مفاجأة اليوم الثاني

ساد الصمت بعد هذا البيان الذي قدَّمه «عم سالم» عن غرق السفينة «النجمة الخضراء»، وكان كل المغامرين و«نبيل» يعيدون النظر في حكاية الكنز … هل سرقه «روجيه» و«كوتزيني» أو غرق مع السفينة؟ وكان الاحتمال الثاني أقوى؛ فهو الاحتمال الذي يُفسِّر الحركات المريبة في المنطقة، وهكذا تحدَّث «تختخ» قائلًا: إنني أتصوَّر أن «روجيه» و«كوتزيني» لم يتمكَّنا من سرقة الكنز، ربما كان توقيت الانفجار أسبق من السرقة، ربما وهما يحملان صندوق الكنز حدث الانفجار!

عاطف: أكثر من هذا … ربما تركا الكنز يغرق مع السفينة على أن ينتشلاه بعد ذلك … ولكن الحرب قامت، واستمرَّت ست سنوات، وعندما عادا للحث عنه لم يجداه لسببٍ أو لآخر، ربما عثر عليه آخرون، وربما تحرَّك من مكانه بفعل حركة البحر … هناك احتمالاتٌ كثيرةٌ!

لوزة: إذن أمام هذه الاحتمالات كلها عندنا لغزٌ خطيرٌ، لا يحلُّه إلا الإجابة عن عدة أسئلة … هل ما زال القبطان «روجيه» حيًّا أو مات؟ هل الضابط الثاني مشتركٌ معه أو لا؟ هل الكنز ما زال مستقرًّا في قاع البحر، أو تمَّ انتشاله؟ وإذا كان قد تمَّ انتشاله فلماذا الغرباء في هذا المكان؟ إنَّ سؤالًا واحدًا من هذه الأسئلة يمكن أن يكون لغزًا ممتازًا.

عاطف: ولكن المسألة ليست البحث عن لغزٍ بأيِّ ثمنٍ … إننا نتعامل مع أشخاصٍ خطرين، لقد خطفوا «عم سالم»، وكان من المُمكن أن يقضُوا عليه.

لوزة: إن هذا لن يُخيفنا.

ضحك «محب» بالرغم منه، فهذه التي تتحدَّث عن المواجهة مع هؤلاء الرجال الخطرين طفلةٌ لا يتعدَّى عمرها أحدَ عشر عامًا!

واحمرَّ وجه «لوزة» وقالت: هل تسخر منِّي يا «محب»؟

ردَّ «محب» على الفور: على العكس … إنني معجبٌ بشجاعتك!

تدخَّل «تختخ» قائلًا: لا داعي لإثارة متاعب … علينا أن نُقرِّر بالتصويت إذا كنا سنَبقى أم لا … المُوافق يرفع يده!

وكانت المفاجأة … لقد ارتفعت كلُّ الأيدي … وهكذا تقرَّر أن تبدأ المغامرة …

وجلس الجميع يتحدَّثون عَمَّا يجب عمله، وطال الحديث، وتقرَّر أن يُعقد اجتماعٌ بعد الظهر لوضع خطةٍ، وانطلق الجميع يلعبون، في حين قام «نبيل» بارتداء ملابس الغوص … وبدأ يُجرِّب الملابس الجديدة، وهو يحمل بندقية صيدٍ تحت الماء ذات حربةٍ زرقاء لامعة، أمَّا «تختخ» فقد كان يحسُّ أنهم تَورَّطوا، وكان إحساسه بالمسئولية ناشئًا من أنه أكبر المغامرين سنًّا، ولذا طلب من «عم سالم» أن يسيرا معًا على الشاطئ … إنَّه يُريد مزيدًا من المعلومات، وهكذا قال ﻟ «عم سالم»: ما رأيك؟ أريد أن أقترب من المكان الذي غرقت فيه السفينة!

ورحَّب «عم سالم»، إنَّه على استعداد لمساعدة أي شخصٍ يُمكِّنه من معرفة مصير الكنز الذي ضاع، وهكذا سارا معًا، وأخذ «عم سالم» يشرح ﻟ «تختخ» قصة هذا الشاطئ، وكيف جاءه طفلًا صغيرًا وأحبَّه، وكيف عاد إليه بعد أن غرقت أمامه السفينة «النجمة الخضراء».

سارا نحو نصف ساعةٍ في اتجاه الغرب حتى اقتربا من نهاية حبل الرمال، وتوقَّف «عم سالم» وقال: من الخطر التقدم بعد ذلك، إنها منطقة رمالٍ هشَّة تحتها عشرات الآبار، ثم تليها الصخور، ولهذا لا يمكن الوصول إلى داخل المنطقة إلا من البحر!

ثم أشار «عم سالم» إلى مسافةٍ في البحر وقال: هل ترى طيور «النورس» البيضاء التي تُحلِّق هناك؟

ردَّ «تختخ»: نعم.

عم سالم: في هذا المكان تقريبًا غرقت السفينة، ولو كنتَ ممَّنْ يعرفون أسرار البحر للفت نظرك أن المياه في هذه المنطقة لونها أكثر سوادًا من بقية البحر!

تختخ: هذا صحيحٌ!

عم سالم: إنَّ هذا دليلٌ على وجود منطقةٍ عميقةٍ من المياه، أكثر عمقًا مما حولها، ويمكن أن يكون دليلًا على وجود جسمٍ على أرض البحر؛ جسمٌ ضخمٌ مثل سفينة.

