الرسالة الثامنة عشرة
من جون جراهام في فرع شركة جراهام وشركاه بلندن إلى ابنه بييربون في يونيون ستوك ياردز. بمناسبة شعور السيد بييربون بالقلق من الإشاعات التي ذكرت أن والده يُعاني من نقص في شحوم الخنزير، وأن المضاربين طويلي الأجل الذين يتمتَّعون بمخزونٍ كبير منه سيجعلونه يُقاسي للحصول عليه.
***
١٨
لندن، ٢٧ أكتوبر …١٨٩
عزيزي بييربون، وصلَتني رسالتك التي أرسلتَها بتاريخ الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وطالعتُ القُصاصات المرفَقة بها. لا تكترث بحديث تلك الصحيفة عن انكشاف أمرِ أنَّني أعاني نقصًا حادًّا في شحوم الخنزير خلال شهر نوفمبر. أنا لا أبيع أبدًا بضائع دون أن أعرف أين يُمكنني أن أجدها حين أريدُها، ولو حاول هؤلاء أن يغمسوا حوافرهم في المعلف أو بدءوا بالدفع والتدافُع فسيَجدونني أنا الآخر قد نسيتُ كل ما تعلمتُه من آداب المائدة. ذلك أنني ساخرٌ نوعًا ما حينما يتعلَّق الأمر بالمرح. ورغم أن سنِّي لا تسمح لي بالركض، فإنني ما زلتُ شابًّا بما يكفي للوقوف لأُقاتل بثبات.
وأولًا وأخيرًا، هناك الكثير ممَّن استهدفوني بالنقد والهجوم، غير أنهم دائمًا ما كانوا يَنصبون المأتم قبل أن يتسلَّموا الجثة. أظنُّ أنني لم أشهد أبدًا على مدى عشرين عامًا وقتًا لم يكن فيه شاهدُ قبرٍ معدًّا وجاهزًا من أجلي في مكتبٍ ما بالقُرب من مجلس التداول. غير أن العنصر الأساسي لأيِّ جنازة هو وجود جثَّة مستعدة لتسمع النحيب عليها. أما أنا، فما زلتُ ثابتًا في مكاني حيًّا أرزق.
ثمة أمران لا يجدُر بك أن تُلقي لهما بالًا أبدًا؛ الإساءة والإطراء. فالأولى لن تضرَّك والثانية لن تنفعَك. بعض الرجال — كالكلاب الضالة — جديرون بالازدراء؛ حين تمرُّ بهم يقفزُون عليك ويُحاولون لعق يدَيك؛ وحين تَبتعِد عنهم يتسلَّلون ويُهاجمونك من خلفك. أذكر أنني خلال العام الماضي، حين كنتُ أحاول رفع مستويات الأسعار في السوق، قال مَن لديهم بضاعة لأجلٍ طويل إنَّني عجوز طيب يُحب الإحسان إلى الغير، يقضي لياليه مُستيقظًا يُخطط لطريقةٍ يُقدِّم بها للمزارعين سعرًا مميزًا لخنازيرهم؛ أما من لديهم بضاعة لأجل قصير فكانوا يقولون إنني لصٌّ عجوز سيئ السُّمعة، أسرق من موائد الكادحين. وطالما أنك غير قادِر على إيجاد طريقةٍ تُرضي بها الطرفَين في هذا العالم، فلا شيء يُعادل أن تجد طريقةً ترضي بها نفسك.
قلَّة من الناس فقط هم من يستطيعون رؤية جانبٍ في العالم غير الجانب الذي يقفون فيه. أذكر أنني في وقتٍ ما كنتُ أملك مساحةَ أرض فضاء تُطلُّ على الطريق العام، وجاءت سيدة إلى مكتبي وسألت بنعومةٍ ما إذا كنتُ أقبل أن أُعيرَها إيَّاها؛ لأنها ترغب في بناء «دار حضانة» عليها. تردَّدتُ قليلًا؛ لأنني لم أكن قد سمعتُ بأي «دار حضانة» من قبل، وبدا لي اللفظ الذي استخدمَته للحديث عنها أجنبيًّا ويُشير إلى دعابة، رغم أن المرأة بدت صالحةً وموثوقة ومأمونة الجانب. ولكنَّها شرحت لي أن المقصود هو حضانة للأطفال، حيث تَذهب المُربيات لتحميم أطفال الأمَّهات الأُخرَيات وإطعامهم وإلباسهم، بينما هنَّ في العمل. وبالطبع لم يكن في ذلك ما يُسبِّب غضب الشرطة أو القس في الكنيسة منِّي، لذا فقد سمحتُ لها بالبدء في المشروع.
