النقد الرابع عشر
كان لون الإحسان غالبًا على شخصيتي الأسبوعين الماضيين، قدم الأستاذ سليم اللوزي الدكتور مصطفى الخالدي الطبيب المحسن الذي يعطي مما يأخذ فينفق من كيسه وعلمه وعافيته، كان الكلام سجالًا بين اللوزي والخالدي، فحمي وطيس الحديث، ولا يستغرب هذا متى كان المحدث الدكتور مصطفى المشهور بوطنيته وإنسانيته.
واختار الأستاذ بهيج عثمان السيد رشيد بيضون، ودار الحديث حول مشروعه الجبار — المدرسة العاملية — فأدركنا من خلال الكلام أن المشاريع عندنا لا ينقصها إلا المخلصون لترسخ أسسها ويطول بنيانها، وإن شطرنا المغترب كلي الجود على من يثق بأمانته.
وفي الجلسة الأدبية للدكتور إبراهيم عبده وشركاه أعجبت بحكمة محمد علي أبي النهضة الحديثة؛ إذ كان يعهد إلى المجبرين على الإقامة في المحجر الصحي — الكرنتينا — بترجمة بعض الكتب، ثم كيف كان يحبس بعضهم ليترجموا له كتابًا ما، حتى إذا ما استعجلوا وأساءوا التعريب ليخرجوا أعاد حبسهم إلى أن يقر ما ترجموه مجلس خاص. إني أخاله استوحى ذلك من سيرة الرسول ﷺ، فقد كان يوجب على كل أسير يحسن الكتابة أن يعلمها عشرة صبيان من قريش ليفك أسره.
أما جلسة القدس، فكانت كالمناظرة بين الإذاعة والصحافة، فأدى السادة: عزمي البقال، ورجا العيسى، وهاشم، وطوقان، والنشاشيبي البحث حقه، وقد أعجبني قول أحدهم: إن المستمعين يقفلون باب الراديو عندما يأتي دور الأحاديث. هذا صحيح، ولكن هل الحق كله على المستمع؟ إن للإذاعة في نظري أدبًا خاصًّا لا تزال تفوتنا معرفته، محدثونا يسبحون فوق الغيوم، والمستمعون يمشون على الأرض، فكيف يتلاقون؟
أما دكاترة الأدب فحدثنا منهم الدكتور جميل سعيد عن «إيحاء الأسماء»، وروى نكتة الحجاج حين سأل أحدهم عن اسمه، فأجاب: سعيد بن جبير، فرد الحجاج قائلًا: بل شقي بن كسير، إن من حق الدكتور أن يعنى بمثل هذا الموضوع؛ لأن اسمه جميل سعيد، وما أحلى اجتماع الجمال والسعد!
وحدثنا الدكتور يوسف العش عن «موقفنا من الأدب العربي القديم»، فكان أول حديثه مبوبًا منظمًا، ولكنني شعرت أنه أفلت الخيط في أخريات بحثه.
وفي حديث الصباح الملخص هنا، مجلة المعلم العربي لم يعجبني قول الكاتب: قال أحد الشعراء هذا حين روى بيت المتنبي المشهور: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله … لأن البيت وصاحبه مشهوران. أما شبعنا من قولهم قال الشاعر: وهل يحسن بالمعلم أن يزيد الطين بلة؟ نحن نطلب اليوم تحقيقًا وتدقيقًا، لأننا في زمن البحث العلمي الذي يتحدث عنه كل من حمل يراعًا.
وأما قصة الأسبوع، فكان منها اثنتان مترجمتان، عرفت من صاحبيهما واحدًا هو الأستاذ نجاتي صدقي، أما اسم المترجم الثاني فلم تلتقطه أذني؛ لأن المذيعة ترخم صوتها حين تذكر الأسماء على عناوين المواضيع، فلا تأتي على آخر كلمة حتى يتلاشى نفسًا في نفس … يشوش وهي تتأنق فيضيع الكلام بينهما. أما القصتان المؤلفتان، فإحداهما للسيدة ألفة الإدلبي، وعنوانها: «من مآسي الطلاق»، الوصف والتحليل جيدان، وكذلك الحكاية وعقدتها. وفقت السيدة ألفة هذه المرة أكثر من ذي قبل؛ لأنها عالجت موضوعًا تعرف ضحاياه الكثيرة وتحسه، فليتها تكثر من معالجة مثل هذه المواضيع في أقاصيصها.
وثانية هذه الأقاصيص أقصوصة الأستاذ رشاد دارغوث، وهي من طراز قصصه الطريفة، فيها أتم تصوير للفلاح اللبناني الحديث، وفيها النثر الشعري، وفيها الحوار الواقعي كما هو، فقصة مزرعة الضهير تصور الفلاح كما هو في مباذله، ولو تمت لهذه القصة طرافة الحكاية لكانت من الروائع، فالفتاة التي تعرف بها بطل القصة مقحمة إقحامًا، ولذلك جاء الختام ضعيف الزخم بالنسبة إلى السياق الجيد والتصوير الجميل.