النقد السابع والعشرون
أعجبني حديث «نتيجة سوء تفاهم» للأستاذ محمد مصطفى حمام، فهو حديث إذاعة حقًّا، أدب خفيف، وعبارة مطابقة لمقتضى حال السامعين، وموضوع لذيذ فيه خفة الدم المصرية في القص والنكتة، وليس لي ما يقال حول هذا الحديث، إلا أني لا أوافق القائمين على مجلة المحطة في نشر الحديث الذي لم يُذَعْ بعد، وإن غيرت عنوانه، إن لدى المحطة أحاديث كثيرة فلا أقل من أن تؤجله إلى العدد الذي يصدر بعد إذاعته.
وكان حديث الشهر للأستاذ ميشال أسمر عن الوزير اللبناني الجديد الأستاذ سليم حيدر، إن الأستاذ الأسمر لم يغالِ في إطراء الوزير الشاب، فحياته، على حداثتها مليئة بالشعر الرفيع والنثر البليغ، والنظرات الاجتماعية الحديثة، فما باله يعتذر عن ذلك للمستمعين؟
وألقى القس عقل إبراهيم عقل حديث أحد كان موضوعه «كيف نستعمل ألسنتنا»، الموضوع جليل، وقد قال فيه الشاعر العربي:
ولكن تكرار الأمثلة والشواهد عند آبائنا المحترمين لا يستحسن، فأرى أن يصغي بعضهم إلى عظات بعض حتى لا تتكرر أمثلتهم، فمثل الكيس المملوء بريش الطير قد سمعته من قس آخر منذ أسابيع.
وتحدثت السيدة سلمى صائغ راجية أن تنال المرأة حقوقها في لبنان وسوريا، ثم راحت تدعم أملها بتعداد السيدات المخضرمات اللواتي أدين خدمة جلَّى للمجتمع، كُتب هذا الحديث بلغة أدبية عالية، وإن كان من مواضيع الساعة التي تعالجها الصحف اليومية، فخلعت عليه براعة سلمى جدة وطرافة.
أما السيدة أسمى طوبي فكان عنوان حديثها طريفًا كبحثها، حدثتنا عن الطلاق الذي سمته «موضة القرن العشرين» برشاقة التعبير، وخفة الروح، والظرف، ثم جالت في جميع أقطار الموضوع حتى حطت الرحال عند محاكم الطلاق التي تيسر ولا تعسر، إن من حق المرأة أن تطرق هذا الموضوع كل ساعة؛ لأنه كثيرًا ما يهدم أركان العائلة إذا كان ظالمًا، وإن كان أحيانًا دواء لا بد من تجرعه.
ومن شعرنا الأدبي سمعنا للآنسة مقبولة الحلي قصيدة طيبة عنوانها: «لا تسلني»، القصيدة تنضح ألمًا وجوى، عبرت عنهما الشاعرة بأسلوب طيب جذاب، يبشرنا بلحاقها بالشاعرتين الملائكة وطوقان، فإلى الأمام يا مقبولة …
وهناك قصتان موضوعتان، إحداهما للأستاذ عدنان السباعي، وعنوانها: «الليلة الأخيرة»، وهي مذكرات رجل محكوم بالإعدام، للقصصي أن يكتب في الموضوع الذي يشاء، ولكنني أتعجب كيف يكتب بهذا التطويل رجل صار من الموت على قاب قوسين، حقًّا إنه قوي كالموت … أما كان الأحسن أن يكتب السباعي بطل قصته هذه المذكرات في عدة ليالٍ، ثم يترك منها جزءًا لليلة الأخيرة؟ أليس ذلك أقرب إلى الواقع؟
كان السباعي مستعجلًا جدًّا في إلقائه حتى خلته يمثل بطله ذا الوقت الضيق … وقد قال: النظر الشزر — بفتح الزاي — وهي ساكنة، ولكن سرعته الفائقة الحد تغتفر له أكثر من هذه الفتحة.
أما القصة الثانية، فللأستاذ عبد العزيز سيد الأهل، وعنوانها: «فرتونة السوداء»، القصة جيدة سياقًا وحبكًا، ولا ننعى على الأستاذ إلا هذه التعابير المطاطة، مثل قوله: الجدار القصير الواطي الداني … ومثل قوله أيضًا: نعيد ونكرر، ونكرر ونعيد، وليل نهار، ونهار ليل، ثم قوله: ووضعتها في صدرها تحت ثيابها، ترى أكان في الإمكان أن تفتح صدرها وتزجها في ذاك القفص؟ وإلا فأي داع للقول: تحت ثيابها، لقد أعجبتني قصة الأستاذ حين ختمها ختامًا رائعًا بكتاب الخليفة عمر عبد العزيز، والأمور بخواتيمها …