على شعاع صغير

كانت الرسالة إنذارًا واضحًا، وبينما انهمك «تختخ» و«نوسة» في غسل جروح «زنجر» أخذ الجميع يفكرون في محتوى هذه الرسالة، وماذا يفعلون؟! إنَّ الإنذار واضحٌ، وواضح أيضًا أن مُرسلَه قادرٌ على أن يوقع بهم العقاب اللازم إذا لم يستمعوا إلى أوامره … فماذا يفعلون؟ ثم هناك هذه المعركة التي ستنشب في أي وقتٍ بين رجال خفر السواحل، ومهربي المخدرات، إنها خطرٌ وشيكٌ، قد يضر بهم! وهم وحدهم بعيدون عن العمران، ولا اتصال بينهم وبين العالم.

لحُسنِ الحظ لم تكن جراح «زنجر» خطيرةً، وربما يُشْفَى خلال أيام؛ ولكن غير القابل للشفاء هو غضب «تختخ» لإصابة كلبه العزيز، ولم يكن بقية المغامرين أقلَّ غضبًا، وهكذا قال «تختخ» فجأة: إنني سأبقى … ومَنْ يُرِدْ منكم العودة فَلْيَعُد … إنَّ السيارة ستمرُّ بنا غدًا كما هو مُعتاد!

صاح الجميع في نَفَسٍ واحدٍ تقريبًا: بل سنَبقى معك!

تختخ: إنني لا أدري ماذا سيفعلون، ولكن يجب أن نستعدَّ للدفاع عن أنفسنا، علينا أن نُغلق الأبواب والنوافذ جيدًا، علينا أن نضَع حراسة طول الوقت ليلًا.

قالت «نوسة»: ما رأيك في استخدام جهاز «الوكي توكي» … إنَّ في إمكاننا استدعاء رجال خفر السواحل في أية لحظة!

ابتسم الجميع في هذه اللحظة، نعم … إنَّ معهم سلاحًا فعَّالًا قد يُنقذهم إذا وقعوا في مأزقٍ!

قال «تختخ»: عظيم … ولكن برغم هذا يجب قيام نوبات الحراسة باستمرار … من الأفضل أن نستعدَّ ثم نتصل بالضابط «أحمد» عند الحاجة من أن نقع في أيديهم ثم نحاول الاتصال، سوف أسهر مع «زنجر» حتى الساعة الثالثة صباحًا، ثم أوقظ «محب»؛ ليقوم بنوبة الحراسة حتى الثامنة صباحًا، وستكون الشمس قد أشرقت، ولا أظن أنهم سيهاجمون في وضح النهار، وغدًا نتبادل جميعًا نوبات الحراسة.

قال «عم سالم»: سأكون معكم … إنني رجلٌ عجوزٌ؛ والعجوز لا يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ للنوم!

تختخ: سيكون «عم سالم» معنا.

نبيل: أرجو ألا تكونُوا قد نسيتموني.

تختخ: طبعًا لا … ولا بدَّ أن تُجهِّز أسلحتك!

نبيل: إنَّ عندي ثلاث بنادق للصيد تحت الماء، وفي كلٍّ منها حربةٌ قوية، ومنها واحدة بها ثلاث حِراب، وهي سلاحٌ فعَّال وقويٌّ تحت الماء وفي الهواء، وسأُعدُّها جميعًا للإطلاق إذا دعت الحاجة، وهي ليست محتاجةً إلى أي تمرينٍ، فبمجرد الضغط على الزناد ستنطلق الحربة.

تختخ: لقد أصبحنا على استعدادٍ تقريبًا لمواجهتهم.

عَمَّتْ موجة من الابتهاج بين الأصدقاء، وسرعان ما أعادوا تسخين الشاي، ثم بدءوا يلعبون معًا ﺑ «الكوتشينة»، وارتفعت أصواتهم وهم يتبارون، وكان أحسنُهم في اللعب هو «عاطف» الذي استطاع أن يَكسب بالاشتراك مع «نوسة» كل الأشواط. وعندما اقتربت الساعة من الحادية عشرة، أسرعوا جميعًا إلى أَسِرَّتهم، واستسلموا للنوم، وقد شعروا بقدرٍ كبيرٍ من الاطمئنان.

وجلس «تختخ» في الصالة، وقد استسلم «زنجر» للنوم بعد وجبة عشاء ساخنةٍ، وبعد أن لفَّه «تختخ» في غطاءٍ ثقيلٍ حتى يتدفَّأ وينام.

جلس «تختخ» محاولًا الاستمرار في اليقظة، وكان ذهنه يعمل طوال الوقت، يُفكِّر في كل ما مرَّ به، ويحاول ربط الخيوط واستنتاج الحقيقة … إن عدم وجود الكنز حتى الآن شيءٌ مدهشٌ … فإذا كان ما قاله «عم سالم» صحيحًا من أن القبطان «روجيه» قد نسَف السفينة لسرقة الكنز بدون أن يكتشف أحد فعلته، فكيف لم يعثر على الكنز حتى الآن؟ … هل استطاعت المياه جرف السفينة بعيدًا؟ … هل اختفى الكنز تحت ركام السفينة ومن الصعب إخراجه؟! أو أن حكاية الكنز هي من اختراع الرجل العجوز؟ ولكن لماذا إذن يوجد هؤلاء الناس في هذا المكان المُوحش؟ وهل معهم تصاريح للبقاء في هذا المكان من الجهات الحكومية؟

