التنمية الذاتية
(١) معنى التنمية الذاتية
التنمية الذاتية هي عملية التحوُّل المستمرة للمجتمع المحلي، التي قد تبدأ بعوامل مساعدة من خارج المجتمع، أو تكون نابعةً بالكامل من داخله، والتي تؤدِّي إلى إطلاق الطاقات الكامنة داخل المجتمع المحلي، وتنمي قدراته على التجدُّد الذاتي والنهضة؛ ومن ثَمَّ يتمكَّن من التعبير عن قِيَمه الحضارية المميزة، حتى لو اتخذت تلك القِيَم تعبيراتٍ جديدةً تتمشَّى مع ضرورات الحاضر ومتطلبات المستقبل.
هي دعوة للتخطيط من أسفل لأعلى: يبدأ برؤية الواقع الحي المعيش؛ هي دعوة لمشاركة عامة الناس في التنمية وإطلاق طاقاتهم الخلَّاقة وقدراتهم على التفكير والخيال والتعاون والعمل؛ مما يفتح المجال للإبداع المحلي في كل مجالات الفعالية الإنسانية، والنهوض الحضاري في كل مكان.
-
كائنًا حيًّا قادرًا على الفعل والحركة، وحاملًا لمقومات نموه ذاتيًّا.
-
ذا هوية متفردة وملامح وقسمات تهبه طابعًا خاصًّا، وتميزه عن غيره من المجتمعات المحلية.
تنطلق التنمية الذاتية — على مستوى الفرد — من النظر لكل إنسان باعتباره معجزةً في ذاته، وأن لديه إمكانات كامنة للفعل والإبداع تميِّزه عن غيره من بني البشر، وأن أهم وظيفة للتنمية هي صناعة المناخ الذي يساعد وييسر على كل إنسان اكتشاف ذاته أو إعادة اكتشافها، في سياقات اجتماعية متزايدة الاتساع، تبدأ من أصغر وحدة اجتماعية ينتمي إليها، فالمجتمع المحلي، فالقومي، فالإقليمي، فالعالم أجمع.
تتيح التنميةُ الذاتية — على مستوى الفرد أيضًا — الفرصةَ للتفاعل النفسي/الاجتماعي في حدود طاقته على التواصل والتفاعل والعمل والمشاركة الإيجابية في مجتمعه المحلي، وكذلك في حدود قدرته على أن يرى ويلمس ويدرك ناتج تفاعُله وعمله؛ أي إن دائرة النية والعمل وناتج العمل تنغلق على مستوى المجتمع المحلي، فيستطيع الفرد من ثَمَّ أن يصحِّح رؤيتَه ويعدِّل مسارَ عمله، فيدخل في دائرة جديدة للتفاعل وهكذا.
التنمية الذاتية — من زاوية التدخُّل كعامِل مساعد — هي الخروج بالناس من حالة الغيبوبة والعجز والسلبية وانتظار الحلول الجاهزة، إلى المشاركة الفعَّالة في صنع واقعهم، واستعادة دورهم كفاعلين ومعاصرين في سياق مجتمعاتهم المحلية.
تبدأ التنمية الذاتية بفهم السياق العام للمجتمع المحلي وما يحوزه من إمكانات ذاتية، سواء أكانت قِيَمًا إيجابية دافعة للعمل والإبداع، أم شبكات علاقات اجتماعية فاعلة، أم أشكالًا من التنظيم الجماعي المحلي، أم معارفَ واسعةً عن المحيط الحيوي والموارد المحلية التي يحوزها الناس أو التراث التقني (المعارف والمهارات والخبرات التقنية)، وصولًا للخامات والموارد المحلية المتوافرة.
تعني التنمية الذاتية الاعترافَ بالتنوُّع في الظروف الإيكولوجية والخبرات التاريخية والثقافة والبِنَى الاجتماعية الحضارية للمجتمعات المحلية، وتوظيف ذلك التنوُّع، والاستفادة منه؛ أولًا: لاكتشاف الميزات النسبية والتنافسية التي يتميَّز بها المجتمع المحلي كمنطلق لإقامة أنشطة اقتصادية ناجحة، وثانيًا: لإثراء التجربة التنموية على المستويات القومي والإقليمي والعالمي.
تعني التنمية الذاتية إنصافَ العديد من عناصر الطابع المحلي في المسكن والملبس والأثاث والمأكل والأنشطة الاقتصادية … إلخ. ولا يعني ذلك تجميد هذه العناصر على صورتها الراهنة؛ فالعديد من عناصر الطابع المحلي يمكن أن تحمل صفتَيِ الثبات والتغيُّر في نفس الوقت، فالبناء بالطين مثلًا فكرة، لكن هناك بدائل عديدة في المواد والتقنيات وكذلك التصميمات، الأهم هو اكتشاف الشفرة والتعبيرية الحضارية الكامنة خلف الطابع المحلي؛ مما يعطي اتجاهات متميزة للتفكير والخيال والإبداع المرتكز على خصائص البيئة المحلية والخصوصية الحضارية للمجتمعات المحلية.
ما الذي تعنيه التنمية الذاتية بأعم وأوسع وأشمل معانيها؟ إنها تعني استعادة الإنسان المصري والعربي للمبادرة، وحقه في الاختيار؛ اختيار أهداف الحياة، ومعنى التقدم ومضمونه، وحقه في المشاركة في التنمية، وفي بناء مستقبله ومستقبل مجتمعه/أمته، كذلك تعني التنمية الذاتية تمكين أبناء المجتمعات المحلية تنظيميًّا وعلميًّا وتكنولوجيًّا، من أن يكونوا منتجين ومبدعين، والتخلِّي عن التقليد الأعمى للنموذج التنموي الغربي، وعن صيغة التحديث الجاهزة والمرتبطة بالتلقِّي السلبي لثمرات إبداع الآخَرين في صورة سلع وأساليب جاهزة للحياة والاستهلاك والإنتاج؛ مما يؤدِّي إلى خمود القدرات الإبداعية الذاتية.
التنمية الذاتية لا تعني فقط مشاركة الناس — كل الناس — في التنمية، بل أنْ يشعر الناس أن قضية التنمية هي قضيتهم وأنهم يملكون مفاتحها؛ لذا فهي تخاطب الدوافعَ الأعمق للوجود لدى الناس، ورغبتهم الأصيلة في التعبير عن أنفسهم؛ ومن ثَمَّ فالتنمية الذاتية من أهم شروط استدامة التنمية، أي التنمية المستدامة.