النقد العاشر
الأستاذ بهيج عثمان أديب أصيل، وكثيرًا ما يفكر بالأدب ومشاكله، وها هو يمسك بتلابيب الأستاذ أنيس الخوري المقدسي، ولا يفلته حتى يستطلعه آراءه في الأدب ومشاكله، فيرى الأستاذ المقدسي أن يمزج تاريخ العرب بآدابهم، وألا يدرس الأدب على أساس الأشخاص، وهو صاحب كتاب أمراء الشعر العباسي! يسأل عما أحدث أكبر انقلاب أدبي، فيرى أنه إعلان الدستور العثماني، وهو الذي خلف القصة، وولد المسرحية والرواية والملحمة.
أما أثر الصحافة في الأدب، فأجاب عليه الأستاذ وأصاب إذ قال: إن معظم أدبائنا بدءوا حياتهم الأدبية على صفحات الجرائد. أجل، إن الصحافة هي التي أنزلت الأدب إلى ميادين جديدة كالقصة والرواية، وكذلك اقتضت حالة المدرسة أن تكون المسرحية، فكانت قبل إعلان الدستور العثماني وبعده.
وكان موضوع اللغة العامية أبرز أبحاث هذين الأسبوعين، فيسأل الأستاذ عثمان الأستاذ المقدس: يحاول البعض إظهار آثار أدبية في اللغة العامية، فما رأيك في هذه المحاولة؟ فيجيب إنه لا يحبذ اللغة العامية، ويرى أن الفصحى هي الرابطة الوحيدة للبلدان العربية، ولكنه يرى أن يتكلم رجال العامة بلغتهم في المسرحيات.
أقول: ولا هذا أيضًا يا أستاذ، فهناك لغة وسط، عامية فصيحة، وهذه وحدها يجب أن تكون لغة الحوار، وإلا فالشامي لا يفهم عن العراقي، والمصري لا يفهم عن الاثنين، والحجازي لا يفهم عنهم جميعًا، جاءني جماعة من المغرب فما استطعنا التفاهم إلا باللغة الفصحى البسيطة. أقول هذا بمناسبة حديث الدكتور موسى إسحاق الحسيني حول العامية والفصحى، قدم الدكتور براهين عديدة وجيهة في الدفاع عن الفصحى كأن هناك خطرًا عليها من العامية، مع أنها ليست أول مرة يظهر فيها هذا النجم المذنب الذي يخوف الناس من دهياء مظلمة … فمنذ ثلث قرن، وأكثر انتصب الخوري مارون غصن بقامته المديدة، وفي يده كتابه عن جمال اللغة العامية، ولكن سرعان ما انطفأ وذهب ذكره مع الدوي … ذكر الحسيني الشاعر سعيد عقل، ومقدمته العامية لديوان الشاعر ميشال طراد، وبينا أنا أتمنى بلهفة أن أرى هذا الديوان، وإذا به يصلني، فقرأت مقدمة سعيد مثنى وثلاث ورباع حتى أحكمت ذلك، فإذا بي أخرج منها، ولا أرى شيئًا من سعيد عقل فيها، قرأت شعر طراد العامي فإذا هو الشاعر الأسمى، وإذا بسعيد عقل الشاعر الناثر قد ذابت شخصيته، وأمست كهلال الشك … وما عرفته إلا من توقيعه، إن للغة العامية مقامًا تصلح فيه كما قال الجاحظ. وبعد فلا يجزعن أحد على الفصحى ما زالت مبنية على الصخرة الأزلية التي لا تتزعزع، ومحافظتنا على الفصحى تحملنا على القول للأستاذ محمود الحوت: مختاراتك الشعرية من القول الطلي الجيد، ولكن قولك: يا أنت … هو كقول غيرك من الشباب: «يا الذي …» إن الضمير يا أستاذ لا ينادى، وإذا ورد ذلك مرة عند الشعراء القدماء مثل:
فهذا شذوذ لا يقاس عليه، ونحن أحوج إلى قطع الزوائد … وكذلك قولك: وعييت في حرم … كلامًا، ففعل عيي يفيد العجز عن الكلام، فلا يحتاج إلى ذكره.
وفي الأردن علت صيحة الأساتذة عبد الحليم عباس، وحسني فريز، وخليل السالم تشكو هبوط المستوى الأدبي، وتدريس الأدب دراسة فارغة، وعدول الأدباء الكبار عن مستوى الأدب للأدب طمعًا بالمال، حقيقة إن الأديب يحتار كيف يتجه؛ فقد علت قبل هذا أصوات من الشام تطلب من الأديب أن يكون مناضلًا، وأن ينزل من برجه العاجي، فما عسى الأديب يفعل؟
وفي برنامج المرأة كانت أشياء مفيدة كالنصائح المختارة من كتاب ترجمه وديع بستاني، والبحث عن حقوق المرأة في دول العالم، وقد غمزت إحداهن من قناة القانون السوري حيث قالت: وفي سوريا يشترط في المرأة الناخبة أن تكون قد أتمت دروسها الابتدائية، بينما لا يطلب شيء من الرجل … فكأن القائلة لم يبلغها أنهم طلبوا من المرشح للنيابة أن يكون حاملًا الشهادة الابتدائية.
وأما كلمة العلم فكان لها الأستاذ نقولا شاهين، فعرف فيها من أصغى إليها كل فائدة يريد معرفتها، وكان حديث الأستاذ عباس العزاوي عن العراق في العهد العباسي مفيدًا جامعًا، ولكن الإلقاء كان متقطعًا، فكأن الأستاذ يقطع عقبة!
أما قصتا الأسبوع، فإحداهما موضوعة وهي للقصصي المعروف الدكتور عبد السلام العجيلي، القصة جيدة حافلة بالتحليل النفساني مصنوعة على المثال القصصي الحديث، ولكنني أحسب أن مثل هذا النوع من القصص لا يلائم سواد المستمعين كما تلائمهم القصة التي ترجمتها الآنسة سميرة عزام عن ذلك الزوج الذي كان كالحمل، وهو لولا يكون كبشًا لاستراح من تلك الزوجة المستبدة التي كانت تخيط له جميع ثيابه، وتقص وتحلق له شعره، وما بقي إلا أن تحلق له على الناشف …
الترجمة حسنة، ولكن قول الآنسة سميرة: أوشك على البكاء، أشبه بقول المجذوب: يا أنت، أما كلمة لحظتئذ فلا تعجبني، وإن جازت؛ لأن اجتماع الظاء والذال مزعج.