معركة النهاية

ساد جوٌّ من الفرح المشوب بالحذر داخل الفيلا؛ لقد تحسَّنَ الموقف كثيرًا عن ذي قَبْل؛ لقد عرفوا أن أصدقاءهم الثلاثة: «محب» و«نوسة» و«عم سالم» لم يَغرقوا، وإذا كانوا قد اختفوا عند الشاطئ فربما اختبئوا من العاصفة، وسوف يتمكَّن رجال خفر السواحل من الوصول إليهم، وفي الوقت نفسه هناك احتمالٌ أن تكون العصابة المجهولة قد استطاعت القبض عليهم.

وفجأة سأل «تختخ» «عاطف» بعد أن أعدُّوا الشاي وبعض البسكويت وجلسوا معًا: لم تَقُل لنا يا «عاطف» أين كنتَ؟ ولماذا خرجتَ فجأةً دون إخطارٍ؟

ردَّ «عاطف»: كنتُ أقف بجوار النافذة المفتوحة أتفرَّج على جهاز «الوكي توكي»، وخُيِّل إليَّ أنني شاهدتُ شخصًا يحوم حول الفيلا، ولعله كان يستمع إلى حديثنا عن الصندوق والرسالة، وأردت التأكد قبل أن أخبركم، فخرجت ومعي الجهاز، ووجدت هذا الشخص يبتعد، فأسرعت خلفه لَعَلِّي أعرف أين سيذهب، وقررتُ استخدام الجهاز في إبلاغ رجال خفر السواحل عن هذه العصابة وطلب النجدة، ولكن الرجل اختفى فجأةً خلف حبل الرمال بعد نحو نصف ساعة من السير، وأخذت أبحث عنه بدون جدوى، ثم فاجأتني العاصفة، واسْوَدَّت الدنيا وفقدت الاتجاه، حتى عَثر عليَّ «زنجر»، وكنتُ قد وقعتُ على الأرض والْتَوتْ قدمي، ولم أستطع السير.

قال «تختخ» مُعاتبًا: ولكني قلتُ لكم جميعًا بعد تهديد العصابة لنا ألا يخرج أحدٌ وحده.

عاطف: إنني آسفٌ جدًّا؛ ولكني تصورت أن في إمكاني معرفة مكان العصابة، وتحديد هذا المكان لرجال خفر السواحل للقبض عليهم.

تختخ: إننا جميعًا مُتْعَبُون … ولا بدَّ أن نتبادل السهر حتى يظهر هؤلاء المهربون، فَلْنُقسِّم أنفسنا!

ونامتْ «لوزة» و«عاطف»، وأصرَّ «نبيل» على السهر مع «تختخ»، فوقفا خلف زجاج النافذتين المُطِلَّتَين على البحر، ومضتْ ساعتان، وأخذ الجو يصفو تدريجيًّا بعد العاصفة، واختفت الرمال وهدأَ البحر، وبدأت أضواء النجوم البعيدة تظهر … وقال «نبيل»: من الصعب جدًّا البحث عن الصندوق بواسطة شخصٍ واحدٍ، فمهما بَدَتْ مساحة المكان على الشاطئ صغيرة فهي في البحر واسعة!

تختخ: إنه يحتاج إلى فريق من الغوَّاصين … الآن …

وقبل أن يُتمَّ «تختخ» جملته ظهر قارب يَسير مُسرعًا في اتجاه الشاطئ، ثم قفز منه ثلاثة رجال يَحملون المدافع الرشاشة، وعلى الفور ضغط «تختخ» على مفتاح التشغيل في الجهاز وصاح: ملازم «أحمد» … لقد قفَز المهرِّبون إلى البرِّ … إنهم ثلاثة وهم يتَّجهون ناحية الفيلا!

الضابط: عظيم … لقد رأيناهم وهم يُلقون بالمخدرات في البحر … إنها قريبةٌ من مكانكم جدًّا!

سحَب المهربون القارب … كان واضحًا أنهم يُحاولون إخفاءه عن العيون، واقتضى منهم ذلك بعض الجهد، فقد سحبوه حتى حبل الرمال، ثم ظهر قارب آخر، ومرة أخرى قفز منه ثلاثة رجالٍ وسحبوا قاربهم، وهمس «نبيل» إنهم مُسَلَّحون.

