النقد التاسع والعشرون
وانتقل تقديم الشخصيات إلى برنامج المرأة، فقدمت لنا السيدة ثريا حسين الطائرات من بنات جنسها لترينا أن المرأة تجارينا في جميع الميادين، كانت المرأة «تطيِّر» فيما مضى، حتى قال لنا ذلك الشاعر الولهان:
أما اليوم فطارت هي وطرنا معها شيوخًا وشبابًا …
ونظمت المحطة منهاجًا شائقًا لذكرى استقلال لبنان، فاستعرضت مراحله منذ عام ١٩٤٣ إلى اليوم، وكلفت الأستاذ ميشال أسمر التحدث عن نهضة لبنان الثقافية، فكان فيما قال مثاليًّا أكثر منه واقعيًّا حين تحدث عن إزالة الأمية، وتأميم التعليم، وتشجيع الكتاب، فكأنه كان يصور لنا أحلامًا إذا تحققت كان لنا من لبنان تلك المدينة الأرسطاطالية.
ومن طرائف هذين الأسبوعين مطالعات السيدة ناهدة بدرشاني فائد، روت لنا أسطورة خلق المرأة في كتاب برهما، فجاءت وفيها من كل شيء شيء، ولكن رد الرجل لها مرات، وحواره مع خالقه يذكر بكلمة الإمام علي القائل: إنها شر لا بد منه.
أما الأحاديث الأدبية فآسف أن أقول إنها قلت جدًّا، حتى لم يعد أمامي إلا الإصغاء إلى حديث خالتي أم درويش وهي تدبر عرائس للعاوزين، ما أقدرها وما أبرعها، ويا ليت الشباب يعود لنقصد دارها، لقد ساءتها جدًّا «غلوة النقد» التي تحول دون بلوغ القصد، وقديمًا قال المثل: الذي لا يريد أن يزوج بنته يغلِّي نقدها، فصبرًا يا خالتي أم درويش، الفرج قريب إن شاء الله.
وكانت كلمة عيد المولد الشريف للدكتورة فاطمة أبو العز، فجاء حديثها جامعًا يعطي السامع فكرة عامة عن الرسول العظيم، كنت أفضل أن يلم المتكلمون بناحية من نواحي سيد البشر، وما أكثرها وأرحب أبواب الكلام فيها! ويا ليت حديث الأحد لحضرة الكلون نجيب قبعين، وعنوانه: «كان يسوع فقيرًا»، كان عن محمد، فمحمد — صلوات الله عليه — لم يكن غنيًّا، رعى الغنم، وعمل في التجارة، ثم انصرف عن حطام الدنيا ليعد للإنسانية أربح تجارة في الدنيا والدين.
إنها مناسبة فاتت الكلون أو المحطة لست أدري، وما أجمل أن يتكلم القسيسون، والأحبار عن ابن عبد الله، والمشايخ والمفتون عن ابن مريم.
أما الأقاصيص التي استمعت إليها في هذا المنهاج فثلاث هي: أولها: قصة «عودة» للآنسة حورية جمال، إنها بالحكاية العادية أشبه منها بالقصة الفنية، لا تحليل نفسي، ولا عبارة من طراز التعابير التي تسبك بها القصة لتؤثر في السامعين، وقد كان اللحن كثيرًا، قالت: لا يزال أمامي فسحةٌ، ثم قالت: طعام الغذاء وهي تريد الغداء، وقالت: أن أعطيه له وأعطي تتعدى بنفسها لا باللام.
والقصة الثانية: وعنوانها: «عودة الأمير» للسيدة عفاف كنفاني كانت كالتي سبقتها تقريبًا، يجب أن تكون القصة مصنوعة صنعًا دقيقًا، طبقًا لأصولها المعلومة، وإلا فالمقالة أفضل منها؛ لأنه لا يطلب من كاتبتها ما يطلب من كاتبات الأقاصيص.
أما قصة قلوب الأنبياء للأستاذ سيد الأهل، فهي كأختها فرتونة السوداء فصاحة وحوارًا ملائمًا، وهذا اللون من الأقاصيص لا يحسنه إلا من كانت له ثقافة سيد الأهل، وإذا جاءت أشبه بأحد أحاديث ابن دريد منها بالقصة العصرية، فهذه هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال التي يعرفها الأستاذ عبد العزيز عن ظهر قلب. أكثر — يا أستاذ — من هذا اللون القومي من القصص، فنحن إليه محتاجون.