النقد الحادي والثلاثون
كأني بالدكتور سهيل إدريس قد شيَّخ باكرًا، فهو في حديثه «من وحي الشتاء» يحن إلى هذا الفصل القاتم الصاخب ويؤثره على إخوته الفصول الخيرة البسامة، يؤثره لأنه — كما قال — ينطوي فيه على نفسه ويفكر، إن من حق الأستاذ سهيل أن يكره الصيف، فالصيف يذيب، وسهيل قليل الجسم، وإن كان كبير الفعل، فإذا ذاب منه شيء خسر كثيرًا. أما موضوع الدكتور إدريس فطريف نادر في أدبنا العربي؛ لأن الموقد لا شعر ولا كتاب له عندنا، ولعل باريس هي التي أوحت إلى الأستاذ هذا الموضوع الشعري، وهو فيه يصف شتاء باريس الأبيض، لا شتاء بيروت الأسمر.
إن رائحة الأرض قليلة في نثرنا وشعرنا، وها نحن نشمها في هذا الحديث الذي لم ينس كاتبه باريس على قلة إقامته فيها، والمرء من حيث يوجد، لا من حيث يولد، كما قال بديع الزمان لأستاذه: وكيف ينسى الدكتور صديقة ناعمة كانت تأتيه في عصاري النهار لتشرب فنجان شاي سخن في غرفة ساخنة؟
وكان حديث الميلاد للدكتور نقولا زيادة حديث ميلاد حقًّا، كان مشبعًا بروح صاحب العيد وأقواله وأمثاله، وكان قصصيًّا أيضًا فلاءم الروم الإنجيلية البسيطة الرفيعة في وقت معًا، والدكتور زيادة يبدع حين يتخلى عن الأساليب العلمية، فتبدو لقارئه شخصيته الشاعرة، لقد أحسن إذ ختم موضوعه بالكلمات التي تتردد اليوم كثيرًا على ألسنة أقلام الكتاب، فالحق والخير والجمال هي الأقانيم الثلاثة التي تتكون منها ذات المسيح، ومن ينسى بيلاطس الذي ناقشه في المحكمة سائلًا: وما هو الحق؟
وسمعت للأستاذ توفيق عواد في زاوية «ركن الأدب» نصف حديث، ولكنه تحدث فيه عن شخصيتين كبيرتين هما العلامة محمد كرد علي، رئيس المجمع العلمي العربي، والدكتور طه حسين، بمناسبة مذكراتهما، فأعطاهما حقهما، وخير الكلام ما قلَّ ودلَّ.
وتحدثت السيدة أسمى طوبي، في سلسلتها عن أديباتنا المنسيات، فتكلمت هذه المرة عن ليلى الأخيلية، فكان التعريف شاملًا، والتحليل وافيًا، جميل هذا الإحياء، وأجمل منه أن تقوم به أديبة فاهمة كالسيدة أسمى.
وبمناسبة عيد الميلاد، عقدت ندوة الشرق الأدنى جلسة قال المنهاج إنها لبنانية، فإذا هي مصرية، ودار بحث أعضاء الندوة حول فكرة شجرة عيد الميلاد، فقالوا إنها وثنية قديمة، ثم قالوا: إن لها علاقة بشجرة الأسرة، أو شجرة ميلاد المسيح الواردة في الإنجيل، أما أنا فأرى أنها كبيضة الفصح عند النصارى، تلك رمز حياة جديدة، وهذه رمز للشجرة المثمرة لا كالتينة التي لعنها السيد المسيح حين لم يجد فيها ثمرًا، وأخيرًا أقول كما كان يقول السلف الصالح: والله أعلم.
أما قصتا الأسبوع، فلم أر قصة صلاح ذهني قصة بالمعنى الصحيح، إنها تاريخ لنكبة الأندلس، وليس فيها شيء من مقومات القصة الفنية، وبخلافها كانت قصة الدكتور عبد الرحمن اللبان الميلادية، إنها قصة عصرية من صميم الحياة وصف فيها مشاهد الناس في لندن، ليلة عيد الميلاد، فكان كأنه يصور ما رأى، حتى أبدى لنا الموسيقار ألفونس كالشعراء الدوارين وغيرهم، والخلاصة: كانت هذه القصة موفقة.