النقد الرابع والأربعون
١ / ٧ / ١٩٥٣
نحو عالم أفضل: بحث عالجه الكثيرون من المفكرين
والأدباء، ولما آل القول فيه إلى الأستاذ فؤاد صروف فتح فيه فتحًا جديدًا، فهيمن عليه
العلم، كان بحثًا خياليًّا فصار فكرة يمكن تحقيقها، جمع الأستاذ صروف في هذا الحديث
جمال الأدب إلى قوة المعرفة، وعمق التفكير، وصدق المحاكمة، ودقة البحث، فهذا الأديب
الأصيل طغى العلم على أدبه مذ خلف عمه يعقوب في رئاسة تحرير المقتطف التي كانت منذ ولدت
في بيروت وشيخت في مصر، مدرسة تبذر العلم والمعرفة في حقل الفكر العربي، فمن استمع إلى
هذا الحديث يلم بتاريخ الفكر واليد البشريين، وما اكتشفا من أسرار الكون، فليت مجلة هذه
المحطة تتحف قراءها بهذا الحديث ليفيد منه من لم يسمعه، بل ليتها تعيد الأستاذ صروف إلى
جوه العلمي، فيمطر الآذان من وابل هذه الفوائد الجليلة التي تنير العقول.
حديث الشهر: لست أدري لماذا آثر الأستاذ ميشال أسمر
تلك المقدمة المسجوعة لحديثه هذا، فهو لا عهد له بمثل هذا الأسلوب، ربما كان ضجيج
المعركة الانتخابية الذي يسمعه اليوم في بيروت قد جرَّه عفوًا إلى هذا الإيقاع الكلامي،
والعبارات الرنانة المطابقة لمقتضى الحال، وقديمًا قالوا: لكل مقام مقال، وخصوصًا إذا
كان الكاتب من خائضي غمار المجال كالأستاذ أسمر المرشح للنيابة.
أزمة الأدب: تحدث الدكتور عبد القادر القط عن أزمة
الأدب، فأحسن وصفها، ووضع أصبعه على الوجع حيث الدمل الخفي، أما نحن فنطلب من أمثال
الدكتور القط أن ينشئوا لا أن يصفوا، إننا نرجو من الشباب أن يعملوا بدلًا من أن ينعوا
على الغير أعمالهم، أليسوا هم أدباء؟ إني أرى أدباء الشباب يكثرون من التعليق على هوامش
الأدب، فإذا شاءوا أن يكون لنا الأدب الذي يشتهون ويصفون، فما عليهم إلا أن يضعوا لنا
النماذج. هين علينا أن نضع التصميمات، ونطلب من البنائين أن يشيدوا قصور ألف ليلة
وليلة، ولكن التفكير شيء والعمل شيء آخر، لقد ألهتهم هذه المباحث عن كل أثر يبحثونه،
فليتهم يعدون عنها، فقد بشمنا وأتخمنا، إننا إلى رائعة صغرى أحوج منا إلى هذه المقالات،
فالتجديد لا يدرك بالتمني بل بالمحاولة.
ذكرى خليل المطران: وفَى الأستاذ عادل الغضبان
شاعرنا العظيم خليل مطران حقه، حلل نفسيته وشاعريته التي تفاعلت ففعلت وانفعلت، ثم ألم
بجميع نواحيه الأخر بكلام قل ودل، إننا نوافقه على أن شعر خليل مطران هو شعر الحياة
والحقيقة والخيال، ولكن بتحفظ؛ فشاعرنا مطران كالمتنبي له نظم يزحف على حصباء الوادي،
وله شعر يدوم حتى يقع على أسمى الذرى، إنه في شعره كالغمام، فهو تارة: «دان مسف فويق
الأرض هيدبه»، وطورًا يتعالى فوق الفوق، وهذا لا يحول دون كونه واضع دستور الشعر العصري
كما قال الشاعر الغضبان، وقصارى القول: إن بحث الأستاذ عادل كان دقيقًا وعميقًا.
الكتب الحديثة: كان ركن الأدب تعريفًا بالكتب
الجديدة، ونقدًا وجيزًا لها، تكلم المتحدث عن مسرحية «ولادة» لحسين سراج، وقدم آراء
وجيهة، مبينًا فيها لماذا لا تنجح المسرحية الشعرية، وتكلم عن كتاب الجاحظ لحنا فاخوري،
وكتابي عبد العزيز سيد الأهل، وكتب عيد الفصح للدكتور فريحة، وتموزيات فؤاد سليمان، لقد
فاتني اسم المتحدث في البداية، ثم لم يذكر في النهاية، وإذا صدق الظن فالصوت صوت
الأستاذ سميح الشريف الأديب المتكتم.
الجلسات: جلسة «أثر البيئة في الشعر» وهي عراقية
المنشأ، للدكتور سليم النعيمي وشركاه، يخيل إليَّ أني سمعتها مرة، أما الجلسة الأدبية
الثانية التي عقدها ممثلو «أهل القلم» في لبنان فحدثتنا بغموض عن رسالة أهل القلم،
وعدنا الأستاذ صلاح الأسير والسيدة أملي فارس إبراهيم بحدث عظيم، وإنا لمنتظرون، لقد
تحدثوا كثيرًا عن المادة، ومن ينتظر المادة لينتج كان كمن ينتظر أدسم المآكل ليمسي
جبارًا، إن الجبار يخلقه الخبز الحاف يا صلاح، والكناري لا ينتظر حب القنبز ليغني
أنشودته العظمى.
روضة الشعر: سمعت أزجال القوال عبد الله أبو جودة،
ولا عجب، فالزجل شعر، وما كان شعراء الجاهلية إلا كهؤلاء، أرى أن يتجنب أبو جودة
العبارات الفصيحة مثل: الماء النمير وغيرها، فهذي لا تلائم الزجل، وأن يبقي للكلام
العامي لون تركيبه الخاص، فهو يفقد روعته متى حول عنها. فقال أبو جودة مثلًا: مثل دبس
بعلبكي، مقصر جدًّا عن قول رشيد نخلة: والشعر دبس بعلبكي، جميل قوله: وذقنها في مية
العاج اغتسل، ولكن تذكير الذقن، وخصوصًا متى كانت ذقن واحدة مثل قرقورته سلوى لا يستحسن
أبدًا.
قصة الأسبوع: وعنوانها: «المقامر» لسامي الشقيفي
قصة جيدة، ولكنها لا توحي إليَّ شيئًا؛ لأني مقصر في ميدان الحضارة، أما بطل القصة بشير
فلا عجب إذا اختلس مال الصندوق، فالمقامر يسرق الجامع والكنيسة والدير.
مآخذ: قال أحد المتحدثين: لم يكادوا يفعلوا،
والصواب يفعلون. وقال: أن يعيشوا بعضهم مع بعض، والصواب: أن يعيش بعضهم مع بعض.