السلالات البشرية والفراعنة
مما يذكره إليوت سمث أنه كان ذات مرة يفحص عن القحوف البشرية في إنجلترا، وكان أمامه قحف لرأس مصري من عهد الفراعنة فوضعه مصادفة إلى جنب قحف لرأس إنجليزي حديث الوفاة، فما راعه إلا المشابهة بل المطابقة بين الاثنين.
والواقع أننا عندما نجرد الرءوس من اللون لا نكاد نجد فرقًا بين المصري القديم «أو الحديث» وبين بعض السكان في إنجلترا؛ فإن الشعب المصري ينتمي إلى السلالة الميديترانية، هذه السلالة التي تُعْزَى إلى اسم البحر المتوسط «ميديتران» والتي تنتشر الشعوب المنتمية إليها في إيطاليا وإسبانيا وأفريقيا الشمالية ومصر والحبشة وجزيرة العرب والعراق القديم وفرنسا الجنوبية وبعض أنحاء إنجلترا. وخاصة ويلس، وتمتاز الرءوس في جميع هذه الشعوب بالاستطالة مع بروز القمحدوة من الخلف وبالشعر المتموج والوجه الطويل وقلة الشعر سواء في الجسم أو الوجه ونحافة الجسم وتوسط القامة، وهذه السلالة هي التي سكنت مصر وشرعت في اختراع الحضارة بعد أن علمها النيل مبادئ الزراعة، ومن مصر تفشَّت إلى الأمم الأخرى حول البحر المتوسط.
ويرى إليوت سمث أن السلالات البشرية هي الآن سٍتٌّ فقط، وأنها ترجع إلى أصل واحد أو أصلين أو ثلاثة يمكن أن يجد الإنسان فيها ما يذكر بالقردة العليا؛ فإن الشبه مثلًا كبير جدًّا بين المغول وبين القرد أورانج أوتان، وكذلك هناك سمات تربطنا نحن أبناء السلالة الميديترانية بالشمبنزي، كما أن القرابة بين الزنجي والغوريلا واضحة في ملامح وتقاسيم عديدة، ولكن إذا صح هذا الفرض وهو أن للسلالات البشرية عدة أصول؛ فإن هذه الأصول كانت شديدة القرابة بدليل أنه ليس بين البشر الآن «بغال» لأن التلاقح ينجح بين جميع أفراد السلالات الحاضرة.
- (١)
وأحط السلالات هي السلالة الأسترالية التي لا يزال عدد قليل من أفرادها باقيًا يعيش في وادي أستراليا، وكان عددهم كبيرًا ولكن البيض المهاجرين ألحُّوا في قتلهم، وهم شعرانيون لا يعرفون الزراعة أو بناء المنزل أو نسج القماش، ولكنهم يعرفون تحنيط الموتى ولهم عقائد تُذَكِّرُ بالمصريين القدماء ممَّا يدل على أن الثقافة القليلة التي يعرفونها قد وصلت إليهم على أيدي أناس أُشْرِبُوا الثقافة المصرية القديمة ثم انْبَتَّتْ هذه الثقافة فلم ترتقِ بل تقهقرت.
- (٢) أما السلالة الثانية فهي الزنوج الذين ينتشرون في أفريقيا الوسطى والجنوبية وآسيا الجنوبية، وهم يمتازون بالشعر المفلفل والجسم الذي يكاد يكون أملط وانفطاس الأنف وغلظ الشفة، وبين الزنوج أطول الناس قامة مثل الشيلوك، وأقصرهم قامة مثل الأقزام في الأقاليم الشرقية من الكونجو، وقد اختلط الزنوج بالسلالة الميديترانية كما ترى في النوبيين وعرب السودان، ولكن الملامح عند هؤلاء لا تزال ميديترانية وليست زنجية.
وفي زنوج البوشمان خاصة لا تُعْرَفُ في السلالات البشرية الأخرى هي وفرة الشحم في الأليتين بحيث تبرزان بروزًا كبيرًا عن استواء القامة، وأقزام الزنوج لا يزالون بدائيين لا يعرفون شيئًا من الحضارة، ولكن معظم الزنوج متوحشون، وتوحشهم قد اكتسبوه بالثقافة القليلة التي تسرَّبت إليهم من مصر ثم لم تطرد في التقدم بل وقفت وأحيانًا تقهقرت.
- (٣)
السلالة الثالثة هي الميديترانية التي يعزى إليها الشعب المصري.
- (٤)
السلالة الرابعة هي ما يسميه الإتنولوجيون الآن بالسلالة الألبية نسبة إلى جبال الألب حيث يكثر أفرادها، وهم يمتازون باستدارة الرءوس وانتفاء القمحدوة، وشعوب هذه السلالة يملأون أوروبا الوسطى وينتشرون إلى حدود الصين الغربية تقريبًا، ومنهم الأرمن والأتراك والسوريون، وجميع هؤلاء يتشابهون من الخلف إذ ليس لواحد منهم قمحدوة بازرة، وهم كثيرو الشعر، كما هو واضح من السوريين المقيمين بيننا حيث نجد شعرًا غزيرًا على أجسامهم ووجوههم، ومعظم الفرنسيين ألبيون، وكذلك الحال في سويسرا وإيطاليا الشمالية وهنغاريا ومقدونيا.
وهناك وَهْمٌ سادَ مدة طويلة هو القول بأن الأتراك مغول، والذي بعث هذا الوهم هو أن لغتهم مغولية، ولكن اللغة لا تدل على السلالة؛ فإن وجوههم ألبية مثل السوريين أو الفرنسيين أو الحيثيين القدماء، ومن ميزات هذه السلالة عظم الأنف، فإن المصريين القدماء رسموا أنوف الحيثين كأنوف الأرمن أو الأتراك الآن بارزة قنياء.
- (٥)
أما السلالة الخامسة فهي النوردية التي تنتشر في أوروبا الشمالية أي ألمانيا وإنجلترا ودنمركا وأسوج ونروج، وهي تمتاز بطول القامة وخفة اللون مع بروز خفيف في عظم الوجنتين، وهذه السلالة هي التي أغارت على الهند وإيران حوالي سنة ١٣٠٠ أو ١٢٠٠ قبل الميلاد، وفي هذا الوقت نفسه يذكر المصريون غارة الإفريقيين من الغرب أي اللوبيين ويرسمونهم بما يتفق وصفات النورديين.
- (٦)
أما السلالة السادسة فهي المغولية التي ينتمي إليها الصينيون والتتار، وهم مستديرو الرءوس ولكنهم يختلفون من الألبيين من حيث إن لهم قماحد أي بروز في خلف الرأس، وشعرهم مستقيم لا يتموَّج أبدًا، وهم قليلو الشعر جدًّا بخلاف الألبيين غزار الشعر.
والأنف مفرطح عند المغولي بارز عند الألبي، وشعوب الأمرنديين أي سكان أمريكا القدماء مغول أيضًا، وكذلك الإسكيماويون الذين يقطنون أمريكا الشمالية.
هذه هي سلالات النوع البشري، ولكن يجب ألا يبرح من أذهاننا أن التقاليد اللغوية والدينية والاجتماعية التي تتوارثها إحدى الأمم تنتهي بعد مرور ألف أو ألفين من السنين إلى إيجاد ميزات خاصة للأمة، تجعلها كأنها سلالة قائمة برأسها حتى لنستطيع أن نتبين اليمني من المصري مع أن كليهما ميديتراني الأصل في السلالة، ونميز السوري من السويسري مع أنهما ينتميان إلى السلالة الألبية.