قصة الرب أوزوريس
- (١)
أن المصريين قتلوا ملوكهم الأولين.
- (٢)
أن الألوهية الأولى عندهم نشأت من الملوكية واندغمت الاثنتان.
- (٣)
أن المهمة الأولى للملك والإله في الحضارة المصرية الأولى كانت الزراعة والخصوبة والتقويم الزراعي.
وقد كتب كثيرون من الكتاب الإغريق المتأخرين مثل فلوطرخس قصة أوزوريس، ولا بد أن فلوطرخس اعتمد فيما كتبه على بعض المصادر المصرية، وقد وجد في أسلافنا ما يؤيد كثيرًا مما قاله، وهذا الذي نذكره فيما يلي لخَّصناه عن جملة فصول في «الغصن الذهبي» لفريزر.
وأوزوريس هو أقدم الأرباب المصرية وأحبها إلى قلوب المصريين القدماء، ويؤثَر عنه أنه هو الذي أضاف الأيام الخمسة أو الستة على السنة القبطية لكي تصبح سنة شمسية؛ وذلك أن السنة المصرية القديمة كانت قمرية كل شهر منها ثلاثون يومًا كما هو الشأن عند جميع الأمم البدائية، ولكن هذه السنة القمرية لا توافق الزراعة لأن الأشهر لا تتفق ودورة الأرض حول الشمس، والمأثور أن أوزوريس هو الذي أضاف هذه الأيام الخمسة أو الستة لكي تلاءم الزراعة.
ويؤيد ذلك أن التقاليد تقول إنه ولد في أول يوم من هذه الأيام التي تُعْرَفُ للآن باسم أيام النسيء وقد سمع صوت عظيم يدوي في أنحاء البلاد وقت ولادته يقول «ملك عظيم قد ولد» هو أوزوريس.
وتزوج أوزوريس أخته أسيس على نحو ما كان يفعل الفراعنة، ثم تولى الحكم ملكًا على الأرض وأخرج المصريين من البداوة وسنَّ لهم القوانين وعلمهم عبادة الآلهة، وتزيد الأسطورة على ذلك زيادات منها أن المصريين كانوا يأكلون البشر، ولكن أسيس في جولاتها في البرية أو الغابة اكتشفت القمح والشعير وعلم أوزوريس المصريين زراعتهما فكفُّوا عن أكل البشر، وكذلك علَّمهم جني الأثمار من الشجر وربى الكرمة على العريش وداس الزبيب والعنب لاستخراج الخمر.
ثم شعر أوزوريس بحاجة العالم كله إلى هذه البركات فترك الحكم لأخته وزوجته أسيس في مصر، ثم خرج فجاب أنحاء العالم ينشر الزراعة والحضارة، وكان يعلم الناس استخراج الجعة من الشعير إذا وجد أن الأرض لا تصلح لغرس الكروم.
ومن هذه الخلاصة يدرك القارئ أن أسلافنا كانوا يعرفون ما اهتدى إليه العلماء المصرلوجيون الآن وهو أن أسلافهم قد اخترعوا الزارعة ونشروها في أنحاء العالم.
•••
وتستطرد الأسطورة إلى ذكر الغيرة التي دبَّت في صدر سيت «شيت» شقيق أوزوريس، فقد غار منه وحسده على المكانة التي بلغها، ففكر في هلاكه وذلك بأن عمد إلى أوزوريس فقاس جسمه طولًا وعرضًا ثم صنع نعشًا على هذا القياس، ودعاه إلى الشراب مع بعض الإخوان، وقعد الجميع يأكلون ويشربون ويقصفون، وعندئذ أحضر سيت النعش أو الصندوق، ونهض كل منهم يقيس الصندوق على جسمه فلا يجد أنه يوافقه، وأخيرًا نهض أوزوريس وفعل فعلهم فحواه الصندوق وهب عندئذ سيت فألقى الغطاء عليه ودقَّه ولحمه بالرصاص المصهور ثم حمل الصندوق وألقاه في النيل.
وبلغ الخبر أسيس زوجته وأخته فجزَّت خصلة من شعرها واتخذت الحداد وسارت على شاطئ النيل تجوبه لكي تهتدي إليه، وقادها السير إلى الوجه البحري حيث مناقع البردي وكانت في صحبتها سبع عقارب، ووقعت على الأرض منهوكة من الإعياء أمام كوخ تسكنه امرأة فقيرة، وهي كذلك وإذا بعقرب من هذه العقارب قد تركتها ودخلت الكوخ متسللة إليه من تحت الباب فوجدت ابن هذه المرأة فلسعته وقتلته، فصرخت الأم وولولت فالتفتت أسيس ونهضت إليها ووجدت الطفل المقتول فرقته رقية ردت إليه الحياة.
