يصبح مواطنًا له حقوق المواطنة إلا مَن كان أبوه وأمُّه مواطنَين من أثينا، وكأن هذه الحقوق أشبه ﺑ «الملكية المعنوية» التي يريد الأب أن يورِّثها لأبنائه من صُلبه، إلى جانب الممتلكات الخاصة الأخرى من أرضٍ وعقارات … إلخ. وهكذا اهتمَّ هذا المجتمع الأبوي اهتمامًا خاصًّا بخيانة المرأة؛ حتى لا يدخل نسلٌ غريب أو زائف يغتصب حقوق المواطن الأثيني، كما أعطى للأب سلطاتٍ واسعة، فهو «يملك الأُسرة» بالمعنى الحَرفي للكلمة؛ فمن حقِّه، مثلًا، أن يبيع أيًّا من أبنائه — الذكور أو الإناث على حدٍّ سواء — سدادًا لدَين في ذمته، أو لينتفع بثَمنهم. ومع أنَّ قوانين «سولون» جرَّدت الآباء من هذا الحق، فإنها لم تقوَ على استئصاله من نفوس اليونان. وسوف نرى فيما بعد كيف أثَّرت هذه الملكية في فهْمِ أفلاطون للأُسرة، وكيف أنه في محاورة «القوانين» أباح للأب أن يتنازل عن أبنائه لغيره! ولمَّا لم تكن هناك ثقةٌ بالنساء في موضوع الحُب، لأن المرأة بطبيعتها ضعيفة، كان لا بدَّ من وجود أجنحةٍ خاصة للنساء أشبه ﺑ «الحصون»، تقع في الأعمِّ الأغلب في الأدوار العلوية يختبِئنَ فيها بعيدًا عن أعيُن الرجال.١
ولم يكن للمرأة الأثينية أيُّ ارتباط بالرجُل؛ فالحياة العامة في الطرقات اليونانية وأماكن الاجتماع، كانت خاصةً بالذكور. وكانت الأسواق ومنتديات الرياضة والجمعية أماكنَ يتقابل فيها الرجال مع الرجال. والواقع أن المدينة اليونانية كانت من كافة الوجوه منتدًى للرجال.٢ ولم يكُن مسموحًا للمرأة عند اليونان أن تختار شريكًا في الجنس (وظلَّت تلك هي الحال في حرَّاس أفلاطون الذين لا يختارون الشريك، بل تُعقد قُرعة للاقتران المؤقَّت؛ مسألة حظ). وتلك كانت الحال في الزواج الذي يفرضه الأهل، ويرتِّبه في الأعمِّ الأغلب النساء العجائز، اللائي يُسمح لهنَّ بالتنقل من منزلٍ إلى آخَر. وكانت الفتاة تتزوج عادةً في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من شاب في الثلاثين أي في ضِعف سنِّها (وظلَّت هذه هي السن المناسبة للزواج عند أفلاطون وأرسطو) مما حَفَر هوةً عميقة بينهما، فلا تقارُب في السن ولا في النضج العقلي، ولا الاهتمام بشئون الحياة العامة … إلخ. فمن المفارقات الغريبة أنه لم يكن يشترط أيُّ قَدْر من الثقافة في الفتاة التي ترغب في الزواج، ولا حتى في الطبقات الراقية. فإذا ما تزوجَت كان عليها مجموعةٌ من الواجبات أولها العناية بالمنزل؛ يقول زينوفون: «كما أنَّ ملكة النحل تبقى في الخلية، وتُشرف على بقية أفراد النحل وهي تعمل، كذلك ربة الدار عليها أن تبقى بالمنزل، تشرف على ما فيه من أعمال، تراقب مصروفَ بيتها فلا يُنفق في شهرٍ ما كان يمكن أن ينفق في عام، وتُدرِّب الفتيات، ممَّن لا خبرة لهنَّ، وتُعنى بالجواري المرضى … إلخ»٣ فإذا خرجَت إلى الشارع وجَبَ عليها أن تتحجَّب، وهو فرضٌ على المرأة الحرَّة وحدها دون الجواري أو الأجنبيات، وكأنَّ الخمار الذي تضعه على وجهها هو بمثابة الإعلان بأن هذه السيدة «ملكيةٌ خاصة» لا يجوز أن تمسَّ! أمَّا الجواري والعاهرات، فهنَّ ملكياتٌ عامة! قال «لاروس» تحت كلمة خمار: «كانت نساء اليونان يستعملنَ الخمار إذا خرجنَ ويخفينَ وجوههنَّ بطرَف منه، كما هي الحال عند الأمم الشرقية،٤ كما كانت النساء تستخدم الخمارَ في العصور الوسطى أيضًا.»٥ ومن واجبات الزوجة في أثينا أيضًا أن تكون وفيَّة، وتُعاقَب المرأة الخائنة بعقوباتٍ قاسية؛ فهي بمجرد أن تتزوج لا يُسمح لها أن تجد لنفسها بديلًا جنسيًّا آخر، وإنما عليها أن تعتمد على الزوج تمامًا، في حين أنه هو نفسه يكون لديه مجموعة من البدائل (العاهرات، والجنسية المثلية … إلخ). تقول ميديا في مسرحية يوربيدس: «إذا ما تعب الرجُل من شريكة حياته، خرج من البيت ووضَعَ نهايةً لسأمه، واتَّجه نحو صديق أو رفيق من نفس عمره. أمَّا نحن فمجبراتٌ على أن نركِّز عيوننا على رجُلٍ فقط!» (أبيات ٢٤٥). وحتى إذا مات الزوج، فإن على المرأة أن تكبح جماح نفسها وجسدها ما دامت قد عادت إلى كفالة والدها أو حارسها الذي كان بيده أن يزوجها مرةً أخرى لمَن يشاء. بل إن المواطن يستطيع أن يقدِّم أخته أو ابنته بدلًا من أن يزوجها، على سبيل التسري كمحظيات؛ إذ كان من الممكن إرسالها إلى بيت من بيوت الدعارة دون أدنى مَلام على مالكها.٦ وليس من حقِّ الزوجة أن تتوقَّع الإخلاص الدائم من زوجها. يقول سوفكليس على لسان ديانيرا Dejania: «أنا إنْ لُمتُ زوجي لأنه أصابَته لوعة الحُب، فإني قد غاب عني الرشد …»٧ ومثل هذا الصبر لم يكُن موجودًا في أقوال الشعراء فحسب، وإنما هو مغروس في أذهان الزوجات كجزء لا يتجزأ من الواجبات المفروضة عليهنَّ، وهو ما عبَّرت عنه امرأة فيثاغورية بقولها: «من واجب الزوجة أن تتحمل جميع ظروف زوجها سواء أكان تعسًا سيئ الحظ، أو كان يأثم عن جهل أو يقع في المرض، أو يُدمن الشراب أو يعاشر نساء أخريات؛ لأن مثل هذه الأخطاء مباحةٌ للأزواج، لكنَّها غير مسموح بها للزوجات، والعِقاب ينتظرهنَّ إذا ارتكبْنَها …»٨ وهذا المعيار المزدوَج واضح أيضًا في كلمة «الزنا» اليونانية التي تعني أن تعاشر امرأةٌ متزوجة رجُلًا آخَر غير زوجها، وتعاقَب المرأة الخائنة بعقوبات قاسية.٩ والسبب واضح؛ فارتكاب الزوجة للإثم يلوِّث نسل المواطن؛ وبالتالي يجعل أطفالًا ليسوا من صُلبه يرثون ثروتَه المادية والمعنوية في آنٍ معًا، في حين أنَّ إثم الزوج لا يؤدي إلى هذه النتيجة. ويوضِّح «دموستين» هذه التفرقة بقوله «إنَّ مَن يعِش مع امرأة ويتَّخذها زوجةً، فإنه يريد أن يكون له منها أولاد، وأن يكون أولاده أعضاءً في العشيرة، أو أي وحدةٍ إدارية في أثينا؛ إننا نتخذ العاهرات من أجل اللَّذة، والخليلات لصحة أجسامنا اليومية، أمَّا الزوجات فلكي يلِدْنَ لنا الأبناء الشرعيين، ويُعنَين ببيوتنا عنايةً تنطوي على الأمانة والإخلاص …»١٠
وهكذا نجد أنَّ قيمة النساء المرشَّحات للزواج من معاصري أفلاطون تنبع من كونهنَّ عفيفات مدبِّرات صامتات، ولا تنبع من شخصياتهنَّ بأيِّ معنًى من المعاني. وهناك دلائلُ كثيرة على أن وضْعَ المرأة في أثينا كان واحدًا في جميع الطبقات؛ فحتى بنات الطبقات الراقية انحصرَتْ أعمالهنَّ في وظيفةٍ واحدة: أن يكنَّ زوجاتٍ وفيَّات مدبِّرات، وليس لهنَّ أدنى اهتمام بتلك المجالات التي تعتبر في نظر الرجال هامة؛ إنهنَّ فقط لإنجاب ورَثةٍ شرعيين!١١
وهكذا، لم يكن الرجال يجدون رفقةً عقلية في حياتهم الزوجية؛ ذلك لأن انعدام التعليم بين النساء، والفارق الكبير في السِّن بين الزوجَين، وانغلاق المرأة وعزلتها في بيتها … إلخ، أحدَثَ هوةً بين الجنسَين، كما ذكرنا، فاضطرَّ الرجال للبحث عن أسباب المتعة، التي حُرموا منها، خارجَ البيت. فلم يكن البيت للمواطن الأثيني حِصنَه ومَلجأه، بل مكان نومه فحسب. يقول زينوفون: «ليس ممَّا يشرِّف المرأة أن تكون خارجَ بيتها، وكذلك ليس ممَّا يشرِّف الرجُل أن يبقى فيه مدةً أطول مما يقضيها خارجه.»١٢ فهو في كثير من الحالات يقضي النهار كلَّه في المدينة من مطلع الشمس حتى مغيبها، فهذا بيته الحقيقي؛ أمَّا المرأة فبيتها هو حِصنها، وعليها أن تبقى فيه مخلِصةً وفية.
