النقد الرابع
كثر الكلام عن حقوق الإنسان بمناسبة ذكرى يوم إعلانها، ولعل حديث الأستاذ يوسف دوناتو قد كان خيرها، فالأستاذ دوناتو حلل ودرس وبحث ما يعني أقطارنا من هذا العمل الإنساني العظيم، إذا تحقق.
أما أحاديث الصباح، فأكثرها معاد معار، جميل، مثلًا: حديث الأستاذ أنور سلطان، ولكن جله ليس له، فطريقته فيه كطريقة وعاظنا، فأكثر مواعظهم ليس من كلامهم … وعلى صعيد واحد تلتقي أحاديث الصباح بأحاديث الأحد، فيتبادلان السلام بالرب … فنسمع الأستاذ ثيودوري يحدثنا عن اتباع طريق الحق والمعاملة، فإذا هو مكرٌّ مفر مقبل مدبر معًا، لا يلتقي بعنوانه إلا لمامًا. أما حديث القس جورج خوري عن الادخار المحمود، فموعظة كنسية تبدأ حسب التقليد بآية بولسية، ثم تختم بأبد الآبدين، آمين … وهكذا كان بسط موضوعه، وخصوصًا مثل البحيرة التي لا مصرف لها، خيرًا من مطلعه البروتوكولي، وختامه الأزلي السرمدي … فليت الوعاظ المحترمين يقرءون لاكوردير وسواه.
ثم تأتي برامج الأطفال وهي من معروضات يوم الأحد، فنراها جميعها معدة إعدادًا حسنًا يحقق فكرة المحطة في إنماء الغرسات الجيدة لحديقة الأمة، وخير ما سمعته منها برنامج السيد حسين فياض، كان مفيدًا، ومسليًا، ومطربًا، أجاد السيد فياض تمثيل رؤيا بحيرا الراهب، وحلم عبد المطلب، فقدم إلى الأطفال خير هدايا العيد.
أما حديث «في ميادين العلم والثقافة» فقد وجدتني مقصرًّا عن مناقشته؛ لأن أكثره كان حسابيًّا كسعر البطاطا وغيرها، ولكن السيد كامل الكولك قد رغبني ساعة تحدث عن زيادة عدد البشر بعد مائة عام، فخفت ألا أجد طعامًا في ذلك الزمان، وأموت جوعًا …
وإذا انتقلنا إلى برنامج المرأة وجدنا حديث النشاط النسوي في جميع الأقطار أخبارًا محلية أجلها شأنًا خبر نوال المرأة اللبنانية حقوقها السياسية، وجعل صناديق الاقتراع واحدة للجنسين، فالحمد لله على السلامة … أما الأبحاث فأكثرها لذيذ كبحث عبقرية المرأة وأنوثتها للآنسة عادلة فروخ، كان هذا البحث نفسانيًّا فسيولوجيًّا، ولكن تكريرها كلمة رسالة المرأة لم يعجبني … أما كثرت جدًّا هذه الكلمة حتى أصبح لكل ما هب ودب «رسالة»؟
وفي حديث الآنسة فهيمة حافظ عن مكتبة الطفل متعة تحليلية، ولكني أوثر أن تترك تلك العناوين فلا تقول: وصف القصة، مميزات القصة، فوائد القصة، ولا أولًا وثانيًا، وثالثًا، وأخيرًا فهي تحدث ولا تؤلف. وفي تلخيص الكتب أجادت الكاتبة أسمى طوبي، ولكن الكتاب الذي لخصته اهتم بأمر صحفيات أكثر من الكاتبات، وكثيرًا ما تكون منشئة الصحيفة غير كاتبة كالسيدة ألكسندره فيرنوه، مثلًا.
أما ذكرى السيدة هدى الشعراوي، فأحسنت الآنسة عزام إحياءها، وعددت أفضال هذه الزعيمة على نهضة المرأة، إذ حاربت الحجاب، وتعداد الزوجات، وأسست جمعية الاتحاد النسائي، ففتحت آفاقًا شتى بوجه المرأة.
ولعائشة مرعي حديث مولد فتان كان جامعًا مؤيدًا، ومن حق المرأة أن تبدع في ذكرى المولد الشريف؛ لأن حقوقها، بل قل حياتها قد ضمنت يوم ولد الرسول المكرم، فإذا كان الدكتور مصطفى جواد أبا بصير هذا الموسم، فقد كانت عائشة خنساءه، وكلاهما كانا مناضلين.
وهنا لا بد للمذيع من قرصة، كان يمد لبعضهم فراشًا وثيرًا ناعمًا، وينيِّم البعض الآخر على الأرض، فالدكتور مصطفى — مثلًا — دكتور وفقط، أما هذا وذاك، وتلك وهاتيك، فترقص أمام موكبهم الزفزافات، وتعدو خلفهم سيارات الجيب.
