الفصل الخامس عشر
حين لقى الشيخ متولي ربه سارع شهاب إلى البلدة وعانق أمه باكيًا معها إلا أنه أحس أن الأحضان التي تحيط به ليست أحضان أمه التي رُبِّي في ظلها والتي كان يعهدها قبل أن تغضب أمه وأبوه عليه، ولكنه لم يقل لأمه شيئًا وتفرغ لإقامة المأتم الذي كان جديرًا بثرائه وبوكيل وزارة سابق.
وبعد المأتم خلا إلى أمه: أنا تحت أمرك ولن أجعلك تحتاجين لشيء أبدًا.
– كتر خيرك، ما عندي يكفيني.
– لا تغضبي عليَّ كل هذا الغضب.
– أبوك كان حريصًا ألا أقبل منك شيئًا.
– ماذا تعنين؟
– إذن فأنت لا تعرف!
– أعرف ماذا؟
– ألا تعرف أن أباك باع الأرض لابنك أمجد ولابنتك فضيلة وكتب في العقد شرطًا ألَّا يحصلا على ريع الأرض إلا بعد موتنا أنا وهو، وأن يحصل على الريع خالصًا له من يبقى حيًّا منا بعد الآخر.
– إذن فأنا لم أرث من أبي شيئًا؟
– لم ترث سهمًا واحدًا من أبيك.
– ومتى تم هذا؟
– ألا تعرف؟! منذ تزوجت الراقصة.
– أنا لا تهمني الأرض فإن ثروتي الآن أضخم بكثير مما تتصورين، ولكن الذي يؤلمني ويحز في نفسي أن يكون أبي غاضبًا عليَّ إلى هذا الحد.
– أتظن أن الذي فعلته شيء بسيط، إنه كبير جدًّا يا شهاب.
– على كل حال يا أمي هذا الذي حصل لم يغير من الأمر شيئًا، أنا سأظل ابنك حتى وإن رفضت أن تكوني أمي، ولن أتأخر عنك أبدًا ولن أجعلك تحتاجين لشيء ولا لإنسان.
– ربنا يغنيني، وإن شاء الله لن أحتاج شيئًا ولا إنسانًا حتى ولو كان أنت.
– أنا مصمم أن أظل ابنك وتحت أقدامك مهما كنت غاضبة عليَّ.
– ربنا ينير لك طريقك، وغضبي ليس عليك وإنما أنا غاضبة لك ولما فعلته بنفسك.
ولم يجد شهاب شيئًا يفعله إلا أن يقبِّل يدي أمه وينصرف عائدًا إلى القاهرة.