النقد السادس والعشرون
تحت عنوان «بأقلام المستمعات» سمعنا حديثًا عنوانه: «الصخرة التي تحطم السعادة»، للآنسة زهراء أبو المكارم، فأبانت لنا صخورًا عديدة لا صخرة تتحطم عليها السعادة الزوجية، وأرفع هذه الصخور وأكثرها شناخيب كانت صخرتا اختلاف الثقافة والطلاق.
وصاغ الأستاذ واصف البارودي حلقة محكمة أضافها إلى سلسلة «أزمة التعليم في البلاد العربية»، فعالج الموضوع معالجة بصير خبير، ومن أجدر بهذا من البارودي الذي أنفق صفوة الأيام في خدمة التعليم والتربية؟ أصاب الأستاذ واصف حين قال: آفتنا التمني والدعاء والغرور والادعاء، وإن المناهج لا تفرج أزمة التعليم، وما يفرجها إلا تكوين المعلم المربي الحر؛ لأن المستعبد لا يخلق أحرارًا، فإخلاص المعلم هو الذي يوطد أسس الوطن، وحل أزمة التعليم لا يتحقق إلا بحل أزمة المعلم؛ لأن المعلم صاحب رسالة، فإذا كان صاحب البيت أدرى بالذي فيه، فواصف البارودي هو ذاك؛ فلنسمع له، ولنعلم بما يقول. لقد قال بسمرك قبله بعد حرب السبعين: غلبنا فرنسا بمعلم المدرسة.
وكنت أصغي في كل صباح — ولا أزال — إلى رواية مزرعة الحيوان المتسلسلة التي يقدمها الأستاذ كامل قسطندي فيخرجها على حقها، لقد أحسنوا اختيار هذه الرواية للترجمة، فهي كليلة ودمنة عصرية، بل رواية أصولية، تتولى فيها الحيوانات مهمة البشر، فسنوبون ذلك الخنزير الثائر شخصية كاملة الملامح، تامة الألواح، ومثلها نابليون، الشخص الآخر.
وفي باب مع الفكر الغربي، سمعت حديث «نحو حياة مثلى» للأستاذ أحمد مظهر العظمة، عرض فيه المثل العليا في خلال العصور عرضًا دقيقًا وجيزًا، فأجاد وأفاد، ولكن لي اعتراضًا على قوله: السعادة الحقة، فما علينا لو تابعنا القدماء الذين قالوا: المصدر لا يذكر ولا يؤنث؟ فهل الحقة أرخم جرسًا من قولنا الحق؟ وإذا قلنا: الحقة، فهل نقيس عليها، ونقول مثلًا: امرأة عدلة كما نقول: رجل عدل؟
وإذا قلت لك أيها المستمع الكريم: إنني أصغيت بكل قواي إلى موضوع «كيف تحافظ على صحتك» فلا تلمني، إن هذا الموضوع يلذ لمن كان في مثل سني، أما الشاب فقد لا يهمه مثل هذا الموضوع؛ لأن رأس ماله ما زال سمينًا، وهو لم يمسِ رقيق الحاشية مثلنا، وإني أرجو من المحطة أن تكثر من مثل هذا الموضوع، فالصحة أثمن كنوز الدنيا.
وقد أعجبني كثيرًا تفسير الدكتور جميل صليبا لمعنى الديمقراطية، وبحثه المستفيض فيها، وما أجمل هذا التهكم الذي قاله لنا بلسان بعضهم: الديمقراطية هي أن ينجح جميع الطلاب في الامتحان … حقًّا إن الإخفاق سيجر إلى أوخم العواقب، لأن الانتحار أمسى عند شبابنا كشربة ماء.
كانت قصيدة «الصخرة السوداء» للآنسة فدوى طوقا من الشعر العالي، ولكنني أسأل الله تحطيم هذه الصخرة، وإن كانت مصدر وحي للشاعرة المبدعة.
وأخيرًا كانت قصة الأستاذ رشاد دارغوث قصة طريفة حالفه فيها التوفيق الفني، ولولا خاتمتها التي تعد من الخوارق التي لا يمكن أن تكون لكانت في طليعة الأقاصيص الحديثة، ولعل لرشاد القصصي المبدع عذرًا في أنها «أسطورة»، أما أنا فما أحب من القصص إلا الواقعي، وما يمكن أن يكون … وهذه خطة درج عليها الأستاذ دارغوث، فليته لا يتنكب عنها، فيظل بيننا، ولا يتغرب إلى «سهلباد» …