الفصل الحادي عشر
وما أيسر أن طلق شهاب زوجته ولم يعبأ بأبيها صاحب الفضل عليه، وما أيسر ما تزوج من فتنة وأقام لهذا الزواج حفلًا دعا إليه كل من ينتوي أن يعمل معهم، وكان من الطبيعي أن يلبوا دعوة وكيل الوزارة التي يتعاملون معها.
واستقبلت سعاد الطلاق في حزن غامر؛ فقد تغاضت عن كل حقوقها الزوجية بل وضربت صفحًا عن إهمال زوجها غير ابنيها، فعلت كل هذا لتتقي الطلاق من أجل نفسها ومن أجل ابنها وابنتها؛ فهي تعلم أنها ليست جميلة ولكن هو الذي اختارها، وكانت تعلم منذ تقدم للزواج منها أنه اختارها لأسباب بعيدة كل البعد عن جمالها وهي واثقة كل الثقة أنه لم يشعر نحوها بما يسمونه الحب أو العاطفة الجياشة أو غير الجياشة أو حتى الود والسكينة التي تضم الزوجين في رباط واحد، وقدرت أنه خطبها ليرتفع بطبقته من ابن خولي إلى زوج لكريمة وكيل وزارة مهما يكن وكيلًا سابقًا، ولم يفت فطنتها أن حالة أبيها المالية المنتعشة كانت ضمن الأسباب الهامة في خطبة شهاب لها، وحينذاك قدرت أنها لن تخطب إلا لهذه الأسباب، وما دام الأمر كذلك فلا فرق هناك بين شهاب وغيره؛ فهي على الأقل تعرفه وهو على كل حال أحسن ممن لا تعرفه. وتحملت الحياة الزوجية معه بعد إنجابها لابن وابنة ولم تحاول أن تذكره بواجباته المالية والأبوية مسقطة من حسبانها واجباته الزوجية إسقاطًا تامًّا، وشغلت نفسها بالعمل في المستشفى، وتمكنت من العثور على شقة محترمة جعلتها عيادة لها، ولما كانت متخصصة في أمراض النساء كما كانت ماهرة كل المهارة في تخصصها كانت عيادتها مصدر ربح وفير جعلها تواجه في يسر مطالب البيت ومطالب أمجد وفضيلة حتى أوشكا على التخرج.
أمجد في كلية الطب تخصص جراحة، وفضيلة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكانت دائمًا تنجح بدرجة امتياز حتى لم تستبعد أمها سعاد أن تُعيَّن معيدة بالكلية.
وكانت سعاد فخورة بابنها وابنتها كما كانت تزهى في نفسها أنها وحدها صاحبة الفضل في تفوقهما، وكانت تحمد لنفسها أنها لم تذكر لزوجها هذا الفضل منها قط، محاولة بكل ما تستطيع من جهد أن تبعد فكرة الطلاق عن ذهنه؛ فقد كانت كل تصرفاته في السنوات الأخيرة توحي إليها أنه في غالب الأمر ينتوي الطلاق، وأنه لا ينتظر إلا سببًا مهما يكن هينًا ليقدم عليه، وها هو ذا السبب قد وُجد وطلق زوجته.
ورضخت سعاد للأمر الواقع في حزن حاولت أن تبدده في مزيد من العمل، أما أمجد وفضيلة فقد تملكهما الأسى لما أحساه من حزن أمهما، ولكن كليهما كان لا يشعر بالأبوة كعنصر أساسي في حياته، فما هو إلا يوم أو بضعة أيام قليلة حتى نسيا ما كان من أمر الطلاق كأن شيئًا لم يقع.
صمدت سعاد بضعة أسابيع ولكن غريزة المرأة فيها جعلتها تحاول البحث عن سبب طلاقه لها.
ولم تفكر إلا في حماد شريف لتسأله عن السر الخافي عليها: أستاذ حماد؟
– هو أنا، من المتكلم؟
– أنا سعاد الجوهري.
وفوجئ حماد وأدرك السبب الذي تطلبه من أجله، وأحس ببعض الحرج ثم حزم أمره على أن يقول لها كل شيء؛ فهي إن لم تعرف منه ستعرف من غيره، واستجمع نفسه سريعًا وقال لها في التليفون: أهلًا وسهلًا يا مرحبًا، والله أنت لا تعرفين كم أنا حزين لما حدث، وأنتِ طبعًا متأكدة أنني حاولت أن أمنع وقوعه ولكنك تعرفين أنه لا يسمع كلام أحد.
– أنا شاكرة لك ولكن هل عندك مانع أن أراك؟
– الآن إذا أمرت.
– أهلًا وسهلًا.
وجاء حماد وعرفت سعاد منه كل شيء بدءًا من صلة شهاب بفتنة حتى زواجه منها، ولكن الأمر الذي لم يكن يعرفه حماد هو سبب هذا الزواج؛ الأمر الذي كان خبيئًا في نفس شهاب ولا يعرفه أحد إلا هو، وهكذا وقع في ظن سعاد أن شهابًا تزوج من فتنة لجمالها؛ فقد كان هذا هو ظاهر الأمر ولا يعرف باطن الأمور إلا الله.
ووقع الأمر وقوع الكارثة على سعاد، وأصبحت كارثة طلاقه لها أهون من كارثة زواجه براقصة؛ مقدرة أثر هذا على ابنيه؛ا فأن يطلقها أبوهما شيء يمكن أن يسيغه المنطق، أما أن يتزوج من راقصة فتلك هي الداهية الدهياء لها ولابنها ولابنتها جميعًا، ما مصير أمجد إذا تقدم للزواج من إحدى الأسرات المحافظة؟ والأدهى ما مصير فضيلة إذا تقدم لها واحد من هذه الأسرات؟
كانت سعاد تعلم أن المصيبة قد وقعت ولا سبيل لردها، ولكن لا بد من محاربتها مهما كانت الحرب غير مجدية.
أخبرت سعاد أمجد وفضيلة بالنبأ ووقع عليهما وقوع الصاعقة؛ فإن يكونا قد تقبلا الطلاق في هوادة إلا أنهما لم يكونا ينتظران أن يتزوج أبوهما من راقصة. وفي سرعة خاطر وحسم قال أمجد لأمه: أنا مسافر إلى جدي الآن.
– فكرة لا بأس بها ولكن ماذا يستطيع جدك أن يفعل؟
– لا بد أن يعرف على كل حال، إنك تجدينه حتى الآن لم يعرف شيئًا عن الطلاق وطبعًا لا يعرف شيئًا عن هذا الزواج الهباب، وكلا الأمرين لا بد أن يعرفه.
– توكل على الله.
لم يكن أمجد أو فضيلة يسافران إلى جدهما أو جدتهما ولكن الجدين كانا كثيرًا ما يأتيان لزيارة ابنهما وأسرته، ولم يكن يخفى عليهما حقيقة الأمور والصلات بين ابنهما وزوجته وابنه وابنته، ولكنهما كانا يتظاهران بأنهما لم يلحظا شيئًا يدعو إلى السؤال محاولين أن يقنعا زوجة ابنهما وابنيه بأنه ليس هناك شيء يدعو إلى التعجب أو الاستغراب، ولكن أسرة شهاب بجميع أفرادها كانت موقنة أن أمرها لم يغب عن أبي شهاب وأمه.
كانت سعاد قد اشترت سيارة لكل من أمجد وفضيلة منذ دخلا الجامعة.
وما أسرع ما استقل أمجد سيارته وتوجه إلى جديه في الهدارة.