أخذت الخواطر تلحُّ على ذهن «تختخ» وهو يُغالب النوم، وفي يده بندقية الصيد تحت الماء جاهزة للإطلاق، وسمع «زنجر» يزوم وهو يخرج من تحت غطائه الثقيل، ثم وقف شعر الكلب الأسود علامة التحفُّز، وأسرع إلى الباب كأنما يقول ﻟ «تختخ» أن يفتحه، ولم يتردَّد «تختخ»، وأسرع يفتح الباب، ووقف لحظات يُحدِّق في الظلام المخيف تحت ضوء القمر الخافت. وفي البداية لم يشاهد شيئًا؛ ولكن بعد أن أمعن النظر في الظلام استطاع أن يرى شبحًا يَبتعد عن الفيلا مُسرعًا في اتجاه الشاطئ، وخرج «تختخ» متسلِّلًا وهو يضع يده على رأس «زنجر» حتى لا ينبح، وفهم الكلب الذكي ما هو مطلوب منه، فأخلد إلى الصمت … ومشيا معًا، وكان الشبح يُسْرع إلى حيث القارب الذي أخرجه الأصدقاء من تحت الرمال، وعندما وصل إليه توقَّف، ثم مدَّ يده بزجاجة وأخذ يُفرغ ما بها على القارب، وعرف «تختخ» على الفور ماذا يفعل الشبح؟! إنَّه يضع البنزين أو البترول على القارب ليشعله، إنه يريد أن يحرق القارب، ويحرق معه الأمل في أن يصلوا إلى السفينة الغارقة. وانتهى الرجل من سكب ما في الزجاجة، وبدأ يستعدُّ لإشعال النار، وفي هذه اللحظة أحكم «تختخ» التصويب ثم أطلق الحربة، التي طارت في الهواء، واصطدمت بذراع الرجل، وصاح الرجل في فزعٍ، ثم أطلق لساقيه العنان، وأخذ يجري كالمجنون في اتجاه حبل الرمال.

أسرع «تختخ» إلى القارب، كانت رائحة البنزين تملأ الجو، وأمسك «تختخ» بصفيحةٍ فارغةٍ، وأخذ يملأ من ماء البحر، ويلقي على القارب، إنه يَعرف أن البنزين سريع الاشتعال، وأي شيءٍ مشتعلٍ أو حتى شديد السخونة بجواره قد يشعله.

استمر «تختخ» يعمل بنشاطٍ حتى قضى تمامًا على رائحة البنزين وآثاره، ثم جلس يستريح على الرمال، ونظر إلى ساعته ذات الواجهة الفسفورية فوجدها الثالثة وبضع دقائق، لقد انتهت نوبته وعليه أن يُوقظ «محب»؛ ليتسلَّم نوبته مكانه.

عاد إلى الفيلا فوجد «محب» يستعدُّ للخروج للبحث عنه، لقد استيقظ وحده كأنه يملك ساعة خاصةً في داخله توقظه في الوقت المناسب، هكذا كان «محب» دائمًا إذا ارتبط بموعدٍ هامٍّ ونام فإنه يستيقظ في الموعد تمامًا.

صاح «محب»: هل كنتَ تقوم بجولةٍ؟

تختخ: أبدًا … كنتُ أنقذ آمالنا من الحريق!

محب: يَا لكَ من شاعرٍ … إنَّ هذا التعبير أشبه بجزءٍ من قصيدة شعرية!

تختخ: هذه هي الحقيقة … لقد كنت أنقذ قاربنا من الاحتراق … لقد بدءوا الحرب ضدَّنا.

محب: إنهم حتى لم يتركوا لنا فرصةً للتفكير أو التصرف.

تختخ: المسألة واضحةٌ، إنهم وراء ثروةٍ ضخمة، والمسألة مسألة حياة أو موت، وعلينا أن نصمد … كُنْ يقظًا.

ودخل «تختخ» إلى غرفته، وبقي «محب» جالسًا وحده يُحدِّق من خلال زجاج النافذة إلى الصحراء والبحر … وأخذ «زنجر» يهومُ لحظات ثم استسلم هو أيضًا للنوم … وبعد ساعةٍ بدأ الفجر يلوح في الأفق، ثم اصطبغت السماء بلون الشمس الحمراء، وأحسَّ «محب» ببعض الاطمئنان، وقرَّر أن يتجوَّل على شاطئ البحر، وخرج خلفه «زنجر» وسارا حتى اقتربا من القارب، وأخذ «محب» يدور حول القارب لحظات، كانت هناك ترميمات ما زالت مطلوبة، خاصة مع وجود ثقبٍ في مؤخِّرة القارب ممكن أن تتسرب منه المياه.

قرَّر «محب» أن يرى الثقب من داخل القارب؛ ليرى مدى اتساعه وعمقه من الداخل، وقفز إلى القارب، وأخذ يزحف على بطنه حتى رأى شعاع الضوء المتسرب من الثقب … كان الثقب في حاجةٍ إلى ترميمٍ كبيرٍ … وعندما استدار ليخرج، وفي اتجاه الضوء الداخل من الثقب، لاحظ وجود صندوقٍ صغيرٍ من الحديد مُثَبَّت في الركن الأقصى من القارب بحيث لا يراه أحد، تردَّد لحظات، ولكن في النهاية استجاب لإغراء المغامرة والمعرفة، ومدَّ يده إلى الصندوق وحاول انتزاعه.

كان الصندوق مُثَبَّتًا إلى جدار القارب بمسامير قويةٍ من الصعب انتزاعه منها، فدار «محب» بأصابعه حول الصندوق، ووجد أن له غطاءً صغيرًا مُغلقًا بقفلٍ صغير، وحاوَل انتزاع القفل، ولكنه كان قويًّا برغم الصدأ. وأحسَّ «محب» أنه مُقبلٌ على اكتشافٍ هامٍّ، ولكن ما هو هذا الاكتشاف؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