النقد الخمسون
٢٢ / ٩ / ١٩٥٣
جلسات الندوة: كان للجلسة البيروتية التي عقدتها
الآنسة زاهية دوغان أثر عميق في نفسي، ذكرتني بعهد عشته، ولا يمحوه من مخيلتي كر
السنين، قال المتحدثون عن نشأة الكتاتيب: إن الرسول محمدًا والسيد المسيح كانا معلمين،
ونسيا أن يقولا: إنهما تلميذَا المعلم الأعظم الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لا
يعلم. الجلسة على عتق موضوعها طريفة، وأطرف ما فيها أن الأستاذ بيبي علَّم العميان حصة
من الزمن … ذكر أعضاء الندوة الفلق، وقضيب المعلم مندِّدين، ورأوا في المدرسة الحديثة
جنة لذة للطالبين، أما أنا فأرى أن العلم ضعف جدًّا حين أصبح اختياريًّا، وأرى القسوة
ضرورية جدًّا لفريق من الطلاب، فعندما ألغيت العقوبة الجسدية حتى فركة الأذن، ركب
التلاميذ رءوسهم، وأصبحت المدارس مأوى.
عزا أعضاء الندوة كره الطلاب للمدرسة القديمة، وتغيبهم عنها إلى قسوة معلمهم، وفاتهم
أن طلاب اليوم يغيبون ساعة يريدون ولا يعاقبون؛ لأن أولياء أمرهم لا يبخلون عليهم
بالمعذرة الكاذبة.
أجل، كانت المدرسة قاسية جدًّا، ولكنها علَّمت، وأما مدرسة اليوم فلا تعلِّم إلا من
يريد أن يتعلم.
وفي مصر كانت الجلسة التي ترأسها الدكتور محمد صلاح الدين أدبية، موضوعها الغزل في
العصر الأموي، فدلَّ أعضاؤها السامعين على جمال ذلك الشعر العفوي الذي ينظر إليه الجيل
الطالع بعين تغمز، وشفاه تقلب وتمط. حاول الدكتور الذي كانوا يخاطبونه بالرئيس أن يرد
على منكري وجود مجنون ليلى، فانقاد له ولرفاقه البرهان، وأحلوا مجنون العامرية المقام
الذي يستحقه شعره الخالد.
شخصية الأسبوع: قدم لنا الأستاذ بيبي شخصية طريفة،
ولعله انتقاها كما كان ينتقي الجاحظ شخصياته، لعل بيبي أراد أن يعمل بقول مار بولس عن
سيده يسوع المسيح: إنه اختار ضعفاء العالم تلاميذ له ليخزي الأقوياء، بل ربما كان قصد
بيبي في مرة مضت، وهذه المرة أيضًا أن يقول لنا: في الدنيا شخصيات من لحم ودم لا من حبر
وورق، فلنعرضهم على الجمهور. هذا جميل، ولكنني أحسست حين أصغيت إلى السيد منصور بن خليل
الذي انتقاه أنه كان معه في عناء شديد، يريه السها فيريه القمر.
ذكرى الريحاني: كان الأستاذ عزت بشور موفقًا في هذا
الحديث الذي يستحقه الريحاني المجاهد، ولا أزيد على ما قلت؛ لأن عزت ذكرني في حديثه،
ونوه بي، فللمستمع رأيه.
نحو عالم أفضل: الأستاذ سلامة موسى نسيج وَحْدِه في
الآراء والأسلوب وحرية الفكر، وقد أحسن إلى الجمهور حين عرفهم بمكيافللي السياسي
الشهير، كما أحسن بإفهامه الناس أن السياسة ليست دهاء ومكرًا، بل هي علم وخدمة.
وأخيرًا استطرد الأستاذ إلى القنبلة الذرية التي يخالف الناس حتى في اسمها، فترجى
منها خيرًا يؤدي إلى تأليف حكومة عالمية موحدة، حقق الله آمال الأستاذ.
وتحدثت الأستاذة زاهية أيوب عن الوصولية الهدامة بأسلوب بياني جميل؛ فكانت حملتها
على
الوصوليين هدَّامة كعنوان مقالها، ولكن هؤلاء كما يقول المثل: يا بحر ما يهزك
ريح.
روضة الشعر: أسمعنا الشاعر الطائر الصيت محمد
الصافي النجفي قصائد غراء، ولسنا نقول في وصف الشاعر وشعره، إلا ما قاله هو في القصيدة
الأولى:
أعيش وليس لي بيت، وشعري
يعيش وبيته سامي العماد
وليس هذا بكثير على شاعرنا المحبوب.
أما قصيدة السيدة فطينة النائب، فقوامها عاطفة مشبوبة تلهيك عن تعقب هناتها، وحسبك
منها هذا البيت لتوافقني إن شئت، قالت الشاعرة:
أيا روحي، أما يكفيك
لا تُستعبدي، ثوري
الأقاصيص: كانت قصة الأستاذ محمد شكري عبد الكامل
قديمة العهد، فعشنا ربع ساعة في زمن الرشيد الذي اشتهر بالحب والترف، أعمت بهيرة نفسها
لتنقذ حبيبها من الموت، والمحبة — كما قيل — أقوى من الموت.
وأما قصة الحاج لطفي، ففيها مبالغة كالقصة السابقة، أراد الأستاذ قاسم الخطاط أن يسمي
الإحسان ضمانًا اجتماعيًّا، والضمان الاجتماعي حق لا صدقة.
مآخذ: ما أكثر من يحسنون التعبير، ويسيئون القراءة،
سمعت حديثًا لا يفارق كاتبه عمود النثر، ولكنه لا يحسن قراءة ما كتب.
قيل: يواجه مشكلات كثيرةٌ، وهي كثيرةً بالنصب.
وقيل: أنْ يثير فينا — نحن المسلمون — عواطف، وهي المسلمين بالنصب على
الاختصاص.
وقيل: خمسة عشر سنة، وهي خمس عشرة سنة.
وقيل: مسجى للمريض، والتسجية لميت.
وقيل: أكثر منه جسدي، وهي جسديًّا.
وقيل: استرجلت للمرأة — وهي ترجلت