النقد الحادي والخمسون
إن الأمير موريس لا يظهر على الشاشة إلَّا مكرهًا، ولا ينطق إلا حين يحمل على الكلام حملًا، تواضعًا منه، وزهدًا بالشهرة، ولكن ما حيلته وهو دون سواه «تاريخنا يمشي على الأرض»، فالذين يعرفون من تاريخ إمارة لبنان ما يعرفه الأمير موريس قلما تجدهم اليوم، وإن وجدنا منهم واحدًا ففيه يصح قول أبي نواس في النظَّام: عرفت شيئًا، وغابت عنك أشياء …
ويجدر بنا الانتقال إلى الصحافي التائه الأستاذ الرياشي أطال الله بقاه، فبينه وبين السكاكيني أقرب النسب، من حيث الظرف، وخفة الروح والطرافة وحرية الفكر، كان الأستاذ الرياشي أعنف شخصية أسبوع عرفناها، تكلم بحرية واسعة عميقة الجذور، وخالف آراء زملائه الصحفيين مخالفة صارخة، قال: إنه لم يحترف الصحافة لأنها رسالة، بل لأنها مهنة كالمهن الأخرى، وسئل عن فلسفته في الحياة فأجاب: إنها فلسفة راحة وشبع … فالحياة في نظر الأستاذ لذة وراحة كما قال عمر الخيام.
وأجاب عن رأيه بصحفنا بقوله: إنها نسخة واحدة، فمن يقرأ إحداها فكأنه طالعها كلها، ثم رماها بالانتهاز وتبديل الآراء كما تبدل الثياب. وأخيرًا طلب منه مقدمه نصيحة يسديها إلى الشباب الذي يصبو إلى الصحافة، فقال: عليه أن يتقن الاحتيال والنصب (كذا)، ذكرني هذا بالحطيئة حين سألوه: ماذا توصي للأيتام؟ فأجاب: كلوا أموالهم، ولعل الرياشي حطيئة من طراز آخر … وأخيرًا شكر محطة الشرق الأدنى؛ لأنها مكنته من التكلم بصراحة. إن جل صراحة الأستاذ مقبولة إلا نصيحته للشباب، فقد كنا نرجو منه نصيحة أمثل، فليست الصحافة كذبًا ونصبًا وإن كان بين محترفيها أناس غير كاملين.
وأما شخصية الأسبوع، فكان الدكتور أحمد زكي مدير جامعة القاهرة، قرظه مقدمه الأستاذ سامي محمد تقريظًا ما سمعت بعد أسهب منه ولا أجمع، فكأن عبارات الثناء قد جمعت على طبق أمام الأستاذ سامي، فاختار منها ما استطاب، وانتقى ما استحلى، كانت الأسئلة شتى كما كانت الأجوبة سديدة، ولعل أبرز آراء حضرة المدير الجليل هو هذا التعبير: «الأدب يرفه والعلم يشبع»، وما أخال حضرته إلا مستلهمًا تعريف القدماء، وقولهم في الأدب: إنه أُلهية، أما نحن فننتظر ممن يوجه النشء أن يرى الأدب مهذبًا للشعوب، ومرقيًا لها لا ألهية يرفه بها عنهم ليس غير.
وتحدث الأستاذ أحمد سويد عن الأدب الخالد وكيف يكون، فوضع له مخططًا كبيرًا، كان أسلوبه وتعبيره من الطراز الأمثل وهو لو حاول أن يكتب بهما قطعة أدبية أسمعها الناس لكان معلمًا بالمثل. إن قطعة أدبية بل صفحة تبقى أفضل جدًّا من بحث موضوع كثر اللغط فيه، فالأدب الصافي يمكن أن يكون في كل موضوع، ولا فرق بين الخيال والواقع والانضواء.
وكان حديث السيدة إدفيك جريديني شيبوب من البيان المنمق، فكسا موضوعها المبتذل — حقوق المرأة — جمالًا وبهاء، وكحديث السيدة شيبوب، كانت مقدمة الأستاذة الآنسة إنعام الصغير، طيبة منمقة، تحدثت عن المرأة العربية في الأندية الأدبية، وأقامت شعر المرأة الجاهلية دليلًا على علمها وثقافتها، أما أنا فأظن أن شعرهن ذاك لا يعلو مقامًا ثقافيًّا على الزجل، فقد كن يقلنه عفو الطبع كما يقال الزجل اليوم، فهو لا يحتاج إلى علم، ولا هو دليل على الثقافة في جاهليات الشعوب جميعًا.
وحاول الأستاذ أحمد فؤاد شنيب في «روضة الشعر» أن يسمعنا شعرًا قصصيًّا، وأدب واقع ونضال كما يريد بعضنا أن يكون الأدب اليوم، فأسمعنا شعرًا رصينًا، بيد أن هذا الشعر لو وضع في ميزان الشعر الحديث لما زاد على أنه نثر موزون مقفى، فلا صورة فيه ولا وثبة.
أما قصيدة «أشواق» للآنسة الشاعرة مقبولة الحلي فلم أستطع إدراك أو استجلاء سر «الكسر» في قوافيها، وكذبت أذني فسمعتها ثاني مرة، ولسوء الحظ لم أبلغ ما أروم من التثبت.
وكانت قصة الأسبوع للأستاذ عدلي سامي نور، وعنوانها: «قليل البخت» جيدة القص لا تخلو من عبارات طريفة، وهذه العبارات من الأقصوصة كباقة الزهر من المأدبة، أما ذاك الحوار باللغة العامية فيشين القصص ولا يزينه، إننا لا نحتاج في حوارنا إلى لغة العوام ما زال عندنا في العامي الفصيح ما يسد مسدها، فلنعد عن ذلك.
وقيل: وفق بكسر الواو، وهي وفق بفتح الواو.
وقيل: كانت هي الوسيلة بضم الوسيلة وهي مفتوحة؛ لأنها خبر كانت.
وقيل: الغِيرة وهي الغَيرة بفتح الغين.
وقيل: نَد وهي نِد، أي المثل والنظير.