النقد الحادي عشر
فحديث العيادة السكولوجية للدكتور ملكيان يستهوي السامع ويفيده، ولكني أفضل أن يكون لدكتورة حتى لا يكون في برنامجهن ذكَر. كان الحوار مع أم نديم عن الخوف، فحذرها من الحكايات الراعبة، ومنذ ألف ومائة سنة أشار الجاحظ بهذا لينام الولد على سرور.
ويلي هذا موضوع «مع الشواعر» فسمعنا شعرًا متينًا كأنه من شعر الذين لا اللواتي، ولكنه يعج باليأس، أبعده الله عن الآنسة مقبولة الحلي التي كان إلقاؤها جيدًا، ولكن الصوت نحيف.
ثم قدم الأستاذ موسى الدجاني الآنسة سلوى ناصر على أنها ممن «بدأن الحياة»، وهي لا تزال طالبة تعد العدة … كانت الأسئلة من ذي وذا، ولكن سؤالًا واحدًا ألقاه عليها الأستاذ باحتشام كأنه الخجل، وهي ليست من العوانس؛ ليلقي الأستاذ موسى هذا السؤال بهذا الحذر.
وكان حديث «العلم في بيتك» للآنسة ليلى شاهين، كما كان لأبيها الأستاذ نقولا من قبل، وقديمًا كان الشعر في بيت زهير كما هو العلم اليوم في بيت الأستاذ شاهين، أليس منه خرج كتاب: القنبلة الذرية بلغة الضاد؟
وفي البرنامج قصة «أم أكثم» للسيدة ربيحة الرشدان، التحليل والأسلوب جيدان، أما الحادث فأراه لا يقوى على حمل ما ألقي على ظهره من أعباء، فليت السيدة ربيحة تهتم في قابل بما يشغل بال سامعها ليرافقها إلى آخر الشوط، ويتنفس تنفس من ارتاح بعد عناء، وهذا من أسرار نجاح القصة.
وقد أعجبني حديث الآنسة سلوى حوماني حول المرأة، رأت أن تستعمل عملها لتأسيس البيت، وأن على ذويها أن يعدوها لتكون أمًّا عاقلة، فالأم دعامة الأمة.
أجل أيتها الآنسة، ولعلهم لهذا قد اشتقوا كلمة الأمة من الأم، إن المرأة يا ابنة أخي تستطيع أن تعمل عملها وعمل الرجل، أما الرجل الذي يعارض نزولها إلى ميادين الكفاح والنضال فهو يفعل ذلك؛ لأنه لا يستطيع الاستغناء عنها، تصوري رجلًا يريد أن يعمل في الداخل، وفي الخارج، ثم احكمي ماذا يحل به.
وعن الأمراض السارية ألقت الدكتورة جمال كرم حرفوش، حديثًا لا يعرف قيمته إلا من ينشغل باله بأهله وأولاده إذا أصيبوا بهذه الأمراض التي تزعج ولا تقتل، ومثل هذا فائدة تلخيص كتاب من الغرب، موضوعه آلام المخاض والولادة، وكم أتمنى أن تكون النساء جميعًا قد أصغين إليه، وإذا تجاوزنا تخوم الأبحاث، ودخلنا منطقة الأدب سمعنا حديثًا للسيدة أسمى طوبي، كان الموضوع الربيع، وهذا وقته، فاستقبلته السيدة طوبي استقبالًا جبرانيًّا، والربيع أحرى الناس بلسان الخيال؛ لأنه يوحي ويهيج الذكريات، لقد أجدت يا سيدتي، ولكن قولك ما فوق البنفسجي، ليس مما يعني الشعراء، فليتك بقيت عند البنفسجي.
وعلى ذكر الربيع ننتقل إلى برنامج الرجال، فنسمع في ندوة الشرق الأدنى أصواتًا مصرية — من زمان هذا القمر ما بان — ولكن الربيع يخلق ما لا تعلمون، فها هو الشاعر عبد الرحمن شكري يتحدث عن ربيع البحتري، وأبى تمام، ثم يعود الشعراء إلى شعرهم، فيسمعنا الشاعر الأستاذ عادل الغضبان أبياتًا بارعة جدًّا في وصف الفستق الحلبي … لقد ذكرتني أبيات الغضبان الرائعة بما رواه ابن رشيق في وصف الحجل، ولعلي لم أقرأ بعد وصفًا للفستق، فهنيئًا للشهباء بشاعرها الذي ما برح يحن إليها ويذكرها، وإن شط المزار، وفي باب بريدنا الأدبي سمعت حديثًا عن عقلية الجماعة، وإن كنت قد عرفت من دركهايم وله بون وغيرهما أن الجماهير بلا عقل قد يضللها أبله أو ولد.
