الفصل الرابع
وفي الصباح الباكر سافر شهاب متولي وهدان إلى مكتب وزير الزراعة، ولقيه السكرتير الخاص فتحي مبروك وسأله عما يريد فقال: أنا آتٍ من قِبل فؤاد باشا الجويني، وقد كلَّم معالي الوزير أمس تليفونيًّا، وهذه بطاقة من الباشا لمعالي الوزير.
– انتظر قليلًا.
ودخل فتحي إلى مكتب الوزير، وما لبث أن عاد ليأذن لشهاب بلقاء الوزير.
ولم يكن شهاب هيَّابًا من هذا اللقاء؛ فلقاءاته لفؤاد باشا جعلته مهيَّأ للقاء ذوي الوجاهة والنفوذ، قال له الوزير: أنت خريج هذا العام أليس كذلك؟
– نعم يا معالي الباشا.
– سأعيِّنك في مكتبي كما وعدت فؤاد باشا، وسيخبرك الأستاذ راشد حمدي الجوهري مدير مكتبي عن اختصاصاتك فهو الذي سيكون رئيسك المباشر.
– شكرًا يا معالي الوزير ربنا يطيل عمرك، أستأذن أنا.
– انتظر دقيقة.
ودقَّ الوزير أحد الأجراس المصفوفة على مكتبه وسرعان ما دخل فتحي مبروك.
– أوامرك يا معالي الباشا.
– اكتب قرار تعيين للأستاذ، ما اسمك؟
– شهاب متولي وهدان يا معالي الباشا.
واستأنف الوزير أوامره: واصحبه للأستاذ راشد الجوهري وقل له إنني عيَّنته بمكتبي.
– أمرك يا معالي الباشا.
– مع السلامة.
ولكن شهاب أصرَّ أن يعيد الدعاء.
– ربنا يطيل عمرك يا معالي الباشا، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنك بي.
وقال الوزير: ادعُ لفؤاد باشا فهو صاحب الفضل عليك.
مع السلامة.
وخرج فتحي وشهاب من مكتب الوزير، ولم يتوانَ فتحي في تنفيذ التعليمات التي صدرت إليه من الوزير فصحب شهابًا إلى راشد الجوهري وقدَّم إليه شهابًا، وأخبره أن معالي الوزير امر بتعيينه بالمكتب، وكان راشد رجلًا طويل القامة عريض الكتفين في غير سمن، بينما كان فتحي نحيفًا غاية النحافة، أما شهاب فكان ممشوق القوام منسجم القسمات لا هو بالطويل ولا القصير، كما أنه ليس بالنحيف ولا الممتلئ.
قال له راشد: يا مرحبًا يا أستاذ شهاب ما شهادتك؟
– زراعة يا افندم.
– عليا أم متوسطة؟
– عليا يا افندم.
– عظيم، ستعيَّن إذن على الدرجة السادسة.
– المهم أن ترضى سعادتك عني يا افندم.
– اقعد.
والتفت إلى فتحي وقال له في صيغة أمر: اذهب أنت يا فتحي واستوفِ إجراءات التعيين.
ثم قال لشهاب: تحضر غدًا مسوِّغات التعيين.
وسارع شهاب قائلًا: جاهزة كلها يا سعادة البك.
– على بركة الله.
وخرج فتحي وانفرد راشد بشهاب وسأله: من الذي أوصى بك؟
– فؤاد باشا الجويني يا سعادة البك.
– ومن أين يعرفك؟
ولم يتردد شهاب في الإجابة بل سارع قائلًا: أبى يعمل في دائرته.
– ماذا يعمل؟
– مساعدًا للناظر.
وأبى أن يقول خولي حتى لا يهون أمره أمام رئيسه الجديد، وحاذر أن يكذب ويدَّعى أنه ابن الناظر خشية أن ينكشف أمره فقد توسَّم في راشد الذكاء والفطنة، وأدرك أنه ليس من السهل أن يغرر به، وسأله راشد: وماذا تريد أن تعمل؟
– والله الأمر يرجع لسعادتك.
وبسرعة فائقة راح يدور ذهن راشد: إنني أستطيع أن أصنع من هذا الولد عجينة في يدي أشكِّلها كما أريد؛ فأنا أحتاج في معاملة التجار إلى شخص يساعدني ويرضى بالقليل، ولا أستطيع أن أعتمد على فتحي في هذا الأمر؛ فهو مشغول مع الوزير من ناحية وهو من ناحية أخرى سيطمع في مبالغ كبيرة معتمدًا على قربه من الوزير، وأنا أيضًا لا أثق به فقد يبلغ الوزير بما أصنعه مع التجار إذا لم ينل ما يطمع فيه، وعلى كل حال سأجرب شهاب في عمليات بريئة حتى إذا وفِّق فيها أجرِّبه في عمليات أخرى صغيرة حتى أطمئن إليه تمامًا وأُدخله بعد ذلك في كل العمليات.
– اسمع، ما دمت حاصلًا على الزراعة العليا ما رأيك أن تختص أنت بالتعامل مع التجار الزراعيين الذين يشترون محاصيل الوزارة؟
– بارك الله فيك يا سعادة البك، إن شاء الله سترضى عني في هذا العمل وخاصة أنني على خبرة بهذا الاختصاص؛ فكثيرًا ما شهدت ممارسة أبي لبيع محاصيل الدائرة.
– على شرط.
– شروطك أوامر.
– أن تجعلني على علم بكل صغيرة وكبيرة في تعاملك.
– طبعًا يا سعادة البك.
– هذا الاختصاص يحتاج إلى أمانة كبيرة وذكاء شديد وسأجرِّبك فيه.