هذا فيما يتعلق بواجبات المرأة، أما حقوقها، لا سِيَّما السياسية، فلم يكن لها وجود على الإطلاق؛ فهي لا تشارك كما قُلنا في مجالات السياسة، أو الحياة العامة أدنى مشاركة، ولا علاقة لها بالآداب أو الفنون أو الثقافة؛ كما كان مركزها القانوني أدنى من الرجُل، بل كانت عديمةَ الأهلية القانونية، فلا تستطيع إدارة الأعمال أو أداء الشهادة أمام المحاكم، أو أن تكون طرَفًا في عَقدٍ قانوني. وكانت تظلُّ تحت وصاية والدها ثم زوجها حتى مماتها، أو تحت وصاية أقرب أقربائها من الذكور. وكان يجوز للأب في حالة عدم وجود ورثة من الذكور أن يوصي بأملاكه وابنته لأيِّ رجُلٍ يختاره. وكان على الرجُل أن يتزوج الابنة حتى لو اقتضى منه الأمر أن يطلِّق زوجته! وإلا تنازَلَ عن الإرث، فإذا مات الأبُ دون أن يترك وصيةً كان من حقِّ أقرب الأقرباء أن يطالب بالزواج من الابنة الوريثة؛ فإذا كانت الابنة قد تزوجَت، فإنَّ عليها أن تترك هذا الزوج وتتزوج أقربَ أقربائها.١٣ وعلينا أن نتذكر جيدًا هذه الأوضاع السيئة التي تردَّت فيه المرأة الأثينية؛ لأننا سنجدها تعود مرة أخرى إلى الظهور عند أفلاطون في محاورة «القوانين» عندما تعود الملكية إلى الظهور من جديد. أما فضيلة المرأة بعد ذلك كله، فهي أن تصون اسمها فلا يكون عُرضة للقِيل والقال حتى لو كان إطراءً وثناء كما يقول أعظم سياسيِّي أثينا في عصرها الذهبي في خطابه الجنائزي الشهير، بركليز،١٤ على الرغم من أنه هو نفسه كان عاشقًا متيمًا وبسبب العشيقة طلَّق زوجته!

(٢) المرأة الأجنبية

ننتقل من طبقة المرأة الحرة إلى طبقة أخرى، هي النساء الأجنبيات.١٥ ولم يكن للأجنبي حقوقٌ، ولا امتيازات في أيِّ مدينة يونانية، والامتيازات التي يمكن أن يحصل عليها لا بد أن تكون خدماتٍ آتيةً من الأصدقاء الأحرار. وإذا صدَقَ ذلك على الرجُل الأجنبي، فهو بالأحرى يصدُق على المرأة الأجنبية؛ فهي ليست جديرة بحماية المدينة، ولا تشرَّع لصالحها أيُّ قوانين، وإنما عليها أن تهتمَّ بمصالحها بطريقتها الخاصة أو أن تجد «رجُلًا حرًّا» يقوم لها بأعمالها الرسمية. وكانت الدولة تحرص في مسألة النساء الأجنبيات هذه، ألَّا يدنسنَ المدينة أو يدنسنَ طهارةَ دم المواطن الحُر؛ حتى لا يرث الحقوق والامتيازات والممتلكات إلا مَن هو أثيني طاهرُ الدم … ولقد ذهب رجال السياسة — بما لهم من براعة — إلى أن هناك أخطارًا تتهدد المدنية إذا ما شارك هؤلاء الأجانب في شئون المدنية السياسية، بعاداتهم وتقاليدهم الأجنبية، بل إن ذلك قد يُغضب الآلهة ويُشعرها بإهانةٍ شديدة؛ فتسلط عليها انتقامها الرهيب. ولهذا لم يكن الإسبرطيون يسمحون للأجنبي، ذكرًا أو أنثى بالإقامة في مدينتهم؛ فإنْ حضر، فلعدة أيامٍ فقط، لمشاهدة الاحتفالات، وعليه مغادرة المدينة، ولا يُسمح له بالاختلاط بالمواطنين … أمَّا أثينا فقد كانت مدينةً تجارية فضلًا عن أنها تموج بالمغريات للأجنبي: أعمال الفن، وعروض الدراما، والاحتفالات الدينية، والمدارس الفلسفية، والحياة السياسية … إلخ؛ فلم يكن في استطاعة أثينا استبعاد الأجنبي. لكنها مع ذلك، كان لا بد أن تأخذ حذرها منهم؛ حتى لا يؤدي اختلاطهم بالمواطنين إلى إفساد الدم الأثيني «الطاهر»؛ ومن ثَم، فقد شرَّعت القوانين التي تمنع أيَّ مواطن من الزواج من امرأة أجنبية أو العكس. ولو حدثَت هذه «الجريمة البشعة»، فإن من حق أيِّ مُواطن الإبلاغ عنها، وفي الحال يُقبض على المتَّهَمين وتُصادر أملاكُهما، ويباع الأجنبي في سُوق الرقيق. أمَّا المُواطن فتوقَّع عليه أقسى العقوبات؛ ومن ثَم، فالمرأة الأجنبية لا تستطيع أن تتزوج؛ فالزواج هو الخطيئة الوحيدة التي يمكن أن تقترفها في عين رجُل السياسة الأثيني، وفيما عدا ذلك فلها أن تفعل ما يحلو لها. ولا يمكن أن تعيش طبقةُ النساء الأجنبيات في عُذرية تامة. فالعقل الإغريقي نفسه يأبى ذلك، وهكذا شكَّلت النساء الأجنبيات طبقةً جديدة لمتعة الرجُل الأثيني، فقد وجد فيها ما كان ينقصه في المنزل! وهي طبقة تبدأ من الغانيات إلى سيدات الصالونات، ها هنا الألفة والمحبة والمتعة والثقافة، والنضج العقلي … وهكذا دخلَت هذه الطبقة في علاقاتٍ متنوعة مع الرجُل الأثيني الذي كان يخجل أن يصرِّح بمشاعره وعواطفه لزوجته. أما هنا فكلُّ شيء مباح فيما عدا الزواج، تجنبًا لإشكالات الميراث، ولم يكن الإغريق يجدون في ذلك عملًا مُشينًا؛ فالزوجات سجينات عفيفات مخلصات، يدبِّرن المنزل، ولا يُسمح لهن بالاختلاط، في حين أن الأثيني كان يرى أن «المرأة» عنصرٌ ناقص على مأدبة العشاء وفي حفلات الشراب، كذلك لم يكن يُسمح للزوجات بمصاحبة أزواجهنَّ أثناء الحملات العسكرية، لكنْ ليس ثمَّة قيود مماثلة على النساء الأجنبيات. ولم يكن ثمَّة ضرورة في أن يبقى نسل الأجنبيات نقيًّا؛ فتلك مسألة لا تهمُّ المدينة، ولا تهتمُّ بها الآلهة. وهكذا انتقى الرجال من النساء الأجنبيات خليلات ورفيقات وصديقات مثقفات؛ «فهن الطبقة الوحيدة المثقفة والممتازة عقليًّا بين نساء أثينا، يدرسنَ الفنون، ويعرفنَ التيارات الفلسفية الجديدة. ولهنَّ اهتمامات منوَّعة بالسياسة. والنساء المثقفات على هذا النحو، لا بدَّ أن يكُنَّ موضعَ تقدير أفضل الرجال في اليونان.١٦ بل كان لكلِّ رجُل عظيم تقريبًا، رفيقةٌ تتعاطف معه وتشاركه تأمُّلاته العقلية. ويروي سقراط أنَّ واحدة منهنَّ هي ديوتيما Diotima١٧ علَّمَته فنَّ الحُب، وهي امرأة، من مانتينيا Mantinea (المأدبة، ٢٠١ﺣ–٢١٢أ)، وليست هي المرأة الوحيدة التي يحدِّثنا عنها سقراط، ولعل التوقف قليلًا عند هذا النوع من العلاقات يكشف لنا جانبًا مستورًا من آراء فلاسفة العصر في المرأة؛ فسقراط الذي كان يحبس زوجته في المنزل ويحتقر عقلها وتفكيرها، يسعى لِلِقاء النساء المثقَّفات وتوجيههنَّ الوجهةَ الصحيحة لتكوين العلاقات مع الرجال. ويروي «زينوفون» أنه «عندما سمع سقراط عن امرأةٍ جميلة في المدينة تستقبل الأصدقاء، وأن جمال هذه المرأة يفوق الوصف، حتى إن المصورين يذهبون لرسمها؛ قال لأصحابه: «ينبغي علينا أن نذهب لرؤيتها؛ إذْ لا يمكن أن نفهمها جيدًا بمجرد الاستماع لمَا يرويه الآخرون.» وذهب إلى منزل «تيودوتا Theodota» فرآها وهي تُرسم، وأعجب بجمالها الفتَّان «وشَعرَ بالامتنان لأنها أبرزَت لنا جَمالَها … حيث كانت ترتدي أفخر الثياب … إلخ». سألها فيلسوف أثينا الأكبر: من أين لكِ المال الذي تُنفقين؟ ألديكِ ممتلكات، منزل يدر عليكِ دخلًا، أو عبيد يمارسون الحِرف اليدوية … إلخ؟ فلمَّا أجابت بأنَّ دخلها من أصدقائها الكرماء، عاد الفيلسوف يسألها عن وسائلها في جذب هؤلاء الأصدقاء، وينصحها بنسج شِباك أشبه بخيوط العنكبوت لصيد الرجال: «اصطياد الرجال فنٌّ ينبغي عليكِ أن تتعلميه … ألَا ترينَ عددَ الفنون التي يستخدمها الصيادون لاقتناص الأرانب البرية، وهي حيوانات ضئيلة القيمة؟ فلما كانت الأرانب تتغذى ليلًا، فإنهم يجلبون الكلاب لاصطيادها ليلًا؛ ولمَّا كانت تختفي نهارًا، فإنهم يستخدمون نوعًا آخَر من الكلاب يعتمد على حاسة الشم نهارًا؛ ولمَّا كانت سريعة العدو، فإنهم يستخدمون كلابًا في غاية السرعة، فضلًا عن أنهم يضعون في طريق الأرانب شِباكًا للإيقاع بها … إلخ.» ويستطرد الفيلسوف: «بدلًا من الكِلاب يمكنكِ اختيار شخصٍ يستطيع تعقُّب الأغنياء من محبي الجَمال، ثم يسوقهم إلى شِباككِ.» ثم يصِف لها أنواعَ الشِّباك: من استخدام العقل، إلى الحديث المعسول، إلى التعاطف ورقَّة القلب، ونظرات العيون … ويحذرها أن تقدِّم نفسها للأصدقاء وهم في «حالة شبع» وإنما عليها الانتظار حتى يشعروا بالرغبة إليها … إلى آخِر تلك «النصائح الغالية» التي يقدمها الفيلسوف، والتي يزخر بها الفصل الحادي عشر من الكتاب الثالث من ذكريات زينوفون عن سقراط.١٨