خرَجَتْ سعيدةً من مكتبي، ثم ما لبثَت أن مرَّت بي بعد حوالي أسبوع، وقد بدَت عليها أمارات السخط، لتسأل ما إذا كنتُ أنا سأبني دار الحضانة نفسها. بدا الأمر لي جديرًا بالاهتمام، لذا فقد أرسلتُ بعض النجَّارين ليَبنوا سرادقًا خشبيًّا كبيرًا. وعبَّرَت لي عن امتنانها البالِغ لِما فعلت، بالطبع، ولم أرَها ثانيةً لمدة أسبوعَين. ثم مرَّت بمكتبي لتسألني عما إذا كنتُ أُمانع من إعطائها بضع بقرات، طالما أنني أشتغل بتجارة اللحوم وأن الأمر لن يُكلِّفَني شيئًا. ارتسمت على وجهها علامات الدهشة والأسف أثناء حديثها، وترَك حديثها في نفسي شعورًا أن عليَّ أن أشعر بالخجل من نفسي؛ لأنني لم أفكر من تلقاء نفسي في توفير الماشية. لذا فقد قدَّمتُ ستَّ بقرات لتوفير الطعام للأطفال.
ظننتُ أنني بذلك قد أدَّيتُ ما عليَّ، غير أن النجَّارين لم يكادُوا ينتهون من بناء السرادق حتى وجدتُها تترك لي رسالةً حادة عبر الهاتف تسألني فيها لماذا لم أطلب منهم طلاءه!
ومن فرط انشغالي في ذلك الصباح لم أجد وقتًا للشجار معها، لذا أرسلتُ لها أنني سأتدبَّر الأمر؛ وحين مررتُ بسيارتي بقطعة الأرض في الصباح التالي، كان النقَّاشون يجدُّون في العمل على طلاء الحضانة. وكانت لتلك الظلة المُطلة على الجادة واجهة تبلغ مساحتها ستِّين قدمًا، ومنذ أن وقعت عيناي عليها أدركتُ أنها لوحة إعلانات طبيعية. لذا اتصلتُ بكبير النقَّاشين ودبَّرنا معًا إعلانًا صغيرًا كُتب فيه شيء من قبيل:
خلاصة جراهام
تجعل الضعيف قويًّا.
بعد ذلك، حين رأت العجوز الإعلان في الصباح التالي جُنَّ جنونها؛ ودارت في البلدة تُخبر القاصي والداني أنني تصدَّقتُ بظلةٍ قيمتُها خمسمائة دولار ووضعت عليها إعلانًا قيمتُه ألف دولار. وحكمت عليَّ أن أُرسِل شيكًا بالمبلغ المذكور إلى الصندوق المُخصَّص لدار الحضانة. وصمَّمَت على موقفها حتى بدأتُ أظنُّ أنها قد تكون مُحقَّة، رغم كل شيء، وأرسلتُ إليها النقود. ثم وجدتُ رجلًا كان يرغب في البناء في ذلك الحي، فبعتُ له قطعة الأرض بثمنٍ بخسٍ وأخرجتُ نفسي من عمل الحضانات برمَّته.
لقد وضعتُ في تجارتي ما هو أكثر من العمل بكثير، وجنيتُ منها ما هو أكثر من المال؛ غير أن الشيء الوحيد الذي وضعتُه فيها ولم أجنِ منه أرباحًا لا في صورة متعةٍ ولا في صورة مالٍ كان القلق. ذاك جانب من التجارة عليك دائمًا أن تترُكَه لمنافسيك.
