النقد الثاني عشر
كان حديث الدكتور محمد كامل حسين عن تأثر الأدب العربي بالثقافات الأجنبية، فعرضه عرضًا وافيًا بحاجة المستمع كما تقتضي حال الإذاعة. ثم كان صباح فسمعت متحدثًا عن السعادة يقول: السعادة كالجمال فأعجبني التشبيه، وظل يرمي فيصمي حتى قال: والسعيد هو من نظر بعين العقل، أما المتنبي فقال غير ذلك:
وأفاض الدكتور حكمت هاشم في حديثه عن الفكر العلمي — قديمًا وحديثًا — وقد أحسن كل الإحسان إذ عد الجاحظ من زعمائه الأولين، وقد أدرك ذلك ابن العميد فقال: كتب الجاحظ تعلم العقل أولًا.
وصورت السيدة جار الله الحسيني في حديثها ذاك الصراع الذي قام بين الست زبيدة وزوجها الرشيد حول الأمين والمأمون، وهو الذي استحال بعدهما إلى صراع بين الفرس والعرب.
ومن أصغى إلى مطالعات السيدة ممدوحة السيد تتبادر إلى ذهنه الحكمة العامية القائلة: لا يخلو رأس من الحكمة، روت لنا كيف تعالج الأسود والقرود والجمال، وغيرها من الحيوانات فتذعن، وتطيع وتبدي الرضا والاشمئزاز، ثم كيف تنقاد إلى من يسوسونها في الأزمات والشدائد، كانت هذه المطالعات منوعة طريفة، وأسلوبها جميل، وعبارتها صحيحة.
وما أخذت عليها إلا قولها: أرض تلك البلد، والبلد مذكر، ثم قولها: تمالكت أعصابي، وقد أشرت إلى هذه الأخيرة في حديث سابق.
وكان حديث معالي الأستاذ رشيد أفندي كرامة مع الأستاذ سليم اللوزي صريحًا، ولا بدع في ذلك، فالابن سر أبيه، ولعل الأستاذ كرامة هو أول شخصية أسبوع تسأل سائلها، إنها بادرة طيبة فليتها تذيع وتذاع.
وكانت المختارات الشعرية للدكتور أمجد طرابلسي، وسليم الزركلي، وأبي سلمى، كان أبو سلمى أقرب إلى الشعر المعاصر من صاحبيه حيث قال في ولده:
وقد ضعت مع الزركلي، وما وجدت مبررًا لقوله: خفرًا من كواكب أعلام — بالضم — كما لم يعجبني قوله في القصيدة عينها: كالعذارى أصابهن الغرام، فلفظة «أصابهن» واهنة هنا، وكذلك قوله من قصيدة أخرى:
وفي باب «بريدنا الأدبي» سمعت أيضًا شعرًا للأستاذ عبد القادر محمود، ولكن الموضوع صار مملولًا كغزل القدماء. أما المذيعة، فلا أدري لماذا توقفت حين قدمت قصيدته «خمر وجمر»، غصت عند لولا الحب، وتعطلت لغة الكلام هنيهة.
ومما لفت نظري في برنامج المرأة حديث الآنسة حفصة عثمان حين تحدثت عن شخصية المدرسة، وأثرها في تربية الطفل، وتطلبت من المعلمة أنيق الملابس، وأنى لها هذا، وهي ممن يمتهنون التعليم؟ وكان حديث الدكاترة: نبيه فارس، وإسحاق الحسيني، وجبرائيل جبور حول «الزواج الباكر»، فرأى أحدهم أن الزواج يخمد عواطف الأدباء، وكأنهم لا يدرون أن الأدباء بشر، وربما أحبوا أكثر من مرة كما نعلم من سير حياتهم …
وذكرني جدالهم الحامي حول سن الزواج، فتذكرت قياسًا ألمانيًّا لا أذكر أين قرأته، وهو أن نضيف عشرة إلى عمر الرجل، ونقسم على اثنين فيكون الجواب عمر الزوجة، فلنفرض أن عمر الرجل ثمانون، وأضفنا إليه عشرة، وقسمنا على اثنين علمنا أن عمر الزوجة الموافقة لهذا العريس اليانع النضير يجب أن يكون خمسة وأربعين، وما أحسب هذه القاعدة بعيدة عن الصواب.
أما في الأقاصيص، فكانت قصة الآنسة سميرة عزام خير أقاصيصها الموضوعة، أما قولها وقول غيرها أيضًا: غذ السير، فصوابه أغذ السير، أو أغذ في السير.
وكانت قصة «إخلاص خازن» للدكتور يوسف العش جيدة التصميم، وأحسن ما فيها محاورة إبراهيم الخازن مع نفسه كان الختام جميلًا، وكاد يكون أزخم وأجمل لو وقف الدكتور عند: تعال خذها على الحق من هذه الزاوية.
ما لنا ولإبراهيم ودموعه. ورؤيته ينوء بحمل العشرة آلاف دينار بعدما رفضها حرامًا، فهل من يتعظ؟