بل إن أفلاطون نفسه يقدِّم لنا مثلًا آخر عندما يروي عن سقراط في محاورة مينكسينس؛ قوله «عندي معلمة ممتازة في فن البيان، ولقد علَّمَت كثيرًا من الخطباء الممتازين، وعلى رأسهم أفضل خطباء اليونان جميعًا ألَا وهو بركليز، ولقد سمعتُ بالأمس أنها دبَّجَت خطابًا جنائزيًّا عن موتانا …» ويطلب منه مينكسينس روايةَ ما سمِعَه منها؛ فيروي سقراط على لسان «أسبازيا» — عشيقة بركليز — خطابًا رائعًا تنتهي به المحاورة، ويتألف من ست صفحات (من ٦٨٣ حتى ٦٨٩، مجلد من ترجمة جويت)، تُعدِّد فيه المرأة الأجنبية «مناقبَ أثينا التي لا نمتدحها نحن فحسب، بل يمتدحها الجنس البشري كلُّه، بل إنها لعزيزة حتى على الآلهة؛ فهي كالأم الحانية على أبنائها، فكما أن المرأة تبرهن على أمومتها بأن تُرضع صغارها (وليستْ أمًّا مَن لا يكون لديها هذا النبع)؛ كذلك تبرهن بلادنا على أمومتها بأن تنتج لأبنائها القمح والشعير، وما يحتاج إليه الإنسان في طعامه. وتلك علامةٌ على الأمومة أصدق من أمومة المرأة؛ لأن المرأة في حملها وولادتها تحاكي الأرض، وليست الأرض هي التي تقلِّد المرأة.»١٩
وأسبازيا Aspasia التي يشير إليها سقراط هي امرأةٌ أجنبية جاءت من ملطية، واستقرت في أثينا حتى أصبحت عشيقةً لأعظم السياسيين في تاريخها — بركليز — غزت قلبَه فملكته رغم أنه كان متزوجًا، مما جعله يتفق مع زوجته على الانفصال ليعيش مع «أسبازيا» كزوج وزوجة إلى أن فرَّق بينهما الموت دون أن يكون في استطاعتهما الزواج؛ لأن القانون الأثيني يُحرِّم ذلك.٢٠
ويروي المؤرخون أن بيتها كان منتدى للشخصيات الكبيرة في أثينا: «فقد كان هناك سقراط بصفةٍ مستمرة، كذلك كان «فيدياس» و«أنكساجوراس» من الأصدقاء المقربين. وربما كان «سوفكليس» و«يوربيدس» أيضًا. والحق أنك لن تجد، طوال التاريخ، امرأةً كان لها «صالون» أدبي على هذا المستوى الرفيع.»٢١ حتى إن شعراء الكوميديا كانوا يسمونها «هيرا» أو الإلهة الملكة، زوجة رب الأرباب، على اعتبار أن بركليز هو زيوس.
نخلص من ذلك كله إلى ملاحظتَين أساسيتَين:
  • الأُولى: أنَّ المجتمع الأثيني كان مجتمعًا أبويًّا؛ الرجُل فيه هو «السيد»، و«المالك» لجميع الحقوق المدَنية والسياسية، فهو المالك للأرض والعقارات؛ ومن ثَم هو المالك للأُسرة بما في ذلك الأبناء والزوجة … فمن حقه أن يرفض أيَّ طفل من ذريته عند ولادته. وهو يسنُّ من التشريعات ما يراه مناسبًا لدعم هذه الحقوق حتى ولوكان التشريع غريبًا كالقانون الذي يبيح الإجهاض إذا ما أراده الأب، لكن إذا ما أجهضَت المرأة نفسها بقرارٍ ذاتي عرَّضت نفسها للعقاب هي وكل مَن ساعدها. وهذه تفرقةٌ بالغة الدلالة؛ لأنَّ الإجهاض لا يُنظر إليه في هذه الحالة على أنه قتلٌ لكائن حي، بل هو انتهاك لسلطة الأب أو اعتداء على مِلكية المالك الشرعي!٢٢
  • الملاحظة الثانية: إن المسألة مرتبطة بالملكية، مادية أو معنوية، وبالميراث. وهذه الملكية التي يريد الأب أن يرثها أبناءٌ من صُلبه هي التي جعلَته ينظر إلى المرأة نفسها على أنها «جزء» من ممتلكاته، وسوف نجد هذا التعبير نفسه عند أفلاطون عندما يتحدث عن «امتلاك النساء» أو «اقتناء زوجة» أو حيازة امرأة خاصة … إلخ، يعني زوجة خاصة يكون من واجبها إنجاب أطفال من صُلب الرجُل يطمَئنُّ إلى نقل ممتلكاته إليهم. أمَّا المرأة الأجنبية فهي عشيقةٌ مهمتها إمتاعه في أوقات فراغه، دون أن يكون لها حقُّ الزواج أو الإنجاب، حتى لا تتسلل «الدماء الغريبة» إلى المجتمع؛ وهكذا تكون المرأة في الحالتَين في خدمة «السيد» الذي يملك كلَّ شيء، أما هي فهي «أدنى» منه، لأنها خُلقَت من «طينةٍ» مختلفة كما حدَّثنا هزيود من قبل، وكما سيقول أفلاطون نفسه بعد ذلك!

    لكنْ ألَا تقدِّم لنا إسبرطة نموذجًا اجتماعيًّا مختلفًا جعل للمرأة مكانةً عالية، أو حقوقًا مساوية للرجُل كما يقولون؟ ألم تؤثِّر صورة المرأة الإسبرطية في أذهان الكثيرين وأولهم أفلاطون نفسه؟ هذا ما سوف نناقشه الآن.

ثانيًا: المرأة في إسبرطة

لقد كان لإسبرطة طوال العصر الكلاسيكي أهميةٌ خاصة عند اليونان، حتى الأثينيين منهم، فقد كان يُنظر إليها منذ نهاية القرن السابع حتى القرن الرابع، باستثناء فترات قليلة، على أنها أقوى المدن اليونانية، لا سِيَّما بعد استيلائها على إقليم ميسينيا Messenia، وسيطرتها على مساحات شاسعة من الأرض إذا ما قورنت بأي مدينةٍ أخرى. باختصار، ظلَّ اليونانيون ينظرون إلى إسبرطة لمدة ثلاثة قرون على أنها المدينة الرائدة في الشئون الحربية. ومن هنا، فقد كان من الطبيعي لكل مشتغِل بالشئون السياسية أن يولي اهتمامًا خاصًّا بإسبرطة التي أثبتَت بنجاحها العسكري امتيازَ نظامها.٢٣
ولقد اهتمَّ أفلاطون اهتمامًا واضحًا بإسبرطة لأسباب متعددة، منها طبقته الأرستقراطية؛ فقد كان بعض أصدقائه وأقاربه من علية القوم في أثينا، من أصحاب الميول الإسبرطية؛ وربما أثَّر موقفهم في أفلاطون الشاب.٢٤ ثم ازداد إعجاب أفلاطون بنظام إسبرطة بعد هزيمتها لأثينا في حرب البلبونيز عام ٤٠٤ق.م. وهذا واضح في نظام التربية الذي وضعه أفلاطون في محاورة «الجمهورية»، وهي المحاورة التي كتبها بعد هزيمة أثينا مباشرة.٢٥
وفضلًا عن ذلك كله، فهناك عوامل أخرى أثَّرت في أفلاطون الشاب؛ فمن المرجَّح أنه خدم في سلاح الفرسان، وهو سلاح لم يكن يشترك فيه إلا أبناء الأغنياء الذين يستطيعون الإنفاق — حيث لم تكن الدولة تنفق على قواتها — على معدَّاته في ميدان القتال.٢٦ وهُمْ وحدهم القادرون على إعداد تجهيزات الفرسان، وهناك دلائل كثيرة على أن هذا السلاح كان متأثرًا بشدة بالطرق الإسبرطية.٢٧
وإذا كان «جلين مورو» يرى أن موقف أفلاطون من إسبرطة كان مزيجًا من الإعجاب والنقد،٢٨ فإن علينا أن نَعرض لنظام إسبرطة الذي أُعجب به فيلسوفنا. ثم نرى بعد ذلك ما هي الانتقادات التي وجَّهها إليه. وإذا أردنا أن نكوِّن لأنفسنا صورةً صادقة لدولة إسبرطة، فعلينا أن نضع في ذهننا أمرَين:
  • الأول: أن العقل الإغريقي كان يتصور أن المدينة هي أكبر تنظيم سياسي يتناسب مع وظيفة الدولة، كما ذكرنا من قبل، ومن ناحيةٍ أخرى فقد كان متأثرًا بقوة بفكرة فناء الفرد ودوام الجنس البشري، أعني دوام المدينة وبقائها من خلال تعاقُب الأجيال؛ ومن ثَم، فقد كانت الفكرة الأساسية، التي وجَّهَت جميع التشريعات عندهم، هي دوام المدينة واستمرار عبادة الآلهة دون الالتفات إلى رغبات الفرد؛ فوجوده هو أساسًا من أجل الدولة، وليس العكس، ولذا فلا بد من التضحية بجميع الاعتبارات الشخصية حتى تقوم هذه الدولة وتدوم، وكان لهذه الفكرة أهميةٌ خاصة في إسبرطة.
