النقد الحادي والعشرون
إسكندر الخوري البيتجالي شاعر ظريف له أسلوبه السهل، ومواضيعه الخاصة، رأينا في وصفه لبحيرة طبريا لونًا محليًّا، وفي قصيدة «مصرع كلب» عاطفة عصرية ألهمت الأستاذ موسى الدجاني، فقال بمناسبة تقديمها للمستمعين: والفضل يعرفه ذووه … وللشاعر أيضًا أرجوزة طريفة في وصف قطين عاشقين، ذكرتني بقصيدة بشار في حماره الذي عشق تلك الأتان — عشقًا حماريًّا — فصرعه حبها.
وفي «ليلة في مضارب النور» أسمعنا الأستاذ عبد الحليم عباس شعرًا يحسد عليه الشعراء المتحضرون هؤلاء الغجر، ولا أبالغ إذا قلت إن ما سمعته أقرب إلى الشعر الطاغوري منه إلى شعرنا، كان الأستاذ عبد الحليم في حديثه أديبًا، وشاعرًا أكثر منه محدثًا، حتى إنه تفلسف مع النور فلسفة ما كنت أظن النوري يدركها.
أما قصة «وصية الشيخ» للأستاذ محمد الأمير الكاتب السوداني، فحافلة باللون المحلي، كان بطلها من بخلاء الجاحظ، وكان كاتبها في ترصيعها بالآيات المؤيدة لرأيه في بطله، من قراء الجاحظ المدمنين، لا يؤخذ عليه إلا إهماله وصف مظهر بطله.
لقد أعجبتني نهاية حديث «مذكرات طيارة» حين دعت الآنسة عائدة النساء إلى الطيران، ثم ودعتهن على أمل اللقاء في الجو، أعتقد أن السيدات سيكن أبرع من الرجل في هذه الساحة الفسيحة، فالطيران يطلب خفة ولطفًا.
وتكلم الأستاذ أحمد سويد عن بعض مظاهر النشاط الأدبي، فعالج موضوع الأدب المنضوي بطرافة رأيتها في حديثه مرة، إننا يا سيد سويد محتاجون إلى أدب توجيهي لا إلى أدب موجَّه …
أما الأستاذ عبد الله المشنوق فهو ذاك الكاتب الطريف في كل ما يكتب، إن صاحب «مساء الخير» و«من ثقب الباب» قد أصبح علمًا، بل قلمًا في رأسه نار، ضحكت لندن، هكذا ابتدأ، ثم راح يقول: هل استسلم الشيوعيون وهل وهل، وكان الجواب: أشرقت الشمس.
فقلت إذ ذاك: ما أفقر لندن إلى نور الشمس، وما أفقرنا إلى أنوار كثيرة.
وقد كان من شخصيات الأسبوع الغريبة الدكتور علي عبد السلام الذي جن عشر سنوات، ثم شفي.
حدثنا الدكتور عن ذكريات البيمارستان، وأما أغرب ما سمعته منه فهو أن للجنون ميكروبًا، وأنه ينتقل بالعدوى …