النقد الثالث والعشرون
كانت أحاديث العيد ممتعة جميلة، تذكر الناس بالناس، وهل خلقت هذه المواسم إلا لمثل هذه الذكريات التي تنفع؟ وإني لأخص بالذكر حديث السيدة وداد سكاكيني، فقد جمعت هذه الكاتبة في حديثها الفكرة الحكيمة إلى الذكريات الطريفة، والمواعظ والنبوءات، إنها لم تنسَ شيئًا حتى المرأة وحقوقها، ولكن طبقًا لمنهاج السيدة وداد الخاص، لا لمناهج المتطرفات من بنات جنسها، وبالاختصار إن العيد الكبير عندها هو ذاك اليوم الذي تنال فيه المرأة حقوقها.
أما قصيدة الآنسة مقبولة الحلي، فحلية الديباجة، بيد أنها كانت غزلية أكثر منها «عيدية»، ولا عجب في ذلك، فمن عادة الأعياد أن تطرب أو تشجي.
وفي ركن القصة كانت قصة السيدة ألفة الإدلبي مكتوبة بمناسبة العيد، التعابير طريئة كلحم الأضاحي الذي كان يوزعه المرحوم زوج بطلة قصتها، وموقف الأم الأرملة التي فاجأت ابنها يقبل الخادمة قبل العيد أخرجه التحليل الجيد بارزًا ناتئًا، ناهيك بأن القصة ذات لون، إن لم يكن محليًّا فهو قومي. ذكرت التعبير بالخير، وها أنا أدل على شيء منه أعجبني مثل قول الأم التي تريد تزويج ولدها من ابنة غنية ولكنها قبيحة: المال يبيض السمرا، ويطول القصيرة. وكقولها في مكان آخر، وهو من العامي الفصيح: يا جار الرضا، وكل غال في سبيلك رخيص، ولكن ذاك الجار لم يرضها، فما أغمي عليها قليلًا حتى كان قد فر.
وهناك حديث عنوانه: «اللهو الرشيد» للأستاذ غالي أمين، الحديث يتنكر بثوب القصة، وهو من الطراز المرغوب فيه، التعبير الجميل المألوف يزين هذا الحديث، ولكن اللحن يشينه، فالظرف عند الأستاذ غالي مرفوع دائمًا.
أما قصة الأسبوع للأستاذ أمين يوسف وهبة، وعنوانها: «الماضي البعيد»، فهي تدور على ضعف الذاكرة، في قصة الماضي البعيد فكاهة وطرافة، ولكن صاحبنا المؤلف كان يسوق «تروازيم»، فما كان يتئد إلا حين يتلعثم.
إذا قبلنا السرعة الكبرى في مواضيع أدبية، فإننا لا نقبلها أبدًا في القصة، فالقصة إن كانت لا تمثل فهي لا تتلى كدرس محفوظات … إن هذه السرعة التي أؤاخذه عليها قد جعلته يتعثر، ثم يصلح ما أفسد من لفظ، وهذه الهنات قد ذهبت بالكثير من روعة أقصوصته الطريفة.
وعقدت ندوة الشرق الأدنى جلستها في القاهرة برئاسة الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة، يعاونه الأستاذان عوض الوكيل، وعثمان الغزالي، فبحثوا الشعر المصر المعاصر، أكبروا الكلام حول الإلقاء وتأثيره، وتطرقوا إلى إلقاء حافظ، وأخيرًا خرجوا على أن الإلقاء الجيد يعطي الشعر أكثر مما له.
أذكر أن أحد المصريين أطلق على أحد شعرائنا لقب «شاعر الحنجرة»؛ لأن شعره كان يعلو على المنبر، ويسقط من الأوج الذي ارتفع إليه في أنهار الصحف.
وفي «روضة الشاعر» — رغم المقدمات اللطيفة الناعمة التي تفضلت بها المذيعة على الأستاذ عبده محمد بدوي — لم يكن للأستاذ شعر طيب غير المقطع الثاني من المقاطع الأربعة، كانوا يقولون: بيت القصيد، فلا نظلم الأستاذ بدوي إذا كان له واحد من أربعة.