  • الأمر الثاني: أنَّ هناك ظروفًا خاصة بالإسبرطيين أنفسهم؛ فقد اتسعت الدولة، واحتلَّت مساحات شاسعة من الأرض. ووقع في أيديهم أعدادٌ كبيرة من العبيد، كان عليهم الاحتفاظ بهم ليقوموا بتلبية الحاجات الضرورية للمُواطن. بل إن الإسبرطيين شنُّوا حروبًا أدَّت إلى استرقاق شعوب بأكملها، فضربوا الرقَّ على أهلها؛ كما فعلوا مع سكان «هليوس Helos» فأصبح شعبٌ كاملٌ — يبلغ ستة أضعاف الإسبرطيين عددًا — عبيدًا باسم «الهليتوتين»، وأصبحت الكلمة نفسها مرادِفة للرقيق. ولهذا فقد كان على الإسبرطيين — كما يقول أرسطو — أن يكونوا على أهبة الاستعداد دائمًا؛ لأن الهليوتين أعداء لهم، يتربصون بهم الدوائر.٢٩ وكانت معاملة الإسبرطيين لهذا النوع من الرقيق تتسم في الغالب بالقسوة — رغم العقود التي كانوا يبرمونها معهم عند استسلامهم للرق! — وقد بلغَت بهم القسوة حدًّا جعلهم يعمدون بين الحين والحين إلى إبادة قِسم منهم، يتمرن فيه الشباب الإسبرطي على القتال من ناحية، وحتى لا يتكاثر عددهم فيصبحوا خطرًا على الدولة من ناحية أخرى؛ فكانوا يبيحون للشباب شن هجوم على المَزارع — وكان العبيد يقومون بالزراعة — فيقتلون كلَّ مَن صادفهم. وهذا يفسر لنا لِمَ كان لا بدَّ أن تكون إسبرطة في حالة استنفارٍ دائم حتى تواجه أعداءها في الداخل والخارج معًا. ولذلك كانت الدولة أشبه بمعسكرٍ ضخم متأهِّب دائمًا للقتال فأخضعَت كلَّ النظم التربوية والاجتماعية والاقتصادية لمقتضيات الحرب. وكان مشرِّعهم الأكبر «ليكورجوس Lycurgus»، الذي تلقَّى في معبد دلفي الأوامر التي جعلها أساسًا لتشريعاته، يقول إن حماية الدولة لا تكون بإقامة أسوارٍ عالية حولها بل بإعداد سور من الرجال الأشداء. ويعتقد أفلاطون أن قوانين إسبرطة التي سنَّها ليكورجوس جاءت وحيًا من أبوللو (القوانين، ٦٣٥–٦٩٦أ) … وهي قوانين ظلَّت أربعة قرون بلا تغيير، وكان هذا الاستقرار الطويل نفسه موضعَ إعجاب وتقدير من فيلسوفنا ومعاصريه من ذوي النزعة المحافِظة.

    ومن هنا، جاء اهتمام إسبرطة بالمرأة، فواجب الدولة الأول الاحتفاظ بهذا العدد الهائل من العبيد، والمحافظة على استمرار ملكيتهم ضد الغزاة، ولا يتأتى ذلك إلا بإعداد جنود بواسل وفرسان شجعان. ولمَّا كانت المرأة تشكِّل الأداة الرئيسية لإنتاج هؤلاء البواسل؛ فلا بد من العناية بها والاهتمام بشأنها، لكنه اهتمام في الواقع أقرب إلى اهتمام مربي الماشية بالأبقار، مثلًا، لتحسين نسلها. فلا هو إنصافٌ ولا مساواة ولا رفع لمكانتها، ولا حتى إعطاؤها أبسط الحقوق مثل حق اختيار الزوج؛ وإنما كل ما في الأمر أن الإسبرطيين يريدون رجالًا أشداء شجعانًا؛ ومن ثَم، فلا بد أن تكون الأمهات على هذا القدر من الشجاعة، الدولة تريد الشخصية الحازمة الجريئة الخشنة؛ فلا بد أن تحمل الأم هذه الصفات جميعًا لتورثها لأبنائها. إنهم يقدسون الجسد القوي مفتول العضلات الخالي من الأمراض، لا لجماله أو لاتساق بنيانه، وإنما لقدرته على التحمُّل ومواجهة الأعداء في المعارك؛ ومن ثَم فلا بد أن تكون المرأة على هذا النحو، وهكذا ظهرَت المرأة المسترجلة التي تتحلى بصفات الرجولة، وتخلو تمامًا من رقَّة الأنثى أو عاطفة المرأة ومشاعرها، وهي صورة المرأة على نحوِ ما سنجدها عند أفلاطون في محاورة الجمهورية.

    ولا شك أن أحد الأسباب الرئيسية في إعجاب أفلاطون بإسبرطة هو نظامها في التربية، حتى إن تفكيره اتجه منذ البداية إلى هذه السمة الأساسية في الحياة الإسبرطية.٣٠ ولقد وضع «ليكورجوس» نظامًا في إعداد المُقاتل، يشبه في كثير من ملامحه عادات المحاربين في القبائل البدائية، ويذهب أفلاطون وأرسطو إلى أن دستور إسبرطة استمد في ملامحه الأساسية عن كريت. لكنْ، أغلب الظن أن التشابه يرجع إلى أنهما من أصل بدائي واحد.٣١
    كانت التربية هي شغل الدولة الشاغل. وكان هذا الاهتمام غريبًا، بالنسبة لمعظم المدن اليونانية، في عصر أفلاطون؛ حيث كان الأب وحده المسئولَ عن التربية التي يتلقاها أولاده.٣٢ أمَّا في إسبرطة، فما إن يُولد الطفل حتى يُعرض على لجنةٍ من المراقبين، فإذا تبيَّنَت فيه ضعفًا، أو وجدَت فيه نقصًا، حكمَتْ بأن يُقذف به ليموت من ذروة الجبل! أمَّا إن كان سليمًا، أعيد إلى البيت ليقضي السنوات الثماني الأولى ثم تتولى الدولة تربيته، فينضم إلى «قطيع» — هكذا كانت التسمية الحَرفية٣٣ — تحت إشراف مدرب، ولم تكن الغاية من تدريب هؤلاء الصبية اكتساب الرشاقة أو المهارة في الحركة، كما هو عند الأثينيين، بل الشجاعة والصلابة والقدرة على القتال، حتى إن الكبار كانوا يثيرون منازعاتٍ بين الصبية، أفرادًا أو جماعات، ليشتبكوا في عراك؛ حتى يعتادوا القتال، وليزدادوا قوة؛ والصبي الذي تظهر عليه علائم الخوف يعاقَب بشدة. وفي سن الثالثة عشرة، ينتقل الصبي إلى مجموعة أخرى من «القطعان»، ويتلقى تدريبات بدنية وعسكرية، وهُمْ عراة الأجسام، ويُطلب منهم أن يتحملوا الألم والمشقة صامتين، ويعيشون عيشةً قاسية؛ فهم ينامون على أسِرَّة من سعف النخل أو أغصان الشجر يقطعونها بأنفسهم بلا سكين. ولا يرتدون سوى ثوبٍ واحد طوال العام. وينامون في الهواء الطلق صيفًا وشتاءً، ولا يتناولون إلا طعامًا بسيطًا، ولا يُسمح لهم بالاستحمام؛ لأنه يجعل الجسم رخوًا طريًّا، ومَن أراد فعليه أن يستحمَّ في نهر «يوروتس Eurotas» الذي يكون باردًا جدًّا في فصل الشتاء. وفي سن العشرين يلحقون بالقوات المسلَّحة العامة حتى سن الثلاثين فيسمح لهم بالزواج والانضمام إلى الجمعية العامة، ويتمتعون بكافة الحقوق المدنية،٣٤ لكنه يظل طوال عشر سنوات يعيش مع رفاقه «أعضاء الفريق» لا يرى زوجته ولا يزورها إلا خلسةً أثناء الليل وعن طريق التسلل، فليس ثمة واجبات منزلية مطلوبة منه. أو قل بدقةٍ أكثر ليست هناك أُسرة حقيقية. والغريب حقًّا أنه خلال التدريبات الكثيرة التي تبدأ من سن مبكرة، لم يكن هناك أدنى اهتمام بالقراءة أو الكتابة، ولا حتى الموسيقى بل الأغاني والأناشيد التي تمجِّد الماضي وتحثُّ على القتال، وهذه من بين النقاط التي عابها أفلاطون على النظام؛ فقد كان «ليكورجوس» يعتقد أنَّ على الأطفال أن يتعلموا القوانين والشرائع عن طريق السماع والحفظ لا عن طريق الكتابة والقراءة. كما كان يُسمح بممارسة الكثير من الأساليب البدائية لتعويض الوجبات الهزيلة كسرقة المخازن العامة، على أن يُعاقب بالجَلد كل مَن يُضبط متلبسًا؛ لا لأنه سرق، وإنما لأنه فشل وانكشف أمره. ومن ذلك أيضًا أنه كان يُسمح لهم كما ذكرنا بقتل «الهيلوتين». كما كانوا يُتركون في البراري ويطلب منهم إعاشة أنفسهم مدةً من الزمن أو يموتون جوعًا.