تختخ: طبعًا … فهم في مُنتهى الخطورة.

وبعد نحو نصف ساعة انضمَّ الرجال الستة، وكان «تختخ» قد أطفأ أنوار الفيلا عند ظهور أول مجموعة من المهربين … وبدا الموقف خطيرًا؛ فقد كان الرجال المسلَّحون يتجهون ناحية الفيلا، وقد أشهروا بنادقهم ورشاشاتهم، وقبل أن يصلوا إلى منتصف المسافة سُمِعَ في الصمت صوت مُكبِّر للصوت يقول: قِفُوا في أماكنكم … وألقوا أسلحتكم!

أخذ الرجال يُطلقُون مدافعهم وبنادقهم في كل اتجاهٍ، وقد انبطحوا على الأرض. وعاد المكبِّرُ يؤكد: لا فائدة من المقاومة.

واتجه أحد الرجال مسرعًا في اتجاه الفيلا، ولم يتردَّد «نبيل»، أخرج بندقية الصيد، وأطلق سهمها القوي فأصاب ساق الرجل الذي صرخَ ثم سقط على الأرض، وتَفَرَّق بقية المهربين، واتجهوا مسرعين إلى حبل الرمال … وظهر رجال خفر السواحل من أماكن متفرقة، وبدأت معركةٌ شرسة بالرشاشات … وأُصِيب ثلاثة من المهرِّبين، وفرَّ اثنان خلف حبل الرمال.

وشاهد «تختخ» و«نبيل» على ضوء الفجر رجال القوة وهم يُطاردون المهربين، ثم ظهر ضابطٌ شابٌّ ومعه بعض رجاله الذين أحاطوا بالجرحى من المُهرِّبين، وخرج «تختخ» و«نبيل» واستقبلا الضابط الذي بَدَتْ عليه علامات السعادة؛ فقد استطاع أن يُحاصِر المُهربين، وأن يقضيَ عليهم وقال: صباح الخير … أشكركما جدًّا، لقد قدمتُما مساعدةً عظيمة لنا!

تختخ: إنَّ خلف هذه الرمال تَكْمُن عصابة أخرى!

بدت الدهشة على وجه الضابط! فعاد «تختخ» يقول: إن لهذا قصةً طويلة سأرويها لك فيما بعد، ولكن من المهم جدًّا استكمال المطارَدة خلف الرمال، وسنأتي معك.

استيقظ «عاطف» و«لوزة» على صوت المعركة، وانضمَّ الجميع ومعهم «زنجر» إلى قوة خفر السواحل … ومضوا سريعًا.

استطاع «زنجر» أن يحدد الطريق إلى مكان العصابة عن طريق البئر والنفق، وسار الجميع فيه يتقدَّمهم جنود خفر السواحل ببنادقهم الرشاشة، ثم صعدوا إلى سطح الأرض، ووصلوا إلى الطريق المُغطَّى بالبوص والأعشاب البريَّة، وعندما انحرفُوا إلى الساحة الواسعة دَوَّت طلقات الرصاص. كان رجال خفر السواحل الذين كانوا يُطاردون المهربين قد حاصروا المكان من ناحيةٍ، وحاصره رجال الضابط «أحمد» من ناحيةٍ أخرى، وبدتْ في وسط الساحة الواسعة مجموعة من المباني الحجرية، ثم ظهرت وجوهٌ غريبة؛ وجوهٌ ليست مصريةً، وجوهٌ ذات عيونٍ زرقٍ ولون أحمر، وبَدَتِ الدهشة على وجه الضابط «أحمد».

وأخذ «تختخ» يروي له بسرعةٍ قصة السفينة «النجمة الخضراء» وحكاية الكنز الذي يُحاول هؤلاء الرجال العثور عليه.

وسقط الجميع في قبضة الجنود، وأسرع «زنجر» وخلفه «تختخ» و«عاطف» إلى أحد المباني، وفتحوا الباب، ووجدوا «عم سالم» و«نوسة» و«محب» وقد أُحْكِمَ وَثاقَهم، وبدا عليهم الإرهاق والتعب.