وفي هذه الأثناء تلد أسيس ربًّا صغيرًا فتسميه هورس، فتخفيه عن عمه لأنها تعرف ما ينطوي عليه من النية السيئة لابن أوزوريس، ولكن إحدى العقارب تلسع هورس، وتحاول أسيس أن تبرئه من السم فتستجير بالرب رع الذي يستجيب لندائها فيبعث إليها بالرب توت الذي ما زلنا نحفظ اسمه في شهورنا القبطية فيلقنها رقية تعيد بها الحياة للموتى، ويحيا هورس.
•••
ويكون الصندوق الذي يحوي جسم أوزوريس قد حمله التيار في النيل إلى أن خرج به إلى البحر المتوسط، فما يزال تتخبطه الأمواج إلى أن بلغ بيبلوس على شواطئ سوريا، وهناك تنبت عليه شجرة يراها الملك فيعجب بها.
وتعرف أسيس أن الصندوق وصل إلى بيبلوس فتهرع إليها وتقعد هناك إلى جنب بئر، فتأتي خادمات القصر ووصيفات الملكة فترى أسيس قاعدة ولها عطر يفوح وعلى رأسها شعر مرجل يأخذ العين، فيذهبن إلى الملكة ويخبرنها فتدعوها الملكة لكي تزينها، وهناك تغري الربة أسيس ملكة بيبلوس لكي تطلب من زوجها أن يقطع جزع الشجرة الذي نبت فوق الصندوق ويضعه في المعبد، وتقول الأسطورة إنه إلى الآن لا يزال هذا الجزع يُعبد في بيبلوس.
ولما رفع الجزع ظهر الصندوق فأخذته أسيس وأبحرت به في زورق، ولما بعدت عن الشاطئ فتحت الصندوق وضمت جثة زوجها أوزوريس على صدرها وقبلته وبكت وبقيت على ذلك إلى أن بلغت مصر، وهناك تذكرت ابنها هورس فتركت الصندوق وقصدت إلى ابنها لكي تراه.
ولكن سيت عرف أن الصندوق قد ترك وهو وحده ليس من يحرسه، فقصد إليه وأخرج الجثة ومزَّقها حتى صارت أربعة عشر شلوًا، وأخذ الأشلاء فوزعها في أمكان مختلفة من النيل، وبلغ الخبر أسيس فسارعت وصنعت لنفسها رَمَثًا من البردي وسارت به في النيل تجمع الأشلاء، ولأن أسيس ركبت رَمَثًا من البردي تقول الأسطورة إن المصريين لا يزالون إلى الآن آمنين من التماسيح إذا ركبوا أرماث البردي في النيل.
وجمعت أسيس الأشلاء وصارت تدفنها شلوًا بعد شلو في بلاد مصر، ومن هنا السبب في أن للرب أوزوريس قبورًا مختلفة متعددة في أنحاء مصر.
•••
هذه أسطورة الرب أوزوريس كما رواها كتاب الإغريق، وقد وجد في معبد دندرة ما يؤيدها، وتزيد الآثار على ذلك بأن الرب رع هو الذي يجمع أشلاء أوزوريس والربة أسيس هي التي تنفخ فيه الحياة فيحيا ولكن في العالم الثاني.
وتمثال أوزوريس لهذا السبب يُصنع بهيئة المومياء أي الجثة المحنطة الملففة بالأقمشة، وعلى رأسه تاج وفي يده صولجان، وكان كل ميت عند المصريين القدماء يُسَمَّى أوزوريس وكان كل ميت يُكتب له الخلود ما دام محنطًا.
•••
هذه خلاصة القصة أو الأسطورة، وهي تدل على أن أوزوريس كان ملكًا له تاج وصولجان، وأنه قُتِلَ لأنه خُشِي عليه من الشيخوخة أو المرض إذ هو الذي يُحدِثُ الخصوبة في الأرض فما دام شابًّا فهو قادر على إحداث الخصوبة، أما إذا أَسَنَّ وشاخ فإن القحط يصيب الأرض، وإذن قُتِلَ لكي يتولى مكانه شاب آخر.
أما أن أشلاءه دفنت في أمكنة مختلفة في أنحاء مصر فذلك لاعتقاد آخر وهو أنه كان يتجسد في الزرع، وقد سرت هاتان العقيدتان في أنحاء العالم من مصر؛ أي قتل الملوك والتضحية البشرية بدفن أشلائها في أمكان مختلفة لكي تتجسد في الزرع، وقد ذكر المؤرخ المصري مانيتو (أيام البطالسة) أن أسلافه كانوا يضحون كل عام برجل أصهب الشعر (في لون القمح) أيام الحصاد حتى يكثر المحصول، وكان المصريون في حصاد القمح ينوحون ويولولون، وهذا مستغرب لأول وهلة لأن وقت الحصاد يجب أن يكون وقت فرح، ولكن هذا النواح كان معللًا بقتل الرب أوزوريس الذي يمثله الرجل الأصهب.
وربما تكون «عروس النيل» أي التمثال الذي يصنع على هيئة إنسان ثم يُلقى في النيل يمثل أوزوريس من حيث إنه رب الزراعة إذ كان يوضع في رأس هذا التمثال عود من الذرة.