    وأنشأ «ليكورجوس» أيضًا نظام الموائد المشتركة؛ بحيث يتناول الرجال الأطعمة في جماعاتٍ صغيرة تتألف من خمسة عشر شخصًا، وعلى كل مشترك أن يدفع إلى المخازن العامة حصةً عينية من الدقيق والنبيذ والجبن والتين. واشتراكًا نقديًّا لإعداد الموائد التي كان الهدف منها «ألَّا يُسمح لأحد أن يسمن خفيةً وحده في الظلام كما تفعل البهائم الجشِعة». وحتى الملوك أنفسهم، كانوا ملزَمين بذلك؛ فالملك أجيس Agis «عندما عاد منتصرًا من إحدى غزواته ضد الأثينيين لم يستطِع الحصول على إذن بتناوُل عشائه في منزله مع زوجته! وكل مواطن يتخلف عن الاشتراك أو الحضور يجرَّد من جنسيته ويفقد حقوقه؛ والموائد المشتركة تقتصر على الرجال دون النساء، وتلك نقطة أخرى عابها أفلاطون على هذا النظام».
    أما الفتاة فقد كانت تبقى في المنزل، لكنها تخضع أيضًا لرقابة الدولة وإشرافها؛ فقد كان على كل فتاة أن تشترك في الألعاب الرياضية العنيفة، كالجري والمصارعة، ورمي القرص وإطلاق السِّهام؛ حتى تصبح قويةَ البنية، صحيحةَ الجسم، كيما تُنجب الأطفال الأصحاء «كما كان على الفتاة أن تسير في مواكب الاحتفالات العامة، أو أثناء الرقص، عاريةً تمامًا، وعلى مرأًى من الشبَّان، حتى يحفزها ذلك على العناية بجسمها، فالكشف عن عيوبها يحْمِلها على الحرص على علاج هذه العيوب، ولم يكن عُري الفتاة يدعو، في رأيهم، إلى أي خجل، وهو كذلك للأسف عند أفلاطون، مع أنها سمةٌ أساسية للمجتمع البدائي القريب من الحيوان.٣٥ كما كانت الفتيات يُنشدن أثناء الرقص أناشيدَ تمجِّد الشجعان الذين يخوضون غمار المعارك، بينما تسخر من الجبناء الذين يفرون من ميدان القتال. ويرى بعض المؤرخين أنهنَّ كنَّ يشتركنَ مع الشبان في مسابقات ومنافسات. ولم يكن يُسمح للفتاة المريضة بالزواج؛ لأن النسل لا بد أن يأتي مكتمِل الصحة، وعلى الفتاة المريضة أن تُحجم هي نفسها عن الزواج.٣٦ وكانت الدولة تُصدر تحذيرًا عامًّا للرجال والنساء عند الزواج لمراعاة صحة مَن يريدون الاقتران به؛ بحيث لا يُسمح بزواجٍ فيه أيُّ قَدْر من الضَّعف أو المرض، ولهذا فقد حُكِم على الملك أرخيداموس Archidamus بغرامةٍ نقدية؛ لأنه تزوج من امرأةٍ قصيرة ضئيلة الجسم.٣٧
    كان سن الزواج كما حدَّدته الدولة، الثلاثين للرجال والعشرين للنساء (وهو قريب من سن الزواج في أثينا) لكنَّ العزوبة في إسبرطة كانت جريمةً يُحرَم أصحابها من حق الانتخاب ومشاهدة المواكب العامة التي يرقص فيها الفتيان والفتيات عرايا، وكان مَن يصرُّ على عدم الزواج عُرضةً لأنْ تهاجمه النساء في أيِّ وقت وتؤذيه أشدَّ الأذى. والحق أن الزواج في إسبرطة كان يحمل الكثير من خصائص الزواج في الجماعات البدائية، فالوالدان يرتِّبان الزواج، فإذا ما تمَّ الاتفاق كان على العريس أن «يخطف» عروسه أو ينزعها من بيت أبيها قوة واقتدارًا، كما كان يُنتظر منها أن تقاوِم هذا الانتزاع، وكان اللفظ الذي يعبِّر عن هذا الزواج هو «الاغتصاب»،٣٨ فإذا ما تُرك عددٌ من الكبار بلا زواج، جاز حشر عدد من الرجال في حجرة مظلمة ومعهم عدد مساوٍ لهم من البنات، ثم يترك هؤلاء وأولئك ليختار كلُّ رجُل شريكةَ حياته في الظلام.٣٩ وهو نظامٌ يذكِّرنا بنظام الاقتران بين حراس أفلاطون. ولم يكن للفتاة في جميع الأحوال رأيٌ خاص في اختيار زوج المستقبل.
    والحقُّ أن مركز المرأة في إسبرطة لم يكن أفضلَ منه في بقية المدن اليونانية، خلافًا لمَا يقوله بعض الباحثين الذين بهرَتهم التدريبات البدنية للفتيات وخروجهنَّ عرايا أمام الشبان وكأنَّ المجتمعات البدائية لم تكن تفعل ذلك، تمامًا مثلما ربط بعض المفكرين بين إلغاء الأُسرة وتحرير المرأة، فلمَّا لم تكن هناك أسرة بالمعنى الدقيق في إسبرطة، فقد ظنَّ البعض أنَّ ذلك يعني مركزًا مرموقًا للمرأة، وتلك نقطةٌ هامة علينا أن نتوقف عندها قليلًا؛ لأنها كانت سببًا في كثير من الخلط عند شرَّاح «جمهورية أفلاطون»؛ وللأسف، إن سيمون دي بوفوار كانت من هؤلاء؛ فهي تقول: «ما دام اضطهاد المرأة يرجع إلى الرغبة في تخليد الأُسرة، والمحافظة على الملكية الخاصة، فإنه بمقدار ما تتحرر المرأة من الأُسرة تتحرر من التبعية. فإذا حرَّم مجتمعٌ ما الملكية الخاصة، وبالتالي رفَضَ الأُسرة، فإن حظ المرأة يتحسن تحسنًا كبيرًا ملحوظًا، وعلى ذلك فإننا نجد في مدينة إسبرطة، التي خضعَت لنظام المشايعة (في ملكية الأرض)، أنها كانت المدينة الوحيدة في اليونان التي تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وكانت الفتيات يرتدينَ كما يرتدي الأولاد، ولم ينحصر عمل المرأة مع أعمال زوجها المنزلية، فهو لم يكن يُسمح له بزيارتها إلا خلسة أثناء الليل، ولم تكن زوجته ملكيةً خاصة له؛ فقد كان يُسمح لرجُل آخَر أن يضاجعها لأسباب تتعلق بتحسين النسل؛ ومن ثَم اختفَت فكرة الزنا نفسها عندما اختفَت فكرة الميراث، فجميع الأطفال ينتمون إلى الدولة، ولم تعُد المرأة يستعبدها سيدٌ واحد بسبب الغيرة، أو قُل إن المواطن ما دام لم تعُدْ له ملكية خاصة ولا ذريَّة معينة، فإنه لم يعُد يملك المرأة؛ ومن ثَم، فقد كان على المرأة أن تتفرغ للأمومة كما يتفرغ الرجُل للحرب.»٤٠
    هذا نصٌّ بالِغ الغرابة تكتبه كاتبة ربما كانت أقدرَ مَن كتَبَ عن المرأة بعمقٍ نافذ، وأقول إنه غريبٌ لأنها هي نفسها التي سبَقَ أن أدركَت في الكتاب نفسه «أن التخلصَ من الأُسرة أو إلغاءها، لا يعني بالضرورة تحريرَ المرأة؛ فهناك نماذج مثل إسبرطة والنظام النازي تبرهن على أنها لم تكن أقلَّ اضطهادًا من الرجُل بسبب تبعيتها الكاملة للدولة».٤١
    والغريب أنها تدلِّل على المساواة بأن «الفتيات كنَّ يرتدينَ مثل الأولاد» … وكأن المساواة تعني أن توضع المرأة على سرير «بروكرست» فتقطع منها الزوائد والاختلافات التي تجعلها أنثى وتفرقها عن الرجُل. والحقُّ أن هذا ما حدَثَ في إسبرطة؛ فلم تكُن هناك سوى المرأة «المسترجلة» كما قال أرسطو وغيره؛٤٢ لأنَّ المرأة في إسبرطة كانت تعوزها الرقَّة والأنوثة ويغلب عليها طابع الرجال، «ولم يكن مسموحًا لها بإظهار أي شعور يعبِّر عن العطف أو الضعف أو الخوف عندما تفقد زوجها أو ابنها في الحرب».٤٣ كما يقول بلوتارك: «إن النساء الإسبرطيات كنَّ يمتزنَ بالجرأة والرجولة وبالتشامخ على أزواجهنَّ، وكنَّ يتحدثنَ بصراحة في جميع الأمور.»٤٤ ولستُ أعتقد أن المرأة الإسبرطية كانت تقوم بواجب الأمومة كما تقول سيمون دي بوفوار؛ فإذا كانت النظم الإسبرطية توجِب إعدام المولود الضعيف، فإنَّ الأم نفسها كانت تلجأ إلى وسائل مختلفة لتحقيق هذه الغاية وحدها، ودون أن تشعر بأيِّ قدْرٍ من حنان الأم أو عاطفتها تجاه وليدها؛ «فقد كانت تغمس المولود عقب ولادته في دنٍّ من النبيذ وتتركه مغموسًا لحظات، فإن عاش دلَّ على قوة بنيته واستحقَّ التربية. وإنْ مات تكُن الأمُّ قد أدَّت واجبها نحو المجتمع بأنْ خلَّصَته من كائنٍ ضعيف لا يستحقُّ الحياة …»٤٥ ثم يعرض الوليد بعد ذلك على لجنةِ المراقِبين، كما ذكرنا، فإن رأته صالحًا أعادته إلى أمِّه كي تُرضعه وتقوم على تربيته حتى سنِّ الثامنة، لكنْ ماذا تفعل الأم أثناء التربية؟