لم يبق لدينا من برنامج حبيبة القلب إلا ما سمعنا في باب «بدأن الحياة»، سمعت غناء قبل دخول الموضوع، فاتهمت أذني، فعدت إليه ظهر الغد، فإذا أنا غير مخدوع، لم أستغرب تلك الطرافة التي يرتجلها الأستاذ بيبي فتجيء عفو الطبع، وتلك شنشنة أعرفها من أخزم، ولكنها حلوة جدًّا، وهل أحلى من امتحان الحسان ذوات الصوت المرنان؟ كانت تلك البادرة طريفة كأسئلة الآنسة إنعام الصغير فيما بعد، وما كان أعظم حظ «فيروز» المطربة الناشئة بهذا الإعلان الطريف.
أما ندوة الشرق الأدنى فأسمعتنا حديثين: الأول: أبطاله الشيخ سعيد تقي الدين، القصصي الطريف، والأستاذ عبد الله مشنوق مارك توين العرب، والدكتور قسطنطين زريق ابن خلدون الوعي القومي. لقد أحكمت قعدتي أمام المذياع؛ لئلا أستلقي على قفاي من الضحك، ولكن ظني قد خاب، فأدباؤنا هابوا المرأة، وكم أرهبت المرأة من أبطال، لم يمسها إلا سعيد بقوله: تبرُّج اجتماعي، وكفى الله المؤمنين القتال.
أما القصص، فاثنتان: واحدة للأستاذ رشاد دارغوث القصاص اللبناني المجيد، وعنوانها: نصيحة بلا ثمن، الأستاذ يعرف كيف ينتقي شخوصه، فيأخذهم ممن قتلهم معرفة، فيجيد التحليل والقص، لا يحرم أبطاله من تهكم رصين وسخر ناعم، فيقول مثلًا: صارت مشروع ابتسامة، ناهيك أنه بارع في خلق شيء من لا شيء، كذلك السر الذي لم يبح لنا به. قد لا يكون هنالك سر، ولكن الفن صيره سرًّا يشغل البال. وإذا عرفت أن دارغوث متأدب بأدب السلف حتى التَّزمُّت يزول عجبك من استكباره سؤالًا بسيطًا: كم صار معاشك؟ فإذا كنت لا تفهم شخصية دارغوث على حقها فلا تفهم قصته فهمًا تامًّا. أما القصة الثانية، وهي للأستاذ يوسف جوهر القصصي المصري الموهوب، فكان عنوانها: «راعية الأحلام»، وهي جميلة العرض والتحليل، وذات عقدة مؤثرة، ولكنه طول ذنب الختام فحطت قصته رحالها، أما قوله: على أحر من الجمر، فلا يتفق مع عباراته الأخرى، ترى أما وجد غيرها في عصر الذرة؟ أما عبارة: ابتلع دموعي، فما أعجبتني، كما لم يعجبني قوله: برأسه البيضاء، فما الداعي لتأنيث الرأس؟ بل ما الداعي لتذكير الحماسة؟ نقول: حماسًا ونخطئ!
وأما الشعر فكان أكثره تقليديًّا، قال الأثري قصيدة خلتها لأبي تمام، والأستاذان: ناجي القشطيني، وعبد الباري شعيشع نظما ولم يشعرا.
وروضة الشعر للدكتور جواد محبوكة كأنها مجمهرة، ولا عيب فيها إلا أن الشاعر، وقد — نظمها أسماطًا أسماطًا، وأغصانًا أغصانًا — يقول فيها: لديا وأبيا، وغويا وريا، قد يعذر من يقول مائة بيت على قافية واحدة إذا احتاج إلى السناد، ولكن مثل هذا المجال القصير الذي يقطعه الرجل على الريق، فلا يحتاج إلى سناد.
مآخذ: وأخيرًا أقول: إنني اتبعت هذه المرة خطة جديدة في التصحيح؛ لعلها أستر، وأقل ألمًا، وبناء عليه أقول: سمعت في هذا الأسبوع أخطاء أهمها هذه: أن بها أخبار عديدة، والصواب: أخبارًا. وقرأ أحدهم: فاضطَر، والصواب اضطُر (بضم الطاء)، وقال آخر: تعوَّد على، وهذا الفعل يتعدى بنفسه. ثم نواياي: والصواب نياتي. بلغ أشده، وهي بضم الشين، إذا لم أفعل ذلك أكن، والصواب أكون؛ لأن إذا لا تجزم. وقيل: انضام، وهذا الفعل غير موجود، وسمعت بضعة مقالات، والصواب بضع، وأخيرًا: لن أنسى قط، والصواب لا أنسى قط، وأما لما فمتى دخلت الفعل المضارع فهي حرف جازم.