النقد السادس والأربعون
كان الحديث عن حافظ إبراهيم للدكتور شوقي ضيف، فإذا هو للدكتور سامي الدهان، الذي وفى حافظًا حقه، وبحق أيضًا أسف لجهله الأدب الأجنبي الذي لو عرفه لكان لشعره شأن غير الذي نعرفه. أما تبريز حافظ في الرثاء فأحسبه مستوحى مما رافق هذا الشاعر من تعاسة وحرمان، وما أصدق قول شوقي فيه حين رثاه:
وتكلم الأستاذ حسيب عبد الساتر عن الدكتور جورجي زيدان ذاكرًا إنتاجه الوافر مستطردًا إلى النعي على المعاصرين قلة الإنتاج في عصر الذرة، فليتني أدري لماذا يكثر أصحابنا الشباب من تناول هذا الموضوع، فأين هم يا ترى من العمل؟!
لم يحرم الأستاذ عبد الساتر جورجي زيدان من نقدات عابرة، وهذا حسن جدًّا لأن النقد واجب، وليس في الدنيا رجل منزه عن النقد، أما تقسيم تاريخ الأدب العربي فهذا تراث زيداني، وهو لم يكن قبل أن وضع زيدان كتابه الذي جاء أشبه بمعجم عام للكتاب والشعراء وغيرهم، وإذا فات زيدان التعمق في كتابه «تاريخ الآداب العربية» فهو لم يفته ذلك في درس مشاهير القرن التاسع عشر.
وكانت الكلمة للأستاذ فؤاد صروف عن الدكتور يعقوب صروف، فلم يَعْدُ الحق حين قال: إن يعقوب صروف من نهضتنا كحنين بن إسحاق من النهضة العباسية.
وتحدث الدكتور نقولا زيادة عن أزمة الحضارة الحديثة في ركن حصاد الفكر العالمي، فكان حصادًا ماهرًا إذ جمع مواد بحثه الرصين من مصادر كثيرة.
وفي بريدنا الأدبي درس الأستاذ واصف الصليبي، الشاعر المعروف بالشاب الظريف، فاعتمد في بحثه على عبارات غير مفصلة على القد، كقوله فيه: عندليب يصدح وحمام يهدل، وقد أكثر من قوله: أرأيت أبدع! أرأيت أروع! إنها عبارات تفيد كثيرًا ولا تفيد شيئًا … فليت الذين يتعرضون لمثل هذه الدراسات يغوصون في أعماقها فلا درر في الشط، ليس على وجه المياه إلا الزبد الذي يذهب جفاء …
وكان الأستاذ إميل خوري شخصية أسبوع طريفة مفيدة، فعرفنا بواجبات الدبلوماسي من سفير أو وزير أو قائم بأعمال، ولم يكتمنا أن أصعب عمل دبلوماسي هو ذلك العمل الذي يقوم به ممثل دولة صغرى، كان الأستاذ أبو سعد في استجواباته محرجًا، ولكن من يحرج سياسيًّا كبيرًا ودبلوماسيًّا عظيمًا كالأستاذ إميل خوري الذي عرفته يوم كنا شابين، فكانت هذه الخصلة أبرز خصاله الكريمة.
أما ندوة الشرق الأدنى، فأبرزها تلك التي عقدها الأستاذ بيبي في البصرة، مسقط رأس الجاحظ العظيم، وإن ذكر حسن البصري ولم يذكر شيخنا أبا عثمان، كانت تلك الجلسة شعرية، وكان شعرها مقبولًا، وإن لم يعجبني قول الأستاذ عبد اللطيف الدالبشي:
أظن أن منبت هذا الأقحوان الذي يعنيه الشاعر هو تحت الشفتين لا فوقهما، أما قصيدة «القيثار الصامت» للسيدة فطينة النائب فكانت حسنة، وزادتها حسنًا تلك الغنة التي في صوت منشدتها فأغنت عن صمت قيثارتها …
وكذلك كانت روضة الشاعر عاطف كرم ذات جمال وأريج، ولكني أطلب من شعرائنا المحدثين أن يخرجوا من حلقة موضوعاتهم هذه.
أما حديث الشهر للأستاذ أسمر فلم يكن كعنوانه، ولعل المعركة الانتخابية ألهته بعض الشيء أو قُل أوحت إليه أن يحدثنا عن القيم، بعد ما رأى وما سمع من خداع الناخبين.