    «كان عليها أن تسير على نظامٍ نصحَت به الدولة في تربية الطفل؛ فكان عليها ألَّا تقيد نموه وحركاته بكثرة الأغطية واللفافات والأقمطة، كما كان عليها أن تقسو في معاملته، وأن تمنعه من البكاء، ولا تستجيب لمطالبه. وأن تتركه في الظلام حتى يشبَّ على الشجاعة والصبر والقدرة على الاحتمال …»٤٦ وفي جميع الحالات، فإننا لا نشعر أننا أمام «أمٍّ» بالمعنى الدقيق للكلمة. ولستُ أجِدُ في القصص التي تُروى عن «شجاعة الأم»، التي ذبحَت ابنها بيدَيها لأنه هارب من المعركة، أيَّ قدْرٍ من الأمومة، حتى ولو كان الهروب جبنًا يستحقُّ العقاب من الدولة. إنها أم متوحشة، تلك التي تلجأ إلى ذبح ابنها، حتى ولو كان السبب وطنيًّا؛ لأن شعورها وعاطفتها نحوه لا بد أن تجعلها تتردد ألفَ مرة … يقول روسو: «لقد فَقدَ المواطن الإسبرطي هُويته تمامًا، حتى إنه لم يعُد يعاني من أيِّ صراعٍ داخلي، وأصبحَت الفضيلة تأتيه على نحوٍ طبيعي.»٤٧ فالأم الإسبرطية التي كان لها خمسةُ أبناء في الجيش، خرجَت تستطلع أنباء المعارك؛ عندما الْتقَت بعبدٍ سألته — وهي ترتجف — عن الأخبار، فأجابها: «أبناؤكِ الخمسة قُتلوا.» … لكنها ردَّت عليه بحنقٍ: «وهل سألتك عن ذلك أيها العبد الحقير؟» فعاد يقول: «إنْ كنتِ تسألين عن الحرب، فقد انتصرنا.» عندئذٍ أسرعَت الأم إلى المعبد لتقدِّم الشكرَ إلى الآلهة.٤٨ وتقول الأم وهي تدفن ولدها: «إنه لمصيرٌ عظيم حقًّا … ألستُ أدفنه لأنه مات من أجل إسبرطة؟»٤٩
    أهذه هي الأمومة الحقَّة؟ الحقُّ أننا لا نجِدُ هنا سوى قسوةٍ وبدائية لا يعادلها إلا قسوة الرجُل الإسبرطي ووحشيته. أمَّا بالنسبة للزواج، فنحن لا نعرف في الواقع أكان هذا الزواج واحديًّا أم جماعيًّا، ولقد حاوَلَ «إنجلز» أن يفسِّره فقال: «كان في إسبرطة نوعٌ من الزواج الفردي، عدَّلته الدولة حتى يتماشى مع الأداء السائد، وهو زواج يحمل الكثيرَ من خواص الزواج الجماعي.»٥٠ فقد كان الكثير من الأزواج يقبلون أن يشترك معهم غيرهم، وخاصة إخوتهم في زوجاتهم.٥١ وكان «ليكورجوس» يسخر من الغيرة ومن احتكار الأزواج، ويقول: «إنَّ من أسخف الأشياء أن يُعنى الناس بكِلابهم وخيلهم، فيبذلوا جهدهم، ومالهم ليحصلوا منها على سُلالات جيدة، ثم تراهم مع ذلك يُبقون زوجاتهم في معزلٍ ليختصُّوا بهنَّ في إنجاب الأبناء.»٥٢ ولقد امتثل الإسبرطيون لنصيحة مُشرِّعهم «فكان يمكن لعدة إخوة أن يتَّخذوا زوجةً مشتركة لهم، وكان الشخص الواحد يستطيع مشاركة صديقه في زوجته إنْ كانت له رغبةٌ فيها. وهناك فقرة في بلوتارك يروى فيها أن المرأة الإسبرطية كانت ترسل الحبيب الذي يلاحقها بملاطفاته ومغازلاته كي يتباحث مع زوجها في هذا الشأن …»٥٣ والعجيب أن إنجلز يقول بعد ذلك «أنه لم يكُن هناك الزنا بمعناه الحقيقي، أي خيانة الزوجة لزوجها دون علمه …» ثم يستنتج: «لكل هذه الظروف، تمتعَت المرأة في إسبرطة بمركزٍ محترم بين كلِّ نساء الإغريق الأخريات.»٥٤ ويروي جيمس دونالدسون أنَّ رجلًا حاوَلَ استمالة امرأةٍ إسبرطية ليقضي منها وطرًا، فقالت: «عندما كنتُ فتاةً تعلمتُ أن أطيع والدي، ولقد أطعتُه، وعندما أصبحتُ زوجةً أطعتُ زوجي. وبالتالي إذا أردتَ مني شيئًا كهذا، فعليك أن تستأذنه أولًا …»٥٥ إن الذين يتحدثون عن انعدام الزنا في إسبرطة، ويعتقدون أن المرأة حظيَت لهذا السبب ﺑ «مركزٍ محترم»، ينسون أن الزوجة كانت في وضعٍ أشد سوءًا وانحطاطًا من حالة الزنا؛ فهي تمارس العلاقات الجنسية مع مَن يوافق عليهم الزوج أو مَن يرسله لها من الأصدقاء لمَا يجده فيه من «فحولةٍ وشباب وقدرة على إنجاب أطفالٍ أقوياء»، وها هنا تُعامَل المرأة كما تُعامَل الماشية التي يرغب مربِّيها في تحسين نسلها. وكانت الزوجة تستسلم راضيةً لهذا الوضع المتدهور. وفضلًا عن ذلك، فإن علينا أن نضع في اعتبارنا أنَّ المواقف التي يقدِّم فيها الزوجُ زوجته لصديقه أو ضيفه، شاعت كلها في المجتمعات البدائية، لا سِيَّما مجتمعات الصيد ثم الرعي، كذلك فإنَّ نكاح الاستبضاع شاع عند العرب في الجاهلية.٥٦ كل ذلك دليلٌ على تخلُّف المجتمع الإسبرطي من ناحية، وعلى الوضع السيِّئ للمرأة من ناحيةٍ أخرى. إننا على العكس نعتقد أنَّ حالات الخيانة التي عُرفَت في أثينا مثلًا — ولو أنها كانت حالات قليلة — تدلُّ على وضعٍ للمرأة أكثر تطورًا وإيجابية؛ فها هنا ضَربٌ من التمرد ضدَّ طغيان الزوج، أو ظُلمه، أو إهماله، أو اعتباره إياها مجرد متاع في المنزل: «إنَّ قرارها أنْ تخون زوجها يرجع في الأعمِّ الأغلب إلى استيائها.» ويؤكد أدلر Adler أن خيانة المرأة لزوجها هي باستمرار ضربٌ من الانتقام أو الثأر … فكما لو كانت تتحدى زوجها بقولها إنه ليس الرجُل الوحيد في العالَم، وإنها تستطيع أن تجد آخرين يقدِّرون ما لها من سِحر وجاذبية. كما لو كانت تقول أنا لستُ جاريةً لك … إنك تظنُّ نفسك ذكيًّا، لكني أستطيع أن أجعلك مغفلًا …»٥٧ أما المرأة الإسبرطية، فقد تحولَت إلى حيوان، وربما حيوان برِّي، يختصُّ بالإنجاب وتحسين السلالة فحسب؛ إذْ يمكن أن يضاجعها القوي بعلم زوجها ورضاه ليُنجب أطفالًا أقوياء، وهي برِّية «بمعنى أنها فَقدَت ما للأنثى» من صفات، ولقد كان «ليكورجوس» ينصح صراحةً أن تتخلص الفتيات من كل صفات الأنوثة المكتسَبة كالحياء والخجل، وذلك حتى يتمكَّنَّ من الرقص عاريات أمام الرجال.٥٨ كما أنها فَقدَت حنان الأم، كما سبق أن ذَكَرنا، وماذا نقول في امرأةٍ لا تتورع عن ضرب الرجال العزَّاب «لتؤذيهم أشدَّ الأذى» كما يقول ديورانت.٥٩ والحقُّ أن المرء لا يملك أن يمنع نفسه من الدهشة عندما يقول أحد علماء التربية: «وقد اشتهرَت الأم الإسبرطية بمهارتها في رعاية أطفالها، وفي منعهم من البكاء والتعبير عن أنفسهم بالغضب أو الخوف، وكانت تقوم بتعويدهم منذ الصغر على تحمُّل الجوع والألم بدون شكوى أو تذمُّر …»٦٠ أهذه مهارة ورعاية في التربية أم بدائية وتوحُّش؟ … ألسنا نجِدُ هنا ضربًا من القسوة البدائية التي لا تليق بمشاعر الأم؟
    ذلك كله يؤكِّد ما سبق أن ذكرناه من أن النظام في إسبرطة كان أقرب إلى المجتمعات البدائية، فلا اهتمام بالثقافة أو التعليم أو الأدب، وهو قصور عابه أفلاطون على النظام، بل لم تكن الموسيقى التي اعتبرها أساسيةً لتهذيب الروح، تُدرس إلا لتمجيد الأبطال أو الحثِّ على القتال، باختصار «كانت الشرائع الإسبرطية تُخرج جنودًا بواسل ولا شيء غير ذلك، إلا أنها جعلَت قوة الجسم وحشيةً مرذولة؛ لأنها أماتت الكفايات العقلية كلها تقريبًا …»٦١ ولهذا قال عنهم إيزوقراط Isocrates، بحقٍّ، إنهم كانوا أشدَّ تخلفًا من البرابرة!