•••

بعد ساعات من هذه الأحداث الرهيبة المتلاحقة كان المغامرون الخمسة ومعهم «عم سالم» يقفون على شاطئ البحر يراقبون رجال خفر السواحل، ومعهم الغوَّاصون وهم ينتشلون المخدرات التي وضعها المهرِّبون في قاع البحر؛ لتبقى بضعة أيامٍ ثم ينقلونها في فرصةٍ أخرى، وكان الضابط «أحمد» قد قبض على أفراد العصابة المجهولة … لم يكن بينهم القبطان «روجيه»، لقد مات «روجيه» منذ سنوات، ولكن «كوتزيني» الضابط الثاني هو الذي كان يقوم بالبحث عن الكنز، وكان على علاقةٍ بمُهرِّبي المخدرات، لقد اعترف بكل شيءٍ.

وكانت مفاجأةً قاسية له عندما علم أن الجهود التي بذلها خلال هذه السنوات لم تكن ذات قيمةٍ … فالكنز لم يغرق مع السفينة كما تصوَّر … لقد غرق بعيدًا عنها … ولو قضى بقية عمره يبحث لما وجد شيئًا.

قال «محب»: إنها كميةٌ ضخمةٌ من المخدِّرات!

الضابط «أحمد»: هكذا عادة مهربي البحر … إنهم يملئون سفينة بالمخدرات من خارج البلاد، ثم يفرغونها في القوارب التي تقرب من الشاطئ، ثم يلقون بها إلى قاع البحر ويتركونها فترة، بالطبع هم يضعونها في صفائح محكمة الإغلاق، ثم يعودون إليها عندما يَتصوَّرون أن رقابتنا على الشاطئ قد هدأت.

أخذت صفائح المخدرات تتكوَّم على الشاطئ، كان «نبيل» في ملابس الغوص يساعد رجال السواحل في عملهم، كان سعيدًا جدًّا لأنه يشترك في مهمةٍ حقيقية، وفي الوقت نفسه يبحث عن كنز عائلته … وكان المغامرون سعداء أن تنتهي المغامرة هذه النهاية السعيدة … وقالت «لوزة»: إنها ليست مغامرةً واحدةً … إنهما مغامرتان: «حبل الرمال»، و«النجمة الخضراء».

عاطف: والسبب النقود والذهب!

تختخ: وراء كل مغامرةٍ وكل لغزٍ أطماع في هذا الشيء الذي يتصارع حوله الجميع؛ النقود!

نوسة: ولكن النقود ليست كل شيءٍ في هذا العالم.

تختخ: بالتأكيد لا … هناك ما هو أهم من النقود: الشرف، والفضيلة، والحب، وهي القيم التي يعيش عليها البشر.

عاطف: لقد تحوَّلنا من مغامرين إلى فلاسفةٍ!

وفجأةً صاح أحد الرجال: هناك صندوق ثقيلٍ … إننا نُحاول انتشاله!

أسرع الجميع بدون وعيٍ إلى الماء، وغاص الرجال وغابوا لحظات، ثم صعدوا ومعهم «نبيل» وفي أيديهم صندوق من الحديد … وضحك «عم سالم» لأول مرةٍ وقال: صندوق الذهب!

واقترب الرجال من الشاطئ، وامتدت الأيدي إلى الصندوق الثقيل، واستقرَّ أخيرًا على الشاطئ، بعد أكثر من أربعين عامًا في قاع البحر.

قال الضابط «أحمد»: برغم أنني أُصدِّق قصَّتكم؛ فإنني مُضطرٌّ حسب أصول العمل أن أُبقي هذا الصندوق في خزينة خفر السواحل وفي حراستنا حتى يحضر والدك يا أخي «نبيل» لإثبات ملكيته له.

قال «نبيل» وهو يبتسم: بالطبع … إنني حتى أخشى فتحه!

والتفَّ الجميع حول «نبيل» يهنئونه … واتفقوا على قضاء بضعة أيامٍ هادئة، بعد أيام المغامرة العاصفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