النقد التاسع والأربعون
لقد قرأت تقريره الأخير حول هذا الموضوع الهام والشائك في وقت واحد، وها أنا أسمع اليوم ما تحدث به إلى الأستاذ أحمد أبو سعد الذي عالج معه موضوع الساعة الذي يهمنا ويشغل بال ناشئينا.
دار الحديث حول المعلم، ورفع مستواه، فنرجو أن يحقق الأستاذ صدقة شيئًا للمعلم الذي يحق له أن يخاطب الدولة بقول بشار ليعقوب وزير المهدي:
إن المعلم إذا لم يكن مخلصًا يصبح أداة هدامة، وقد عرف من سبقونا ذلك فقال الشاعر:
فغمزة عين، وابتسامة خفية من معلم قد تهدم ما نحاول بناءه، فهو الذي يكون المواطن الصالح، وهو الذي يحوِّل أبناءنا في المجرى الذي يشاء.
لقد ألقى الأستاذ صدقة مسئولية الرسوب في الامتحانات الأخيرة على المعلم والمدرسة، ونسي التلميذ، التلميذ الذي يُعنى بالسياسة ومجرياتها أكثر من عنايته بدروسه، وسلاحه الرهيب الإضراب الذي سرت روحه في جسمنا الاجتماعي حتى كاد يهلكنا.
وبعد، فإننا نرجو كل الخير على يد الأستاذ صدقة؛ لأنه أديب وعالم وخبير، وما بقي إلا أن يكون مطلق اليد.
وأقرأ وأسمع أحيانًا أن الأدب في محنة، أما محنة الأدب الكبرى فهي في هذه المباحث، وهذه الآراء التي لا تغني فتيلًا. التعليم اليوم بالمثل، فليضع هؤلاء لنا النماذج، ولينقلوا الخطو على ما يرسمون، يريد الدكتور شوقي ضيف أن تكون لأدبنا خطة واحدة وهدف واحد، وهذه بلية مُني بها الأدب العربي أحقابًا، وبين جدرانها السوداء دفنت شخصيات عديدة، وصارت أغراض أدبنا محدودة، ولولا تمرد بعضهم لما استطبنا شيئًا من أدبنا المكرور المملول.
وتحدث الأستاذ راجي الراعي عن الإرادة، فكان في حديثه هذا عالمًا نفسيًّا بعد ما عهدناه شاعرًا وكاتبًا متخيلًا، ولا عجب إن جال في موضوعه هذا جولة موفقة، فهو قاضٍ كبير تمر أمامه نماذج شتى كالتي عرضها بأسلوب أدبي رفيع لا يفارق الراعي حتى في مواقفه كنائب عام، الإرادة في نظر الأستاذ كالذكاء والشجاعة، بل هي المرء كله. وكم كنت أتمنى أن يرشد الناس إلى توجيه الإرادة لتصير قوة خير، فتقل متاعب الأستاذ النائب العام، وتخفف ويلات البشر التي تسببها الإرادة غير الحسنة.
ودار الحديث بين الأستاذ سليم اللوزي، والدكتور هاشم الحسيني النائب الجديد، ومما قاله اللوزي والحسيني أن الأطباء كانوا غائبين عن المجلس النيابي، مع أن مجلسنا الموقر كان يضم دائمًا نفرًا من كبار أطبائنا، وانجر الحديث إلى الضحك، فقال الدكتور الحسيني: إن الكثير من الضحك مضر، أما المفيد فهو الابتسام، وفعلًا عمل الدكتور الحسيني برأيه الطبي حين أسمعه اللوزي نكتة عن ذاك الطبيب الذي قيل له: ما رأيناك تمشي خلف جنازة يا دكتور، فأجاب: أنا لا أفتخر بأعمالي.
النكتة مضحكة، قهقه لها اللوزي وحده، أما الدكتور فما سمعنا صوته، ولا أدري إذا كان ابتسم، كما يشير طبيًّا.
وعندما بدأ الأستاذ سلامة موسى حديثه «بيني وبينك» بقوله: مارست الزواج ثلاثين سنة، خلت أنه يتحدث عن مهنة ما، ولما أسبغ حلل نصائحه وإرشاداته للمرأة، خطيبة وزوجة، عرفت أنه خبير عليم. ومن تلك النصائح حثه لها على عدم السمنة، ولو سمع كلامه ابن أبي ربيعة لاعتبره متحديًا له، وقد حمل الأستاذ على الثوم حملة شعواء، وطلب أن تحظر الحكومات زراعته وبيعه، فهل يريد الأستاذ أن يكون «حاكمًا بأمره»؟ أما ما علاقة الطلاق بالثوم فلست أدريها؛ لأنني مارست الزواج بضع سنوات لا أكثر، أما منذ ربع قرن فنازلًا، فأنا من الهواة ليس غير.
وقيل: ليسوا هم المسئولون وهي المسئولين (خبر ليس).
ولا يقال: وما كان منها حتى نهضت، بل إلا أنها نهضت.
وقيل: حيث أن، وهمزة إن تكسر بعد حيث.
وقيل: بين ظهرانيِّهم، وهي ظهرانَيْهِم.
وقيل: إنهم اضطَروا، وهي اضطُروا، بالمجهول.