النقد الحادي والأربعون
ومن الشعر سمعت للشاعرة فدوى طوقان قصيدة «أنا راحل»، وهي من طراز شعرها الأنيق الذي تنهض به العاطفة المتقدة إلى مصاف الشعر العالي، أقول هذا وإن لم يعجبني قولها: حلمًا بلا لون، ونجمين في فلكين يتخبطان … فليت الشاعرة تبتعد عن هذه الصور التي لا لون لها! فالنجوم لا تتخبط في الأفلاك، وهي لو فعلت لخربت الدنيا.
رمضان المبارك — أعاده الله على الملة، وهي في أرغد عيش وراحة بال — قد خلق عكاظًا جديدة في محطة الشرق الأدنى، فهذا الأستاذ أبو سعد يعقد جلسة رمضانية يتحدث أعضاؤها عن الصوم عند جميع الملل، وفي آخرها ألقى الأستاذ أبو سعد كلمة ختامية بليغة جامعة، فدفع نقدًا للشيخ الذي ذكره «بمشيخته» في افتتاح الجلسة.
وفي روضة الشعر أنشد السيد عبد العزيز عريقات ثلاث قصائد ليست له، إحداها همزية مفتوحة سمعت فيها إقواء حين، قال: فأنضحها بماء … القصيدتان الأوليان قديمتان، والثالثة حديثة من شعر عمر أبي ريشة، ولعلها عندي وعند غيري خير من القصيدتين القديمتين.
ثم حدثنا الأستاذ حموده عن رمضان في الأدب العربي، فروى شعرًا كثيرًا لشعراء كثيرين، منهم ابن الرومي القائل:
ومن عرف معدة ابن الرومي ذات الشيطان الرجيم عذره على هذا القول، وخصوصًا متى علم أنه كان من المصابين بالسكري الذي لا يرتوي صاحبه …
وفي جلسة أدبية عقدها الأستاذ عزيز أباظة مع الأستاذ غزال والسيدة عزيزة خالد دار البحث حول تأثير المرأة في الأدب والشعر، ولم يذكر المتباحثون إلا الشعر القديم الذي أوحت به المرأة، ولعل هجر المعاصرين للشعر القديم هو الذي حبب إليَّ سماع هذه الجلسة، وإن كنت محيطًا بكل ما نقل فيها من شعر.
وفي ركن حصاد الفكر العالمي تحدث الدكتور حكمت هاشم عن نقد كتاب الأغاني للأستاذ شفيق جبري، أطرى الدكتور هاشم نقد الأستاذ شفيق جبري، ولا بدع، فالأستاذ جبري عميق في دراسات ينحو فيها نحو كبار نقاد الفرنجة، وكثيرًا ما يوفق إلى الاكتشاف، أما الذي تلا هذا الحديث فلم يحسن التلفظ بأسماء النقاد الفرنجة؛ لأنها — على ما أظن — لم تكتب بالفرنسية لتلفظ على حقها، إن مصيبتنا بتعريب الأسماء الأعجمية كبيرة، فقد اختلف المعربون في ذلك حتى «ضاعت الطاسة»، أذكر أني قرأت اسم شاعر الألمان العظيم كما يأتي: غوت، غوتيه، جوت، جوته وهلم جرا.
أما قصة «على الدرب» للآنسة سميرة عزام فهي كأكثر أقاصيصها التي تختار أبطالها من البؤساء، ولا أنعى هذه المرة على الآنسة إلا قولها: خاتم الخطوبة، فأين هي من الخِطبة حتى تستعمل هذه اللفظة العامية غير الفصيحة؟ والغريب أن تتلى قصة سميرة بالنيابة وهي تنوب عن الكثيرين، فلا بأس عليها إن شاء الله.
والقصة الأخيرة «تحية الوداع» للأستاذ عبد المجيد لطفي كانت جيدة وطريفة، صور فيها الأستاذ موظفًا صغيرًا في قرية يعطيه أهاليها فوق حقه حتى لقبوه دكتورًا، ولكن هذه الدكتوراه دعته ليلًا إلى عيادة مريضة ظنها سيدة فإذا هي بقرة … ودعي أخيرًا إلى توديع ولده، فإذا هو أمام العجل الذي عاد أمه … إني أتمنى أن يوفق الأستاذ لطفي إلى مثلها.