النقد الخامس والعشرون
٨ / ١٠ / ١٩٥٢
إلى أسمى طوبي: نعم يا سيدتي إن حديث الشهر الذي ألقيته منذ مدة كان طريفًا وطليًّا
كما قلت، ولكنه ليس «حديث الشهر» كما يجب أن يكون هذا الحديث — في نظري على الأقل —
فأرجو منك المعذرة، وإلى مبارك إبراهيم مترجم قصة «المليونير النموذج» أقول: لا تكون
كل
بضاعة أدبية «نموذجية»، وإن صنعت في
إنكلترا Made in England، وحملت اسم أوسكار وايلد، ظلت قصة «المليونير النموذج»
نموذجية حتى المقطعين الأخيرين، وقد كان على أوسكار وايلد أن يستغني عنهما … فالقصة
الفنية ليست أخبارًا محلية، ولا هي مواعظ وحكم ليبدي «المصور» في ختامها آراءه
الاجتماعية. إن الفنان يترك شيئًا للقارئ، وهذا ما كان على أوسكار وايلد أن يتركه
لنا.
أما عبارة الترجمة فجيدة، ولم أسجل ساعة سمعتها إلا عبارة واحدة وهي: وإني لأتمنى
أن
لو كنت أستطيع أن أعينه على أمره. فقد وردت أن ثلاث مرات في جملة عدد كلماتها عشرة، إن
لو يا عزيزي مباركًا كافية للتأويل، فلا حاجة إلى القول: أن لو.
أما شيخنا الجليل السيد محمد جواد مغنية، فقد أصاب الهدف في الرمية الأولى حين قال:
وللناقد الأدبي عذره إذ لا يستطيع الإنسان أن يستوعب جميع ما يسمعه بالراديو، كما
يستوعبه بالقراءة والمحاورة، ثم أصاب في الرمية الثانية إذ قال: قال الدكتور طه حسين:
إن الشيخ الذي درس عليه في الأزهر كان يقول: إن كل من يذهب إلى باريس، إن لم يكن
كافرًا، فهو زنديق على الأقل، وعلى هذا المنطق يمكن الحكم على كل شيخ يتكلم عن التجديد
— وإن لم يسمع — بأنه إن لم يكن مخطئًا فهو متضعضع، ومتعتع على الأقل.
إنها قسمة غير ضئزى رضيت بها يا شيخنا الجليل، والأذن تخدع مثل العين أحيانًا،
والسلام عليك.
وبعد فلنعد إلى أغنامنا كما قال رابليه.
الجلستان الأدبيتان: كانت أولاهما في بيروت،
والثانية في القاهرة. فالجالسون أدبيًّا في بيروت هم السيدة ممدوحة السيد، وأحمد مكي،
وفؤاد حداد، وكان موضوع بحثهم نشاط المرأة الأدبي منذ ربع قرن، شكت ممدوحة السيد من ضعف
المرأة الثقافي، وعزا أحدهم تقصير المرأة في الأدب إلى عدم «البوح» بمكنونات نفسها،
أظنهم يتحدثون عن ذلك الزمان، أما اليوم فأنا أتشكى من البوح الذي أسمعه من المرأة في
أغانيها التي تنقلها إلينا الإذاعات، وإن كانت محطة الشرق أقلهن انتقاء لهذه
البضاعة.
أما فؤاد حداد، فكان كعادته متشائمًا لا يعجبه شيء حتى أمه حبوبه التي لعبت دورًا
أدبيًّا كانت فيه ملء عين الزمن، وحسبها ما كتبته تحت عنوان: «وكان مساء وكان صباح».
ورأى أحمد مكي أن إقبال بناتنا عل النظم بالفرنسية ناشئ عن صعوبة لغتنا، أما أنا فأرى
أن نشأتهن في المدارس الأجنبية أبعدتهن عن اللغة الأم، أما اليوم فقد بدت طلائع فارسات
الفصحى، والأمل بنهضتهن كبير، وليتشاءم فؤاد ما شاء.
قصتا الأسبوع: كانت أحداهن من طراز ألف ليلة وليلة،
وعنوانها: «القمقم»، تناولت أخبار جني عصري، ولعلها أحق باسم الحكاية منها باسم القصة،
وكانت الثانية للأستاذ نجاتي صدقي بعنوان: «العبد سعد»، وهي موفقة جدًّا بالنسبة
للأستاذ صدقي، كما أني لم أرَ قصة أوسكار وايلد «نموذجية» بالنسبة إليه، وفي حديث الشهر
رأت الدكتورة زهيدة حميدان أن توظف المرأة في وزارة الخارجية؛ لأنها تحسن الدعاية
لبلادها، قد يكون ذلك إذا كانت صالحة لهذا الأمر …
وفي الأحاديث الأدبية كان خير ما سمعنا حديث الأستاذ عيسى الناعوري عن مذكرات جريح
للشاعر بولس سلامة، فهذا شاعر كاتب يستحق النقد، وذاك ناقد دارس فاهم، وإن كان يكيل
الثناء بالمد، ويعطي النقد بالدرهم والقمحة.
شخصيتا الأسبوع: كان الأستاذ سليم اللوزي في جهد
جهيد مع الأستاذ محمد علي طوال، لم يكن يحوله في طريق حتى يعدي عنها، ويعود إلى طريقه
الجغرافية التاريخية … ثم شاء الحظ أن يحالف اللوزي فوفقه إلى شخصية فذة، فكان الزعيم
نور الدين الرفاعي أمام المذياع يتكلم بحزم وجزم، فكان أسبوع المسئول والآمر في وقت
معًا، وكانت المتعة في «جلسته القصيرة فاضلة على الكفاية».