الفصل الرابع عشر
في عام وبعض عام أصبحت ثروة شهاب أصفارًا تجاوز الستة، ولم يكن هذا خافيًا على فتنة فهي أيضًا أصبحت ذات مال غامر باشتراكها فيما يربحه زوجها من عمليات يشوبها كثير من الخروج على القانون، وانتهاب الربح من كل مظانه شريفة كانت أو غير شريفة، وكان زوجها يعطيها نصيبها وهو غاضب أشد الغضب ولم تكن تنال هذا النصيب إلا إذا هددت زوجها بامتناعها عن الذهاب إلى أصحاب الملايين، وكانت واثقة أن تهديدها سيجعله يلبي ما تريد دون أي نقاش ودون أي إنقاص مما تطلب، وفوجئ شهاب بزوجته تقول له: أريد أن أنتج فيلمًا سينمائيًّا أكون البطلة فيه، وصمت شهاب لحظات ثم وجد شيئًا يقوله بعد فترة من السكوت: وهل أنت ممثلة؟
– أهذه هي الحجة التي وجدتها بعد هذا السكوت الطويل؟
– أليس في طلبك ما يدعو إلى الدهشة؟
– بل سؤالك أنت الذي يدعو إلى الدهشة.
– ومع ذلك لم تجيبي عليه.
– لأنه سؤال يدل على التمحك وليس له غرض آخر.
– إذن فأنت ممثلة ولا أعلم!
– أنت في دنيا غير الدنيا؛ أغلب الراقصات ينتجن أفلامًا.
– وهل تنجح هذه الأفلام أم هي مجرد خراب لا داعي له؟
– إذا لم تكن تنجح ما تكرر إنتاجهن لها.
– وإذا كان التكرار مجرد مكابرة ورمي فلوس لم يتعبن فيها.
– لا شك أن أفلامهن تنجح ولكنك تكابر، وأنت تعرف أنني راقصة لا أقل عنهن شهرة إن لم أكن أزيد.
– المهم ماذا تريدين مني؟
– أن تنتج لي هذا الفيلم.
– هذا لن يكون أبدًا، هل يعقل أن أرمي في الهواء هذا المال الضخم الذي يتكلفه الفيلم بعد أن شقيت كل هذا الشقاء في جمع هذا المال؟
– لا تنسَ أنه لولاي ما جمعت هذا المال.
– ولنفرض، مع أن هذا ليس صحيحًا.
– ليس صحيحًا؟! إذن لن أذهب في المهمات التي ترسلني لها وسوف نرى ساعتها ماذا تستطيع أن تكسب.
– نفس التهديد الذي تهددينني به ولكني في هذه المرة لن أستجيب.
– أنت حر.
لم أعد في حاجة إليها، والذين أعمل معهم أصبحوا يحتاجون إليَّ أكثر مما أنا في حاجة إليهم، من بكرة سأقدم استقالتي من الوزارة وأنزل السوق ولا أصبح في حاجة إلى أسماء أختفي وراءها ولن أكون في حاجة أيضًا إلى مساعي فتنة أو غيرها.
•••
أنا لم أتزوجه عن حب وإنما كان كل ما أريد أن يكون معي رجل أحتمي فيه، ولكنه بخيل شديد البخل، وأنا كنت متأكدة أنه سيستغني عني في اللحظة التي ينتهي فيها انتفاعه بي؛ فالرجل الذي يرمي أولاده وأمهم كما فعل هو لا يمكن أن يكون مأمونًا ولا يمكن أن أطمئن على مستقبلي معه، أنا أعرف ماذا أستطيع أن أفعل؛ فالرجال الثلاثة الذين أذهب إليهم يتمنون مني إشارة، وأنا فعلًا اخترت واحدًا وسأتزوجه وليخبط شهاب رأسه في الحائط؛ ففي فترة زواجي به لم أعرف الاستقرار ولا الهدوء لحظة واحدة؛ فأنا دائمًا أخشى أن يطلقني في أية لحظة؛ فهو لم يتزوجني إلا لأنني امتنعت عليه كما أنني الآن ممتنعة عن نبيل وصفوت وأسامة، والثلاثة حاولوا إغرائي بكل وسائل الإغراء ولكنني كشأني دائمًا لا أهب نفسي لغير زوجي؛ فالمرأة التي تهب نفسها لغير زوجها عليها أن تتوقع الاحتقار من هذا الذي وهبت له نفسها ومن جميع الذين علموا بهذه العلاقة، وشهاب لا يعلم عني هذا الرأي إلا من امتناعي عليه قبل زواجنا ولكن هو يهمه مصلحته وحدها مهما كان الثمن. ورجل كهذا ليس من الحكمة البقاء معه. أنا أعرف طريقي بوضوح وأعرف ماذا سأفعل تمامًا.
•••
حاول نبيل وصفوت وأسامة أن يستميلوا فتنة بشتى الطرق ومختلف الوسائل، وكان المال أهم هذه الطرق والوسائل، ولكن أحد منهم لم يظفر منها بأكثر من قبلة على يدها وليس شفتيها أو خدها. وكانت هي تقبل المال الذي يقدمونه إليها على أي صورة له ولكن لا تعطي مقابله شيئًا يُذكر، وكان أسامة أول اليائسين منها إلا أن جمالها ولباقتها في الحديث لم يجعلاه يقطع أواصر الود بينهما، أما الاثنان الآخران فلم يصل الأمر بهما إلى حد اليأس؛ فكل منهما ما زال يأمل أن يصل إليها وأدركت فتنة بغريزة المرأة فيها اليأس الذي ران على أسامة كما أدركت بنفس الغريزة ما يراود كلًّا من نبيل وصفوت من آمال وبقي لها أن تختار واحدًا منهما.