أما موضوع الفكاهة في الأدب العربي والإنكليزي فكان في استطاعة صاحبه أن يكون أفكه لو فتش أكثر في شعر جرير والأخطل وغيرهما، وفي هذا النطاق سمعت من قال، ولكني لا أدري من: رب سائل يقول، والوجه: ورب سائل قال.
وتكلم المصور الفنان الأستاذ مصطفى فروخ عن البساطة في الفن فكان بارعًا في بحثه وصوره، حلو العبارة رشيقها، فكان فنانًا وأديبًا في وقت معًا، فعبر عن جمال الفن بلغة الأدباء، مقارنًا بين فني التصوير والكتابة، ثم لم يقف عند هذا الحد فروى شعرًا يؤيد مزعمه الفني، وما أحلى ما قاله أحد الفنانين لسائله: إني أخرج صوري بدم قلبي، وكذلك الشاعر والكاتب، فإذا لم يغمسا قلمهما بمحبرة القلب فلا يجيدان.
وقد ألقى حضرة الكاهن نجيب قبعين «حديث أحد» موضوعه: مقاييس الحياة، فبدأها بالإخلاص، وختمها بالأمانة، أفلا يرى سيادته مثلي أن الإخلاص أمانة وزيادة، لقد أجاد حضرته، وكلام رجال الدين يستملح ويقنع متى قلت شواهده «الكتابية» التي يكثر رجال الدين منها. ومثل حديث الأحد إجادة كان «حديث الجمعة» للأستاذ علي الطنطاوي وجامعًا.
وسمعت «حديث صباح» مقتطفًا من كتاب: كيف نطلب السعادة، كان موضوعه الخوف من الإخفاق، فلذَّ لي جدًّا، ولهذا أتمنى على الإذاعة أن تكثر من مثله.
وأصغيت إلى حديثين في سبيل الإصلاح، أحدهما في سبل الإصلاح القومي، للأستاذ رمضان لاوند، ولست أدري لماذا بتر واستعيض عن تتمته بالموسيقى، والآخر للقاضي شكري المقتدي، وعنوانه: «إصلاح المجتمع العربي»، لقد عزا القاضي تأخرنا للأثرة وفقدان الشعور بالواجب، وحب الخيال، والعبارة المنمقة، ومن أدرى من القاضي البصير بمواطن الضعف فينا.
وافتتحت الآنسة إنعام الصغير — في برنامج الرجال — موسم ابن سينا بحديث قيم بزت فيه من سمعتهم، يتحدثون عن أبي علي في الإذاعات الأخرى، كان حديثها أكبر من تعريف وافٍ بابن سينا وفلسفته، جالت جولة موفقة في موضوعها، وعسى أن توفق إلى آخر مثله في العراق؛ حيث تمثل لبنان في المهرجان، وقد أحسنت إذ اعتمدت على الأستاذة جواشون، فجاء درسها مجتمعًا أشده، تهنأ عليه تهنئة حارة، وبيدي الثنتين.
أما شخصيات الأسبوع، فقدم سليم اللوزي شخصية مختصة في موضوعها وهو السيد سعيد فواز، فبحث موضوع الاقتصاد بحث خبير، وقدم الأستاذ موسى الدجاني السيد عزمي النشاشيبي، فكان في حديثه محنكًا خبيرًا، ظريفًا يضرب في كل فن بسهم.
وقدم الأستاذ أيضًا الأستاذة ثريا ملحس، فكانت تدق أبواب الأسئلة دق مدل، وكانت حتى في المحاورة مع الأستاذ موسى تنثر عباراتها رصينة ملونة تنضح منها الحياة والثقة بالنفس، وليس هذا بكثير على صاحبة «النشيد التائه» المرنان، كان صوت الثريا جهوريًّا حين تجيب بينا كان صوت موسى ينخفض أحيانًا حتى تحسبه يحدثها سرًّا في المذياع.
وختامًا نلم بقصة الأسبوع للأستاذ جعفر الخليلي، القصة جيدة الحبكة والتحليل، والموضوع معضلة اجتماعية خطيرة، وخصوصًا إذا كانت العاقر غيرى لا تحتمل حتى في المنام أن ترى لها ضرة … وما أثقل الضرات.