دائمًا ما كنتُ أنظر إلى القلق باعتباره أمرًا غير موثوق كالرهان في سباقات الخيل؛ لا يُمكنك أن تختار رابحًا فيه أبدًا. تعود إلى منزلك وأنت قلق لأنَّك خائف من أن ينسى موظَّفُك الغبي إحكامَ غلق الخزنة بعد رحيلك، وأن يَحترق مصنع شحوم الخنزير أثناء الليل؛ وتقضي العام كلَّه وأنت ضجر لأنك تظن أن بيل جونز سيَخطف منك فتاتك، ثم تقضي عشر سنوات وأنت قلق لأنه لم يفعل؛ وتقلق على تشارلي في الجامعة لأنه جامح قليلًا، ثم يُرسِل لك خطابًا بأنه قد انتُخب رئيسًا لجمعية الشبَّان المسيحيِّين؛ ثم تقلق على ويليام لأنه مُتديِّن للغاية وتخشى أنه سيتخلَّى عن كل شيءٍ ويذهب إلى الصين ليعمل مبشرًا، ويطلُب منك المساعدة المالية؛ وتقلق أيضًا لأنك تخاف من انهيار تجارتك، فتنهار صحتك عوضًا عن ذلك. القلق هو اللعبة الوحيدة التي لن يُساورَك فيها أي شعور بالرضا لو كان تخمينك صحيحًا. إن الرجل المُنشغِل لا يملك وقتًا ليلتفت إلى القلق. إذ يُمكنه دائمًا أن يجد الكثير من العجائز اللاتي يُمكنهن قضاء النهار في القلق بشأن مشاكلهنَّ وقضاء الليل في القلق بشأن مشاكله هو.
وعند الحديث عن ترك القلق للآخَرين تَحضُرني الأرملة ويليامز وابنها باد، الذي كان رفيقي في اللعب ونحن صغار. كان باد أصغرَ مشاكل الأرملة، وقد كانت المرأة من النوع الذي نادرًا ما تأتي مشاكلُه فُرادى. كان مجموع ما لدَيها من الأطفال أربعة عشر، أربعة أزواج منهم توءم. اعتادت الأرملة ويليامز أن تُطلِقهم في الصباح، عند إخراج أبقارها وخنازيرها لترعى في الشارع، ثم كانت ترمي عن كتفَيها أي قلق عليهم طوال النهار. وكانت تُقدِّر في نفسها أنه إذا أصاب أيًّا منهم مكروه، فإن الجيران سيُحضرونه إليها؛ وإذا شعر أيٌّ منهم بالجوع، فسيعود من تلقاء نفسه إلى البيت. وبطريقةٍ ما، كان القطيع بأكمله يعود سالمًا ومتَّسخًا أيضًا بحلول موعد الغداء.
لا يُساورني أي شكٍّ في أنها كانت تُفكر كثيرًا في باد؛ ولكن أيَّ امرأةٍ لديها أربعة عشر طفلًا تكون مشوَّشة للغاية وتَعجز عن تركيز عواطفها على طفلٍ واحد أو عن تفضيل واحدٍ على سائر إخوته. لذا حين عُثرَ على ملابس باد عند حوض السباحة دون العثور على باد نفسه، لم يكن ردُّ فعلها على الخبر على مستوى توقعات الجيران الذين نقلوه إليها، والذين التفُّوا حولها مُنتظِرين أن يَصدُر عنها ردُّ فعلٍ هستيري.
أقرَّت أن الملابس تخصُّ ابنها باد، ولكنها سألت عن بقية الملابس. وألمحَت إلى أنها لن تُقيم له جنازة، أو أي شيءٍ من هذا القبيل مما يُكلِّف مصاريف كثيرة، حتى يُحضر لها أحدٌ جثته. كانت الأرملة ويليامز في مُجملِها شديدة الهدوء وباردة الأعصاب.
