النقد الثامن والثلاثون
أكثر من يتحدثن في برنامج المرأة يدرن في حلقة مفرغة هي حقوق المرأة، فكأنما لم تبقَ عندهن مشكلة تستحق البحث إلا هذه الحقوق، وكأن هذه الحقوق متى أعطيتها المرأة تبلغ الدنيا ذروة الكمال! ولكن الدكتورة زهيدة حميد باشا تعتقد أن كل ما تعطاه المرأة من حقوق لا يجعلها مساوية للرجل ما لم يُمْحَ من ذهن الأنثى ذلك الوهم الذي سمته مركب النقص، وهي تعني به اعتقاد المرأة أنها دون الرجل قوة، ثم أخذت تدلي ببراهينها على كفاءة المرأة الجسدية حتى انتهت إلى الزعم أنها أقوى من الرجل؛ لأنها تمرِّض وتطبخ!
وتحدثت السيدة مادلين أرقش عن المساواة والإصلاح، وإني وإن كنت ممن يطلبون الإصلاح، في كل آن، فلست ممن يؤمنون بتحقيق المساواة إلا في بطون الكتب، أما على ظهر البسيطة فلا مساواة قط، ولا بد من الرأس الواحد في كل كائن، وعلى الكائن تقاس الأشياء كلها، ولا استثناء.
وفي موضوع «علمتني الحياة» قالت السيدة الجليلة أسمى فارس الخوري إن الحياة علمتها ألا تثق بالتاريخ، وهذا لعمري درس مفيد، فالتاريخ، إن لم يكن كله أسطورة، فجله حكايات ملفقة. أما مذكرات مضيفة للآنسة … إبراهيم فمملوءة بالنصائح للمضيفات، فالله أسأل أن يريني وجههن ولو في شطحة قصيرة، إلى قبرص مثلًا، لأرى كيف تكون تلك الضيافة الروحية، وما تعده من ألوان هي أشبه بالضحك على اللحى …
وفي حديث النشاط الأدبي كان الدكتور فاخر عاقل ناقدًا صارمًا، فلم تفته شاردة ولا واردة حتى ذكر أولئك الذين يحضرون الحفلات الأدبية، ويتسلون بأكل البزر. حقًّا إن المحاضر ينشط كثيرًا متى رأى مستمعيه يصغون إليه بأفواههم … ويصفقون له بفرقعة الفستق، وبزر اليقطين …
ونصيحتي للأستاذ نبيه غطاس الذي تحدث في بريدنا الأدبي عن «التجارة في الأدب» أن يقلب هذه الأسطوانة، فقد أكثر من الكلام في هذا الموضوع، وأولى به أن يعمل ما استطاع بدلًا من أن ينعى على الأدباء عملهم. وعقدت الآنسة أماني فريد جلسة شعرية مع الأستاذين إبراهيم محمد نجا، ومحمد هارون الحلو، بمناسبة فصل الربيع. كان العهد بالشعراء أن يستقبلوا الربيع بالغناء والتهليل، ولكن الشاعر نجا جعل لازمة قصيدته الربيعية: فما بك يا قلبي … إلخ. إذا كان الشاعر نجا ينوح ويبكي في استقبال الربيع، فما عساه يفعل إذا نظم شعرًا خريفيًّا شتائيًّا؟ كان آخر قصيدته خيرًا من أولها، وخصوصًا ختامها، أما الأستاذ محمد هارون فكان خيرهما ديباجة، وأجودهما خيالًا.
وكانت قصة الأسبوع للأستاذ عبد العزيز سيد الأهل كأكثر أخواتها مستوحاة من تاريخنا القديم، كان عنوان هذه «أزمة زواج»، وقد تصرف الأستاذ فيها تصرفًا فنيًّا حسنًا، فأدى الفكرة كما كانت تؤدى في زمن الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز، وختم القصة ختامًا حسنًا، ولا يعنيني إن كان تاريخيًّا أو لم يكن، فنحن في صدد قصة لا في صدد تاريخ، ولا بأس أن تغير موعد تاريخ موت ابن ليلى لتنجح القصة، وإن كانت فيها عبارة جديدة لا أراها من بضاعة ذلك العصر، وهي قول الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل: يطلب إليها يد إحداهن!
والسيدة أسمى طوبي في حديث «المريمات الثلاث» شاءت أن تشرك المرأة في مأساة الفصح، ولكنها لم تخرج الرواية إخراجًا فنيًّا، بل روت أخبارًا يعرفها أصحاب العيد عن ظهر قلب.