النقد الثاني والعشرون
قال النبي ﷺ: «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلَّت عميت.» وقال أيضًا: «لا خير فيمن لا يطرب.» وقال: «يدخل عثمان الجنة ضاحكًا؛ لأنه كان يضحكني.» وبناء على كل هذا، أرجو بإلحاح ممن يعنيه أمر «نديم الصباح» أن يقص علينا ملحًا وفكاهات تشع منها الحكمة، إذا كان يؤثرها، فالحكمة إذا أعطيت صرفًا قد تمل، ولا يصغى إليها.
وهناك كتاب آخر عن الإذاعة وأدبها للأستاذ عصام حماد، كان التعريف به أوفى لأنه غير متشعب المواضيع، قال مؤلفه: إن الإذاعة أنزلت الأدباء من أبراجهم العاجية، هذا صحيح، ولكن على الإذاعة أيضًا ألا تقبل من هؤلاء مصنوعات يعملونها في أبراج خشبية … إني أرى الكثير مما يذاع يسمح له بالمرور إما لحاجة الإذاعة إليه، وإما لتهيب المراقب أسماء كاتبيه الضخمة، لا بد لنا من أدب، ولكن لا يظنن الأديب إنه إذا نزل عن مستواه كتب أدبًا إذاعيًّا، ففي استطاعته — إذ جد — أن يوفق بين فنه وذهنية مستمعيه.
وتحدث الأستاذ عزت بشور في ذكرى الشيخ إبراهيم المنذر، فما نسي أن يلم بسلسلة نسبته الغسانية، ولا فاته إطراء جهده ونصبه في تعزيز أم اللغات، ثم درس بدقة الخبير أخلاق الفقيد وما اختلج في صدره من لواعج ونوازع، منتزعًا ذلك من قصيدة مشهورة للشيخ المنذر، وسواء أكان إبراهيم غسانيًّا أم غير غساني فهو عربي صميم، والعربي بآثاره التي يحييها لا التي يرثها، فشكرًا لعزت الذي قضى عنا بعض ما يجب للشيخ الحبيب.
وعقدت جلسة شعرية في الأردن، فأسمعنا الشاعر حسني فريز شعرًا طيبًا، ولكن موضوعه مبتذل، إن تاريخنا كأرض استنزفت موادها العضوية، فهي محتاجة إلى تغذية جديدة لتعود الروعة إلى الشعر الذي يتغنى بها، ولعل شعر الشيخ رشيد، شريك الأستاذ فريز في الجلسة، أقرب إلى الجديد من شعر حسني، ولا سيما الأول من قصيدته التي أنشدها، فهمت من سياق حديثهم أن رشيدًا شيخ، ولكني رأيت في شيخوخته شبابًا شعريًّا. أما روضة الشعر، فكان بلبلها الأستاذ محمود صالح، كان خياله أضعف من تعبيره، كما كان في قصيدته الأخيرة «كنز الذكريات» أشعر منه في قصيدته الأولى «كوكب الصبح»، أما الثانية، وعنوانها: «وحي الرسالة» فهي رسالة بلا وحي.