    أمَّا وضْعُ المرأة فهو — كما قُلنا — يتأثر، بغير شكٍّ، بوضع الملكية في المجتمع، وهذا ما نجده طوال التاريخ؛ فالمراحل الأُولى للإنسان التي لم تظهر فيها الملكية الفردية (كالجمع والالتقاط)، لم يكن الرجُل يهتمُّ بأن يستأثر بزوجةٍ معينة.٦٢ فلمَّا ظهرَت الثروة واستجدَّ معها نظام الإرث، اهتمَّ الرجل بإخلاص الزوجة حتى تُعطيه أبناء من صُلبه ينقل إليهم ثروته، فإذا كانت الملكية جماعيةً كان الزواج أقربَ إلى الجماعة أيضًا، وانحلَّت الأُسرة بمعناها التقليدي؛ وتلك كانت الحال في إسبرطة، فمشرِّعها الأكبر «ليكورجوس» قام في القرن التاسع بإلغاء نظام الملكية الفردية للأرض، وأعاد تقسيم أرض لاكونيا إلى ثلاثين ألف قطعةٍ متساوية القيمة بعدد الأُسر الإسبرطية في ذلك الوقت، وأعطى لكل أسرة قطعةَ أرض تقوم باستغلالها عن طريق العبيد، وجعل للدولة نفسها نصيبًا كبيرًا من غلَّة الأرض ودَخْل الناس، وذلك في مقابل ما تأخذه على عاتقها من إنفاقٍ على جميع الشئون التربوية وأعمال الحرب … ومن ثَم، فلم تكن هناك ملكية فردية ولا أُسرة بالمعنى الدقيق الذي يكون فيه الأب مسئولًا مسئوليةً كاملة، يقول زينوفون: «لقد عارض «ليكورجوس» ما هو شائع في المدن الأخرى التي كان الأب فيها يسيطر على أطفاله وخدَمه وممتلكاته. ذلك لأنه كان يهدف إلى تأمين سلامة المواطنين جميعًا؛ ومن ثَم، فقَدْ ذهب إلى أن كل مواطن ينبغي أن تكون له السيطرة الكاملة على أبناء جيرانه مثل أبنائه تمامًا … ولو أنَّ صبيًّا ذهب يشكو إلى أبيه من أن شخصًا آخَر في مكانة والده قد جلَدَه بالسوط، فإن الأب يُخطئ كثيرًا إنْ لم يعاود جلْدَ الصبي، كذلك أباح لهم استخدام خدَم الجيران، كما طبق هذه الشيوعية على كلاب الصيد والخيل وغيرها …»٦٣ فالملكية جماعية والتربية جماعية، والزواج جماعي أيضًا. والملاحَظ أن الأزواج كانوا يرحِّبون بأن تتصل زوجاتهم بغيرهم؛ لأن ذلك «يُكثر» من عدد الأبناء، وكل مَن أنجب ثلاثة يستبعد من الخدمة العسكرية، ومَن أنجب أربعة يُعفى منها نهائيًّا. ثم لا ضررَ هناك لأنَّ الابن الذي تلده الزوجة من شخصٍ آخر لا يرث شيئًا من مال الأُسرة أو أرضها، فضلًا عن أن هذه الأرض كان لا يجوز بيعها أو تقسيمها أو التنازل عنها.
    ولهذا كله، فإننا لا نجد مركزًا مرموقًا للمرأة في المجتمع الإسبرطي، الذي أسقط عنها كل مظاهر الأنثى فعلَّمها الخشونة والقسوة، والفظاظة حتى مع أبنائها وزوجها بحيث لا يبقى فيها شيء من المرأة سوى مهمَّة الإنجاب وتحسين النسل! ثم لم يستطِع هذا المجتمع أن يسير من هذه المقدمات إلى نتيجتها المنطقية كما فعل أفلاطون فيما بعد، فإذا ما تحولَت المرأة إلى رجُل على هذا النحو فما الذي يمنع من اشتراكها في التنظيمات السياسية؟ ولمَ لا يكون لها موائد مشترَكة للعشاء أو تُشارك الرجال موائدهم؟ عيوب أخرى يأخذها فيلسوفنا على النظام الإسبرطي، وسوف يحرص على علاجها في «الجمهورية» أولًا، ثم في القوانين بعد ذلك. ومما يلفتُ النظر حقًّا أنه لم تكن هناك امرأةٌ واحدة في مجلس الشيوخ «جيروزيا Gerousia»، الذي يتألف من الملكَين (وكانت إسبرطة يحكمها ملكان) بحُكم وظيفتهما، ومن ٢٨ عضوًا من الذكور ممَّن بلغوا الستين من العمر وامتازوا بالفضيلة.٦٤
    بل لم يُعرف أنه كانت هناك امرأة واحدة في الجمعية العامة Appela التي تتألف من جميع المواطنين الإسبرطيين من الرجال الذين بلغوا الثلاثين من العمر، واجتازوا مراحل التدريب التي يفرضها القانون؛ ولا امرأة واحدة بين المراقبين الخمسة Ephors، الذين تنتخبهم الجمعية العامة كلَّ عام لرعاية مصالح الشعب والإشراف على معسكرات التدريب.
    بقي أن نقول أخيرًا إنَّ البنت لا ترث إلا بموافقة الأب، فالميراث أصلًا للأبناء، فإذا لم يكن هناك أبناءٌ فمن حقِّ الأب أن يتبنَّى أبناءً بموافقة الملكَين، من شخص آخَر أو أن يورث الابنة ويقوم بتزويجها لأيِّ شخص يشاء، أو يوصي بذلك — أن يزوجها حتى بعد الوفاة — فإذا مات دون أن يترك وصيةً، جاز للوصي أن يزوِّجها لمَن يشاء أو يتزوجها هو نفسه،٦٥ ويمكن للأب أن يتبنى كما قُلنا أو يترك التركة إلى صديق، وما يقوله أرسطو من أن «خُمس الأراضي في إسبرطة كانت في أيامه مملوكةً للنساء؛ لأن عددًا كبيرًا منهنَّ كنَّ الوارثات الوحيدات»،٦٦ فإن «جونز» يرى أن أرسطو كان يقصد نساءَ إسبرطة الأرامل اللاتي يحصلنَ في النهاية على مهورهنَّ.٦٧ وكانت المهور يدفعها أهل الفتاة، وتبقى في حوزة الزوج يستخدمها دون أن ينفقها أو يبيعها، ما بقيَت معه الزوجة، فإنْ طلقها عادت إلى بيت أبيها أو الوصي مع بائنتها. ولهذا كانت المهور كبيرةً … وهذا هو السبب الذي جعل أفلاطون يطالب بإلغائها في القوانين كما سنرى، كما جعل أرسطو يقول: «من الأفضل ألَّا تكون هناك مهور على الإطلاق، أو أن تكون مبالغَ ضئيلة أو معتدلة.»٦٨
١  J. Donaldson: Woman: Her Position, p. 50.
٢  إرنست باركر، النظرية السياسية عند اليونان، الجزء الثاني، ص٧٥.
٣  Quoted by J. K. Anderson in his “Xenophon” p. 177. Duckworth 1974.
٤  من أعجب العجب أن تتجمع كل الصفات المتخلفة لتُوسم بها المرأة الشرقية حتى في هذا العصر الذي زار فيه هيرودوت مصر واندهش دهشةً بالغة عندما رأى الرجال ينسجون الكتان في المنازل بينما تقوم النساء بشراء الحاجيات من الأسواق والبيع والشراء والعمل في الحقول، وكأنَّ الدنيا في رأيه انقلبَت رأسًا على عقب! يقول: «مصر تحوي العجائب … لذلك اختلف المصريون كلَّ الاختلاف عن سائر الشعوب في عاداتهم وسننهم؛ فالنساء عندهم يرتدْنَ الأسواق ويمارسْنَ التجارة، أمَّا الرجال فيبقون في البيوت وينسجون! (هيرودوت يتحدث عن مصر، ص١١٦–١١٧، ترجمة: د. محمد صقر خفاجة، دار القلم، ١٩٦٦م)، وذلك طبعًا إلى جانب العمل في الحقول مع الرجال (كما يقول د. أحمد بدوي، ص١١٦)، وذلك يدلُّنا على مبلغ خطأ الباحثين، ومنهم ول ديورانت الذي يقول: «تبدو أثينا إبَّان مَجْدها شرقيةً أكثر منها أوربية» (قصة الحضارة، ص١٠٣).