ولكن، لو كانت هي قد أبدَت تسليمًا يَليق بمسيحية مؤمنة، فإن سائر سكان البلدة اضطربوا أيما اضطرابٍ لوفاة باد، وترك كل واحدٍ منهم عملَه ليُخبر الآخرين كم كان الصبيُّ نبيلًا؛ وكيف أن أمَّه لم تكن تستحقُّ فتًى ألمعيًّا مفعمًا بالحياة مثله في بيتها؛ وبين أحاديثهم الطويلة يُمشطون النهر بحثًا عنه. لكن لم يصلوا إلى شيء.
ووسط كل هذا القلق والانفعال، بدَت الأرملة الشخص الوحيد الذي لم يُبدِ أيَّ اهتمامٍ خاص، اللهم إلا عند السؤال عن آخِر نتائج البحث. ولكن أخيرًا، ومع نهاية الأسبوع، وبعد أن استنفدوا جميع السبل بحثًا في النهر بأكمله بجرافاتهم ولم يصلوا إلى شيءٍ إلا بعض العلب الصفيح والقراميط الميتة، وضعت شالًا على رأسها وانطلقَت على طول الشارع صوبَ كوخ لويزيانا كلايتيمنيسترا، وهي عجوزٌ من أصول آسيوية لا تجد مانعًا في أن تَدخُل في غشية روحية نظير أربع سنتات أو أن تَعثُر على كنزٍ لك نظير دولار واحد. أظنُّ أنها كانت لتُطلق على نفسها لقب «العرَّافة» في أيامِنا هذه؛ ولكنها في ذلك الوقت كانت مجرَّد امرأة مُشعوذة.
والآن، قالت الأرملة إنها ترى أن الصِّبية ينبغي استدعاء أرواحهم بنصف الثمن؛ لذا فقد منحَت العجوز سِنتَين، وأخبرتها أنها تحتاج إلى التحدُّث لدقيقتَين مع صغيرها باد على انفراد. قالت كلايتي لها إنها ستبذل كل ما بوسعها، لكنَّ الأرواح تكون في حالة عجرفة وأنوف، حتى وإن كانت تلك الأرواح لأشخاصٍ كانوا من حثالة البِيض على الأرض، وأن الأرواح قد يُجنُّ جنونها إن طُلب منها أن تترك ما هي فيه من لعب ومرح إن كانت في حالة ترفيه، أو أن تترك عملاءها في نيويورك الذين يدفعون لها أغلى الأثمان إن كانت في حالة عمل، لتقوم بهذا العمل الزهيد والحقير. ومع ذلك، فإنها ستُحاول معهم، وقد فعلت. ولكن بعد أن دخلت في حالة من التشنُّج والاضطراب استمرَّت نصف ساعة، توقفت عن المحاولة. وقدَّرت أن باد ربما كان يشاكس في مكانٍ ما بعيدًا، وإنه لن يُجيب بسبب ضآلة المبلغ.
شعرت الأرملة بخيبة أمل بالغة، ولكنها أقرت أن هذا ليس غريبًا على باد. فقد كان العثور على الفتى أمرًا صعبًا دائمًا. وانطلَقَت في طريقها، وهي تقول إنها قد حصلت على مقابل ما دفعَته من مالٍ حين رأت أفاعيل كلايتي الغريبة. ولكنَّها في اليوم التالي حضرت مرةً أخرى ودفعت أربعة سنتات، وقالت كلايتي إن من شأن هذا بالطبع أن يَستحضِر باد. ولكن لسببٍ ما لم يُحالفها الحظ مرةً أخرى، وأخيرًا اقترحت الأرملة عليها أن تستحضر والد باد — كان باك ويليامز والد باد قد مات قبل ذلك بعشر سنوات — وقد استجاب العجوز مباشرة.
فسألته الأرملة: «أين باد؟»
رد عليها: «لم أره. ولم أكن أعرف أنه قادم. هل انضمَّ إلى الكنيسة قبل أن يبدأ رحلته إلى هنا؟»
«كلَّا.»
إذن سيكون عليه أن يبحث عنه في الطابق السُّفلي.
