النقد الثالث والثلاثون
لا أدري لماذا انقبضت حين عرفت أني مقبل على سماع حديث بمناسبة ذكرى الدكتور زكي مبارك، لقد مات هذا الرجل، وفي نفسه شيء من الشهرة، كما عاش سنين ملأت بها ثورته الصحف، قضى عمره كاتبًا كالمصارع، ومناقشًا كالمناطح، وباحثًا كبوليس التحري، وبعد موته لم نسمع بمن وفاه حقه.
قد يكون مات في غير الوقت المناسب، كما كان يثور في غير الوقت المناسب، رحم الله دكتورنا المبارك، وجزى الله هذه المحطة خيرًا؛ فهي تستحق لقب محيية الموءودين.
كان الميكروفون سعيدًا جدًّا في بيت الأستاذ عبد الغني حسن، سمعنا صوت أبوين كريمين يتحدثان عن تربية أولادهما، ثم يدخل الولد شخصًا ثالثًا في المحاورة، الولد يخاف من الشجرة ويتخيلها شبحًا، وهما يحاولان إقناعه أنها ليست شبحًا، وحجتهما أن الشجرة لا تمشي.
إن هذا من خيال الشعراء، وما أخالك إلا ورثته ابنك يا أستاذ عبد الغني، فأبشر …
وفي باب «مطالعاتي» للسيدة ناهدة بدرشاني فايد أعجبني ما نقلته عن الأزمة النفسية التي تعتور المرأة في الأربعين من عمرها حين تخسر سيادتها وجمالها، فتقعد حزينة كئيبة، كان الحديث مأخوذًا عن المجلات، وكان الإلقاء بالنيابة ولا أدري ما الذي أنتقده، فما بقي لي أن أقول إلا أن الانتقاء كان جيدًا، وقبلي قالوا عن أبي تمام حين انتقى ديوان الحماسة: إنه كان في مختاراته أشعر منه في ديوانه.
وبما أن الشعر قل — كما قلنا سابقًا — فلنتعرض لفكاهات أبي خليل الشاعر العامي الظريف، إن هذا الشاعر قروي في تعبيره ولهجته، ويعجبني منه دائمًا أنه يسير موضوعه ويوجهه نحو الهدف حتى يصب الختام صبًّا، فينفجر كالقنبلة، وقد وفق جدًّا في ختام تزويج سته، فبالرفاه والبنين.
وإلى قصة «ميلاد جديد» أصغيت بكل خشوع إلى قصصينا الموهوب الأستاذ رشاد المغربي دارغوث، لا أدري كيف خيل لي أني قرأتها من قبل، ولكن هذا لا يمنع إعجابي بها، وبما فيها من لون محلي، وإن كان موضوعها خياليًّا كثيرًا.
أما قصة «انتحار روح» للسيدة ألفة الإدلبي فإطارها جيد، وعباراتها كما يطلبها الفن القصصي.
والفلاح محمود الذي كان يمر بالحبيبين، ويلقي عليهما ابتسامة معناها: تمتعا بالحب، فيذكرني بعمر بن أبي ربيعة والشابين حين أوصاهما أن يتمتعا بشبابهما.
وقد شعرت أن الأناقة في إنشاء هذه القصة كانت تتضاءل كلما أوغلت السيدة ألفة في موضوعها، فليتها عندما تنقح قصتها لا تبدأ دائمًا بأولها، فتصل إلى آخرها تعبة، ويظل الفرق ظاهرًا بين أولها وآخرها.
إن المحاورة في قصة «راقصة لا ترتوي» لم تعجبني؛ لأنها عامية اللغة، فليت الأستاذ حامد … ظل معتصمًا بالفصحى في قصتها كلها، بل ليته لم يقل: أوشك الليل على نهايته.