٥  الحق أن استخدام الحِجاب أقدَمُ كثيرًا من المجتمع اليوناني؛ فقد جاء مثلًا في نشيد الإنشاد: «جميلة أنتِ يا حبيبتي، جميلة عيناكِ من وراء نِقابكِ … خدَّاكِ كفلقةِ رمَّانة من وراء النقاب» (الإصحاح الرابع: ١–٤).
٦  Ithurriague: Les Idées de Platon p. 53 (Quoted by S. Okin p. 36).
٧  قارن: سوفكليس، نساء تراخيص، ترجمة: د. علي حافظ، ص٩٢ (المسرح العالمي، عدد ٢٦).
٨  J. Donaldson: Women, p. 5.
٩  رغم هذه العقوبات القاسية، كانت الخيانة موجودة؛ ويبدو، كما تقول سيمون دي بوفوار بحق، أنَّ المرأة تنتقم لنفسها من جبروت الرجُل بخيانته، وسوف نعود إلى هذه الفكرة فيما بعد.
١٠  Demosthenes: Private Orations: p. 177 (Quoted by S. M. Okin, p. 20).
١١  S. M. Okin: Women… p. 20.
١٢  Xenophon by J. K. Anderson, p. 177.
١٣  د. عبد اللطيف أحمد علي، تاريخ اليونان، المجلد الأول، ص٥٩.
١٤  تشارلز ألكسندر روبنسون، أثينا في عهد بركليس، ص٨٦–٨٧، ترجمة د. أنيس فريحة، لبنان، ١٩٦٦م.
١٥  الأجنبي هو مَن لم يكن من أبناء المدينة حتى لو كان يونانيًّا من مدينةٍ مجاورة. وهو بالطبع يختلف عن الرقيق الذي يباع ويُشترى ويجيء في الأعم الأغلب عن طريق أسرى الحرب.
١٦  James Donaldson: Women: Her Postion, p. 58.
١٧  يرى بعض الباحثين أن «ديوتيما» شخصية اخترعها أفلاطون، لكنَّ هذا الافتراض رفضه كثيرٌ من الباحثين الذين يعتقدون أنها امرأة من النساء الأجنبيات في أثينا (المرجع السابق، ص٦٠).
١٨  Xenophon: Memorabilia of Socrates Book III. ch. XI.
١٩  Plato: Menexenus 137d–238b (Jowett Vol. I, pp. 684-5).
٢٠  J. Donaldson: op. cit. p. 61.
٢١  Ibid. p. 62.
٢٢  قارن: كتاب مونيك بيتر، المرأة عبر التاريخ، ص٦٠، ترجمة: هريت عبودي، دار الطليعة، بيروت.
٢٣  Glenn R. Morrow: Plato’s Cretan City, p. 40.
٢٤  كان كريتياس Critias قائدُ الثورة الأوليجاركية في نهاية الحرب ابنَ عم والدته، وقد ألَّف كتابًا امتدح فيه دستور إسبرطة. ويخبرنا أفلاطون في الرسالة السابعة (٣٢٤ ﻫ) أن كريتياس دعاه للتعاون؛ «لأن انشغالي بالسياسية كان أمرًا مفروغًا منه» (انظر: الترجمة العربية للرسالة السابعة، ترجمة د. عبد الغفار مكاوي في كتابه «المنقذ»، ص١٢٥؛ وكتاب مورو السابق، ص٤١).
٢٥  S. G. Bell: Women. p. 10.
٢٦  د. لطفي عبد الوهاب، اليونان، ص١٢٦.
٢٧  G. R. Morrow: op. cit. p. 42.
٢٨  Ibid..
٢٩  Aristotle: Politics, Book II, ch. IX, 1296.
٣٠  G. R. Morrow: op. cit. p. 52.
٣١  إن هذا التنظيم، الذي يحيل الدولة إلى جيشٍ كبير، كان قائمًا في معظم المجتمعات البدائية؛ يقول د. ثروت الأسيوطي: «استلزمَت ظروف الدفاع والهجوم لدى الماساي، وفي مجتمعاتٍ مائعة الحدود مثل أراضي السافانا، أن يكون الجيش على أهبة الاستعداد دومًا بكامل رجاله وعتاده، قادرًا على صدِّ العدو والتربص والانقضاض ثم الفرار بالأسلاب، واقتضى هذا الهدف تفرُّغ المحاربين وإعفاءهم من الأعمال المدنية والأعباء العائلية. فحرَّم عليهم الزواج، والْتزموا باتباع العزوبة حتى سن الثلاثين، إلى أن يبرزوا في فنون القتال ويحوزوا على الشهرة والمجد؛ فيستحقوا الراحة والهدوء، ويتحولوا إذْ ذاك من الجيش العامل إلى صفوف الاحتياطي، بعد أن يكونوا قد جمعوا ثروةً تمكِّنهم من الاستقرار في الحياة المدنية» (نظام الأسرة بين الاقتصاد والدين، ص٩٧). وسوف يلاحظ القارئ أوجُه التشابه القوية بين هذا المجتمع والنظام في إسبرطة.
٣٢  G. R. Morrow: op. cit. p.52.
٣٣  كانت الكلمة اليونانية المستخدَمة تدلُّ على الخراف والماعز والماشية (انظر مورو، ص٥٣).
٣٤  A. H. Jones: Sparta, p. 34, Blackwell 1968.
٣٥  قارن ما يقوله هيجل من أنَّ «الإحساس بالخجل يشهد بوضوح على انفصال الانسان عن حياته الطبيعية والحسية ولا يصل الحيوان أبدًا إلى هذا الانفصال، وبالتالي لا يشعر بأي خجل، وعلينا أن نبحث عن الأصل الروحي والأخلاقي للملابس في شعور الإنسان بالخجل» («موسوعة العلوم الفلسفية»، ص١١١، دار التنوير، بيروت، ١٩٨٣م).
٣٦  James Donaldson: op. cit. p. 27.
٣٧  د. محمد كامل عياد، تاريخ اليونان، ج١، ص١٨٥.
٣٨  شكَّلَت عادة خطف النساء مرحلةَ الانتقال من الزواج الجماعي إلى الزواج الواحدي؛ فعندما كان يخطف الشاب فتاةً بمساعدة أصدقائه، فإنهم يضاجعونها جميعًا بالدور، ولكنها بعد ذلك تعتبر زوجةَ ذلك الشاب الذي كان صاحب فكرة الخطف (قارن «المرأة والأسرة»، مجلدًا، ص١٦، عبد الهادي عبد الله). وكان هذا الضرب من الزواج قائمًا في إسبرطة على نحوِ ما سنرى بعد قليل.
٣٩  ول ديورانت، قصة الحضارة، مجلد ٦، ص١٥٧-١٥٨.
٤٠  Simone de Beauvoir: The Second Sex, pp. 120-121.
٤١  Ibid. p. 89.
٤٢  Aristotle: Politics, Book II, ch. IX, 1270a.
٤٣  د. وهيب سمعان، الثقافة والتربية في العصور القديمة، ص١٩٤.
٤٤  اقتبسه ول ديورانت، قصة الحضارة، مجلد ٦، ص١٥٨-١٥٩.
٤٥  د. علي عبد الواحد وافي، الأدب اليوناني القديم، ص٣٦، دار المعارف بمصر.
٤٦  فتحية سليمان، التربية عند اليونان والرومان، ص١٣.
٤٧  J. J. Rousseau: Emile, p. 8. Everyman’s Library En. Trans..
٤٨  Ibid..
٤٩  J. Donaldson: Woman; p. 31.
٥٠  F. Engels: “The Origin of The Family”. p. 63.
٥١  ول ديورانت، قصة الحضارة، مجلد ٦، ص١٥٨.
٥٢  المرجع نفسه، ص١٥٤.
٥٣  F. Engels: op. cit. p. 63.
٥٤  F. Engels: op. cit. p. 63.
٥٥  J. Donaldson: op. cit. p. 32.
٥٦  د. عبد السلام الترمانيني، الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، ص١٧، عالم المعرفة، عدد ٨٠.
٥٧  Simone de Beauvoir: “The Second Sex” p. 562.
٥٨  J. Donaldson: op. cit..
٥٩  ول ديورانت، قصة الحضارة، مجلد ٦، ص١٥٧.
٦٠  يروي البعض أنَّ العروس الإسبرطية ليلةَ زفافها كانت ترتدي ملابسَ الرجال وتقصُّ شَعرها مثلهم؛ أكان ذلك إيذانًا بدخولها حياةً جديدة؟ ربما! … أمْ أن الشباب الإسبرطي الذي اعتاد الجنسية المثلية كان أقدرَ على التعامل مع عروسه لو أنها استرجلَت؟ ربما! انظر:
Sarah B. Pomeroy: Women in Classical Antiquity, pp. 37-8.
٦١  ول ديورانت، قصة الحضارة، مجلد ٦، ص١٦٣.
٦٢  د. ثروت الأسيوطي، نظام الأسرة بين الاقتصاد والدين، ص٣٩.
٦٣  Xenophon: on the Spartan constitution in “Sources in Greek Political Thought” p. 236.
٦٤  A. H. Jones: “Sparta”, p. 135.
٦٥  A. H. Jones: “Sparta”, p. 135, Blackwell.
٦٦  Aristotle: Politics, Book II, 1970a.
٦٧  A. H. Jones: op. cit. p. 136.
٦٨  Aristotle: op. cit..

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