أخبرت كلايتي الأرملة أن تُعرِّج عليها مرةً أخرى وحينها سيَعثُرون عليه بلا شك. وهكذا حضرت في اليوم التالي ودفعت دولارًا كاملًا. وبالطبع بفضل هذا الدولار تمكَّنوا من استدعاء شبح باك ويليامز العجوز على وجه السرعة، لكنه قال إنه لم يتمكن من العثور على باد بعد. وقد بحثوا عنه في كل شبر «في الدار الآخرة» بحثًا موسعًا ولم يعثروا له على أثر. وقد استحضَرَت كلايتي جورج واشنطن، ونابليون، وبيلي باترسون، وبين فرانكلين، وكابتن كيد، فقط لكي تُثبِت أن ما تفعله ليس خداعًا، ولكنهم جميعًا لم يسمعوا ولو همسة واحدة من باد.
أظنُّ أن كلايتي كانت تُخادع العجوز، وهي تنوي أن تستحضر شبح باد في صورة نارٍ حمراء درامية هائلة، ولكنَّها لم تحظَ بفرصةٍ لتفعل ذلك. فقد نهضت السيدة في تلك اللحظة وقد ارتسَم على شفتَيها تعبير صارم، وهرولت إلى الخارج وهي تُتمتِم بأن ما حدث هو ما كانت قد توقَّعته منذ البداية؛ باد ليس هناك. وحين حضر الجيران ظُهر ذلك اليوم للترتيب لحفل تأبين ﻟ «حَمَلها الفقيد»، طاردتهم بمقشَّةٍ حتى أخرجتهم من البيت. وقالت إنهم بحثوا عنه في النهر، وإنها بحثت عنه فيما هو أبعد من النهر، وإن عليهم الآن أن يَسكُنوا تمامًا وينتظروا منه هو الخطوة التالية. وذكرت أنها لو تمكَّنت من هذا «الحَمَل الفقيد» فإنهم قد يُقيمون له حفل تأبينٍ فعلًا بعدما تفرغ من تأديبه على ما فعل، ولكن إلى أن تحين تلك اللحظة، لن يُقام أيُّ تأبين مِن أي نوع. بشكلٍ عام، بدا الأمر وكأنَّ مُشكلةً كبيرة تَنتظر باد إن كان ارتكب أي خطأ ولا يزال على قيد الحياة.
وجدَت الأرملة «حَمَلها الفقيد» مُختبئًا خلف برميل لتجميع مياه الأمطار حين فتحت باب المنزل صباح اليوم التالي، وكان مشهدًا مُلامسًا للقلوب والعواطف. في الواقع، لا بدَّ أن الأرملة قد أفاضت على الصبي بلمساتها، وفي كل مرة كانت لمستُها تفيض دموعه؛ ذلك لأنها كانت تُلامِسه بلوح سريرٍ خشبي، وهو عاملٌ مساعدٌ قويٌّ حين تودُّ أن تشرح لصبيٍّ صغير فداحة ما فعل. ومضى شهرٌ قبل أن يتمكن باد من المشي في الشارع الرئيسي دون أن يقوم رجلٌ ممَّن كانوا يَنعتونه بالفتى النبيل، أو بالبطل الصغير الألمعي المُتخلِّق بأخلاق الرجال حين ظنَّ أنه قد غرق، بمدِّ يدِه وقرص أُذنه وتعنيفه على عودته سالمًا، وتحويله كل من كان يُدافع عنه إلى أضحوكة.
وحدَها الأرملة هي من فهمت فعلًا سلوك باد، ولكن بدا للآخرين أنه قد غادَر المنزل لتحقيق هدفٍ نبيل ورفيع وعاد ليستمتع بوجبةٍ بسيطة تُعِدُّها والدتُه.
وقد أتيت على ذكر الأرملة عَرَضًا كمثال على أن الوقت المناسب للقلق هو عند وقوع الأمر، وأن الطريقة المناسبة للقلق هي أن تُكلِّف به جيرانك. سأُبحر للعودة إلى الوطن غدًا.
جون جراهام