الفصل العاشر
عرف شهاب أن فتنة ترفض العلاقات غير الشرعية، وكان هذا الأمر قد أصبح شهيرًا عنها أنها ترفض أي صلة غير شرعية، وقد وصل هذا إلى علم شهاب من الأخريات اللاتي حاولن أن يغرين شهابًا بهن ويرمين في نفسه اليأس من أن تكون بينه وبين فتنة أي صلة.
ولم يعبأ شهاب بما تدعيه أولئك الراقصات؛ فمن الناس نوع يظن نفسه شيئًا غير الآخرين، إنها رفضت أن يكون لها علاقة بأي واحد من رواد المقهى، ولكن لم يكن شخص من الرواد مثل شهاب متولي؛ فالذي لم يتحقق لغيري لا بد أن يتحقق لي فأنا غير هؤلاء وليس بينهم من يماثلني. وهكذا راح يطارد فتنة دون يأس سنين عدة وهي تخضع له بالقول ولكن تأبى عليه ما ردَّت عنه الآخرين.
ولكن شهابًا ظل يقصد إليها كل ليلة ولم يعد في حاجة للاعتذار لزوجته سعاد؛ فقد ألفت هذا الأمر منه وامتنعت عن مساءلة زوجها مع أنها بذكائها أدركت أن وراء سهره الليالي أمورًا جديرة باهتمام الزوجة غاية الاهتمام، إلا أنها هي اكتفت من الزوجية بظاهر الأوضاع، وكما توقف شهاب عن الاهتمام بزوجته توقف عن الاهتمام بابنه وابنته إلا ما تلقيه إليه زوجته من أخبار على مائدة الغداء إذا التقيا عليها صدفة. وهكذا تهرأت روابط الزوجية والأبوة بين شهاب وأسرته، أما عن الناحية المالية فقد تغافل عنها لما وجد سعادًا لا تطالبه بها واعتبر إنفاقها على شئون المنزل والأبناء أمرًا مفروغًا منه ما دامت هي لا تناقش هذا الأمر، وهي من جهتها أضافت الناحية المالية إلى أركان الحياة الأسرية المنهارة، واحتملت الإنفاق على ابنيها والبيت فقد كانت موفورة الدخل من عملها الطبي ومن أبيها أيضًا.
وجاء وزير لوزارة الزراعة استغنى عن شهاب كمدير لمكتبه، ولكنه في مقابل هذا جعله بدرجة وكيل وزارة لشئون السماد ومواد المقاومة للآفات والحشرات، ومع انقطاع صلته بأهل بيته لم يجد ما يمنع أن يخبر زوجته وأمجد وفضيلة بالخبر ولم يدهش أن وجد فرح الأسرة بالخبر هينًا متهافتًا.
وسعى شهاب سعيًا حثيثًا أن ينشر الخبر في الصحف؛ فقد انتوى أن يستفيد من هذا النشر فائدة كبرى.
وحين التقى بفتنة كان حريصًا أن يصحب معه جريدة من الصحف التي نشرت الخبر، وكان فرح فتنة أعظم بكثير من فرح أسرته ورأى أن هذا أمر طبيعي.
وفي مدى شهور قليلة عرف شهاب أسرار وظيفته الجديدة، وعرف تمام المعرفة كيف يكسب منها مكاسب لم تكن تخطر له على بال، بالإضافة إلى أنه ما زال كما كان المشرف على علاقات الوزارة بالتجار وما زالت أرباح هذه الوظيفة تنهمر على حساباته بالبنوك.
وفكر شهاب وأمعن في التفكير كيف يجعل مكاسبه تتضخم، وأدخل في حساباته ما سيعود إليه من وظيفته الجديدة، ولكن أحلامي وآمالي هذه تحتاج إلى تعاون من الموردين والمصدرين معي حتى أكون قادرًا على ربح الملايين، فتنة، ماذا لو تزوجت فتنة وكانت هي وسيلتي إلى أصحاب الملايين، أعرف أنها شريفة ولكن كل إنسان يظن نفسه أنه قادر على ما لا يستطيعه غيره كما ظننت أنا بنفسي حتى ردني حرص فتنة على شرفها إلى صوابي وكذلك سيكون الحال مع كل من تقصد إليه من أصحاب الأموال الشامخة التي تكال كيلًا ولا تعد، فتنة وسيلتي وليس غيرها.
– ما رأيك أن نتزوج؟
– وبيتك؟
– ما شأنه؟
– لقد مررت بهذه التجربة وأكره أن أكررها.
– ليس في العالم اثنان متشابهان في الخُلق حتى وإن تشابها في الخِلقة. مهما تفلسفت لن أكرر التجربة.
– فإذا طلقت زوجتي؟
– أقبل الزواج.
لن يكون الطلاق أمرًا يدعو إلى الدهشة من سعاد أو حتى من أمجد وفضيلة؛ فنحن في الفترة الأخيرة علاقاتنا منفصلة تمامًا وسعاد وحدها هي التي تقوم بشأن البيت والولد والبنت، ترى في أي كليات هما؟ أظن أمجد في الطب، وفضيلة في الاقتصاد والعلوم السياسية، ربما كان صحيحًا، ولكن المؤكد أنني لا أعرف إلى أي سنة وصل الولد أو البنت، لقد كان زواجي من سعاد وإنجابي منها فترة وانتهت أو لا بد أن تنتهي على كل حال.