النقد السادس والثلاثون
قصة الأستاذ حامد يونس، وعنوانها: «قلب راقصة»، ليس فيها من العناصر التي تؤلف القصة غير السرد والحوار، وزاد في طين ضعفها بلة أن هذه المحاورة باللغة العامية، أما قصة الآنسة سميرة عزام، وإن ضعف فيها عنصر عقدة الحكاية، فقد استغنت عنه بالتعابير الطريفة، وتصوير بطلة الرواية أم يوسف التي قلما تخلو منها بلدة أو حارة في مدينة، إنها سمسارة عرائس حلوة الكلام، بارزة الشخصية، قد يكون كل مستمع يعرف أختًا لها. لقد أمعنت الآنسة عزام في تصويرها، فأبرزها ذلك الحوار الطريف الذي لذ لنا سماعه، لولا مزجه بالعبارات الدهرية مثل: لا في العير ولا في النفير، ومثل: الطارف والتليد التي لا تصاقب شخصية ساذجة كأم يوسف بطلة قصة «زواج العم»، ناهيك أنها لم تتفق مع القول: حط وشال، والضحك على الذقون. وهناك كلمة «خلفتها»، فهي لا تلائم هذه الجملة: الطبخة التي خلفتها على النار، فالأولى أن يقال هنا تركتها فتصير الجملة كلها فصيحة عامية.
لقد بلغت الآنسة عزام ما تروم من حسن الحوار ودقة التصوير، ومرونة السياق، وما بقي عليها إلا الاهتمام بالحكاية لتجتمع في أقصوصتها عناصر الأقصوصة تامة غير منقوصة.
أما قصة «الصورة الضائعة» للدكتور سهيل إدريس فأعجبني ابتداؤها؛ إذ لم يكن من تلك الابتداءات التي تعود القصاصون أن يطلعوا علينا بها، ولكنها في كل حال ليست من ذلك الطراز الذي تعود أن يعرضه إدريس.
أما الأستاذ أو الدكتور أمير بقطر فأعرفه من المجلات عالمًا تربويًّا، وكذلك كان موضوعه إذ تحدث عن أعداء الشباب: الفراغ، واليأس، والمبادئ الهدامة. إن معالجة موضوعات الشباب واجبة جدًّا؛ لأن آفات شبابنا كثيرة، وإذا لم نسهر على حديقتنا نخرت جذوع أشجارها هذه الحشرات الفتاكة، واستحالت جناتنا وكرومنا خشبًا وحطبًا.
وفي ركن ذكريات نوابغنا، وقلما خلت منه برامج محطة الشرق الأدنى، تحدث الأستاذ عزت بشور بمناسبة ذكرى النابغتين إبراهيم اليازجي، وصدقي الزهاوي، فألم بأطراف حياتهما، وعدد مآثرهما، ولم ينسَ إلا ناحية الصناعة في اليازجي، فهو صانع أمهات الحروف العربية، وقد نسي أيضًا التصوير، وحسن الخط، واكتشاف نجمة.
وكانت روضة الشاعر للأستاذ خازن عبود وأماني فريد، أذكر أنني قرأت ما سمعت من شعر خازن الجديد الطريف، ليس شاعرنا من الهائمين الضالين في أودية الرمزيين، ولكنه ينتقي المقبول من كلامهم وصورهم، والشعر الذي سمعه شعر حب، وهذه بضاعة الشباب، وإذا كان الحب نداء الحياة كما قال الشاعر، فالشعر هو صدى ذلك النداء، ولغة المحبين كما قال العالم النفساني الأستاذ يوسف مراد. أما شعر السيدة أماني فريد، فكان أقل تخيلًا، وأقل موسيقى.
وسمعت كلمة آثار جبيل فأصغيت، والمرء يحن إلى بلده، ولو في أحاديث الإذاعة، أصغيت فسمعت الأمير موريس شهاب مدير الآثار في لبنان يشرح للأستاذ الدجاني غوامض أسرار تلك الآثار، فراحا يجولان معًا في مجاهل الدهور والأجيال، إن الأمير موريس هو العامل الدائب الصامت في الجمهورية اللبنانية لا يضارعه في هذا أحد، فشكرًا للسيد غانم الدجاني الذي أسمعنا صوته المخلص.
وتباحث الدكتوران عاقل وهاشم في ندوة الشرق الأدنى حول تعلم الجنسين معًا، فاستقر الرأي على وجوب اختلاف التوجيه في المرحلة الابتدائية، وأنا أرى أن يختلف أيضًا في المرحلة الثانوية، فما قولكم: بأنثى تعلمها شعر امرئ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس لتنال شهادة البكالوريا! فالذي عندي هو ألا يجتمع الجنسان إلا في كليات الهندسة والطب والحقوق والتخصص في الآداب والعلوم، حين تكون الأنثى قد قطعت خط النار، وتجاوزت الثانية والعشرين.
يظهر أن بناتنا في كل الأقطار يتعلمن للمهن الحرة، ولم يعدن يفكرن في البيت، وهذه خطيئة المناهج التي تعدهن، سأل الأستاذ موسى الدجاني جمهرة من بنات مدرسة بنغازي الثانوية عما يردن أن يعملن في المستقبل، فإذا بهن كلهن يرغبن في التعليم، والطب، والتمريض، وما أشبه ذلك، أما البيت العربي المحتاج إلى التنظيم فلم يكن في حساب واحدة منهن.
وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى الغلط، فمنه استعمال كلمة القاموس للمعجم، والقاموس اسم معجم لا معجم.
وقيل: أحدِّق في وجهها، والصحيح أحدق إلى وجهها.
وقيل: بحيث أنها، والصواب: حيث إنها؛ لأن حيث لا تضاف إلا إلى الجملة.
وقيل: ولا حتى، والتعبير فاسد.
وقيل: ترجوني، واللفظة لا تؤدي الغرض، ولو قيل ترجو مني لكان أصح.
وقيل: تأمر وتنهي، والصواب تنهى.