تختخ: تقصد «النجمة الخضراء»!

عم سالم: نعم.

تختخ: لماذا لم تبحَث أنت على الكنز يا «عم سالم»؟

عم سالم: لقد حاولتُ، ولكنها ليست مهمَّة رجلٍ واحدٍ، كما أن المكان عميقٌ، ويحتاج إلى ملابس للغوص، وأنا رجلٌ فقيرٌ لا أستطيع شراءها، وقد تَقدَّم بي العمر، وقد طلبت المساعدة من الكثيرين، ولكنَّ أحدًا منهم لم يأخذ المسألة مأخذ الجد، لهذا اعتقدوا أنني عجوزٌ مُخرِّف!

تختخ: إننا في حاجةٍ إلى قارب يوصلنا إلى المكان … لعل «نبيل» يستطيع بملابس الغوص الجديدة أن ينزل، ويرى السفينة عن قرب.

عم سالم: إنها مسألةٌ خطيرةٌ!

تختخ: إنَّ الموقف كله خطيرٌ، ولكن إذا شئنا أن نفعل شيئًا له قيمة فلا بد من مواجهة الخطر.

عم سالم: هناك قاربٌ قديمٌ، أحد قوارب الإنقاذ التي كانت على السفينة، إنه قديمٌ وقد طمرته الرمال، ولكن من المُمكن بمساعدتكم أن نُصلحه.

تختخ: عظيم!

عم سالم: وقد احتفظتُ بالمجاديف عندي، إنها فوق سطح الفيلا!

تختخ: وأين القارب؟

عم سالم: لقد أخفيته تحت الرمال، وخلف الأعشاب حتى لا يراه أحد، كان عندي الأمل أن أستخدمه يومًا، وكنت قد فقدتُ هذا الأمل، ولكن ها أنت ذا قد أعدتَ الأمل إلى الحياة.

وأشار «عم سالم» إلى تلٍّ من الرمال قريب من الشاطئ تُغطِّيه غابة من البوص والأعشاب العالية، واتجها إليه، ومدَّ «عم سالم» يده، وأخذ يُزيل الرمال من مكانٍ معينٍ … ولم تمضِ دقائق حتى ظهرت مقدمة القارب، وأسرع «تختخ» يُشارك «عم سالم» في العمل … انهمكا فيه تمامًا، وأخذت معالم القارب تظهر شيئًا فشيئًا.

التفتَ بقية المغامرين إلى حيث كان «عم سالم» و«تختخ» يُزيلان الرمال والأعشاب، وأسرعوا جميعًا إليهما … خُيِّلَ لهم للحظات أنهما يبحثان عن الكنز في هذا المكان، بل إنَّ «لوزة» بطبعها المُتسرِّع قالت: لقد كان «عم سالم» يخفي الكنز في هذا المكان، أخشى أن تكون المغامرة قد انتهت.

ولكن الحقيقة تَكشَّفت بسرعةٍ، وانهمك الجميع في إزالة الرمال والأعشاب من القارب الذي كان في حالةٍ جيدةٍ … ولكن كان في حاجةٍ إلى إصلاحات كثيرة.

قال «نبيل»: عندي أدوات نجارةٍ كاملةٍ.

تختخ: أسرع إذن بإحضارها.

وانطلق «نبيل» ومعه «محب» إلى الفيلا، وعادا بعد فترةٍ ومعهما صندوق يحوي فعلًا أدوات نجارةٍ كاملة، وكمية من المسامير … وبعد أن تمكَّن الجميع من إخراج القارب كله من مخبئه تعاونوا على زحزحته إلى قرب الشاطئ، وأخذوا يَغسلونه بماء البحر، ثم بدأت عملية الإصلاح والترميم.

قال «تختخ» فجأةً: اقترب مَوعِد الغداء، ولم نُعدَّ شيئًا نأكله!

وعلَّق «عاطف» ضاحكًا: أليس هناك شيءٌ يشغلك من خواء بطنك؟

تختخ: إذا تَحدَّثتِ البطونُ سَكَنتِ العقولُ.

نوسة: لقد اصطدنا قدرًا لا بأس به من السمك … هل نعدُّ لكم غداءً منه؟

تختخ: أرجوك!

أسرعت «نوسة» و«لوزة» إلى الفيلا، وعندما اقتربتا منها فوجئتا بوجود رجلٍ غريب الهيئة، تبدو عليه علامات الصَّرامة والجد … توقفَتا قبل الوصول إلى هناك، ولكن الرجل أشار إليهما أن تَتقدَّما … وتقدَّمتا وقد تَوجَّسَتَا شرًّا … ولكن الرجل قال برفقٍ: هل أنتما هنا وحدكما؟

لوزة: لا … معنا إخوتنا وأصدقاؤنا!

الرجل: أرجو أن ترحلُوا جميعًا من هنا!

أصابت الدهشة «لوزة» و«نوسة» ووقفتا مَشْدُوهَتَينِ، ولكن الرجل قال: يمكن أن تعودوا بعد ذلك، ولكن هذه المنطقة ستُصبح ساحةً للقتال خلال الساعات القادمة!

ساحة قتال؟ شيءٌ غريبٌ … هكذا فكَّرتِ المُغامِرتان الصغيرتان … أيُّ قتالٍ؟ وبين مَنْ؟ وكيف يَحْدُثُ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