النقد السادس عشر
وقفت المحطة في عيدها السنوي تحاسب نفسها أمام مستمعيها، وكأن من ينتقدون برامجها من الأباعد لم يشفوا نفسها، فعقد أحد موظفيها، السيد سميح الشريف، جلسة «إني أتهم» مع رؤساء الأقسام، فكان شديد الوطأة غير سميح … إني أشايعه على ما زعم، وإن كنت أرى محطة الشرق الأدنى أشد المحطات عناية بتجديد برامجها، وأسبقها إلى الخلق، إن الأدب الإذاعي لم يجتمع أشده عندنا بعد، فبعد تهنئة المحطة بعيدها نشكر لها هذه اليقظة، وذلك الحذر فهما يؤديان إلى التمام.
وأطل شهر الله رمضان، أو شهر البركة كما سماه النبي — عليه السلام — فحيته السيدة مسرة فاخوري تحية المشتاق، وتحدثت عنه السيدة زينب الغزالي الجبلي بلغة الأئمة، وأساليبهم، ولهجتهم، فبدت لي كأنها شيخة حقًّا.
وفي باب شخصية الأسبوع قدم الأستاذ أحمد أبو سعد الشيخ محمد جواد مغنية، ودار رحى الأسئلة حول الصوم، وأسباب فرضه، فأعجبني من الشيخ قوله: قالوا: إن الغرض من الصوم هو أن يتذكر الصائم الجياع، فإذا كان هذا وجب على جميع نواب البلاد العربية أن يصوموا دائمًا ليتذكروا الشعب …
صدقت يا شيخ، ولكن الشعب لا يطلب منهم أن يصوموا ليذكروه، بل أن يصوموا عنه فقط … أما في آخر الحديث، فتضعضع الشيخ ولم يجب الأستاذ أبا سعد إلا جوابًا متعتعًا حين سأله أن يحدد له التجديد.
وإذا انتقلنا إلى المواضيع المختلفة، سمعنا الأستاذ سليم اللوزي يقدم لنا الأديب القصصي الموفق صاحب «نهم» و«قدريلهو» الأستاذ شكيب الجابري، هالني نبأ خسارة شكيب نصف مليون ليرة في زراعة القطن، وقد قال اللوزي في تعليقه على هذا الخبر: إن الأديب مخفِق في ميادين الأعمال، ولكن كبرياء شكيب الأديب أبت ذلك، فقال: إن أعظم الاختراعات هي بنت الخيال الذي يتمتع به الأديب، ثم قال شكيب: إنه سيكتب إخفاقه قصة، ولا شك في أنها ستكون من الروائع، وستزيد في ثروته الأدبية ما يعوض تلك الخسارة، كان شكيب في محاورته أديبًا أكثر منه مزارعًا، ولا غرو في هذا، فالأديب الأصيل لا يخرج من ذاته إلا قليلًا، ولهذا يخسر نصف مليون.
وانجر الحديث إلى العامية والفصحى، فكان شكيب كما أعهده من أشد أنصار الفصحى حتى رأى أن الناس مقبلون على التكلم بها، إن لغتنا العامية لا تحتاج إلى جهد عظيم لتصير فصيحة؟
فيقال مثلًا: كنت أدرس، بدلًا من: كنت عمبدرس، وبدلًا من هلق، نقول: هذا الوقت، وهلم جرا.
وفي روضة الشاعر ألقى الأستاذ رمزي نظيم شعرًا منظومًا … أحسب أنني سمعت هذا الشعر قبلًا، أو سمعت بعضه، وعند المحطة العلم اليقين.
وفي حديث «نحو عالم أفضل» قال من تلاه: لا يبقى ولا يذر، وهي لا يبقي ولا يذر، إن هذا الفعل ثلاثي من وذر، وماضيه يستعمل، وقد سمعت من بعضهم كلمة أسطح جمع سطح، يترك بعضنا الكلام المألوف، وهذه ظاهرة غريبة من ظواهر هذا العصر، وقال آخر: سِقام، أما سقام بكسر السين فهي جمع سقيم.
وفي البريد الأدبي عرف السيد سيف الكيلاني المستمعين بالشاعر ابن معتوق، فأحسن إلى شاعر مجيد يكاد يكون منسيًّا، ولكن تلك التعابير الفضفاضة مثل: الفكر المحلق، والخيال المجنح لا تعجبني، كما لا تعجبني أيضًا تلك اللحمة «السنكرية» مثل: واسمعه يقول، وما أحلى ما قال، وهلم جرا، يجب أن تكون المباحث الأدبية أكثر عمقًا.
وكان حديث الأستاذ عيسى الناعوري محيطًا بموضوعه «القصة في الأدب المهجري»، أما أعمق ما فيه فمقابلته بين شخوص رماد الأجيال لجبران، وشخوص رواية لقاء للأستاذ ميخائيل نعيمة تلميذ جبران وزميله، كما لقبه الناعوري.
وعرضت الآنسة هند بنداق كتابًا من الغرب موضوعه: المرأة الإنكليزية وسعيها لنيل حقوقها، لقد أحسنت انتقاء الموضوع الملائم، فهو بحق حديث الوقت للمرأة العربية، وقد كان جامعًا ومفيدًا.
أما قصتا الأسبوع، فإحداهما للأستاذ صلاح ذهني، وعنوانها: «التوبة»، إنها أشبه بالقصص الروسية تحليلًا نفسيًّا، وغرضًا اجتماعيًّا، الروس يحبون التوبة والمغفرة، وعلى غرارهم طبع الأستاذ ذهني قصة مصرية فوفق.