النقد الرابع والثلاثون
لا تزال المدرسة الزراعية مشرعة الأبواب تعطي المعرفة بسخاء، تعد برامجها كما يعدها الأساتذة الحريصون على إفادة طلابهم، أنباء زراعية عالمية، ونصائح للمزارعين بعلم المزارع.
ومن طرائف الأستاذ فراج نبأ بغلة ولدت، فحير علماء الحيوان هذا الحدث الغريب، حدث هذا عندنا منذ نصف قرن، ولدت بغلة عند رجل من بيت مقصود في وادي شحرور، وأقبل الناس من كل صوب على بيت صاحبها ليروا هذه العجيبة، قال القدماء: الديك يبيض مرة في العام، فهل لنا أن نجاريهم فنقول: إن في كل نصف قرن ننتج بغلة؟ أو كمذنب هالي الذي يشرفنا بزيارة كل ثمانين عامًا؟!
أما مذكرات عاملة تلفون للآنسة زبيدة عبد الرحيم، فكانت طريفة لولا هذا الكوكتيل الذي عملته منها، أي ذاك المزيج من العامية والفصحى، إن الفصحى التي لا تكلف فيها ولا تقعر هي اللسان الذي تفهم عنه جميع الأقطار، فلنعتصم به في الإذاعات التي هي للجميع، لا لقطر دون سواه.
وفي «روضة الشاعر» سمعنا شعرًا للأستاذ محمود عنان، قال: من عرَّفنا بها أنها ثمان قصائد، ثم تليت في سبع دقائق! وكان أولها أرجوزة في الديك، وللأراجيز أصول لم تُراعَ فيما سمعت، أما مقطوعة الصوم فليست من الشعر الجيد ولا المقبول، وما أرى شاعرنا المحمود إلا من فصيلة الذين ينظمون الحكم، وليست الحكم شعرًا بل نظمًا، أو فلنقل هي شعر تعليمي لا أكثر، أما مقطوعته الرائية — ولا أقول قصيدته — وموضوعها: كيف نولد غصبًا عنا؟ فهي أجود ما قال، وليته ينسج دائمًا على منوالها؛ لأن للشعر نمطًا من الكلام إذا لم يراعَ، استحال نثرًا موقعًا.
ومن الشعر الجيد قصيدة «الزورق التائه» للشاعرة المجيدة الآنسة مقبولة الحلي، هدى الله زورقها إلى ميناء السلام والرجاء، حلو البكاء من النساء، ولكن لا تنوحي يا آنستي، لا تسألي من أين جئت، بل قولي: أنا موجودة، وأثبتي وجودك في الساعة التي أنت فيها، يعجبني شعرك، وأراك تتقدمين في معراجك، ولا يبعد أن تصلي إلى قمة الإجادة، فانبذي هذا اليأس غير المريح.
لا أدري لماذا احتفلت المحطة بذكرى فوزي المعلوف، وعلي الجارم، ومصطفى كامل في يوم واحد، ترى أمات هؤلاء ثلاثتهم في هذا النهار؟ تحدث الدكتور زكي المحاسني عنهم ثلاثتهم، وكان بحثه مصنوع التعبير ملونه، وقد أكثر فيه التحدث عن نفسه، وأدخل في صلب بحثه ما لا علاقة له به. أما القصص، فأولها قصة شامية المحيط للآنسة رائدة النبع، بطلة القصة فتاة متعلمة — جامعية، ولكن علمها لم يحررها من عبودية البيت والمحيط، الوصف مقبول، أما السياق القصصي والزخم فضعيفان.
ولسوء الحظ لم أسمع قصة الآنسة عزام، ففي وقت «برنامج المرأة» كان الجو عندنا غضبان، وفي موعد الإعادة قطعت الكهرباء، فلا حول ولا …